تفسير سورة الفاتحة
سورة الفاتحة من السور القليلة فى المصحف التى لم يذكرها اسمها فى السورة نفسها مثلها مثل سورة الاخلاص
وكلمة سورة تعنى آيات متعددة منزلة من الله فى موضوع ما من الموضوعات تم فرض أحكامها على الناس كما قال سبحانه :
" سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات"
وسورة الفاتحة هى كلام من كلام المسلمين ومن ثم طبقا لآيات القرآن فهناك كلام محذوف فى بدايتها معناه قولوا أيها المسلمون فالله طلب منهم أن يقولوا ما ذكر فى السورة
وتبدأ السورة بالبسملة "بسم الله الرحمن الرحيم"
وكلمة اسم الله المقصود بها وحى الله الواجب ذكره كما قال سبحانه "واذكر اسم ربك "
والذى فسره الله بالتسبيح فى قوله سبحانه:
"سبح اسم ربك الأعلى"
فالتسبيح يعنى ذكر اسم الرب وبألفاظ أخرى طاعة حكم الله والسبب كون الذكر الكلامى لا يكون بكلمات مثل الرب والأعلى والعظيم فقط
والسبب أيضا أن الذكر وهو التسبيح اللفظى ليس واجبا فى كل وقت وإنما الواجب فى كل وقت طاعة وحى وهو حكم الله ومن ثم لفظ الاسم معناه فى البسملة الحكم وأما لفظ الله فالمقصود به الرب الخالق كما قال سبحانه:
"اقرأ باسم ربك الذى خلق"
فالله إذا الرب ومعناه الخالق
وأما لفظ الرحمن فالكفار سألوا النبى(ص) عنه بقولهم الذى حكاه الله:
"وما الرحمن "
فكان الجواب قوله سبحانه:
"الرحمن خلق الإنسان علمه البيان"
وبناء عليه فالرحمن الخالق المعلم وهو نفسه فاتح الرحمة أى خالق الرحمة ومعطيها كما قال سبحانه:
"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها من بعده"
ولفظ الرحيم معناه المفيد للناس لقوله "إن الله بالناس لرءوف رحيم "
وفى موضع أخر خص الله المؤمنين برحمته حيث قال:
"وكان بالمؤمنين رحيما "
وبناء على ما سبق فالمقصود بالبسملة هو بحكم الخالق معطى الرحمة النافع للناس
والبسملة معناها مرتبط بما بعدها من الكلام وعليه يكون المقصود أن الله المعطى النافع حكم بما أقر به المسلمون وهو :
"الحمد لله رب العالمين "
ولفظ الحمد لله المقصود به الحكم لله كما قال سبحانه:
"له الحمد فى الأولى والأخرة وله الحكم"
فقد فسر الحمد بالحكم وهو الأمر كما قال فى قوله أخر :
" ألا له الحكم"
وتعبير رب العالمين المقصود به رب وهو خالق كل مخلوق كما قال سبحانه:
"وهو رب كل شىء "
وقد فسر العالمين بأنهما عالم السموات وعالم الأرض حيث قال:
"فلله الحمد رب السموات والأرض رب العالمين"
وبناء على ما سبق فالمقصود بقوله سبحانه:
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين"هو :
بحكم الخالق معطى الرحمة النافع الطاعة لوحى الرب خالق الكل
وتكرر القول فى قول المسلمين :
"الرحمن الرحيم"
ومعناه خالق الرحمة معطيها النافع برحمته للناس
وقال المسلمون أيضا :
"مالك يوم الدين "
وقد فسر الله ملك أو مالك بأنه الحاكم فى يوم الدين فقال سبحانه:
"الملك يومئذ لله يحكم بينهم"
وبكلمات ثانية فسره بأن الأمر لله فى الناس يوم الدين فقال سبحانه
"والأمر يومئذ لله"
وأما تعبير يوم الدين فمعناه يوم الفصل كما قال سبحانه :
" وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين إن هذا يوم الفصل الذى كنتم به تكذبون"
فهنا فسر يوم الدين بيوم الفصل
واليوم ليس من أيام الدنيا نهار فقط أو كما يعتقد الناس نهار واحد وليلة واحدة وإنما هو يوم طوله خمسون ألف سنة كما قال سبحانه:
"تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة "
وقال المسلمون لله:
"إياك نعبد وإياك نستعين "
وتعبير "إياك نعبد" يفسره تعبير"وإياك نستعين"فالواو بين التعبيرين واو التفسير فنعبد تعنى نستعين
نعبد المقصود بها نطيع حكم الله وهو نفس المقصود بنستعين وهو نحتمى بطاعة حكم الله من ناره
والمقصود يا رب نطيعك أى نحتمى بطاعتك من عقابك
وقال المسلمون أيضا داعين لله :
"اهدنا الصراط المستقيم"
والمسلمون يطلبون من الله أن يهديهم أى يعرفهم الدين الصحيح
لفظ اهدنا معناه علمنا الصراط وهو السبيل كما فقال سبحانه:
"إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا"
والصراط المستقيم هو صراط الله وهو دينه كما قال:
"وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله"
وفسره بتعبير أخر وهو الدين القيم فقال سبحانه:
"قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم دينا قيما "
إذا المسلمون يدعون الله :
يا رب أرشدنا إلى الحكم القيم .
