مراجعة كتاب إيضاح الدلالة في تخريج وتحقيق حديث: ((لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة))
الكاتب هو هادى بن مقبل الوداعى وقد ابتدأ الكتاب بذكر رسالة محمد بن عبد الوهاب الذى بدأ بنص الرواية حيث قال:
"نص الحديث
1ـ قال سعيد بن منصور في"سننه" كما في "المحلى" (5/195- مسألة 633):
حدثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن جامع بن أبي راشد، عن شقيق بن سلمة قال : قال حذيفة لعبد الله ابن مسعود: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )) أو قال: مسجد جماعة)).
وأخرجه :
2ـ الطحاوي في "مشكل الآثار": (7/201) مرفوعا.
3ـ الطبراني في "الكبير": (9/349-350) موقوفا .
4ـ عبد الرزاق الصنعاني: (4/347-348) موقوفا .
5ـ ابن أبي شيبة: (4/316) مرفوعا .
6ـ البيهقي: (4/316) مرفوعا.
7ـ الذهبي في "سير أعلام النبلاء": (15/81) مرفوعا.
8ـ زاد الألباني في "قيام رمضان" الطبعة الثانية: الإسماعيلي - وكذا في "السلسلة الصيحة" رقم (2786)- مرفوعا.
9ـ الفاكهي في "أخبار مكة": ( 2/149) مرفوعا كما في " الصحيحة" للألباني رقم (2786)."
والنص معارض لكتاب الله فالاعتكاف لا يكون فى المساجد العامة أبدا لأن المنهى عنه فى الاعتكاف هو مبشرة النساء أى جماع الزوجات وجماع الزوجات لا يكون إلا فى حجر الرقاد حجرة الزوجين ومن ثم فالاعتكاف يكون فى البيت فى حجرة الإنسان كما قال سبحانه:
" ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد"
ومن ثم بطل أى اعتكاف فى أى مسجد من المساجد العامة أيا كان اسمها مسجد أو زاوية أو غير هذا
وتناول الكاتب أسانيد الرواية حيث قال:
"مناقشة الإسناد :
1ـ شقيق بن سلمة أبو وائل الكوفي:
قال ابن معين : ثقة لا يسأل عن مثله, وقال وكيع : كان ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.
وقال ابن عبد البر : أجمعوا على أنه ثقة. وسأل ابن أبي حاتم أباه: كان يدلس؟ قال: لا. أنظر "التهذيب" (4/361-363) .
2ـ جامع بن أبي راشد الكوفي:
قال أحمد : شيخ ثقة, و قال النسائي: ثقة. وقال يعقوب بن سفيان: كوفي ثقة ثقة، انظر " التهذيب" (2/56).
3ـ سفيان بن عيينة أبو محمد الكوفي سكن مكة:
قال الشافعي لولا مالك و سفيان لذهب علم الحجاز. وقال بن سعد: كان ثقة ثبتا كثير الحديث حجة. وقال أبو حاتم : ابن عيينة ثقة إمام، وأثبت أصحاب الزهري مالك وابن عيينة.
وقال الترمذي: سمعت محمدا - هو البخاري - يقول أحفظ من حماد بن زيد. وقال اللالكائي: هو متستغن عن التزكية لتثبته وإتقانه.أنظر "التهذيب" (4/117-122).
قلت فالحديث صحيح لا غبار عليه.
ملاحظة انظر رسالة "الإنصاف في أحكام الاعتكاف" لعلي بن حسن بن علي بن عبد الحميد."
الكاتب أثبت صحة رواية الاعتكاف فى المساجد الثلاث فقط وهو ما يعارض عشرات الروايات التى تبين اعتكاف المسلمين فى مساجد العامة فضلا عن البيوت مثل:
263 ... يعتكف العشر الأواخر من رمضان وأن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يتبع جنازة ولا يعود مريضا ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ويأمر من اعتكف أن يصوم ... عائشة بنت عبد الله ... التحقيق في مسائل الخلاف لابن الجوزي ... 1190 ... 1376 ... أبو الفرج ابن الجوزي ... 597 192 ... يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده وأن السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يتبع جنازة ولا يعود مريضا ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا إعتكاف إلا في مسجد جماعة وسنة من اعتكف أن يصوم ... عائشة بنت عبد الله ... سنن الدارقطني ... 2082 ... 2339 ... الدارقطني ... 385 1580- أَخبَرنا أَبو عَمْرٍو الأَدِيبُ، حَدَّثنا أَبو بَكْرِ الإِسماعِيلِيُّ، أَخَبَرنِي الحَسَنُ بن سُفيَانَ وَعِمْرَانُ بن مُوسَى، قَالاَ: حَدَّثنا وَهْبُ بن بَقِيَّةَ، أَخبَرنا خَالِدٌ، قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنِي ابن عَبدِ الكَرِيمِ، حَدَّثنا إِسْحَاقُ بن شَاهِينَ، حَدَّثنا خَالِدٌ، يَعْنِي ابْنَ عَبدِ اللهِ، عَن خَالِدٍ يَعْنِي الحَذَّاءَ، عَن عِكْرِمَةَ، عَن عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ اعْتَكَفَ فَاعْتَكَفَتْ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ فَرُبَّمَا وُضِعَتِ الطَّسْتُ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ العُصْفُرِ فَقَالَتْ: كَأنَ هَذَا شَيْئً كَانَتْ فُلاَنَةُ تَجِدُهُ.
لَفْظُ وَهْبٍ وَحَدِيثُ إِسْحَاقَ مِثْلُهُ سَوَاءٌ رَواه البُخاري في «الصحيح» عَن إِسْحَاقَ بن شَاهِينَ.1/328 8640- أَخبَرناهُ أَبو الحَسَنِ عَلِيُّ بن مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، أَخبَرنا الحَسَنُ بن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ، حَدَّثنا يُوسُفُ بن يَعقُوبَ، حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن إِسْحَاقَ، حَدَّثنا يُوسُفُ بن يَعقُوبَ، حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن أَبِي عَدِيٍّ، عَن حُمَيْدٍ، عَن أَنَسٍ رَضيَ الله عَنه، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ إِذَا كَانَ مُقِيمًا اعْتَكَفَ العَشْرَ الأَوَاخِرَ وَإِذَا سَافَرَ اعْتَكَفَ العَامَ المُقْبِلَ عِشْرِينَ يَوْمًا.4/314 سنن البيهقى الكبرى
وتناول الشبه التى قيلت فى الرواية حيث قال :
"شبه والجواب عنها
الشبهة الأولى :
اختلف على حذيفة فيه :
فرواه شقيق بن سلمة مرفوعا ، وخالفه إبراهيم بن يزيد النخعي، فرواه موقوفا من كلام حذيفة، والرد على هذه المخالفة كما يلي :
إبراهيم هذا قال فيه علي بن المديني وأبو حاتم: ( لم يلق أحدا من الصحابة ) كما في " التهذيب" (1/178) و "جامع التحصيل" صـ (168).
قلت فروايته منقطعة ، ورواية شقيق متصلة، ولا يجوز معارضة الصحيح بالضعيف.
تنبيه :
رواية إبراهيم أخرجها ابن أبي شيبة، والصنعاني والطبراني.
الشبهة الثانية :
اختلف على ابن عيينة فيه:
فرواه عنه عبد الرزاق الصنعاني موقوفا ، كما في "مصنفه" و "المعجم الكبير للطبراني".
وخالفه سعيد بن منصور صاحب "السنن" ، ومحمود بن آدم المروزي، وهشام بن عمار، ومحمد بن الفرج، وسعيد بن عبد الرحمن، ومحمد بن أبي عمر العدني فرووه عنه مرفوعا.
فنظرت في تراجم هؤلاء، فإذا سعيد بن منصور في رتبة عبد الرزاق، وربما أرفع، وبقي معنا محمود بن آدم، وهشام بن عمار، ومحمد بن الفرج، وسعيد بن عبد الرحمن، ومحمد بن أبي عمر العدني على المعادلة فصح مرفوعا والحمد لله رب العالمين وانظر تراجمهم من التهذيب :
1ـ سعيد بن منصور : (4/89).
2ـ عبد الرزاق بن همام : (6/310).
3ـ محمود بن آدم : 10/61)و "الجرح والتعديل" (2/290-291)
4- هشام بن عمار : (11/51).
5ـ محمد بن الفرج القرشي مولاهم البغدادي ثقة من شيوخ مسلم وأبي داود. أنظر "تحرير تقريب التهذيب". (3/304-305).
6ـ سعيد بن عبد الرحمن كما في "الصحيحة" مرفوعا. وهو سعيد بن عبد الرحمن المخزومي. انظر "تهذيب التهذيب": (4/55).
7ـ محمد بن أبي عمر كما في "الصحيحة" مرفوعا. أنظر ترجمته من "التهذيب": (9/518 ـ520).
تنبيه :
قال بن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": (8/290- 291) في محمود بن آدم هذا : (وكان ثقة صدوقا).
فائدة :
في رواية سعيد: (أو قال : (( مسجد جماعة )). ولم يذكرها من رواه مرفوعا ، ولا موقوفا، نعم جاءت في بعض الطرق عن إبراهيم بن يزيد النخعي، ولكن قد مر بك أن طريق إبراهيم بن يزيد منقطعة .
لكن يشهد لها حديث عائشة الآتي :
نص حديث عائشة
قال أبو داود في "سننه": (2/836-837 رقم 2473):
حدثنا وهب بن بقية، قال أخبرنا خالد، عن عبد الرحمن يعني ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: ( السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع)."
وتناول الاسناد بالمناقشة حيث قال :
مناقشة الإسناد :
1ـ وهب بن بقية الواسطي أبو محمد ثقة من 10 م د س .
2ـ خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ثقة ثبت من 8 ع.
3ـ عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله المدني صدوق من 6 بخ م 4 . وقد تابعه عقيل وابن جريج.
4ـ محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني الفقيه الحافظ من 4 ع .
5ـ عروة بن الزبير المدني ثقة فقيه من 3 ع.
6ـ عائشة الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين رضي الله عنها ع .
التخريج :
ورواه الدار القطني: (2/201 رقم 11و 12 ) عن ابن جريج عن الزهري .
والبيهقي : (4/315-316) من طريق عقيل، عن الزهري وانظر "الإرواء": (4/139-140)."
واحكم الكاتب على الحديث بالصحة حيث قال:
"الحكم على الحديث:
إسناده حسن بسند أبي داود، والحديث صحيح، فقد تابع عقيل وابن جريج عبد الرحمن بن إسحاق، ويشهد له حديث حذيفة المذكور في الرسالة.
تنبيه :
قول الصحابي: من السنة كذا و كذا، له حكم الرفع كم هو مقرر في كتب أصول الحديث.
وبهذا الحديث، يصح الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجمعة لكنه في المساجد الثلاثة أكمل.
وهو ترجيح شيخنا مقبل بن هادي الوادعي
الشبهة الثالثة :
قول ابن مسعود لحذيفة: لعلك نسيت وحفظوا، وأخطأت وأصابوا.
هو قول لا حجة فيه، لأنه لم يبرهن على ما يقول، وإنما هو مجرد ترج ، ولا يخفى على العاقل أ تخطئة الثقة لا بد لها من بينة واضحة."
وكل هذه الشبه لا قيمة لها مع ادحضها كما تصور الكاتب مع معارضتها لكتاب الله
وتناول اختلاف الفقهاء فى أماكن الاعتكاف حيث قال :
"فوائد
الأولى :
اختلف الناس في مكان الاعتكاف على أقوال وهي كما يلي:
1ـ قالت طائفة: لا اعتكاف إلا في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم
2ـ قالت طائفة: لا اعتكاف إلا في مسجد مكة و مسجد المدينة فقط.
3ـ قالت طائفة: لا اعتكاف إلا في مسجد النبي.
4ـ قالت طائفة: لا اعتكاف إلا في مسجد مكة و مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس.
5ـ قالت طائفة: لا اعتكاف إلا في مصر جامع.
6ـ قالت طائفة: لا اعتكاف إلا في مسجد جامع.
