خواطر حول مقال حديث يا عباد الله أعينوا
ابتدأ الكاتب محمد البيطار بأن الصوفية يبيحون الاستغاثة بالموتى عن طريف رواية الحبس حيث قال:
"يستدل الصوفية لجواز الاستغاثة بأهل الأضرحة وطلب المدد من الأموات بحديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا عليّ ، فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليكم))"
وكما هى عادة الكتاب في ابطال الحديث ذكر الكاتب روايات الحديث وأسانيدها حيث قال:
"هذا الحديث له طرق وألفاظ:
الطريق الأول:
أخرجه الطبراني (3/81) وأبو يعلى في مسنده (1/254 ) وابن السني في عمل اليوم والليلة صفحة (50).
كلهم من طريق معروف بن حسان السمرقندي عن سعيد بن عروبة عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا عليّ ، فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليكم))
وفي هذا الطريق علل:
أ - أن معروف بن حسان السمرقندي غير معروف، كما قال الحافظ في لسان الميزان ( 6/61).
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/323) عن أبيه " مجهول "
وقال ابن عدي في الكامل ( 6/325):" منكر الحديث قد روى عن عمر بن ذر نسخة طويلة كلها غير محفوظة "
وقال الهيثمي في المجمع (10/132):" هو ضعيف ".
ب - الانقطاع بين عبد الله بن بريدة وابن مسعود ، قاله الحافظ ابن حجر ، كما في شرح الأذكار لابن علان (5/150)
ج- أن سعيد بن أبي عروبة: اختلط، قال النسائي: من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء. ومعروف بن حسان من الصغار ولم يسمع منه قبل الاختلاط إلا الكبار. وكان بدأ اختلاط سعيد بن أبي عروبة سنة (132) واستحكم سنة (148) كما قال الإمام البزار.
د- إن سعيد بن أبي عروبة مدلس كثير التدليس ، وقد روى هذا الحديث معنعناً من غير تصريح بالسماع من عبد الله بن بريدة ، فحكمه الانقطاع. هـ- أن معروفاً قد تفرد بهذا الحديث من هذا الوجه، دون باقي أصحاب سعيد بن أبي عروبة ؛ إذ كيف يكون هذا الحديث عند سعيد عن قتاده ثم يغيب عن أصحاب سعيد الحفاظ الأثبات الذين أطالوا صحبته واعتنوا بحديثه ، من أمثال يحيى القطان وإسماعيل بن علية وأبي أسامة وخالد بن الحارث وأبي خالد الأحمر وسفيان وشعبة وعبد الوارث وابن المبارك والأنصاري وغندر وابن أبي عدي وغيرهم عشرات حتى يأتي به هذا الشيخ المجهول المنكر الحديث.
الطريق الثاني:
روى ابن أبي شيبة في المصنف (10/424): ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نفرت دابة أحدكم أو بعيره بفلاة من الأرض لا يرى بها أحداً فليقل: أعينوني عباد الله ، فإنه سيعان))
وفي هذا الطريق علل:
أ - عنعنة محمد بن إسحاق ، فهو مدلس مشهور به.
ب - الإرسال ، لأن أبان بن صالح من التابعين ، بل من صغارهم.
الطريق الثالث:
روى البزار عن موسى بن إسحاق حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله ملائكة في الأرض يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدَكم عرجةٌ بفلاةٍ من الأرض فلينادِ يا عباد الله أعينوا )) زوائد مسند البزار (303)
وروى البيهقي في شعب الإيمان (6 - 128) حدثنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى قالا: حدثنا أبو العباس الأصم نا عبد الملك بن عبد الحميد نا روح نا أسامة بن زيد ح وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو عبد الله بن يعقوب نا محمد بن عبد الوهاب نا جعفر بن عون أنا أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن لله عز و جل ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة في الأرض لا يقدر فيها على الأعوان فليصح فليقل : عباد الله أغيثونا أو أعينونا رحمكم الله فإنه سيعان لفظ حديث جعفر و في رواية روح إن لله ملائكة في الأرض يسمون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر فما أصاب أحدا منكم عرجة أو احتاج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل : أعينونا عباد الله رحمكم الله فإنه يعان إن شاء الله.
وفي هذا الطريق علل:
أ - فيه أسامة بن زيد الليثي قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يهم.
