خواطر حول كتاب قلائد المرجان في تخريج حديث إذا اجتمع عيدان
الكاتب هو فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري والكتاب موضوعه رواية إذا اجتمع عيدان وقد ابتدأ الكاتب بذكر ان غرضه من الكتاب إثبات الصحيح في العبادة وهو قوله حيث قال :
"هذا جزء حديثي في بيان حال حديث : ( إذا اجتمع عيدان في يوم واحد) جمعت فيه طرق وروايات هذا الحديث ، مع الكلام على أسانيدها جرحا وتعديلا ، وبيان عللها والحكم عليها ، وذلك لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه .
وإنما أردت في هذا الجزء أن نتعبد الله سبحانه وتعالى بما شرعه في كتابه، وفيما ثبت وصح عن النبي (ص)، فلا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله إلا بما شرع ."
وأما نص الرواية فهو :
"عن أبي هريرة عن رسول الله (ص)قال : ((اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه عن الجمعة ، وإنا مجمعون إن شاء الله ))حديث منكر"
وقبل أن نسير مع الكاتب في إثبات عيوب وعلل الرواية في الإسناد نتناول عيوب النص وهو المتن وهو :
الأول اعتبار الجمعة عيد وهو ما يتعارض مع رواية "إن الله أبدلكما بهما يومان او عيدان يوم الفطر وعيد الأضحى"
الثانى أن صلاة العيد تلغى صلاة الجمعة وهو ما يعارض أن صلاة الجمعة هى الواجبة كما قال سبحانه :
"يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "
وتناول الكاتب من خرجوا الحديث حيث قال :
"أخرجه أبو داود في سننه [ج1ص647] وابن ماجه في سننه [ج1ص416] والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد [ج3ص129] وابن شاهين في حديثه [ص13] والحاكم في المستدرك [ج3ص443] والبيهقي في السنن الكبرى [ج3ص444] وابن الجوزي في العلل المتناهية [ج1ص473] وفي التحقيق [ج4ص97] وابن عبد البر في التمهيد [ج1ص271] وفي الاستذكار [ج7ص28] وابن الجارود في المنتقى [ص107] والفريابي في أحكام العيدين [ص211] وابن ماسي في الفوائد [ص98] والبزار في المسند (ج15ص386)والمراغي في الأربعين [ص83] والطحاوي في مشكل الآثار [ج3ص190] من عدة طرق عن بقية بن الوليد حدثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة به .
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه المغيرة بن مقسم الضبي وهو مدلس وقد عنعنه، ولم يصرح بالتحديث
وتابع المغيرة الضبي ، زياد بن عبد الله البكائي عن عبد العزيز به ، عند البيهقي في السنن الكبرى [ج3ص318] وابن عدي في الكامل [ج3ص105] وابن عبد البر في الاستذكار [ج7ص27] وفي التمهيد [ج10ص273] والبزار في المسند (ج15ص386).
قلت : وإسناده أيضا ضعيف فيه زياد بن عبد الله البكائي في حديثه عن غير ابن إسحاق لين كما في التقريب لابن حجر [ص346] ، وإن كان ثبتا في المغازي ، فهو هنا لين .
وأخرجه الذهبي في ترجمة الإمام مسلم [ص46] من طريق يحيى بن يحيى التميمي أنا محمد بن جابر عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي هريرة به .
قلت : وهذا سنده منكر فيه محمد بن جابر بن سيار اليمامي سيئ الحفظ جدا، قال عنه يحيى بن معين : كان أعمى واختلط عليه حديثه وهو ضعيف، وقال عمرو بن علي : كثير الوهم متروك الحديث ، وقال البخاري : ليس بالقوي يتكلمون فيه روى مناكير وقال أبو داود : ليس بشئ وقال النسائي : ضعيف.
وقال الذهبي : حديث ضعيف .
وأخرجه الدارقطني في الأفراد (ج5ص356- أطراف الغرائب) من طريق أبي بلال الأشعري عن أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه أبو بلال وهو مرداس بن محمد بن الحارث الأشعري وهو منكر الحديث.
وقال عنه ابن حجر في نتائج الأفكار (ج1ص227): ( مرداس بن محمد هو من ولد أبي موسى الأشعري، ضعفه جماعة ).
وذكره ابن حبان في الثقات (ج9ص199) وقال: ( يغرب ويتفرد).
فهو منكر الحديث.
قلت: ولين الحاكم وضعفه الدارقطني، ولم يعرفه ابن القطان والذهبي.
وقال الدراقطني في الأفراد (ج5ص356): ( تفرد به أبو بلال الأشعري عن أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح متصلا ).
وقد وقع في هذا الحديث اختلاف في السند والمتن .
أما السند فقد رواه المغيرة وغيره موصولا كما تقدم .
وخالفهم سفيان الثوري ، فرواه عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح مرسلا ... ولم يذكر أبا هريرة .
قلت : وهو الصحيح ، وهو اختيار أحمد بن حنبل أيضا كما في التلخيص لابن حجر [ج2ص94].
قال أبو بكر الأثرم : قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل : بلغني أن بقية روى عن شعبة عن مغيرة عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة في العيدين يجتمعان في يوم ، من أين جاء بقية بهذا ؟ كأنه يعجب منه ... ثم قال أبو عبد الله : قد كتبت عن يزيد بن عبد ربه عن بقية عن شعبة حديثين ليس هذا فيهما ، وإنما رواه الناس عن عبد العزيز عن أبي صالح مرسلا
وقال البرقاني : وقال لنا الدارقطني : هذا حديث غريب من حديث مغيرة ... ورواه جماعة عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن النبي (ص)مرسلا لم يذكروا أبا هريرة.
وأما اختلاف المتن ، فقد تقدم لفظ المغيرة .
أما لفظ الثوري فهو : ( اجتمع عيدان على عهد رسول الله (ص)فطر وجمعة أو أضحى وجمعة ، قال : فخرج النبي فقال : إنكم قد أصبتم ذكرا وخيرا ، وإنا مجمعون، ومن أراد أن يجمع فليجمع ، ومن أراد أن يجلس فليجلس ) .
أخرجه عبد الرزاق في المصنف [ج3ص304] والطحاوي في مشكل الآثار [ج2ص56] والبيهقي في السنن الكبرى [ج3ص318] من طريق الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح مرسلا به .
وذكره ابن عبدالبر في التمهيد [ج10ص273] مرسلا .
وتابع سفيان الثوري على إرساله :
1) سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي حافظ فقيه ، إمام حجة كما في التقريب لابن حجر [ص395] .
ذكره الدارقطني في العلل [ج10ص217] مرسلا .
2) أبو عوانة وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة ثبت كما في التقريب لابن حجر [ص1036] .
أخرجه الفريابي في أحكام العيدين [ص218] من طريق قتيبة بن سعيد ثنا أبو عوانة عن عبد العزيز بن رفيع مرسلا .
قلت : رجاله ثقات لكنه مرسلا .
وذكره الدارقطني في العلل [ج10ص217] .
3) زائدة بن قدامة الثقفي ثقة ثبت صاحب سنة كما في التقريب لابن حجر [ص333].
ذكره الدارقطني في العلل [ج10ص217] .
4) أبو حمزة محمد بن ميمون السكري ثقة فاضل كما في التقريب لابن حجر [ص901].
ذكره الدارقطني في العلل [ج10ص217] .
5) شريك بن عبد الله القاضي صدوق يخطئ كثيرا كما في التقريب لابن حجر [ص436].
ذكره الدارقطني في العلل [ج10ص217] .
6) جرير بن عبد الحميد الضبي ثقة صحيح الكتاب كما في التقريب لابن حجر [ص156] .
ذكره الدارقطني في العلل [ج10ص217] .
فهؤلاء رووه مرسلا .
قال الدارقطني في العلل [ ج10ص217] : ( يرويه عبد العزيز بن رفيع ، وقد اختلف عنه فرواه زياد بن عبد الله البكائي ، والمغيرة بن مقسم من رواية بقية عن شعبة عنه .