7ـ قالت طائفة: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة.
8ـ قالت طائفة: الاعتكاف جائز في كل مسجد و يعتكف الرجل في مسجد بيته.
ذكر هذه الأقوال ابن حزم في "المحلى" (5/193-195 مسألة رقم 633)."
والحقيقة التى نص عليها الله فى كتابه أن الاعتكاف فى مساجد البيوت فقط حيث يباح للرجل مباشرة وهو جماع زوجته
وتناول الكاتب الوادعى الرواية مرة أخرى حيث قال :
"الثانية :
قال الشيخ الألباني في "قيام رمضان" - الطبعة الثانية - ص (36):
(ثم وقفت على حديث صحيح صريح، يخصص المساجد المذكورة في الآية بالمساجد الثلاثة : المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ))، وقد قال به من السلف فيما اطلعت: حذيفة بن اليمان، وسعيد بن المسيب، وعطاء إلا أنه لم يذكر المسجد الأقصى، وقال غيرهم بالمسجد الجامع مطلقا، وخالف آخرون فقالوا : ولو في مسجد بيته.
ولا يخفى أن الأخذ بما وافق الحديث منها هو الذي ينبغي المصير إليه، والله سبحانه وتعالى أعلم ). انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله.
الثالثة :
قد صحح هذا الحديث :
الذهبي في"سير أعلام النبلاء": (15/18) إذ قال بعد أن أخرجه بسنده : ( صحيح غريب عال ).
والشيخ الألباني وقد سبق كلامه وفيه:
( ثم وقفت على حديث صحيح صريح .... )
وكذا قال في "السلسلة الصحيحة" رقم (2786): (هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين).
قلت : وهو كما قالا.
تنبيه:
أخي المسلم إذا فاتك الاعتكاف في عام من الأعوام في أحد هذه المساجد الثلاثة، فاعتكف في أي مسجد تقام فيه الجمعة، وأبواب الخير - والحمد لله - كثيرة ومنها (الرباط) كما جاء في الحديث (( وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط)). أخرجه مسلم (1/219) رقم الحديث(251) عن أبي هريرة.
الرد على رسالة [ دفع الاعتساف عن محل الاعتكاف ]
كنت قد انتهيت من رسالتي في 11 رمضان عام 1408هـ وفي 8 محرم عام 1409 هـ. وقبل أن أقدم رسالتي للطبع، وقفت على رسالة لأخينا في الله جاسم بن سليمان الدوسري، فوجدت فيها أخطاء، فأحببت أن أنبه على بعضها فأقول:
أولا :
قوله : (محمود بن آدم لم يوثقه غير ابن حبان) هذا قصور، بل قد وثقه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/290-291) فقال : ( .... وكان ثقة صدوقا).
ثانيا :
قوله : ( .... وعبد الرزاق لا يقارن في جودة حفظه وإتقانه بمحمود بن آدم المستور على أحسن أحواله ....) هذا قصور أيضا، فإن محمود بن آدم ثقة كما كمر، ثم هو لم يتفرد برفعه، بل قد وافقه على رفعه سعيد بن منصور وهشام بن عمار وغيرهما، كما مر في الشبهة الثانية فراجعها.
ثالثا :
قوله : (.... فعلم أن حذيفة إنما قال ذلك اجتهادا منه، ولم يكن ابن مسعود ملزما باجتهاده).
قلت : هذا قلب للحقائق، و إلا فالصواب عكسه، ذلك أن حذيفة استند إلى نص فهو متبع له، وابن مسعود ليس عنده نص فاجتهد، وكان اللازم عليه أن يتبع هذا النص، إذ لا اجتهاد مع النص.
وهناك أخطاء أخرى."
وانتهى هادى الوادعى إلى جواز الاعتكاف فى مساجد الجمعات فقط حيث قال :
"الخلاصة
وخلاصة البحث أن الاعتكاف مشروع في كل مسجد تقام فيه الجمعة، وهو في المساجد الثلاثة أكمل.
وهذا اختيار شيخنا العلامة المحدث الفقيه أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي يرحمه الله تعالى."