إضاءات حول كتاب حديث النضح وأثر اختلاف الفقهاء
الكاتب هو ماهر ياسين الفحل وموضوع البحث هو رواية" ينضح من بول الغلام ، ويغسل بول الجارية"
وقد ابتدأ بذكر نص الرواية وإسنادها حيث قال :
"حديث علي - رضي الله عنه - : (( ينضح من بول الغلام ، ويغسل بول الجارية )).
قال الإمام الترمذي : (( رفع هشام الدستوائي هذا الحديث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، ولم يرفعه )) .
وقال الحافظ ابن حجر : (( إسناده صحيح إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه ، وفي وصله وإرساله ، وقد رجح البخاري صحته وكذا الدارقطني )) .
والرواية المرفوعة : رواها معاذ بن هشام ، قال: حدثني أبي ، عن
قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ،همزة مفتوحة – ، البصري ، اسمه : ظالم بن عمرو بن سفيان ، ويقال : عمرو بن ظالم ، ويقال : بالتصغير فيهما ، ويقال : عمرو بن عثمان ، أو عثمان بن عمرو : ( ثقة ، فاضل ، مخضرم ) ، مات سنة تسع وستين ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة . التقريب.
عن علي بن أبي طالب ، مرفوعا ."
وتناول أسانيد الرواية حيث قال :
"قال البزار : (( هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ، وإنما أسنده معاذ بن هشام ، عن أبيه ، وقد رواه غير معاذ بن هشام ، عن قتادة، عن أبي حرب ، عن أبيه ، عن علي ، موقوفا )) .
أقول : إطلاق البزار في حكمه على تفرد معاذ بن هشام بالرفع غير صحيح إذ إن معاذا قد توبع على ذلك تابعه عبد الصمد بن عبد الوارث عند أحمد ،
والدارقطني ، لذا فإن قول الدارقطني كان أدق حين قال : (( يرويه قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، رفعه هشام بن أبي عبد الله من رواية ابنه معاذ وعبدالصمد بن عبد الوارث ، عن هشام ، ووقفه غيرهما عن هشام )) .
تنبيه : ما ذكره الدارقطني من أن غير معاذ وعبد الصمد روياه عن هشام موقوفا فإني لم أجد هذا في شيء من كتب الحديث ، ولعله وهم من الدارقطني يفسر ذلك قوله في السنن / لما ساق رواية معاذ : ((تابعه عبد الصمد ، عن هشام ، ووقفه ابن أبي عروبة ، عن قتادة )) . فلو كانت ثمة مخالفة قريبة لما ذهب إلى رواية ابن أبي عروبة ، والله أعلم .
والرواية الموقوفة : رواها يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن علي ، فذكره موقوفا .
فالرواية الموقوفة إسنادها صحيح على أن الحديث مرفوع صححه جهابذة المحدثين: البخاري والدارقطني - كما سبق - وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم - ولم يتعقبه الذهبي – ، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري قال : (( قال البخاري : سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه ، وهو حافظ )) .
أقول : هكذا صحح الأئمة رفع هذا الحديث ، مع أنه قد صح موقوفا أيضا ؛ وهذا يدل على أن الحديث إذا صح رفعه ، ووقفه ، فإن الحكم عندهم للرفع ، ولا تضر الرواية الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل على أن الرفع خطأ ."
ومن السابق نجد أن حكم الرواية أنها صحيحة الرقع والوقف وتناول نتائجه الرواية على آراء الفقهاء حيث قالوا:
"أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ( كيفية التطهر من بول الأطفال )
وما دمت قد فصلت القول في حديث علي - رضي الله عنه - مرفوعا وموقوفا فسأذكر اختلاف الفقهاء في كيفية التطهر من بول الأطفال .
وقبل أن أذكر آراء الفقهاء، أذكر جملة من الأحاديث المتعلقة بالمسألة لأحيل عليها عند الإشارة إلى الأدلة طلبا للاختصار .
فأقول :
. صح عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : (( أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بصبي ، فبال على ثوبه ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء فأتبعه إياه )) رواه مالك ، وزاد أحمد ومسلم وابن ماجه في روايتهم : (( ولم يغسله )) .
. صح عن أم قيس
بنت محصن (( أنها أتت بابن صغير لها –لم يأكل الطعام– إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فأجلسه في حجره ، فبال على ثوبه ؛ فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء ، فنضحه ولم يغسله )) . رواه مالك ، والشيخان : البخاري ومسلم .
. حديث علي - رضي الله عنه - وقد سبق : (( ينضح من بول الغلام ، ويغسل من بول الجارية )) .
. صح عن أبي السمح - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( يغسل من بول الجارية ، ويرش من بول الغلام )) .
أخرجه : أبو داود ، وابن ماجه ، والنسائي ، وابن خزيمة ،والدارقطني ، والمزي ."
وقد اختلف الفقهاء كما قال الباحث في حكم تبول الولد أو البنت على الإنسان حيث قال:
"وقد اختلف الفقهاء في الأحكام المستفادة من هذه الأحاديث على مذاهب أشهرها ما يأتي :
المذهب الأول :
يرى أن التطهير من بول الرضيع – كالتطهير من بول الكبير – إنما يكون بغسله ، ولا فرق في ذلك بين بول رضيع أكل الطعام أو لم يأكل ، كما أنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى . وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة ، وهو المشهور عن مالك على خلاف بينهما في كيفية الغسل الذي يجزئ في التطهير من النجاسة ، فإن أبا حنيفة يشترط لتطهير النجاسة غير المرئية تعدد مرات غسلها – ثلاثا أو سبعا والعصر بعد كل غسلة ، ولم يشترط مالك أكثر من صب الماء على النجاسة بحيث يغمرها ، ويذهب لونها وطعمها ورائحتها ولا يشترط لإزالة النجاسة إمرار اليد والعصر ، ونحو ذلك .
وقد حملوا : (( إتباع الماء )) و (( نضحه )) و (( رشه )) ، هذه الألفاظ كلها حملوها على معنى الغسل ، وقد أفاض الطحاوي في إيراد الآثار الدالة على أن هذه الألفاظ قد تطلق ويراد بها الغسل .
لكن هذا يؤخذ عليه : ان هذه الألفاظ ، وإن كانت تطلق أحيانا على الغسل فإن الحال في مسألتنا هذه لا يحتمل ذلك ؛ لأنه يؤدي إلى تناقض تتنزه عنه نصوص الشريعة ؛ فحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد جاء بلفظ : (( فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء فأتبعه ولم
يغسله )) فإذا جعل أتبعه بمعنى غسله فإن المعنى حينئذ يكون فغسله ولم يغسله .
وكذلك حديث أم قيس بنت محصن قد جاء بلفظ : (( فنضحه ولم يغسله )) فلو حمل النضح على معنى الغسل لكان التقدير :فغسله ولم يغسله ،وهذا تناقض غير معقول.
وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - عطف الغسل على النضح في حديث علي - رضي الله عنه - ، وعطف الرش على الغسل في حديث أبي السمح - رضي الله عنه - ، والعطف يقتضي المغايرة . فلو أريد بهما معنى واحد ، لكان عبثا يتنزه عنه الشارع .
المذهب الثاني :
نسب إلى الشافعي قول : بأن بول الصبي الذي لم يأكل الطعام طاهر . ونسبت رواية إلى الإمام مالك : أنه لا يغسل بول الجارية ولا الغلام قبل أن يأكلا الطعام .
لكن ذكر الباجي أن هذه الرواية عن مالك شاذة . وذكر النووي أن نقل هذا القول عن الشافعي باطل .
لذلك لا حاجة للتعليق على هذا المذهب .
المذهب الثالث :
ينضح بول الطفل الرضيع الذي لم يأكل الطعام ، فإذا أكل الطعام كان حكم بوله كحكم بول الكبير يغسل .
وقد فسر هذا المذهب النضح : بأنه غمر موضع البول ومكاثرته بالماء مكاثرة لا يبلغ جريانه وتردده وتقطره . فهو بمعنى الغسل الذي سبق ذكره عن مالك .
وقد اعتمد هذا المذهب حديث أم قيس بنت محصن ، فقد جاء بلفظ : ((أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام ... الخ )) .
وقد اعترض ابن حزم – القائل : بأن النضح يكفي في التطهير من بول الذكر كبيرا أو صغيرا – : بأن تخصيص ذلك بالصبي الذي لم يأكل ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لذلك فالحديث لا دلالة فيه على هذا التحديد .
ويجاب على ذلك : بأنه نجاسة الأبوال المستتبعة لوجوب غسلها ، كل ذلك مستيقن بالأحاديث العامة الدالة على ذلك ، كحديث ابن عباس في القبرين اللذين أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن صاحبيهما يعذبان ، وقال : (( أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول )) . أخرجه البخاري ومسلم .
وحديث أبي هريرة مرفوعا : (( استنزهوا من البول ؛ فإن عامة عذاب القبر منه )). رواه أحمد ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، والدارقطني ،
والحاكم ، وصححه البخاري .
وحديث ابن عباس مرفوعا : (( تنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه )) . أخرجه : البزار ، والطبراني ، والدارقطني ، والحاكم .
فنجاسة بول الآدمي ووجوب غسله كل ذلك متيقن بهذه الأحاديث ، وتخصيص بول الصبي الذي لم يأكل الطعام بالنضح متيقن بحديث أم قيس بنت محصن ، وما عدا ذلك مشكوك فيه ، فلا يترك اليقين للشك .
والاكتفاء بالنضح في التطهير من بول الرضيع خصه أحمد وجمهور الشافعية بالصبي الذي لم يأكل الطعام ، أما بول الصبية فلا يجزئ فيه إلا الغسل .
أما الشافعي نفسه فقد نص على جواز الرش على بول الصبي ما لم يأكل الطعام ، واستدل على ذلك بالحديث ، ثم قال : (( ولا يبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السنة الثابتة ، ولو غسل بول الجارية كان أحب إلي احتياطا ، وإن رش عليه ما لم تأكل الطعام أجزأ ، إن شاء الله تعالى )) .
وقد ذكر النووي أنه لم يذكر عن الشافعي غير هذا ، وقال البيهقي: (( والأحاديث المسندة في الفرق بين بول الغلام والجارية في هذا الباب إذا ضم بعضها إلى بعض قويت ، وكأنها لم تثبت عند الشافعي حين قال :
(( ولا يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السنة الثابتة )) .
وقول الشافعي هذا مروي عن النخعي ، وهو رواية عن الأوزاعي ، ووجه لبعض الشافعية ، ووصفه النووي : بأنه ضعيف .
وهنا يأتي دور حديث علي - رضي الله عنه - ومثله حديث أبي السمح - رضي الله عنه - خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهي أحاديث ثابتة ، وقد فرقت بين بول الصبي وبين بول الصبية .
وقد ثبت هذا عند أحمد ؛ لذلك أخذ به وفرق بينهما في الحكم ، أما الشافعي فقد صرح بأنه لم يثبت عنده من السنة ما يفرق بينهما ؛ لذلك رأى أن النضح يكفي فيهما
- وإن كان الأحب إليه غسل بول الصبي احتياطا - ؛ ولو ثبت عند الشافعي هذه الأحاديث لأخذ بها ، فهذا هو شأنه وشأن الفقهاء كافة لا يتخطون السنة الثابتة عندهم إلى غيرها ، ما لم يكن لها عندهم معارض ؛ ولذلك أطبق أصحاب الشافعي على الفرق في الحكم بين بول الصبي والصبية لما ثبتت عندهم هذه الأحاديث "
والحقيقة أن لا فرق بين بول أو براز ذكر أو أنثى فكلاهما يستوجب نفس الحكم وهو :
الغسل لأن الطفل ذكر أو أنثى نغسله من البول فإذا كان حكم تطهير الاثنين واحد فكيف يختلف عند كونه على ملابس أخر؟
قد يقال أن عند الكبر يكون الحيض الذى يختلط بالبول ولكن في سن الرضاعة وما بعدها بقليل لا يوجد حيض والأجهزة تعمل كجهاز واحد في الاثنين