وقال وهب بن حفص عن الجدي عن شعبة عن عبدالعزيز بن رفيع ولم يذكر مغيرة.
وقال أبو بلال عن أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع ، وقال يحيى بن حمزة عن هذيل الكوفي عن عبد العزيز بن رفيع كلهم قالوا عن أبي صالح عن أبي هريرة .
وكذلك قال عبيد الله بن محمد الفريابي عن ابن عيينة عن عبد العزيز بن رفيع .
وخالفه الحميدي عن ابن عيينة فأرسله ولم يذكر أبا هريرة ، وكذلك رواه الثوري واختلف عنه .
وكذلك رواه أبو عوانة ، وزائدة ، وشريك ، وجرير بن عبد الحميد، وأبو حمزة السكري كلهم عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح مرسلا ، وهو الصحيح ) .اهـ
وقال ابن حجر في التلخيص [ ج2ص622] : ( وصحح الدارقطني إرساله، لرواية حماد عن عبد العزيز عن أبي صالح ، وكذا صحح ابن حنبل إرساله) .اهـ
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية [ ج1ص469] : ( وكذا قال أحمد بن حنبل إنما رواه الناس عن أبي صالح مرسلا ، وتعجب من بقية كيف رفعه). اهـ
ومثله قال في التحقيق [ج4ص98] .
وقال البزار في المسند (ج15ص387) : ( وحديث المغيرة عن عبد العزيز لا تعلم وراه عن شعبة وأسنده إلا بقية ، وحديث عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة فقد رواه غير واحد عن أبي صالح مرسلا ).
قلت : وهذا مما يقوي صحة القول بإرساله .
وأما الذين رووه موصولا فطرقهم لا تخلو من الضعف وإليك بيان ذلك :
1) زياد بن عبد الله البكائي ، صدوق في المغازي ، وفي حديثه عن غير محمد بن إسحاق ضعف
2) المغيرة بن مقسم الكوفي ثقة متقن إلا أنه يدلس ، ولاسيما عن إبراهيم
قلت : وقد عنعن في جميع الطرق .
3) وهب بن يحيى بن حفص الحراني كذبه أبو عروبة ، وقال الدارقطني : كان يضع الحديث .
قلت : ثم هو قد أسقط المغيرة بن مقسم من إسناده .
4) أبو بلال الأشعري . ضعفه الدارقطني وغيره.
5) هذيل الكوفي وهو مجهول .
6) عبيد الله بن محمد الفريابي وصله عن سفيان بن عيينة .
والفريابي هذا لم أجد من ترجم له ، فهو مجهول .
وذكر ابن حجر في التلخيص [ج2ص94] رواية ابن عيينة الموصولة، وقال : ( إسناده ضعيف ).
وقال البيهقي في السنن الكبرى [ ج3ص318] : ( ويروى عن سفيان بن عيينة عن عبد العزيز موصولا مقيدا بأهل العوالي وفيه ضعف ) .
7) صالح بن موسى الطلحي وهو متروك .
قلت : فمن أرسله أوثق وأثبت وأجل ممن وصله ، فثبت من هذا أن الحديث مرسل أصح وأرجح .
وراجح كونه مرسلا نظرا لكثرة من أرسله وثقته ، وهو الذي رآه كل من أحمد بن حنبل والدارقطني وابن الجوزي ...وغيرهم.
وأما الذين رووه موصولا فطرقهم لا تخلو من الضعف كما تقدم ."
ومن الكلام السابق تبين أن علل الروايات هى الإرسال ووجود معلولين مجروحين في باقى الأسانيد
وأما الروايات المشابهة للرواية في المعنى فقد ذكرها الكاتب وذكرها عللها حيث قال:
"قلت : وفي الباب أحاديث أخرى . فمنها :
أولا : حديث إياس بن أبي رملة قال : شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال : ( أشهدت مع رسول الله (ص)عيدين اجتمعا في يوم ؟ قال : نعم. قال: فكيف صنع ؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة ،، فقال : من شاء أن يصلي فليصل ) .
