خواطر حول حديث الصورة رواية ودراية
الكاتب هو بندر بن نافع العبدلي وموضوعه هو حديث الصورة إثباتا له دون تأويل وهو قوله حيث قال :
"مذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله (ص)من الأسماء والصفات , من غير تحريف ولا تعطيل , ومن غير تكييف ولا تمثيل , بل يؤمنون بأن الله سبحانه ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه , ولا يحرفون الكلم عن مواضعه , متبعين في ذلك كتاب الله والسنة وما ورد عن سلف الأمة , ثم هم ينكرون على من حرف صفات الله أو مثل الله بخلقه , لأن ذلك تعد على النصوص وقول على الله بلا علم , إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات , فكما أنه عز وجل لم يخبرنا عن كيفية ذاته , فكذلك لا نعلم كيفية صفاته , لكننا نثبتها كما يليق بجلاله وعظمته .
قال نعيم بن حماد الخزاعي ( من شبه الله بخلقه فقد كفر , ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر , وليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه ) ."
والغريب في الفقرة هو أن المذهب يتعارض في الاثبات مع المنقول عن نعيم بن حماد حيث منع التشبيه والحديث قائم على التشبيه
وفى المبحث ألأول ذكر روايات حديث الصورة حيث قال :
"المبحث الأول
سرد حديث الصورة بطرقه و ألفاظه
هذا الحديث ورد من عدة طرق
. فقد ورد من طريق عبدالرزاق , حدثنا معمر , عن همام بن منبه , عن أبي هريرة بلفظ ( خلق الله عز وجل آدم على صورته , طوله ستون ذراعا , فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر - وهم نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك , فإنها تحيتك وتحية من بعدك ... )
أخرجه عبدالرزاق والبخاري , ومسلم , وابن خزيمة في التوحيد وابن حبان وابن منده في الرد على الجهمية و اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة و البيهقي في الأسماء والصفات و البغوي في شرح السنة .
. ومن طريق سفيان بن عيينة ,عن أبي الزناد , عن الأعرج , عن أبي هريرة بلفظ ( إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه , فإن الله خلق آدم على صورته ) .
أخرجه الحميدي , ومسلم , وأحمد , وابنه عبدالله في السنة وابن حبان , و الآجري في الشريعة , و البيهقي في الأسماء والصفات , وفي السنن . ولفظ مسلم مختصر ليس فيه ( فإن الله ... ) .
. ومن طريق المثنى بن سعيد , عن قتادة , عن أبي أيوب , عن أبي هريرة بلفظ ( إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه , فإن الله خلق آدم على صورته ) .
أخرجه مسلم و الطيالسي , وإسحاق بن راهويه في مسنده , وأحمد , وابن خزيمة في التوحيد و البيهقي في الأسماء والصفات .
ورواية الطيالسي وابن راهويه مقتصرة على الشطر الأول فقط .
وأخرجه أحمد من طريق همام بن يحيى عن قتادة به .
. ومن طريق محمد بن عجلان , عن سعيد المقبري , عن أبي هريرة .
أخرجه الحميدي , و أحمد وابن أبي عاصم وابن خزيمة في التوحيد , و الآجري في الشريعة , و اللالكائي , و البيهقي في الأسماء و الصفات والخطيب في تاريخ بغداد من طريق يحيى بن سعيد القطان , وابن أبي عاصم و, وابن خزيمة من طريق الليث بن سعد كلاهما عن ابن عجلان به .
لفظ حديث يحيى ( إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه , ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك , فإن الله تعالى خلق آدم على صورته ) .
ولفظ الليث ( لا يقولن أحدكم لأحد قبح الله وجهك , ووجها أسبه وجهك , فإن الله خلق آدم على صورته ) .
. ومن طريق الأعمش , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء , عن ابن عمر بلفظ ( لا تقبحوا الوجه , فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن ) .
أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة , وابن أبي عاصم في السنة , وابن خزيمة في التوحيد , و الآجري في الشريعة و الدارقطني في الصفات , و البيهقي في الأسماء والصفات كلهم من طريق جرير عن الأعمش به .
وقد أعل ابن خزيمة هذا اللفظ من هذا الطريق بثلاث علل
إحداها أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده , فأرسله الثوري ولم يقل - عن ابن عمر - قلت أخرجه ابن خزيمة في التوحيد من طريق سفيان الثوري , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء مرسلا , لم يذكر فيه ابن عمر .
وفي المنتخب من العلل للخلال لابن قدامة ص قال المروذي قلت لأبي عبدالله كيف تقول في حديث النبي (ص)( خلق آدم على صورته )
قال الأعمش يقول عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء , عن ابن عمر ( إن الله خلق آدم على صورته ) فأما الثوري فأوقفه - يعني حديث ابن عمر .
قلت وهذا مشكل , اللهم إلا أن يكون مراد الإمام أحمد بالموقوف أي المرسل , يعني الراوي وقف به عند عطاء ولم يجاوزه , أو يكون هذا من اختلاف الرواة على الثوري .
الثانية أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت .
الثالثة أن حبيب بن أبي ثابت أيضا مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء .
وقد ذكر الألباني هذه العلل في " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة "
وزاد علة رابعة , وهي جرير بن عبدالحميد فإنه وإن كان ثقة , فقد ذكر الذهبي في ترجمته من الميزان أن البيهقي في سننه في ثلاثين حديثا لجرير بن عبدالحميد قال ( وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ ) ومما يؤيد ذلك أنه رواه مرة عند ابن أبي عاصم - وكذا اللالكائي برقم - بلفظ ( على صورته ) ولم يذكر ( الرحمن ) وهذا الصحيح المحفوظ عن النبي (ص)من الطرق الصحيحة عن أبي هريرة .
قال أخونا طارق عوض الله في حاشيته على المنتخب من العلل للخلال ( وهذه العلة قوية جدا , لأن بهذا يسقط الحديث عن الأعمش أصلا , ولا يبقى إلا حديث الثوري , وقد عرفت حاله , ومما يؤكد قوة هذه العلة أن الإمام الدارقطني ذكر هذا الحديث في الأفراد والغرائب له , كما في أطرافه لابن طاهر وقال الدارقطني تفرد به جرير بن عبدالحميد , عن الأعمش , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء ) .
قلت وقد وقفت على علة خامسة يعلل بها حديث ابن عمر ( على صورة الرحمن ) , وهي الانقطاع في الإسناد , فإن عطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر , نص على ذلك الإمام أحمد وعلي بن المديني , كما في جامع التحصيل للعلائي ص رقم .
وفي المراسيل لابن أبي حاتم ص قال أبو عبدالله يعني الإمام أحمد ( عطاء - يعني ابن أبي رباح - قد رأى ابن عمر ولم يسمع منه ) .
وقد حاول الشيخ حمود التويجري أن يجيب عن العلل الأربعة في كتابه عقيدة أهل الإيمان من عدة أوجه , وفي بعض أجوبته نظر ! ومما ذكره من الأوجه ( قال الوجه الثاني أن يقال إن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه قد صححا حديث ابن عمر الذي فيه ( إن الله خلق آدم على صورة الرحمن ) ... ) إلخ .
ثم قال ( وإذا علم أن الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه قد صححا حديث ابن عمر الذي جاء فيه ( إن الله خلق آدم على صورة الرحمن ) فلا ينبغي أن يلتفت إلى تضعيف ابن خزيمة له فصلا عن تضعيف الألباني له تقليدا لابن خزيمة , وذلك لأن أحمد وإسحاق أعلم بالأسانيد والعلل ممن أقدم على تضعيف الحديث بغير مستند صحيح ) .
قلت هذا الوجه الذي ذكره الشيخ ليس حجة قوية , أما إسحاق بن راهويه فقد ثبت عنه تصحيح الحديث , كما صرح بذلك حرب الكرماني في كتاب السنة , وليس كل إنسان يعتمد على تصحيحه , إذا قد يصححه تبعا لغيره ولو لم تظهر له علته .
وأما تصحيح الإمام أحمد للحديث فليس على أنه ثابت , وإنما لأجل أن يحتج به على أن الضمير في قوله (ص)( على صورته ) يعود إلى الله عز وجل , على أنه قد تقدم عن الإمام أحمد ما يدل على عدم صحة رواية ( صورة الرحمن ) فيما حكاه المروذي عنه .
وأما الجواب عما نقله الذهبي في الميزان في ترجمة حمدان بن علي الوراق فقد أجاب عنه أخونا الشيخ طارق عوض الله في حاشيته على المنتخب من العلل للخلال ص بجواب نفيس قال ( ويصعب أن نفهم من كلام أحمد الذي حكاه الذهبي أنه يصحح الحديث المذكور , وإن كان في بعض كلامه ما قد يوهم ذلك , وذلك قوله فأين الذي يروي عن النبي (ص)( إن الله خلق آدم على صورة الرحمن ) ! حيث قال هذا في معرض الرد على من فسر حديث ( على صورته ) بأن معناه على صورة آدم , فقد يوهم ذلك صحة الحديث عنده , غير أن المتأمل لكلام الإمام أحمد يظهر له بجلاء أن الإمام لا يعتمد على هذا الحديث في نقض التأويل , حتى يصح أن يقال إنه احتج به واعتمد عليه , فالظاهر للمتأمل غير ذلك , وإن الإمام إنما يستأنس به فحسب , فالمعروف من عادة العلماء في باب الاستشهاد التسامح في سوق الروايات الضعيفة إذا لم تكن منكرة , وكانت موافقة لظاهر الروايات الصحيحة التي في الباب , فيستأنسون بها لبيان ما يدل عليه ظاهر الأحاديث الصحيحة , وصنيعهم هذا لا يدل على اعتمادهم على تلك الروايات الضعيفة , ولا يدل - أيضا- على أنهم اعتمدوا عليها في تفسير الحديث الصحيح الذي ربما يكون معناه محتملا لهذا المعنى الذي تضمنه هذا الحديث الضعيف ولغيره من المعاني ... وقد قيل إن رواية ( على صورة الرحمن ) مما رواه بعض الرواة بالمعنى , فإن صح هذا فليس في الإسناد إلا إمام من أئمة أهل السنة , فالأخذ بتأويله وبفهمه أولى من الأخذ بتأويل المتأخر )
وقد ورد لحديث ابن عمر هذا شواهد
* منها حديث أبي هريرة قال قال رسول الله (ص)( إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه , فإن الله خلق آدم على صورة وجهه ) .
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة من طريق سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة , عن أبي رافع , عن أبي هريرة وإسناده صحيح إلا أن لفظه ( على صورة وجهه ) غير محفوظة , بل المحفوظ في الطرق الصحيحة ( على صورته )
قال الألباني في تعليقه على كتاب السنة ( ثم إن سعيد بن أبي عروبة قد خولف في إسناده عن قتادة , فقال المثنى بن سعيد عن قتادة , عن أبي أيوب , عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ ( على صورته ) أخرجه مسلم وأحمد وابن خزيمة والبيهقي , وتابعه همام حدثنا قتادة به سندا ولفظا , أخرجه مسلم وأحمد , فهذا هو المحفوظ عن قتادة إسنادا ومتنا ) .
* ومنها حديث أبي هريرة قال قال رسول الله (ص)( من قاتل فليجتنب الوجه , فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن ) .
أخرجه ابن أبي عاصم من طريق ابن أبي مريم , حدثنا ابن لهيعة , عن أبي يونس سليم بن جبير , عن أبي هريرة .
وإسناده ضعيف , لضعف ابن لهيعة , والمحفوظ في الحديث عن أبي هريرة هو ( على صورته )
فالخلاصة أن حديث ابن عمر ( على صورة الرحمن ) لا يصح , لأنه معلول بعلل خمس , والمحفوظ في الحديث هو ( فإن الله خلق آدم على صورته ) ."
