إضاءات حول كتاب تخريج حديث عائشة في دعاء ليلة القدر - اللهم إنك عفو تحب العفو ...
الرواية تقوم على عجب وغرابة وهى اختصاص يوم أو ليلة بدعاء مع أن الدعاء مباح في أى يوم بنفس الدعاء فمثلا يقول الله على لسان المؤمنين :
"ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين"
ومتن الحديث هو :
"عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»"
بالطبع لا وجود لليالى قدر متعددة فهى ليلة واحدة نزل فيها القرآن كما قال سبحانه:
"حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم"
وقال :
"إنا أنزلناه فى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر"
وبناء على الآيات الرواية لا أساس لها ولا أصل لم يقلها النبى(ص) ولا تحدثت عائشة عنها
وتناول الكاتب الكتب التى ذكرت الرواية وأسانيد الروايات المختلفة حيث قال :
"أولا: تخريج الحديث وسرد طرقه:
أخرجه أحمد في مسنده (6/ 171) عن محمد بن جعفر
وفيه (6/ 183) وابن أبي شيبة (29189) والبيهقي في شعب الإيمان (3700) وفي فضائل الأوقات (113) والبغوي في تفسيره (8/ 491) من طريق الحسن بن مكرم ثلاثتهم - أحمد وابن أبي شيبة والحسن - عن يزيد بن هارونوأحمد (6/ 208) وابن ماجه (3850) عن علي بن محمد كلاهما - أحمد وعلي - عن وكيع وإسحاق بن راهويه في مسنده (1361) عن النضر بن شميل والترمذي (3514) والنسائي في الكبرى (10708) - وعنه ابن السني في عمل اليوم والليلة (767) - كلاهما عن قتيبة بن سعيد عن جعفر بن سليمان والنسائي في الكبرى (7712 10709 11688) من طريق خالد بن الحارث وفيه (10710) من طريق المعتمر بن سليمان وذكر الدارقطني في العلل (5/ق 134 ب) رواية علي بن غراب
ثمانيتهم - محمد بن جعفر ويزيد ووكيع والنضر وجعفر وخالد والمعتمر وعلي - عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة - رضي الله عنها - به.
إلا أنه:
1 - لم يسم ابن بريدة في رواية محمد بن جعفر وخالد بن الحارث عن كهمس.
2 - في رواية ابن أبي شيبة من طريق يزيد بن هارون جاء الحديث موقوفا على عائشة.
2 - في رواية المعتمر بن سليمان قال عن كهمس عن عبد الله بن بريدة: أن عائشة قالت: يا نبي الله ... وفي رواية أحمد عن محمد بن جعفر ويزيد بن هارون قالا عن كهمس عن عبد الله بن بريدة قال: قالت عائشة: يا رسول الله فجعلوا عبد الله بن بريدة يحكي واقعة سؤال عائشة للنبي – صلى الله عليه وسلم - وهم لم يدركوا هذا لذا قال النسائي بعد رواية المعتمر: «مرسل».
3 - في رواية علي بن غراب عن كهمس عن ابن بريدة قال: عن أبيه عن عائشة فزاد بريدة في الإسناد.
وأخرجه أحمد (6/ 182) عن يزيد بن هارون وأخرجه أيضا (6/ 183) والبيهقي في شعب الإيمان (3701) وفي فضائل الأوقات (114) وفي الدعوات الكبير (203) من طريق يحيى بن أبي طالب كلاهما - أحمد ويحيى - عن علي بن عاصم وابن راهويه (1362) والبيهقي في الأسماء والصفات (92) من طريق الحسن بن علي بن عفان كلاهما - ابن راهويه والحسن بن علي - عن عمرو بن محمد العنقزي والنسائي في الكبرى (10712) من طريق مخلد بن يزيد وابن منده في التوحيد (303) من طريق النعمان بن عبد السلام والقضاعي في الشهاب (1475) من طريق علي بن قادم وذكر الدارقطني في العلل (5/ق 134 ب) رواية إسحاق الأزرق
خمستهم - العنقزي ومخلد والنعمان وعلي وإسحاق - عن سفيان الثوري ومحمد بن نصر المروزي في قيام رمضان (ص 112 - مختصره) - ومن طريقه القضاعي في الشهاب (1474) - من طريق خالد بن عبد اللهوالنسائي في الكبرى (10711) والقضاعي في الشهاب (1477) من طريق عبد الرحمن بن مرزوق والطبراني في الدعاء (915) والدارقطني في الأفراد (6354 - أطرافه) من طريق عبد الحميد بن واصل
ستتهم - يزيد بن هارون وعلي بن عاصم والثوري وخالد وابن مرزوق وابن واصل - عن سعيد بن إياس أبي مسعود الجريري عن عبد الله بن بريدة عن عائشة - رضي الله عنها - به.