حديث منكر
أخرجه أبو داود في سننه [ج1ص646] والنسائي في السنن الكبرى [ج1ص552]وفي المجتبى [ج3ص194] وابن ماجه في سننه [ج1ص415] وابن أبي شيبة في المصنف [ج2ص188] والطيالسي في المسند [ص94] والدارمي في المسند [ج1ص292] وأحمد في المسند [ج4ص372] والطبراني في المعجم الكبير [ج5ص210] والبخاري في التاريخ الكبير [ج1ص438] وابن عبد البر في الاستذكار [ج7ص28] وابن خزيمة في صحيحه [ج2ص359] والطحاوي في مشكل الآثار [ج2ص53] والبيهقي في السنن الكبرى [ج3ص317] وفي السنن الصغرى [ج1ص208] وفي المعرفة [ج5ص116] والحاكم في المستدرك [ج1ص288] ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ [ج1ص303] وابن الجوزي في التحقيق[ج4ص95] وفي العلل المتناهية [ج1ص474] وابن حزم في المحلى تعليقا [ج5ص89] من طريق إسرائيل بن يونس عن عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة الشامي به .
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه إياس بن أبي رملة الشامي وهو مجهول.
ونقل ابن حجر في التلخيص [ ج2ص621] عن ابن المنذر قال : هذا حديث لا يثبت وإياس بن أبي رملة مجهول ، وانظر الميزان للذهبي [ج1ص282].
وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام [ ج4ص204] : ( وهو كما قال ) يعني ابن المنذر
وقال ابن حجر في التقريب [ص156] : ( إياس بن أبي رملة الشامي ، مجهول من الثالثة ) .
ووثقه ابن حبان على قاعدته في توثيق المجاهيل [ج4ص36] .
وصححه الحاكم كعادته ، ووافقه الذهبي !
وصححه علي بن المديني كما في التلخيص لابن حجر [ج2ص94].
وقال النووي في المجموع [ج4ص320] إسناد جيد .
قلت : بل ضعيف كما تقدم .
ثانيا : حديث ابن عمر قال : ( اجتمع عيدان على عهد الرسول (ص)يوم فطر وجمعة فصلى بهم رسول الله (ص)صلاة العيد ثم أقبل عليهم بوجه فقال : يا أيها الناس أنكم قد أصبتم خيرا وأجرا وأنا مجمعون فمن أراد أن يجمع معنا فليجمع ، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع ) .
حديث منكر
أخرجه ابن ماجه في سننه [ج1ص416] وابن عدي في الكامل [ج6ص2448] وابن الجوزي في التحقيق [ج4ص98] وفي العلل المتناهية [ج1ص473] من طريق جبارة بن المغلس ثنا مندل بن علي عن عبدالعزيز بن عمر عن نافع عن ابن عمر به .
قلت : وهذا سنده واه وله علتان :
الأولى : جبارة بن المغلس الحماني قال عنه ابن معين : كذاب ، وقال أحمد : أحاديثه كذب أو موضوعة ، وقال الدارقطني : متروك .
الثانية : مندل بن علي العنزي ضعفه أحمد وابن معين والدارقطني والنسائي وابن المديني وأبو زرعة .
قال ابن الجوزي في العلل المتناهية [ ج1ص473] : ( وهذا لا يصح ، مندل بن علي ضعيف جدا ، وأما جبارة فليس بشئ ) .
وقال ابن حجر في التلخيص [ ج2ص622] : ( وإسناده ضعيف ).
وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه [ ج1ص155] : ( إسناده ضعيف لضعف جبارة ومندل ).
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير [ج12ص435] وابن عدي في الكامل [ج3ص1218] من طريق سعيد بن راشد السماك ثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر به.
قلت : وهذا سنده واه فيه سعيد بن راشد السماك قال عنه البخاري حديثه عن عطاء والزهري منكر ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث منكر الحديث وقال النسائي : متروك .
ثالثا : حديث إبراهيم بن عقبة قال سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب في عيدين اجتمعا فقال : ( قد وافق هذا على عهد رسول الله (ص)فقال رسول الله (ص): ( من كان من أهل العالية ، فمن أحب أن يشهد الجمعة فليشهد ، ومن قعد ، قعد من غير حرج ) .