وروايات الحديث كلها لم يقلها النبى(ص)لتعارضها مع كتابه لأن الحديث جعل لله صورة والصورة تعنى أن الله جسم وله حدود مكانية وهو ما يعارض قوله سبحانه :
" ليس كمثله شىء"
كما أن عدم ضرب الوجه في القتال مطلوب كما قال سبحانه :
"فاضربوا فوق الأعناق"
وتناول في المبحث الثانى الضمير في كلمة صورته :
"المبحث الثاني
كلام الأئمة على الضمير في قولته ( على صورته ) إلى من يعود
اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال
القول الأول أن الضمير يعود على المضروب وإلى هذا ذهب ابن خزيمة في كتاب التوحيد , حيث قال ( توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله ( على صورته ) يريد صورة الرحمن عز ربنا وجل عن أن يكون هذا معنى الخبر , بل معنى قوله ( خلق آدم على صورته ) الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم , أراد (ص)أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب , الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب , والذي قبح وجهه , فزجر (ص)أن يقول ووجه من أشبه وجهك , لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه , فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك , كان مقبحا وجه آدم - صلوات الله عليه وسلامه - الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم , فتفهموا رحمكم الله معنى الخبر , لا تغلطوا فتضلوا عن سواء السبيل , وتحملوا على القول بالتشبيه الذي هو ضلال )
ومثله قال أبو حاتم ابن حبان حيث قال - بعد تخريج هذا الحديث - ( يريد به صورة المضروب , لأن الضارب إذا ضرب وجه أخيه المسلم ضرب وجها خلق الله آدم على صورته )
قال ابن حجر ( واختلف في الضمير على من يعود فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه , ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها ) .
وقد رد هذا القول وأبطلوه
قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث - في سرد لأقوال الأئمة في تأويل هذا الحديث - ومنها ( أن المراد أن الله خلق آدم على صورة الوجه , قال وهذا لا فائدة فيه , والناس يعلمون أن الله تبارك وتعالى خلق آدم على خلق ولده , وجهه على وجوههم , وزاد قوم في الحديث أنه (ص)مر برجل يضرب وجه رجل آخر , فقال ( لا تضربه , فإن الله تعالى خلق آدم (ص)على صورته ) أي صورة المضروب , وفي هذا القول من الخلل ما في الأول ) .
قلت هذه الزيادة التي ذكرها ابن قتيبة في حديث الصورة وهي أن النبي (ص)مر برجل يضرب رجل آخر , فقال ( لا تضربه ) . لم أقف عليها , وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( هذا شيء لا أصل له , ولا يعرف في شيء من كتب الحديث ) .
وقد قال الطبراني في كتاب السنة حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال ( قال رجل لأبي إن رجلا قال خلق الله آدم على صورته , أي صورة الرجل , فقال كذب , هذا قول الجهمية , وأي فائدة في هذا ) .
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشيخ محمد الكرخي الشافعي أنه قال في كتابه " الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاما لذوي البدع والفضول " ما نصه ( فأما تأويل من لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول , وإن صدر ذلك عن إمام معروف غير مجهول , نحو ما ينسب إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في تأويل الحديث ( خلق آدم على صورته ) فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل , ولم يتابعه عليه من قبله من أئمة الحديث , لما رويناه عن أحمد , ولم يتابعه أيضا من بعد ... )
ثم قال شيخ الإسلام ( قلت فقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني فيما جمعه من مناقب الإمام المقلب بقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التميمي صاحب كتاب الترغيب والترهيب , قال سمعته يقول أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة , ولا يطعن عليه بذلك بل لا يؤخذ عنه فحسب . قال أبو موسى أشار بذلك إلى أنه قل من إمام إلا وله زلة , فإذا ترك ذلك الإمام لأجل زلته , ترك كثير من الأئمة , وهذا لا ينبغي أن يفعل ) .
وقال الذهبي في السير - في ترجمة محمد بن إسحاق بن خزيمة - ( وكتابه في التوحيد مجلد كبير , وقد تأول في ذلك حديث الصورة , فليعذر من تأول بعض الصفات , وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا , وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله , ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق - أهدرناه , وبدعناه , لقل من يسلم من الأئمة معنا , رحم الله الجميع بمنه وكرمه ) .
وقد ساق ابن تيمية في نقض التأسيس ثلاثة عشر وجها لإبطال هذا القول
* منها أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير , فإن الله خلق آدم على صورة بنيه كلهم فتخصيص واحد لم يتقدم له ذكر بأن الله خلق آدم على صورته في غاية البعد , لا سيما وقوله ( وإذا قاتل أحدكم .. وإذا ضرب أحدكم ) عام في كل مضروب , والله خلق آدم على صورهم جميعهم , فلا معنى لإفراد الضمير , وكذلك قوله ( لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ) عام في كل مخاطب , والله قد خلقهم كلهم على صورة آدم .