وقال أحمد: ليس بشيء ، وقال عبد الله لأبية أحمد أراه حسن الحديث فقال أحمد: إن تدبرت حديثه فسوف تعرف فيه النكرة.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وتركه يحيى بن سعيد القطان وقال: اشهدوا أني قد تركت حديثه. تهذيب التهذيب (1/209)
ب - أن جعفر بن عون وروح بن عبادة ، قد خالفا حاتم بن إسماعيل فرويا الحديث موقوفاً على ابن عباس ، وهما ثقتان حافظان ، وحاتم فيه ضعف ، واحتمال تحمل ابن عباس الحديث من مسلمة أهل الكتاب وارد.
الطريق الرابع:
روى الطبراني في المعجم الكبير (17- 117) حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا أحمد بين يحيى الصوفي حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن عبد الله بن عيسى عن زيد بن علي عن عتبة بن غزوان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني ، فإن لله عباداً لا نراهم)) وقد جرب ذلك.
وفي هذا الطريق علل:
أ - فيه عبد الرحمن بن شريك ، قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ.
ب - وفيه شريك بن عبد الله ، قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً. ج - الانقطاع بين زيد بن علي وبن عتبة بن غزوان ، كما قال الحافظ انظر شرح الأذكار لابن علان (5/151)
تنبيه:
ورد عن بعض أهل العلم قولهم أن هذا الحديث قد جُرّب فوجد حقاً ، وهذا لا يقدم ولا يؤخر في ثبوت الحديث شيئاً ، لأن ميزان ثبوت النصوص صحة نقلها بشروطها باتفاق أهل الملة.
وقد روى الهروي "رحمه الله" في كتابه ذم الكلام (4ـ 68ـ1) : أن عبد الله بن المبارك ضل في بعض أسفاره في طريق ، وكان قد بلغه أن من ضل في مفازة فنادى: عباد الله أعينوني. أُعين. قال: فجعلت أطلب الجزء أنظر إسناده. قال الهروي: فلم يستجز أن يدعو بدعاء لا يرى إسناده.
ولو صح شيء من هذه الأحاديث أو الآثار فليس فيها أي دلالة على الاستغاثة بغير الله لأنه ورد في بعض هذه الأحاديث أن المقصود بذلك الملائكة ، والملائكة أحياء.
أما أهل القبور فقد قال الله تعالى: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إِن تدعوهم لا يسمعون دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}. [فاطر: 13]
والاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه جائزة ، كما في قوله تبارك وتعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام : {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} يقول الأستاذ عبد الرحمن بن محمد سعيد: " ولو فرضنا أن الرواية بلغت مرتبة الحسن فإنها شاذة بالنسبة لما خالفها من الروايات الأصح سنداً، ابتداء من كتاب ربنا: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]، [الإسراء: 67] ولا فرق بين الأرض الفلاة وبين البحر، وتتعارض وقوله: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 63، 64] فالآية تؤكد أن الله وحده هو المنجي لعباده في البر والبحر."
والبيطار فى نقد الأسانيد محق حسب علم الحديث ولكن للأسف فإن الرواية التى صدر بها المقال لا تدل على موتى ومن ثم فكل الكلام لا قيمة له
الروايات التى ذكرها تدل على الملائكة أو تدل على بقية الجن وهى :
"إن لله ملائكة في الأرض يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدَكم عرجةٌ بفلاةٍ من الأرض فلينادِ يا عباد الله أعينوا "
"إن لله عز و جل ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة في الأرض لا يقدر فيها على الأعوان فليصح فليقل : عباد الله أغيثونا أو أعينونا رحمكم الله فإنه سيعان "
و في رواية روح إن لله ملائكة في الأرض يسمون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر فما أصاب أحدا منكم عرجة أو احتاج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل : أعينونا عباد الله رحمكم الله فإنه يعان إن شاء الله."
هذه الروايات عن وجود الملائكة في الأرض تتعارض مع كتاب الله في أن الملائكة لا تنزل ألأرض لعدم اطمئنانها وهو خوفها كما قال سبحانه:
"قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وأما رواية :
"إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني ، فإن لله عباداً لا نراهم)
فهى حسب " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم " فهى تعنى الجن
والاستعانة بالجنة سبب للرهق وهو العذاب كما قال سبحانه:
"وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا"