إضاءات حول جزء في تخريج حديث (( إن الله محسن .. )) و ما في بابه
الكاتب هو أبو محمد إبراهيم بن شريف الميلي وموضوع الكتاب هو الحكم في التسمى بعبد المحسن وقد ابتدأ بذكر كون اسماء الله توقيفيفة حيث قال :
" أما بعد :
فهذا تحقيق لطيف عما جرى ذكره في مسألة : (( التسمي بعد المحسن ))، و التعبيدلله بذلك ، فأقول - معتمدا على الله ربي ، فهو حسبي و نعم الوكيل - :
من المقرر في معتقد أهل السنة : أن أسماء الله توقيفية ، بمعنى : أنه لا يجوز تسمية الله تعالى باسم ، إلا بتوقيف من الشارع الحكيم ، فما لم يرد من اسم له تعالى في كتابه ، أو فيما صح عن نبيه في سنته ، فلا يجوز تسميته تعالى به ، لكن إن كان من الأسماء الحسنة ، فباب الخبر أوسع ، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية و العلامة ابن القيم في مصنفاتهما.
و عليه : فليعلم أنه لم يأت ذكر المحسن في أسماء الله - سبحانه وتعالى - في كتابه ، و لا ثبت في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ؛ و كل ما ورد في الباب فهو ضعيف ، لا يحتج به على نظر أهل الحديث - رحمهم الله تعالى - ، "
وبناء على الكلام السابق فالكاتب حكم بحرمة التسمى بعبد المحسن لأنه لم يرد في الوحى
وقد تناول الكاتب الروايات الثلاث التى ذكر فيها الاسم كاسم من أسماء الله بالكلام حيث بين أنها كلها معلولة متكلم فيها حيث قال :
"وإليك بيان ذلك على جهة التفصيل :
مجموع ما تجمع عندي من الأحاديث التي يعتمد عليها أو يستأنس بها في الاعتبار من يجيز التعبد لله باسم (( المحسن )) ثلاثة أحاديث :
الحديث الأول : حديث شداد بن أوس عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( إن الله محسن يحب الإحسان إلى كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ..)) الحديث .
أخرجه عبدالرزاق في (( المصنف )) ( رقم : 8603) - و من طريقه : الطبراني في (( الكبير )) ( رقم : 7121) - : عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد به ، و اللفظ لفظ المصنف .
و هذا الحديث ، و إن كان سنده : رجاله كلهم ثقات ، إلا أن لفظة (( محسن )) شاذة ؛ بل منكرة .
فقد أخرج الحديث : مسلم في (( صحيحه )) ( رقم : 1955) وأبو داود ( رقم : 2815) و الترمذي ( رقم : 1409) و النسائي (رقم:4405 و 4412 و 4414) و ابن ماجه (رقم : 3170) و أحمد (رقم : 16664و 16679 و 16689 ) و الطيالسي ( ص38/ رقم : 1119) و أبوالقاسم البغوي في (( الجعديات )) ( 1/ رقم : 1301) - و من طريقه : البغوي في (( شرح السنة )) ( 11/ رقم : 2783) - و الدارمي (رقم : 1970) و ابن حبان ( رقم : 5853و 5854) و الطبراني ( رقم : 7115و 7116و 7117و 7118و 7119 و 7120 ) و الطحاوي في (( شرح المعاني )) (3/ 184) و أبوعوانة ( 5/ 189- 192) و البيهقي ( 9/60 و 68و280) و في (( الشعب)) (رقم:11071) جميعهم من طرق عن خالد الحذاء عن أبي قلابة به بلفظ : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم ..)) الحديث .
رواه عن خالد جمع ، وهم : (( إسماعيل بن علية ، و هشيم بن بشير ، و عبدالوهاب الثقفي ، و شعبة ، و سفيان الثوري ، و منصوربن المعتمر ، و وهيب بن خالد ، و الأعمش ، و خالد بن عبدالله ، و يزيد بن زريع )).
و تابعه على هذا اللفظ : عاصم الأحول :
أخرجه الطبراني في (( الكبير )) (رقم : 7123) من طريق شبابة بن سوار ، عن شعبة ، عن عاصم عن أبي قلابة به بلفظ خالد .
و سنده صحيح .
و هذا اللفظ : يبين أن جملة (( إن الله محسن )) غير محفوظة ، و أن معمر أخطأ فيها .
فإن قيل : ما الدليل على تخطئة معمر ؟
قلنا : أمور- بعضها أدل على المقصود من بعض - ، و هي :
أولا : أن من فوقه ، و هو : أيوب السختياني ، ثبت في كل مشايخه ، فلا يمكن إعلال الرواية بمخالفته خالدا الحذاء ؛ و عليه : فتتوجه العلة لمن دونه ، وهو : معمر.
ثانيا : أن معمرا تقع له أوهام في روايته عن العراقيين ، بل قد ضعف روايته عنهم ابن معين ، فقال - في رواية ابن أبي خيثمة - : (( إذا حدثك معمر عن العراقيين فخفه إلا عن الزهري و ابن طاوس ، فإن حديثه عنهما مستقيم ، فأما أهل الكوفة و البصرة فلا ، و ما عمل في حديث الأعمش شيئا )) .
و أورده ابن رجب في (( من حدث عن أهل مصر أو إقليم فحفظ حديثهم ، و حدث عن غيرهم فلم يحفظ )) من كتابه الجليل (( شرح علل الترمذي )) (2/774) ، و قال : (( و منهم معمر بن راشد - أيضا- : كان يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة )) .
ثالثا: أنه قد رواها على الصواب أيضا ، كرواية خالد ؛ فيما أخرجه النسائي في (( سننه )) ( رقم : 4413) ، حيث قال : أخبرنا محمد بن رافع ، حدثنا عبدالرزاق ، عن معمر عن أيوب به بلفظ : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) .
بل رواه جمع عن أيوب بلفظ خالد و عاصم .
فقد أخرجه أبوعوانة (5/190-191 ) من طريق يونس عن ابن عيينة ؛ و أيضا (5/ 191) من طريق سليمان عن حماد ؛ و أيضا (5/191 ) من طريق عبدالرحيم بن سليمان عن أشعث بن سوار ؛ و الطبراني ( رقم : 7122) من طريق سهل بن بكار عن وهيب ( الأصل : وهب ) ، كلهم عن أيوب عن أبي قتادة به .
و هذه أسانيد صحيحة مشهورة غاية ، سوى إسناد أشعث ، ففيه لين خفيف ؛ فهو : صدوق ، صالح الحديث ، على لين فيه .
و يونس هو : ابن عبدالأعلى ، و سليمان هو : ابن حرب ، يروي عن الحمادين ، و المراد هنا : ابن زيد ، فهو به ألزم ، لازمه تسع عشرة سنة .
قلت : فرواية الأربعة : حماد بن زيد و ابن عيينة و وهيب - وهم ثقات أثبات - و أشعث :تنادي بشذوذ ، بل نكارة : لفظ رواية الدبري عن عبدالرزاق عن معمر .
فإن قيل : لم لا تكون من قبيل : زيادة الثقة ؟!
قلنا : الجواب على هذا من أوجه :
أولا : أن مسألة زيادة الثقة : ليس الضابط فيها ثقة الزائد ، أو حفظه أو كثرته ، و إنما هي تدور مع القرينة المرجحة لإحدى جهتي الخلاف ، فليس الوصل مقبولا مطلقا ، و لا كذلك الرفع ؛ بل الأمر في ذلك يدور مع القرائن ، و هذا ما جرى عليه متقدمو الحفاظ و أئمة الحديث ، و لا يخلو الأمر البتة عن قرينة دالة على الصواب .
ثانيا : أن مسألتنا هذه ليست من قبيل زيادة الثقة ، بل من قبيل المخالفة : التي إذا قبلنا فيها قول معمر رددنا فيها قول خالد الحذاء ، و هذا بين .
فلو أن معمرا ذكر ما ذكرته رواية الجماعة ، و زاد عليها لكان الأمر متوجها ؛ لكنه أبدل جملة (( إن الله كتب الإحسان (( بجملة )) إن الله محسن يحب الإحسان إلى كل شيء ..)) .
ثم لو سلمنا على سبيل التنزل : أنها من باب زيادات الثقات ، لكان هذا منتفيا في رواية معمر ، فهي مخالفة لنفسها في رواية معمر نفسه الموافقة لرواية الجماعة ، و هو الآتي .
ثالثا : أن رواية معمر المتقدمة :خالفت روايات ثلاث طبقات : خالفت رواية معمر من رواية عبدالرزاق نفسه عند النسائي ، و خالفت الجماعة عن أيوب ، و خالفت : أصحاب أبي قتادة - خالد الحذاء و عاصم الأحول و أيوب -.
و هاهنا تنبيهات :
التنبيه الأول : جاءت رواية خالد الحذاء من طريق عبدالوهاب الثقفي عنه عند البيهقي (9/280) هكذا ( إن الله محسان (1) ! كتب الإحسان على كل شيء ..)) أخرجها من طريق أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنبا عبدالوهاب بن عبدالمجيد الثقفي به .
قلت : و هذه اللفظة غير محفوظة أيضا ، فقد روى طريق عبدالوهاب : مسلم في (( صحيحه )) ( رقم : 1955 / ص: 1549) عن إسحاق بن راهويه عن عبدالوهاب به ، و هو نفس الطريق ، و قال مسلم في آخره : بمعنى حديثه ، أي : ابن علية عن خالد .
فلو كانت فيه هذه الزيادة لبينها ، كما هو منهجه في زيادات الألفاظ ، و لتقرير هذا موضع آخر .
و قد رواها ابن ماجه ( رقم :3170 ) عن محمدبن المثنى ؛ و الطحاوي في (( شرح المعاني )) ( 3/184) فقال : ثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، ثنا محمد بن إدريس الشافعي ،كلاهما :أنا عبدالوهاب فذكره بلفظ ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ..)). فهذا يبين أن ما في رواية البيهقي خطأ ، لكن لا أدري ممن هو ؟ ، و يحتمل أنه من ابن سلمة ، اشتبه عليه لفظ معمر بلفظ غيره .
التنبيه الثاني : قد وقع اختلاف في سند الحديث من رواية منصور عن خالد .
فقد رواه عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن منصور عن خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن أبي الأشعث عن شداد : أخرجه النسائي ( رقم : 4412 ) و أبوعوانة ( 5/191) و البيهقي في (( الشعب )) ( رقم :11052) .
قال أبوعوانة : (( و هذا خطأ )) .
و قال البيهقي ( كذا قال إسرائيل ، و خالفه جرير (1) ) . و قال ابن كثير في (( جامع المسانيد )) ( 4/204) : (( و قع في بعض روايات النسائي زيادة أبي أسماء الرحبي بين أبي الأشعث و شداد ، و أظن ذلك وهما من بعض الرواة و الله أعلم )) .
قلت : و تابع جرير على الصواب : زائدة عند النسائي في (( التفسير )) من (( الكبرى )) - كما في (( التحفة )) ( 4/ 141) - و أبي عوانة (5/189) .
التنبيه الثالث : روى أبوحفص الأبار الحديث عن الأعمش عن خالد عن أبي قلابة عن أبي الأشعث أو أبي أسماء عن شداد : أخرجه أبوعوانة (5/ 190) .
و الخطأ من الأبار و هو : عمر بن عبدالرحمن : صدوق ، ربما وهم .
و قد روى الحديث على الصواب كما أخرجه الطبراني ( رقم : 7117 ) .
التنبيه الرابع : فقد روى سعيد بن بشير الحديث عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان بلفظ آخر .
ففي العلل ( 2/43) قا ل ابن أبي حاتم : (( سألت أبي عن حديث رواه محمد بن بكار عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : )) إذا ذبحتم فأحسنوا و إذا قتلتم فوحوا فإن الله محسن يحب المحسنين (( قال أبي : هذا وهم ، إنما يروونه عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - )) اهـ .
قلت : و علة السند : سعيد بن بشير ، له عن قتادة أوهام و مناكير ، و هو في الأصل : صدوق ، و هذا من مناكيره ، و قد أخطأ فيه : سندا و متنا ، فلا اعتبار به .
و ليعلم : أن طريقة أبي حاتم وأبي زرعة و غيرهما فيما ينقدونه في علل الأحاديث : بيان العلة و الخطأ أو الصواب ، فليس في نهجهم نقل المتون بألفاظها ، و إنما يكتفون بالمعنى الذي يدل عليه الحديث أو الأثر ، و هذا معلوم بالتتبع و الاستقراء
كما أنهم يذكرون الخلاف في الأسانيد مع أن بعض الرواة يزيد في المتن ألفاظا على من خالفهم في الإسناد ، و هذا بين لمن له اشتغال بالعلل ، و الحمد لله .
و الحديث الثاني : ما رواه ابن أبي عاصم في (( الديات )) ( ص: 56) ، و ابن عدي في (( كامله )) ( 7/ 306 ) ، و أبونعيم في (( أخبار أصبهان )) ( 2/213) من طريق محمد بن بلال التمار عن عمران القطان عن قتادة عن أنس مرفوعا بلفظ ( إن الله محسن يحب الإحسان فإذا حكمتم فاعدلوا و إذا قلتم فأحسنوا )) . و هذا سند منكر ، عمران كثير المناكير و الغرائب عن قتادة ، و تفرده بالحديث دون أصحاب قتادة الثقات المشاهيرمنكر ، و محمد بن بلال قال ابن عدي (7/306) : (( هو يغرب عن عمران القطان ..و أرجو أنه لا بأس به )) .
و قال العقيلي : (( يهم في حديثه كثيرا )) .
و الصواب في أمره أنه : صدوق يخطئ ، قاله ابن حجر في (( التقريب )) ، يغرب عن عمران
و هو و القطان لا يحتملان هذا الحديث ، ففيه ما يدل على أنهما لم يحفظاه ، ففي صدره : (( لما مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبابكر أن يصلي بالناس ، و صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر في ثوب و قال ..الحديث )) .
و هذا لم يكن قطعا في الحادثة المذكورة ، كما في حديث عائشة في (( الصحيحين )) ، و لو وقع لحفظه جمع لقوة الداعي لذلك ، و هو مرضه - صلى الله عليه وسلم - و تشوق الناس لخروجه ، و تلهفهم لسماع ما يقول أكثر من ذي قبل ، فهذا حري بالانتشار ، و الله أعلم .
و الحديث الثالث : ما أخرجه ابن عدي في (( كامله )) ( 8/ 175) في (( ترجمة مجاعة بن الزبير )) قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين ، حدثنا جعفر بن محمد بن حبيب ، حدثنا عبدالله بن رشيد حدثنا مجاعة بن الزبير أبوعبيدة ، عن الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله عز و جل محسن فأحسنوا ...)) .
قلت : جعفر هو : الذارع ، لم أجد فيه شيئا ، ذكره ابن حبان في (( ثقاته )) و السمعاني في (( الأنساب )) في (( ترجمة عبدالله بن رشيد )) ، و لم يترجمه أحد بترجمة .
و شيخه عبدالله بن رشيد ، هو : الجنديسابوري ، قال فيه ابن حبان في (( الثقات )) ( 8/ 343) : (( .. روى عنه جعفر بن محمد بن حبيب الذارع و أهل الأهواز ، مستقيم الحديث )) ، و هذه العبارة من ابن حبان تدل على معرفة بحديثه و خبرة به ، و تبعه السمعاني في (( الأنساب )) ( 3/318)، لكن يشكل على هذا ما نقله الحافظ في (( اللسان )) ( 5/285) عن البيهقي أنه قال : (( لا يحتج به )) .
قلت : روى عن مجاعة نسخة طويلة ، هو و حاضر بن مطهر كما قال ابن عدي في آخر ترجمته ( 8/ 176) .
و مجاعة بن الزبير : ضعيف .
و هذا الحديث بهذا السند باطل .
هذا ما تيسر لي جمعه ، و الحمد لله أولا و آخرا "
وهذا الكلام يكون صحيحا لو أن الروايات التى وردت فيها الأسماء صحيحة ولكنها كلها للأسف معلومة وبها أسماء تتعارض مع كتاب الله
فالله ليس ظاهرا أى مرئيا أو مجسدا والله ليس رشيد أى عاقل لأنه من خلق العقول فتلك الأسماء تشبه الله بخلقه وتتعارض مع قوله سبحانه:
" ليس كمثله شىء "
وما يطلق على ذات الله ليس كله ينفع للتسمى به فلا يوجد عبد ذو الجلال والإكرام ولا يوجد عبد مالك الملك والأسماء هى الأحكام وليس ما يطلق على ذات الله