* ومنها أن ذرية آدم خلقوا على صورة آدم , لم يخلق آدم على صورهم , فإن مثل هذا الخطاب إنما يقال فيه خلق الثاني المتأخر في الوجود على صورة الأول المتقدم وجوده , لا يقال إنه خلق الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود , كما يقال خلق الخلق على غير مثال أو نسيج هذا على منوال هذا .
* ومنها أنه إذا أريد مجرد المشابهة لآدم وذريته لم يحتج إلى لفظ خلق على كذا , فإذ هذه العبارة إنما تستعمل فيما فطر على مثال غيره , بل يقال إن وجهه يشبه وجه آدم , أو فإن صورته تشبه صورة آدم .
* ومنها أنه لو كانت علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه آدم لنهى أيضا عن الشتم والتقبيح وسائر الأعضاء , لا يقولن أحدكم قطع الله يدك ويد من أشبه يدك ... إلخ ما ذكره .
القول الثاني أن الضمير يعود إلى آدم .
وهو مروي عن أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي , ذكره القاضي أبو الحسين في طبقات الحنابلة في ترجمة محمد بن علي الجرجاني , المعروف بحمدان أنه قال ( سألت أبا ثور عن قول النبي (ص)( إن الله خلق آدم على صورته ) فقال على صورة آدم ) .
ونقله الإمام أحمد عن بعض محدثي البصرة , كما في نقض التأسيس لشيخ الإسلام ابن تيمية
وذكره البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سليمان الخطابي وأقره .
ونسبه ابن قتيبة إلى أهل الكلام , فقال ( فقال قوم من أصحاب الكلام أراد خلق آدم على صورة آدم لم يزد على ذلك ) , وإليه ذهب العراقي في طرح التثريب .
وقد رد الأئمة هذا القول وأبطلوه وبدعوا قائله
فقد قال الإمام أحمد - لما ذكر له قول أبي ثور المتقدم - ( من قال إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي , وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه ) .
وقال ابن قتيبة - بعد ذكره لهذا القول - ( ولو كان المراد هذا , ما كان في الكلام فائدة , ومن يشك في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته , والسباع على صورها الأنعام على صورها ) .
وقد ساق شيخ الإسلام ابن تيمية لفساد هذا القول تسعة أوجه في كتابه نقض التأسيس , أذكر منها ثلاثة وهي كافية في إبطاله
* أحدها أنه إذا قيل إذا فاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة آدم , أولا تقبحوا الوجه , ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ,فإن الله خلق آدم على صورة آدم , كان هذا من أفسد الكلام , فإنه لا يكون بين العلة والحكم مناسبة أصلا , فإن كون آدم مخلوقا على صورة آدم , فأي تفسير فسر به فليس في ذلك مناسبة للنهي عن ضرب وجوه بنية , ولا عن تقبيحها وتقبيح ما يشبهها , وإنما دخل التلبيس بهذا التأويل حيث فرق الحديث المروي ( إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه ) مفردا , وروي قوله ( إن الله خلق آدم على صورته ) مفردا , أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمنع فيه , وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا يناسب هذا الحكم .
* الوجه الثاني أن الله خلق سائر أعضاء آدم على صورة آدم , فلو كان مانعا من ضرب الوجه أو تقبيحه لوجب أن يكون مانعا من ضرب سائر الوجوه وتقبيح سائر الصور , وهذا معلوم الفساد في العقل والدين , وتعليل الحكم الخاص بالعلة المشتركة من أقبح الكلام , وإضافة ذلك إلى النبي (ص)لا يصدر إلا عن جهل عظيم أو نفاق شديد , إذ لا خلاف في علمه وحكمته وحسن كلامه وبيانه .
* الوجه الثالث أن هذا تعليل للحكم بما يوجب نفيه , وهذا من أعظم التناقض , وذلك أنهم تأولوا الحديث على أن آدم لم يخلق من نطفة وعلقة ومضغة , وعلى أنه لم يتكون في مدة طويلة بواسطة العناصر , بنوه قد خلقوا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة , وخلقوا في مدة عناصر الأرض…, فإن كانت العلة المانعة من ضرب الوجه وتقبيحه كونه خلق على ذلك الوجه , وهذه العلة منتفية في بينه , فينبغي أن يجوز ضرب وجوه بنيه وتقبيحها لانتفاء العلة فيها أن آدم هو الذي خلق على صورة دونهم , إذ هم لم يخلقوا كما خلق لآدم على صورهم التي هم عليها بل نقلوا من نطفة إلى علقة إلى مضغة .. إلخ .