حديث منكر
أخرجه الشافعي في الأم [ج1ص212] وفي المسند [ج1ص324] والبيهقي في السنن الكبرى [ج3ص318] وفي المعرفة [ج5ص116] والفريابي في أحكام العيدين [ص222] والحميدي في تاريخ علماء الأندلس [ج1ص362] من طريقين عن إبراهيم بن عقبة به .
قلت : وهذا سنده رجاله ثقات لكنه مرسل ، فالاسناد ضعيف .
قال البيهقي في المعرفة : هذا مرسل ."
ونجد أن الروايات المشابهة في المعنى كل أسانيدها فيها مجروحين ونبه الكاتب على ورود آثار عن الصحابة لها نفس المعنى وقد ناقش أسانيدها فوجدها معلولة هى الأخرى بالتدليس والمجروحين حيث قال :
"تنبيه :
ووردت بعض الآثار عن بعض الصحابة في سقوط الجمعة لمن حضر العيد مع الإمام إن اتفق عيد في يوم جمعة ، وليس فيها حجة لكونها موقوفة عليهم منهم :
أولا : حديث علي بن أبي طالب :
عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال : ( اجتمع عيدان في يوم ، فقال : من أراد أن يجمع فليجمع ، ومن أراد أن يجلس فليجلس ) .
أثر ضعيف
أخرجه عبد الرزاق في المصنف [ج3ص305] وابن أبي شيبة في المصنف [ج2ص187] وابن المنذر في الأوسط [ج4ص290] من طريق عبد الأعلى عن أبي الرحمن السلمي به.
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه عبد الأعلى ابن عامر الثعلبي قال عنه أحمد وأبو زرعة ضعيف الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال النسائي ليس بالقوي .
قال سفيان : يعني يجلس في بيته .
وأخرجه الفريابي في أحكام العيدين [ص64] من طريق قتادة عن الحسن قال : ( اجتمع عيدان على عهد علي فصلى أحدهما ولم يصل الآخر).
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه قتادة بن دعامة السدوسي وهو مدلس وقد عنعنه ولم يصرح بالتحديث .
وهذا من مراسيل الحسن البصري.
وانظر المراسيل لابن أبي حاتم (ص36).
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف [ج3ص305] من طريق ابن جريج قال أخبرني جعفر بن محمد أنهما اجتمعا ـ أي الفطر والجمعة ـ وعلي بالكوفة ، فصلى ثم صلى الجمعة ، وقال حين صلى الفطر من كان هاهنا فقد أذنا له ، كأنه لمن حوله ، يريد الجمعة ) .
قلت : وهذا سنده معضل ، جعفر بن محمد بن علي روايته عن علي بن أبي طالب معضلة .
وأخرجه الفريابي في أحكام العيدين [ص218] وابن أبي شيبة في المصنف [ج2ص187] من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال : ( اجتمع عيدان على عهد علي فقال : إن هذا يوم اجتمع فيه عيدان ، فمن أحب أن يجمع فليفعل ، ومن كان متنحيا فإن له رخصة ) .
قلت : وهذا سنده ضعيف لأن رواية محمد بن علي عن علي مرسلة .
ثانيا : حديث عثمان بن عفان .
عن أبي عبيد قال : ( شهدت عثمان في فطر ويوم جمعة فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، فقال: إن هذا يوم يجتمع فيه عيدان من كان هاهنا من أهل العواليفقد أذنا له ، فإن شاء أن يرجع فليرجع ، ومن أحب أن يمكث فليمكث ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج10ص24] ومالك في الموطأ [ج1ص161] والشافعي في المسند [ج1ص325] وفي الأم [ج1ص239] وفي السنن المأثورة (ص238) وأبو مصعب الزهري (ج1ص228)وابن أبي شيبة في المصنف [ج2ص187] والبيهقي في السنن الكبرى [ج3ص319] وفي المعرفة [ج5ص117] والقعنبي في الموطأ (ص260) والفريابي في أحكام العيدين [ص63] وعبد الرزاق في المصنف [ج3ص281] وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (ص72) وابن القاسم في الموطأ (ص129) والمزي في تهذيب الكمال (ج10ص289) والطحاوي في مشكل الآثار (ج2ص56) والحدثاني في الموطأ (ص203) وابن حبان في صحيحه (ج8ص364) وابن الحاجب في عوالي مالك (ص397) ومحمد بن الحسن في الموطأ (ص88) والجوهري في مسند الموطأ (ص195) والشحامي في تحفة عيد الفطر (ق/195/ط) والجحدري في حديثه (ق/4/ط)وابن المنذر في الأوسط [ج2ص291] والحميدي في المسند [ج1ص6] وأبو يعلى في المسند [ج1ص142] والطبراني في مسند الشاميين [ص354] من طريق الزهري عن أبي عبيد به ."
وتناول ما ذكره أهل المذاهب في الرواية حيث قال :
"قلت : وإن سلمنا لهم أن يحتجوا بهذا الأثر فهذا يختص بأهل العوالي الذين من غير أهل المصر وحضروا صلاة العيد ، فإن شاءوا انصرفوا إلى أهاليهم ولا يعودون إلى الجمعة ، والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا إن قدروا .
قال الشافعي في الأم [ ج1ص239] : ( ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر، وحمل الحديث على من حضره من غير أهل المصر ، فينصرفوا إن شاءوا إلى أهاليهم ولا يعودوا للجمعة ، والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا إن قدروا ) . اهـ
قلت : فالرخصة مقيدة لأهل العوالي والأماكن البعيدة .
وروى ابن القاسم عن مالك قال : ( ولم يبلغني أن أحدا أذن لأهل العوالي غير عثمان).
وروى ابن القاسم عن مالك في رواية قال : ( أن ذلك غير جائز وأن الجمعة تلزمهم على كل حال ) .
وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم : إن إذن عثمان كان لمن لا تلزمه الجمعة من أهل العوالي لأن الجمعة لا تجب إلا على أهل المصر عند الكوفيين .
وأما الشافعي فتجب عنده على من سمع النداء من خارج المصر .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار [ ج7ص25] : ( ولا يختلف العلماء في وجوب الجمعة على من كان بالمصر بالغا من الرجال الأحرار سمع النداء أو لم يسمعه ) ."
وعاد مرة اخرى لمناقشة روايات الآثار حيث قال :
"ثالثا : حديث ابن الزبير .
عن عطاء بن أبي رباح قال : ( اجتمع يوم جمعة ، ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد ، فجمعهما جميعا ، فصلاهما ركعتين بكرة ، لم يزد عليهما حتى صلى العصر ) .
أخرجه أبو داود في سننه [ج1ص647] وعبد الرزاق في المصنف [ج3ص303] من طريق ابن جريج قال : قال عطاء به .
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه ابن جريج وهو مدلس .
وأخرجه الفريابي في أحكام العيدين [ص219] من طريق أبي عاصم عن ابن جريج عن عطاء قال : ( اجتمع يوم فطر ويوم جمعة زمن ابن الزبير فصلى ركعتين ، فذكر ذلك لابن عباس فقال : أصاب ) .
قلت : وهذا سنده كسابقه ضعيف فيه ابن جريج وهو مدلس .
قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل : ( إذا قال ابن جريج قال فلان ، وقال فلان ، وأجزت جاء بمناكير ، وإذا قال : أخبرني ، وسمعت فحسبك به ) .
وقال جعفر بن عبد الواحد عن يحيى بن سعيد : ( كان ابن جريج صدوقا فإذا قال : حدثني فهو سماع ، وإذا قال أخبرنا أو أخبرني فهو قراءة ، وإذا قال: قال فهو شبه الريح ) .
تنبيه :
قال يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج قال : ( إذا قلت قال عطاء فأنا سمعته وإن لم أقل سمعت ) .
قلت : وإن صح عنه فليس هذا على إطلاقه ، بل ينظر في حديثه فإن جاء بمنكر كما هنا فيرد حديثه وإلا قبل.
وأخرجه أبو داود في سننه [ج1ص647] من طريق أسباط عن الأعمش عن عطاء قال: ( صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد ويوم جمعة أول النهار ثم رحلنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا ، وكان ابن عباس بالطائف ، فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال : أصاب السنة ) .
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه الأعمش وهو سليمان بن مهران وهو مدلس وقد عنعنه ولم يصرح بالتحديث .
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [ج2ص7] من طريق هشيم عن منصور عن عطاء : ( اجتمع عيدان في عهد ابن الزبير فصلى بهم العيد ، ثم صلى بهم الجمعة صلاة الظهر أربعا ).
قلت : وهذا سنده ضعيف فيه هشيم بن بشير الواسطي وهو مدلس وقد عنعنه ولم يصرح بالتحديث .
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى [ج1ص252] وفي المجتبى [ج3ص194] وابن أبي شيبة في المصنف [ج2ص186] والحاكم في المستدرك [ج1ص296] وابن حزم في المحلى تعليقا [ج5ص89] وابن المنذر في الأوسط[ج4ص288] وابن خزيمة في صحيحه [ج2ص369] من طريق عبد الحميد بن جعفر قال حدثني وهب بن كيسان قال : ( اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير ، فأخر الخروج حتى نفال النهار ثم خرج فخطب فاطال الخطبة ، ثم نزل فصلى ركعتين ، ولم يصل للناس يومئذ الجمعة ، فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة).
قلت : وهذا سنده فيه ضعف فيه عبد الحميد بن جعفر الأنصاري له أوهام، وقد ضعف من بعض أهل العلم .
قال الشيخ محمد صديق في الروضة الندية [ ج1ص356] : ( روى النسائي وأبو داود أن ابن الزبير ... فقال ابن عباس لما بلغه ذلك أصاب السنة، وفي إسناده مقال ) .اهـ
وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد [ج10ص274] من طريق عبد الله بن حمران قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن وهب بن كيسان به .
قلت : وهذا سنده فيه ضعف فيه عبد الله بن حمران الأموي يهم ويخطئ
وعبد الحميد بن جعفر تقدم .
قال ابن عبد البر : ( هذا حديث اضطرب في إسناده ، فرواه يحيى القطان قال: حدثنا عبدالحميد بن جعفر قال أخبرني وهب بن كيسان ... وذكره أحمد بن شعيب النسوي عن سوار عن القطان عن عبدالحميد بن جعفر لم يقل عن أبيه عن وهب بن كيسان ...). اهـ
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [ج2ص187] من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان به دون قول ابن عباس (أصاب السنة).
قلت : وهذا سنده صحيح .
والظاهر أن هذا هو المعتمد في القصة لأن هشام بن عروة أوثق من عبد الحميد بن جعفر ، ولأنه من أهل بيت ابن الزبير صاحب القصة ، وليس في روايته ( أصاب السنة )، ولأن عبد الحميد اختلف عليه ، فمرة
رواه عن وهب ـ وهو الأشهر ـ ومرة عن أبيه ، وهو جعفر بن عبدالله بن الحكم الأموي ، وهو ثقة .
وإذا كان هذا هو المعتمد عن ابن الزبير ، فما جاء عنه مخالفا للسنة ـ وقد صرح به ابن خزيمة ـ فلا يعول عليه.
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف [ج3ص303] وابن المنذر في الأوسط [ج4ص290] من طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير في جمع ابن الزبير بينهما يوم جمع قال : سمعنا ذلك أن ابن عباس قال أصاب عيدان اجتمعا في يوم واحد ) . قلت : وهذا سنده فيه انقطاع .
قال ابن عبد البر في الاستذكار [ ج7ص25] : ( وقد روي في هذا الباب عن ابن الزبير وعطاء قول منكر أنكره فقهاء الأمصار ولم يقل به أحد منهم).اهـ
وقال ابن عبدالبر في الاستذكار [ ج7ص126] : ( أما فعل ابن الزبير ... فلا وجه فيه عند جماعة الفقهاء وهو عندهم خطأ ... ) . اهـ
قلت : فتبين من هذا اضطراب إسناده ـ كما بين ابن عبد البر ـ ، ومتنه ... مع ضعف أسانيد زيادة ( أصاب السنة ) ... ومرة يذكر (أصاب)... ومرة لا يذكر شيئا ...
وقد ثبت فعل ابن الزبير من رواية ابن أبي شيبة المتقدمة دون زيادة (أصاب السنة).
قلت : وعلى فرض ثبوتها ، فهي من اجتهاد ابن عباس ما لأنها مظنة السنة محتملة ، وليست صريحة في السنة فتنبه .
قال ابن خزيمة في صحيحه [ ج2ص359] : ( قول ابن عباس : أصاب ابن الزبير السنة، يحتمل أن يكون أراد سنة النبي (ص)وجائز أن يكون أراد سنة أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي ، ولا أخال أنه أراد به أصاب السنة في تقديمه الخطبة قبل صلاة العيد ، لأن هذا الفعل خلاف سنة النبي (ص)وأبي بكر وعمر ، وإنما أراد تركه أن يجمع بهم بعدما قد صلى بهم صلاة العيد فقط، دون تقديم الخطبة قبل صلاة العيد) . اهـ
ثم هذه الآثار لا تقاوم ما ثبت من الأدلة القطعية من الكتاب والسنة على فرضية صلاة الجمعة ... وأجمع أهل العلم على فرضيتها ... وإذا دل الكتاب والسنة والإجماع على فرضية صلاة الجمعة ، لم يجز إسقاطها بآثار موقوفة أو مقطوعة بدون دليل من الكتاب والسنة على إسقاطها إذا اجتمعت مع العيد ."
ورغم كل ما قيل في أسانيد تلك الروايات ذات المعنى الواحد والتى تسقط صلاة الجمعة عن الناس من كونها مناكير واسانيدها إلا ان الكاتب ذكر وجوب تأويلها عند ابن عبد البر حيث قال :
"قال ابن عبد البر في التمهيد [ ج10ص277] : ( وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرناه لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه لأن الله عز وجل يقول:
"يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "
ولم يخص الله ورسوله يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته ، فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث).
وقال ابن المنذر في الأوسط [ ج4ص291] : ( أجمع أهل العلم على وجوب صلاة الجمعة ، ودلت الأخبار الثابتة عن رسول الله (ص)على أن فرائض الصلوات خمس ، وصلاة العيدين ليس من الخمس وإذا دل الكتاب والسنة والاتفاق على وجوب صلاة الجمعة ، ودلت الأخبار عن رسول الله (ص)على أن فرائض الصلوات الخمس، وصلاة العيدين ليس من الخمس ، وإذا دل الكتاب والسنة والاتفاق علىوجوب صلاة الجمعة ودلت الأخبار عن رسول الله (ص)على أن صلاة العيد تطوع ، لم يجز ترك فرض بتطوع )
إذا لا تسقط الجمعة عن من حضر العيد مع الإمام إن اتفق عيد في يوم جمعة وهو قول جمهور الفقهاء .
قال ابن حزم في المحلى [ ج5ص89] : ( وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة صلى للعيد ثم للجمعة ولابد ، ولا يصح أثر بخلاف ذلك ) .
قلت : والقول الراجح في حكم صلاة العيدين إنها فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقي.
إذا فلا يجوز ترك فرض عين ، بفرض كفاية لعدم الدليل من الكتاب والسنة والاجماع على ذلك .
انظر المنتقى للباجي [ج1ص317] والفتاوى الكبرى لابن تيمية [ج1ص173] والاستذكار لابن عبدالبر [ج7ص24] وعون المعبود للآبادي [ج3ص409] .
فإذا اتفق يوم عيد في يوم جمعة فالأصح عند الشافعي أن الجمعة لا تسقط عن أهل البلد بصلاة العيد
وقال أبو حنيفة بوجوب الجمعة على أهل البلد .وهو قول مالك في رواية "
ومن السابق نجد اجماع الفقهاء على عدم سقوط صلاة الجمعة إذا كانت اول أيام العيد في سنة من السنوات لأنها فرض