إلا أنه:
1 - قال يزيد بن هارون في روايته عن الجريري عن ابن بريدة: أن عائشة قالت: يا رسول الله ... كما سبق في بعض الروايات عن كهمس.
2 - لم يسم ابن بريدة في رواية العنقزي ومخلد بن يزيد وعلي بن قادم عن الثوري.
3 - أبدل عبد الحميد بن واصل في روايته عبد الله بن بريدة بأبي عثمان النهدي.
وأخرجه أحمد (6/ 258)والنسائي في الكبرى (10713) عن العباس بن عبد العظيم وأبو يعلى في معجمه (43) عن أبي بكر بن أبي النضر والحاكم (1942) من طريق أبي بكر بن أبي العوام الرياحي والقضاعي في الشهاب (1478) من طريق حجاج بن يوسف الشاعر
أربعتهم عن أبي النضر هاشم بن القاسم والطبراني في الدعاء (916) من طريق فرات بن محبوب كلاهما - أبو النضر وفرات - عن عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن عائشة - رضي الله عنها - به.
وقد سمي ابن بريدة في رواية العباس بن عبد العظيم وأبي بكر بن أبي العوام: سليمان بن بريدة ولم يسم في الأخريات.
وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 126) وابن نقطة في التقييد (1/ 318 319) والذهبي في تذكرة الحفاظ (2/ 620) من طريق الأسود بن عامر عن أبي هلال الراسبي عن عبد الله بن بريدة قال: قالت عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول الله ... به بالشك في كون القائلة هي عائشة - رضي الله عنها -.
وأخرجه القضاعي في الشهاب (1476) من طريق الوليد بن عمرو عن واصل أو أبي واصل عن عائشة - رضي الله عنها - به إلا أنه جعل الدعاء عاما لشهر رمضان غير مخصوص بليلة القدر.
وأخرجه ابن أبي شيبة (29187) والبيهقي في شعب الإيمان (3702) من طريق شريح بن هانئوالنسائي في الكبرى (10714) من طريق مسروق والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 162 13/ 199) من طريق الحسن
ثلاثتهم عن عائشة - رضي الله عنها - به موقوفا عليها قالت: «لو عرفت أي ليلة ليلة القدر ما سألت الله فيها إلا العافية» هذا لفظ شريح بن هانئ ويقاربه لفظ الحسن وزاد: «العفو والعافية» وقال مسروق عنها: «لو علمت أي ليلة ليلة القدر لكان دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية»."
وبعد أن ذكر الكتب التى وردت فيها الرواية بنصوصها المختلفة تناول أسانيدها بالكلام حيث قال :
"ثانيا: دراسة الأسانيد:
# دراسة أسانيد رواية كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة:
1 - الأكثر على تسمية شيخ كهمس: عبد الله بن بريدة وأبهمه بقوله: (ابن بريدة) محمد بن جعفر وخالد بن الحارث ولعل رواية الأكثر عن كهمس تبين هذا المبهم.
2 - اختلف على يزيد بن هارون في روايته عن كهمس:
- فرواه أحمد بن حنبل والحسن بن مكرم عنه عن كهمس عن ابن بريدة عن عائشة مرفوعا ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد به موقوفا قصر به ابن أبي شيبة والقول قول من رفعه.