والعجب أن ابن حجر في الفتح قال ( وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم , أي على صفته , أي خلقه موصوفا بالعلم الذي فضل به الحيوان وهذا محتمل ) .
قال الشيخ التويجري ( وما أبعده من الاحتمال وإنما هو قول باطل مردود بالنص على أن الله خلق آدم على صورة الرحمن )
قلت وهو كما قال , إلا أن حديث ( على صورة الرحمن ) قد تقدم أنه لا يصح .
القول الثالث أن الضمير يعود على الله جل جلاله .
وقد ذكر الإمام أحمد هذا القول فيما أملاه على بعض أصحابه من أقوال أهل السنة والجماعة , قال القاضي أبو الحسين في طبقات الحنابلة - في ترجمة أبي جعفر محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي - ( نقلت من خط أحمد الشنجي بإسناده قال سمعت محمد بن عوف يقول أملى علي أحمد بن حنبل - فذكر جملة من المسائل التي أملاها عليه مما يعتقده أهل السنة والجماعة , ومنها وأن آدم (ص)خلق على صورة الرحمن كما جاء الخبر عن رسول الله (ص)) .
وحكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عن جمهور السلف
وقال ابن جحر ( وقال القرطبي أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه ( إن الله خلق آدم على صورة الرحمن ) .
قلت هذا الطريق ضعيف , ولكن لا شك أن هذا هو المراد , وهو مذهب أهل السنة والجماعة , أن الله عز وجل خلق آدم على صورته , ولا يلزم من ذلك مماثلة الخالق بالمخلوق , فإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
قال ابن قتيبة ( والذي عندي - والله تعالى أعلم - أن الصورة ليست بأعجب من اليدين , والأصابع , والعين , وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن , ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن , ونحن نؤمن بالجميع , ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد ) .
وقد انتصر لهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس .
وقد ذهب بعض أهل السنة والجماعة إلى أن إضافة الصورة إلى الله من باب التشريف والتكريم , كقوله تعالى ( ناقة الله ) وكما يقال في الكعبة بيت الله ونحو ذلك إلا أن إجراء النص على ظاهره مع نفي التمثيل أولى , كما هو مذهب جمهور السلف ."
وسيان سواء كان الضمير عائد على تلك الكلمة أو تلك فكلاهما مشبه وهو ما يعنى أن الحديث لم يقله النبى(ص) لمخالفته
وتناول الكاتب إثبات الصورة لله فذكر روايات مخالفة لكتاب الله حيث قال "المبحث الثالث
في إثبات الصورة لله عز وجل
وردت أحاديث عن النبي (ص)في إثبات الصورة لله عز وجل أكتفي بذكر حديث واحد مشهور وهو عن أبي هريرة أنا ناسا قالوا لرسول الله (ص) يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال (ص)( هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ) قالوا لا يا رسول الله ! , وفيه ( يجمع الله الناس يوم القيامة , فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه , فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس , ويتبع من كان يعبد القمر القمر , ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت , وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون , فيقول أنا ربكم , فيقولون نعوذ بالله منك , هذا مكاننا يأتينا ربنا , فإذا جاء ربنا عرفناه , فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون , فيقول أنا ربكم , فيقولون أنت ربنا , فيتبعونه ... ) .أخرجه البخاري ومسلم .
الغلط ألأول وجود صورتين لله وهو ما يعنى أن له حدود وجسم وهو ما يعارض قوله سبحانه:
" ليس كمثله شىء"
والثانى أن الله يحل في المكان مع خلقه وهو قوله هذا مكاننا يأتينا ربنا وهو ما يتعارض مع أن الله خارج الكون المخلوق ولا يحل في مكان وإلا أشبه خلقه في وجوده في المكان ووجود جسم وحدود له
والثالث أن كل جماعة تتبع ما تعبد وهو ما يخالف أن القمر والشمس لا وجود لهم يوم القيامة كما أن الأصنام أساسا تفنى في الدنيا يوم القيامة ولا يمكن أن تعود مرة أخرى يوم القيامة كالعجل الذى تم نسفه كما قال سبحانه:
"وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا"