اضاءات حول رواية الحاج مراد لتولستوى والصراع الشيشانى الروسى
ليف أو ليو تولستوى رجل من المولودين فى روسيا وهو رجل من أسرة من أسر النبلاء كما يقولون فى روسيا ولكنه رجل ضد النبلاء الظالمين ضد القيصر الروسى ضد الكنيسة رجل كان نصير الفقراء نصير الفضيلة ضد الخمور ضد الفاحشة ....
عقيدته الدينية رغم كونها نصرانية فى الظاهر إلا أنه اعتقد أن دين الله واحد عبر العصور وأن الأديان الحالية هى صورة محرفة منه ومن ثم أدانته الكنيسة الروسية بكونه مهرطق
فى هذه الرواية يتناول تولستوى الصراع الروسى القوقازى أو بألفاظ اليوم الصراع الروسى الشيشانى وهو صراع مستمر منذ قرون
لم يخمد هذا الصراع إلا فى العهد السوفيتى ولكنه عاد للوجود بانهيار الاتحاد السوفيتى ومن ثم سمعنا أسماء مثل جوهر دودييف وأصلان مسخادوف وشامل باسييف والمقاومة الشيشانية ورمضان قاديروف كما عرف العهد القيصرى أسماء الإمام منصور والإمام غازى والإمام حمزات والإمام شامل وحتى الحاج مراد الذى تتناوله الرواية
إنه صراع يبدو أنه صراع بين الشيشان المسلمين وبين الروس النصارى أو الشيوعيين ولكن فى الرواية يحوله تولستوى إلى صراع ثأرى بين الجانبين وقد اشترك تولستوى فى الحرب الروسية ضد الشيشان وكتب هذه الرواية ليعبر عن موقف ضد القيادة الروسية وهو أنه لا يجب احتلال بلاد الآخرين العصية على الهزيمة
تبدأ الرواية بمرور تولستوى فى الحقول والحدائق وعمله على جمع باقة زهور لزوجته ومشاهدته لزهرة لم تدمر زهرة يسمونها فى منطقة تولستوى باسم التترى وهذه الزهرة آلمت الرجل ووخزته وعندما قطفها ماتت وأصبح منظرها سيئا فلا هو تركها حية تعيش ويستمتع الناس بمنظرها ولا هو استمتع بها بعد موتها نظرا لقباحة شكلها والتشبيه هنا هو أن الروس لم يتركوا الشيشان والقوقاز أحياء سعداء وإنما خربوهم ولم يستفيدوا منهم بشىء سوى العداوة والقتال الذى لا ينتهى
الموقف ذكر تولستوى بالحرب الروسية الشيشانية ووجه الشبه أن الشيشان عصية على الروس وقد كلفتهم غاليا وما زالت تكلفهم الأرواح والأموال وتولستوى يحكى جانبا من تلك الحرب التى عاصرها وحاول جمع الوثائق عنها وعن طريقها كتب أحداث الرواية حيث جمع مذكرات بعض الضباط الروس الكبار
تولستوى يبدو فى الرواية ضد الحرب لأن ضحيتها من الجانبين غالبا هم الفقراء الذين يتم تجنيدهم خاصة من الروس
الرواية تبدأ بلجوء الحاج مراد إلى مريده سادو فى إحدى قرى الشيشان كى يحميه بعد أن أعلن الإمام شامل أن الحاج مراد مطلوب رأسه لخيانته بعد أن كان الحاج مراد هو نائب شامل
يتناقش الحاج مراد مع سادو فى كيفية توصيله إلى الروس ليستعين بهم فى محاربة شامل ومراد له سابقة فى التعامل مع الروس فقد عمل معهم كنائب لهم فى المنطقة وثار مع شامل ومنصور ومن قبله عليهم
كان لمراد صداقات ومعارف من الروس ومن ثم آثر أن يسلم نفسه لأحدهم كان له معه علاقة خاصة وبالفعل كان ظنه حسن فالرجل ووالده وهو قائد الجيش عملا على التوصية به لدى القيصر من خلال التعاون معه وليس سجنه وإعدامه وهذا التعاون ليس حبا فى مراد ولكن لأن مراد أعرف منهم بالشيشان والقوقاز وكثيرا ما هزمهم فى مواقع عدة
تمضى الرواية فى جانب أخر هو جانب الجيش الروسى وضباط الجيش وأمراء روسيا فتولستوى ينتقد خلالها ما يفعله الضباط والجنود الروس فمعظم حياتهم يمضونها فى لعب الورق وشرب الخمر والتدخين والزنى مع النساء
ويحكى تولستوى فساد روسيا من خلال فساد القيصر الزانى السكير ووزير دفاعه الوصولى المنافق ويصل بنا إلى أن وزير الدفاع كان يريد سجن مراد أو قتله ولكن اللواء وابنه كانا قد سبقت توصيتهم فى الوصول للقيصر ومن ثم أمر بابقاء الرجل على قيد الحياة مع الاستفادة منه فى القضاء على شامل من خلال تزويده بالعتاد والرجال
وتحدث تولستوى عن مطاردة بعض الفرسان الشيشان لمراد ومن معه بعد خروجه من قرية سادو كما حكى عن تسليمه نفسه لابن صديقه فورنتسوف فى الحصن
وحكى أيضا عن أن الرجل وهو فى عهدة الروس لم يكن يترك الصلاة فى أى وقت وأنهم خصصوا له بيت وحرس
وعاد تولستوى إلى جبهة القتال فحكى عن المناوشات التى انتهت بقتل اللواء الروسى سلبتسوف ثم مناوشات أخرى انتهت بإصابة الجندى أفدييف وموته
ونقلنا تولستوى إلى قصة أخرى وهى قصة أفدييف الأخ الذى دخل الجيش الروسى بدلا من أخيه الأكبر بسبب أن الأكبر كان لديه أولاد بينما أفدييف كان عريسا جديدا ومن ثم آثر أن يعيش أخيه رغم معرفته أن من يدخل الجيش قد لا يعود بسبب تعدد الحروب التى كان يشنها القيصر على جبهات متعددة
حكى تولستوى عن أن افدييف كان رجلا متقنا للعمل يقوم بعمل عدة رجال وأن والديه كان يحبانه ويتمنيان ألا يذهب إلى الجيش ولكنه آثر حياة أخيه ويذكر الرجل جانب من حياة الأسرة وحب والده ووالدته ومن ثم كان حزنهما عليه حزنا شديدا
هذا الجانب من الرواية هو جانب انتقد فيه تولستوى القيادة الروسية من خلال التجنيد الإجبارى وأعمال السخرة حيث فى الغالب يموت أولاد الفقراء لمشاركتهم فى الصفوف الأمامية
كما انتقد غياب الرجل عن زوجته فى الحرب كثيرا لأن هذا يؤدى بالمرأة للزنى فى النهاية كما فعلت زوجة أفدييف نتيجة غيابه سنوات وأنجاها من فضيحة حملها موت أفدييف وهجرتها مع عشيقها إلى بلدة أخرى حيث تزوجها
وحكى تولستوى عن الثأرات بين أفراد الشيشان خاصة بين مراد وبعض قادة الشيشان وأسرها ممن قتل بعض أهليهم وهو نفس ما يحدث من حروب بين قادة بلاد منطقتنا العراق وإيران العراق والكويت السعودية والإمارات واليمن قطر وسوريا المغرب والجزائر ....
وروى تولستوى كيف كان الضباط الروس يزورون التاريخ من خلال التقارير العسكرية حيث كانوا يصفون الهزائم بأنها انتصارات ويقولون أنهم قتلوا الكثيرين من الشيشان
وروى تولستوى كيف أن الإمام شامل حاول أن يعيد مراد بعيدا عن الروس عن طريق خطف أسرته وحبسها
وبقية الرواية يحاول فيها الحاج مراد أن يتجسس عن طريق عيونه على شامل لمعرفة مكان حبس أسرته ومن ثم نتيجة ذلك يعلن للروس أنه لن يساعدهم إلا إذا ساعدوه على استعادة أسرته
والروس بالطبع ساعدوا بالعتاد والمال وأما البحث عن أسرته والحرب بجلبها أو حتى مبادلة الأسرى بهم كما أوصاهم مراد لم يستجيبوا له وظل الحال كما هو ومن ثم قرر مراد أن يحرر أسرته بنفسه مع أعوانه المخلصين ومن ظل يتلقى الأخبار من هنا وهناك ثم قاد أعوانه الأربعة للهروب من الروس كى يحرر أسرته وكانت النهاية له ولأعوانه على أيدى الروس
يقرر تولستوى فى الرواية :
ان العداوة بين الشيشان والروس فى القلوب ومن ثم يكرر على ألسنة الشيشان أن الروس كلاب
أن الشيشانى رغم تدينه الظاهرى من خلال الصلاة والحرب فهو فى أعماقه يتبع عادات قومه الأقدمين من خلال ظاهرة الثأر ومن خلال الانتقام ومن خلال إيثار الأسرة على المجتمع
أن الشيشان المتعاونين مع الروس لا يندمجون معهم اندماجا تاما ويمثل الحاج مراد حاليا رمضان قاديروف رئيس الشيشان وهو تابع من أتباع بوتين وهو من يحارب المقاومة الشيشانية
الغريب أن المتعاونين مع الروس فى القديم والحديث هم من أتباع بعض الطرق الصوفية
أن سياسة الروس فى منطقة القوقاز خاصة الشيشان قائمة على تعاون خونة الشيشان مع الروس
أن الروس رغم احتلالهم للمنطقة خلال عدة قرون لم يقدروا على معرفتها ولا على السيطرة الكاملة عليها إلا فى العهد السوفيتى الذى كان يستخدم سياسة النفى الجماعى لبلاد أخرى لابعاد المقاومين عن بلادهم حيث نفى ستالين معظم الشعب الشيشانى لسيبيريا وأعادهم خروتشوف ومع هذا بمجرد انهيار الاتحاد السوفيتى عاد الثأر الشيشانى للوجود رغم أن الأجيال القديمة التى عاشت الحروب ماتت كلها فى فترة السبعين سنة التى كانت تقريبا عمر الاتحاد السوفيتى