3 - واختلف على كهمس في رواية الحديث عن عبد الله بن بريدة عن عائشة:
- فرواه محمد بن جعفر ويزيد بن هارون والمعتمر بن سليمان عنه عن عبد الله عن عائشة مرسلا بأن جعلوا عبد الله يحكي واقعة قول عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لم يشهدها قطعا لأنه ولد في خلافة عمر - رضي الله عنه - لذا نبه النسائي عقب رواية المعتمر بقوله: «مرسل».
- ورواه الباقون (وكيع والنضر بن شميل وجعفر بن سليمان وخالد بن الحارث) عن كهمس عبد الله عن عائشة بعنعنة عبد الله عنها فحكى أن عائشة قالت: إنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله ... وهذا - إذا ثبت سماع عبد الله بن بريدة من عائشة – متصل وربما كان هذا الاختلاف من تساهل الرواة في صيغة الرواية أو من كهمس نفسه فإن له أوهاما (تهذيب التهذيب: 8/ 404) وربما كان يحدث هكذا مرة وهكذا مرة ويحتمل أيضا أن يكون عبد الله بن بريدة يرسله أحيانا عن عائشة فإنه ذو إرسال عن بعض الصحابة.
- وقد رواه علي بن غراب عن كهمس فزاد في الإسناد: والد عبد الله بن بريدة وهو بريدة بن الحصيب الأسلمي الصحابي - رضي الله عنه - وعلي بن غراب متكلم فيه (تهذيب التهذيب: 7/ 324) وهذا خطأ منه قال الدارقطني - بعد أن ذكر روايته -: «ووهم في قوله: (عن أبيه) والصحيح: عن ابن بريدة عن عائشة».
# دراسة أسانيد رواية الجريري وعلقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن عائشة:
1 - سعيد بن إياس الجريري من الثقات إلا أنه اختلط قبل موته وذكروا فيمن سمع منه بعد الاختلاط: يزيد بن هارون (تهذيب التهذيب: 4/ 6 الكواكب النيرات ص 35) فروايته عنه فيها نظر ولعل من ذلك مخالفته للجمع في جعله رواية عبد الله بن بريدة عن عائشة بالإرسال بأن جعله يروي سؤال عائشة - رضي الله عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم - والصحيح رواية ابن بريدة كلام عائشة في أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فالرواية التي اتفق عليها الآخرون أصح.
2 - أما رواية عبد الحميد بن واصل عن الجريري فخطأ قال الدارقطني في العلل (5/ق 134 ب): «ورواه ابن واصل عبد الحميد عن الجريري فوهم فيه فقال: عن الجريري عن أبي عثمان النهدي عن عائشة والصحيح: عن الجريري عن ابن بريدة» وقال في الأفراد: «تفرد به أبو واصل عبد الحميد بن واصل عن الجريري عن أبي عثمان النهدي وقال غيره عن الجريري عن عبد الله بن بريدة ... ».
3 - اختلف على سفيان الثوري في روايته هذا الحديث على وجهين ولو رجحنا روايته عن الجريري كانت معضدة لرواية الآخرين عنه لأنه سمع منه قبل الاختلاط أما الآخرون فليس ثمة تحديد لسماعهم منه. والوجهان عن الثوري:
- أنه رواه عنه:
أ- عمرو بن محمد العنقزي وهو ثقة (تهذيب التهذيب: 8/ 86)
ب- ومخلد بن يزيد وهو ثقة ذو أوهام (تهذيب التهذيب: 10/ 69)
ج- والنعمان بن عبد السلام وهو من الثقات المقدمين في الثوري (تهذيب التهذيب: 10/ 405)
د- وعلي بن قادم وعنه عبد الرحمن بن محمد بن منصور أبو سعيد الحارثي وقد تكلم في الحارثي هذا (الجرح والتعديل: 5/ 283 الكامل: 4/ 319 تاريخ بغداد: 10/ 273) إلا أن موافقة الرواة لعلي بن قادم على رواية هذا الوجه عن الثوري تدل على أن لرواية الحارثي عن علي بن قادم أصلا.