وفسر المسلمون الصراط المستقيم فقالوا:
"صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين "
إذا الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم وليس صراط المغضوب عليهم أى الضالين
وتعبير الذين أنعم الله عليهم المقصود به المسلمون من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين قال فيهم:
"ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا"
وتعبير المغضوب عليهم المقصود به الكفار الذين انشرحت صدورهم بالكفر كما قال سبحانه:
"ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضبا من الله"
وفسر المسلمون المغضوب عليهم بالضالين والضالون هم الكافرون كما قال سبحانه:
"ومن يكفر بالله وملائكته ورسله واليوم الأخر فقد ضل ضلالا بعيدا"
إذا المقصود مقصود المسلمين :
علمنا دين الذين هديتهم غير الملعونين وهم غير الكافرين
المسلمون بناء على ما سبق يطلبون من الله أن يعرفهم دين المسلمين السابقين عليهم فى اعتناق الإسلام ولا يعلمهم دين من أديان الكافرين .
بالطبع التفاسير القديمة والحديثة تذكر فيما تذكر فى التفاسير روايات عن فضائل السورة وهو أمر لا علاقة له بمعانى آيات السورة كما تذكر روايات قليلة عن تفسير بعض الآيات مثل روايات تنسب إلى النبى(ص) وهى باطلة تفسر المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى وهى روايات مخالفة لكتاب الله لا يمكن أن يقولها النبى(ص) لأن الغضب كما فى القرآن على الكفار والضالين هم أنفسهم الكافرون فمثلا وصف ابراهيم(ص) الكفرة فى عهده وكانوا قبل وجود اليهود والنصارى بكونهم الضالون حيث قال سبحانه:
"قال أبشرتمونى على أن مسنى الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون"
ومن ثم إدخال الروايات فى أى تفسير يجعله طويلا وهو ما لا يريده القارىء الذى يريد معرفة معنى القرآن بعيدا عن أى شىء أخر
فمثلا لو تحدثنا عن البسملة فقد أدخلنا المفسرون فى أمور بعيدة عن معانى السورة مثل هل البسملة قرآن أم لا وإذا كانت قرآنا فى بعض المواضع فهل هى غير واجبة القول ومثل وجوب قراءة الفاتحة فى الصلاة ومثل وجوب البسملة عند الطعام وهو كلام كله خارج سياق الآيات وإنما هى مسائل تزيد من فرقة المسلمين فبدلا من أن يتفقوا اختلفوا
كما ناقشوا مسألة الاستعاذة فى بداية القراءة فى الكثير من تفاسير سورة الفاتحة وهى مسائل لو ناقشناها فسيكون معظمها مخالف لكتاب الله فمثلا الاستعاذة وهى عندهم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ليست فى القرآن ولو اعتبرالاستعاذة جملة تقال مذكورة فى القرآن أنها بعد القراءة وليس قبلها وهو قوله سبحانه:
"فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم"
فهنا الاستعاذة بعد القراءة وليس قبلها
والمفسرون يدخلون الناس فى أمور لا تهم المسلم كعدد آيات الفاتحة ومثل مكية السورة ومدنيتها
المطلوب من المسلم هو تدبر معانى القرآن وليس العلم بتلك الأشياء التى لا توجب عليه حكم أمر أو نهى أو تعلمه معلومة مفيدة .
والمعنى الكلى للسورة :
بحكم الخالق معطى الرحمة النافع الطاعة لله خالق السموات والأرض النافع المفيد الحاكم فى يوم الفصل يا الله نطيعك أى يا الله نتبع حكمك عرفنا الدين الصحيح دين الذى رحمتهم غير المعاقبين وهم الكافرين لنطيعك