هـ- وإسحاق الأزرق كما ذكر الدارقطني كلهم عن الثوري عن الجريري عن ابن بريدة عن عائشة
- ورواه عبيد الله الأشجعي أبو عبد الرحمن عن الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن عائشة - رضي الله عنها - وعنه اثنان:
أ- فرات بن محبوب - وهو ثقة ذكره ابن حبان في الثقات (9/ 13) وقال الدارقطني: «وكان كوفيا لا بأس به» (العلل: 1/ 184) ولم يسم ابن بريدة في روايته هذه
ب- وأبو النضر هاشم بن القاسم واختلف عنه في تسمية ابن بريدة:
- فرواه عنه العباس بن عبد العظيم وأبو بكر بن أبي العوام الرياحي وسميا ابن بريدة: سليمان بن بريدة
- ورواه عنه أحمد بن حنبل وابن ابنه أبو بكر بن أبي النضر وحجاج بن يوسف الشاعر ولم يسموا ابن بريدة أبهموه.
وتسمية ابن بريدة في هذا الإسناد لها أهمية فإنه لو ثبت أن ابن بريدة في الإسناد هو سليمان ثم ثبتت رواية سفيان عن علقمة بن مرثد = اتصل الحديث وصار صحيحا بخلاف ما لو كانت رواية عبد الله بن بريدة هي الراجحة فإنه قد تكلم في روايته عن عائشة - كما سيأتي إن شاء الله -والناظر إلى الاختلاف عن أبي النضر يرى أن الأكثر والأوثق والأخص بأبي النضر يروونه عنه بلا تسمية لابن بريدة فهم ثلاثة أمام اثنين وفيهم إمام الحفاظ أحمد بن حنبل وفيهم حفيد أبي النضر أبو بكر وهو من الثقات ومعلوم ما لأبناء الراوي (ممن تحمل عنه) فيه من اختصاص ثم إن المتابع لأبي النضر (فرات بن محبوب) لم يسم ابن بريدة أيضا وهذا يقوي وجه عدم تسمية ابن بريدة عن أبي النضر فالرواية في هذا بعدم تسمية ابن بريدة أرجح.
ثم نعود إلى الاختلاف عن الثوري:
- فإن رواية الأكثر - وهم خمسة اتفقوا - بجعله عن الثوري عن الجريري عن ابن بريدة عن عائشة- ورواية الأشجعي وحده بجعله عن الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن عائشة وللأشجعي اختصاص بالثوري وهو من المقدمين فيه إذا حدث من كتابه (تهذيب التهذيب: 7/ 31) إلا أنه قد خالف هنا خمسة كلهم ثقات واتفاقهم يوجب تقديم روايتهم على رواية الأشجعي فلعل الأشجعي روى هذا الحديث عن الثوري من حفظه فأخطأ فيه فإن تثبته عن الثوري أخص في روايته من كتابه لأنه كان يكتب في مجلس الثوري. ولذا قال الدارقطني في العلل: «فأما الجريري فرواه عنه الثوري واختلف عنه:
- فقال إسحاق الأزرق عن الثوري عن الجريري عن عبد الله بن بريدة عن عائشة
- وخالفه الأشجعي فرواه عن الثوري عن علقمة بن مرثد عن عائشة وقول الأزرق أصح» فرجع الحديث إلى الجريري عن ابن بريدة.
4 - ثم إن الرواة جميعا عن الجريري يسمون ابن بريدة: عبد الله بن بريدة إلا أن الثوري اختلف عنه فسماه عنه النعمان بن عبد السلام وإسحاق الأزرق: عبد الله ولم يسمه العنقزي ومخلد بن يزيد وعلي بن قادم والنعمان من الثقات المقدمين في الثوري - كما سبق - ووافقه في ذلك إسحاق الأزرق ووافقا متابعي الثوري عن الجريري ومتابعي الجريري عن ابن بريدة فاحتمال تسمية الثوري لابن بريدة (عبد الله) = قوي.
# دراسة أسانيد رواية محمد بن سليم أبي هلال الراسبي عن ابن بريدة عن عائشة:
أبو هلال فيه ضعف (تهذيب التهذيب: 9/ 173) إلا أن متابعة كهمس بن الحسن والجريري له عن ابن بريدة تجعل لروايته عنه أصلا لكنه قصر في روايته فجعل رواية ابن بريدة مرسلة عن عائشة والصواب - كما سبق - مع من وصل الرواية بالعنعنة.
# دراسة أسانيد رواية واصل أو أبي واصل عن عائشة:
لم أعرفه والراوي عنه الوليد بن عمرو بن ساج ضعيف (الكامل: 7/ 74) فلا يصح هذا الوجه.
# الخلاصة في الأوجه المرفوعة عن عائشة:
خلص من هذا أن كهمس بن الحسن وأبا مسعود الجريري وأبا هلال الراسبي رووه عن عبد الله بن بريدة عن عائشة - رضي الله عنها -ويبقى النظر في صحة هذا الإسناد فإن الدارقطني قد أسند في سننه (3/ 233) حديثا بثلاثة أسانيد من طريق عبد الله بن بريدة عن عائشة ثم قال: «هذه كلها مراسيل ابن بريدة لم يسمع من عائشة شيئا» وقال البيهقي في سننه (7/ 118) بعد أن أسند ذلك الحديث: «وهذا مرسل ابن بريدة لم يسمع من عائشة - رضي الله عنها -» والبيهقي إنما استفاد هذا من الدارقطني فإنه قد قال في معرفة السنن والآثار (5/ 245): «ابن بريدة لم يسمع من عائشة قاله الدارقطني فيما أخبرني أبو عبد الرحمن وغيره عنه».
ومما يؤيد هذا النفي:
1 - جزم الإمام الدارقطني به وللدارقطني قدم راسخة في هذا العلم ومخالفة مثله فيما يجزم به مزلة أقدام ثم إن البيهقي تابع الدارقطني على ذلك ولم يبد عليه اعتراضا.
2 - النظر في التاريخ والبلدان وله احتمالان:أحدهما: قال ابن حبان بعد أن أخرج حديثا لعبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين في صحيحه (6/ 258 - ترتيبه): «هذا إسناد قد توهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه في صحيح الآثار أنه منفصل غير متصل وليس كذلك ... فلما وقعت فتنة عثمان في المدينة خرج بريدة عنها بابنيه وسكن البصرة ... ثم خرج بريدة منها بابنيه إلى سجستان فأقام بها غازيا مدة ثم خرج منها إلى مرو على طريق هراة فلما دخلها وطنها ومات سليمان بن بريدة بمرو وهو على القضاء بها سنة خمس ومئة ... » وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 630): «حدثنا أحمد بن شبويه قال: حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال: (جئت إلى أمي يوم قتل عثمان - رحمة الله عليه - فقلت: يا أمه قتل الرجل فقالت: يا بني اذهب فالعب مع الغلمان)» وهذا الإسناد صحيح عن عبد الله بن بريدة.
ومن هذا يعلم أن عبد الله بن بريدة كان غلاما صغيرا وقت مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه - فسماعه من عائشة في المدينة مستبعد ثم خرج بريدة بن الحصيب بابنيه إلى البصرة بعد ذلك وكان خروج عائشة - رضي الله عنها - إلى البصرة مقارب لذلك الوقت فإنها خرجت مع بعض الصحابة إلى البصرة وشهدت وقعة الجمل التي وقعت في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وعادت في رجب من تلك السنة (البداية والنهاية: 10/ 452 472) فمكث عائشة - رضي الله عنها - في البصرة كان قصيرا جدا وكان عبد الله بن بريدة خلاله غلاما صغيرا لأن ذلك كان بعد مقتل عثمان بأشهر وقد سبق حال ابن بريدة أيام مقتل عثمان ثم انتقل بريدة بابنيه عن البصرة وازداد ضعف احتمال تحمل عبد الله بن بريدة الرواية عن عائشة.
وقد يشكل على هذا أنه ورد عن عبد الله بن بريدة قوله: «ولدت لثلاث خلون من خلافة عمر» (تاريخ دمشق: 27/ 127 128) واعتمد هذا بعض العلماء ويجاب عنه بأن قول ابن بريدة هذا جاء من طريق أبي تميلة عن رميح بن هلال الطائي عنه وقد قال أبو حاتم في رميح بن هلال: «مجهول لا يعرف لا أعلم روى عنه غير أبي تميلة» وقال ابن حبان: «ينفرد عن المشاهير بالمناكير» (الجرح والتعديل: 3/ 522 ميزان الاعتدال: 2/ 54) فهذه الرواية ساقطة ولذا فقد مرض القول بها أبو نصر الكلاباذي (تاريخ دمشق: 27/ 133) والرواية الأخرى التي تفيد أنه كان غلاما إذ قتل عثمان أقوى سندا وأصح فهي المعتمد.
الاحتمال الثاني: قول بعض أهل التاريخ: إن بريدة غزا خراسان في خلافة عثمان - رضي الله عنه - فلم يزل بها حتى مات بمرو (طبقات ابن سعد: 7/ 8 الإصابة: 1/ 286) وعليه فيكون خبر مقتل عثمان قد بلغهم وهم في خراسان وهذا يعارض ما جاء عن أبي تميلة عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال: «شهدت الدار يوم قتل عثمان فرأيت الحسن بن علي معه» (تاريخ دمشق: 27/ 130) فإن صححنا كلام ابن سعد وأكدناه فإن في هذه الرواية وهما والراوي عن أبي تميلة على هذا الوجه هو عمار بن الحسن النسائي وقد خالفه ثلاثة: زكريا بن عدي والمنجاب بن الحارث وعثمان بن أبي شيبة رووه عن أبي تميلة عن رميح بن هلال عن عبد الله بن بريدة قوله: «ولدت لثلاث خلون من خلافة عمر» - وقد سبق - وإن صح عن أبي تميلة فإنه قد خالفه الفضل بن موسى رواه عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قوله: «جئت إلى أمي يوم قتل عثمان ... » - وسبق أيضا - والفضل ثقة حافظ قورن بابن المبارك وقد قدم ابن المديني أبا تميلة عليه لأن الفضل روى أحاديث مناكير إلا أن تأثير هذا قد يتأكد في رواية الأحاديث إذ إن ما أخذ على الفضل رواية بعض الأحاديث المناكير أما في الأخبار والتواريخ فقد لا يؤثر هذا كثيرا وما دامت رواية أبي تميلة مخالفة لما عليه أهل التاريخ - على فرض تصحيحه - فإن رواية الفضل بن موسى تقدم عليها وإن خطأنا كلام ابن سعد سقط هذا الاحتمال وعلى فرض صحة هذا الاحتمال: يكون عبد الله بن بريدة عاش سنوات في المدينة طفلا ثم انتقل مع أبيه إلى خراسان غازيا ومن ثم فمعاصرته عائشة كانت في المدينة وهو طفل فلا يصح له سماع إذن وإن كان هذا الاحتمال ساقطا: فإن شهود عبد الله بن بريدة الدار يوم قتل عثمان لا يتنافى مع كونه صغيرا وقتها فقد يشهد الوقعة صغيرا ويعرف بعض شاهديها.
فأفاد هذا المبحث أن المعاصرة الواقعة بين عبد الله بن بريدة - حال صحة تحمله الرواية - وعائشة - رضي الله عنها - وإن طالت = إنما كانت في الزمان فقط وكان المكان بينهما متباعدا فسماعه منها فيه بعد كما حكم الإمام الجهبد أبو الحسن الدارقطني.
3 - من مؤيدات نفي الدارقطني السماع: أن عبد الله بن بريدة يدخل واسطة بينه وبين عائشة وهذه الرواية في صحيح البخاري (3474 5734 6619) وغيره من طريق داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن عائشة - رضي الله عنها - وهذه القرينة - أعني: إدخال الراوي واسطة بينه وبين شيخه - مهمة جدا والأئمة يستدلون بها كثيرا على عدم سماع هذا الراوي من شيخه. وأمرها ظاهر ولو كان عبد الله بن بريدة سمع من عائشة ما احتاج أن يدخل بينه وبينها يحيى بن يعمر أو غيره.
4 - ومما يؤيد أنه لم يسمع: أنه - إن صح هذا الاحتمال - يرسل روايته أحيانا عن عائشة ويعنعنها أحيانا وهذا دليل على أنه لم يسمع منها.
وقد عارض بعض العلماء نفي الدارقطني ثم البيهقي سماع عبد الله بن بريدة من عائشة وذكروا أن المعاصرة كافية في الحكم باتصال الرواية مع أمن التدليس وعبد الله بن بريدة عاصر عائشة زمنا طويلا ولم يرم بتدليس (الجوهر النقي: 7/ 118 السلسلة الصحيحة: 7/ 1010).
والجواب عن هذا: أن كلام الدارقطني والبيهقي ينفي صحة الحكم بأن المعاصرة كافية في الاتصال لأنهما من أكابر المحدثين ويعلمان يقينا معاصرة عبد الله بن بريدة عائشة ولم يحكما بالسماع مع ذلك لأنهما يشترطان السماع لا المعاصرة فحسب.
ثم لو سلمنا بأن المعاصرة كافية فإن القرائن قد دلت على أن معاصرة ابن بريدة عائشة - بالخصوص - لا تفيد في إثبات الاتصال لأن المعاصرة الزمانية والمكانية كانت في زمن لا يصح التحمل فيه ثم انفصلا وتباعدت ديارهما ثم إن عبد الله يدخل واسطة بينه وبين عائشة وهاتان قرينتان قويتان على عدم اتصال روايته عنها وفي هذا الشأن قال الشيخ الألباني بعد أن نقل كلام الدارقطني والبيهقي (الصحيحة: 7/ 1009): «كذا قالا! وقد كنت تبعتهما برهة من الدهر في إعلال الحديث المشار بالانقطاع في رسالتي «نقد نصوص حديثية» (ص 45) والآن فقد رجعت عنه؛ لأني تبينت أن النفي المذكور لا يوجد ما يؤيده بل هو مخالف لما استقر عليه الأمر في علم المصطلح أن المعاصرة كافية لإثبات الاتصال بشرط السلامة من التدليس ... » إلخ ويظهر لك أنه قد وجد ما يؤيد قول الدارقطني والبيهقي والأصل أن كلام جهابذة الحديث وأئمته ونقاده - إذا لم يخالفهم مثلهم أو يثبت خطؤهم - يقبل ثم يبحث له عما يؤيده لا أن يرد بدعوى أنه لا شيء يؤيده ولو قبل رد كلام الأئمة وأحكامهم بهذه الدعوى لما كان لكلامهم فائدة ولما كان لإمامتهم في هذا العلم وجه ولكان شطر من أحكامهم وأقوالهم لغوا لا دليل عليه!
ومن الغريب قول الشيخ :«بل هو مخالف لما استقر عليه الأمر في علم المصطلح ... » والحق أن ما استقر عليه الأمر في علم المصطلح هو المخالف لكلام الدارقطني والبيهقي! فاستقرار الأمر في علم المصطلح لم يكن إلا بعد البيهقي يقينا وعند الخلاف بين متقدم ومتأخر =يكون المتأخر مخالفا للمتقدم لا العكس وهذا يظهر أن في علم المصطلح المتأخر ما هو مخالف لما عليه أئمة النقد بلا شك وهو دليل على الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين وهو ما لا ينكره العارف المتأمل البصير المتجرد للحق
وقد ذكر ابن التركماني طرفا من الكلام عن إمكان سماع عبد الله بن بريدة من عائشة ثم قال: «على أن صاحب الكمال صرح بسماعه منها» (الجوهر النقي: 7/ 118) ويظهر أنه لم يعتمد هذا دليلا لأن الأدلة والقرائن قائمة على نفي السماع وذكر المترجمين - خاصة المتأخرين - سماعات الرواة لا يقوم دليلا بذاته في الغالب هذا إن صح أن صاحب الكمال يذكر السماعات ولم تكن طريقته كما في تهذيبه: بذكر روايات التلاميذ عن الشيوخ ما صح منها وما لم يصح ومما يحتج به نفاة الانقطاع: قول الترمذي عقب هذا الحديث: «حسن صحيح» فبعد أن نقل ابن حجر كلام الدارقطني قال: «قلت: صحح له الترمذي حديثه عن عائشة في القول ليلة القدر من رواية جعفر بن سليمان بهذا الإسناد ومقتضى ذلك أن يكون سمع منها ولم أقف على قول أحد وصفه بالتدليس» (إتحاف المهرة: 17/ 6) فمفهوم كلام الترمذي أنه يرى اتصال رواية عبد الله بن بريدة عن عائشة إلا أنه سبق أن الأدلة إنما تدل على الانقطاع وليس ثمة ما يؤيد اتصال هذه الرواية والأخذ بمنطوق الدارقطني والبيهقي أولى من الأخذ بمفهوم كلام الترمذي.
وعلى كل حال فإن الراجح من كل هذا صحة حكم الدارقطني والبيهقي من أن عبد الله بن بريدة لم يسمع من عائشة شيئا فالحديث بهذا الإسناد منقطع ولا يصح ومن ثم فلا يصح المرفوع من الحديث ويبقى النظر في الموقوفات عن عائشة - رضي الله عنها -.
# دراسة أسانيد الروايات الموقوفة عن عائشة:
1 - إسناد رواية شريح بن هانئ صحيح إن ثبت سماع أبي إسحاق الشيباني من العباس بن ذريح والعباس بن ذريح من شريح بن هانئ فإن روايتهم عن بعضهم بالعنعنة.
2 - في طريق مسروق: عبد الله بن جبير شريك مسروق على السلسلة ولم أجد ترجمة لعبد الله هذا وقد جاءت تسميته في تاريخ واسط لبحشل (ص 38): عبد الله بن حنين ولم أجد له بهذا الاسم ترجمة أيضا ولعل كونه شريكا لمسروق يدل على معرفته به وعلاقة بينهما.
3 - في رواية الحسن عن عائشة: الربيع بن صبيح متكلم فيه والراوي عنه معروف الكرخي اتهر بالزهد والصلاح قال ابن حبان: «ليس له حديث يرجع إليه» (الثقات: 9/ 206).
ثم إن بعض العلماء ذكر أن الحسن لم يسمع من عائشة (تهذيب الكمال: 6/ 97)."
ورغم كل ما تناوله الكاتب من وجوه الضعف والنكارة والجهل وعدم الاتصال وهو :
-"وعلي بن غراب متكلم فيه
-" ومخلد بن يزيد وهو ثقة ذو أوهام"
-" عبد الرحمن بن محمد بن منصور أبو سعيد الحارثي وقد تكلم في الحارثي هذا"
-" محمد بن سليم أبي هلال الراسبي عن ابن بريدة عن عائشة أبو هلال فيه ضعف"
-" الوليد بن عمرو بن ساج ضعيف"
-" هذه كلها مراسيل ابن بريدة لم يسمع من عائشة شيئا"
-" رميح بن هلال: «مجهول لا يعرف لا أعلم روى عنه غير أبي تميلة» -"عبد الله بن جبير شريك مسروق على السلسلة ولم أجد ترجمة لعبد الله هذا "
-"الربيع بن صبيح متكلم فيه الحسن لم يسمع من عائشة"
مع كل الكلام السابق الذى يثبت أنه لا يوجد سند صحيح فإن الكاتب حكم بالصحة لأن مجموع المرضى هو صحيح سليم وليس مريض ومريض ومريض حيث قال :
"ومن ثم فلم يخل طريق من الموقوفات عن عائشة من كلام وأصحها الوجه الأول وضعف كل طريق مما يحتمل واجتماع هذه الطرق يدل على صحة الوجه الموقوف عن عائشة - رضي الله عنها -.
فالثابت من الحديث إذن الموقوف دون المرفوع عن عائشة - رضي الله عنها "