فجأة انقطعت الاتصالات عن المحاكى وظن العلماء والعالمات أنه مجرد عطل تقنى عابر سيعود الاتصال بعده بمن فوق الأرض ولكن الأمر استمر وحاول العلماء تشغيل المصاعد المختلفة واحدا تلو الآخر ولكن النتيجة كانت واحدة وهى أن المصاعد معطلة عن العمل وعندما فتحوا فتحات الخروج فوق المصعد فوجئوا بسقوط أتربة وقطع صخور منها فأسرعوا إلى قفل المصاعد وعرفوا أنه حدث انهيار أرضى فوق المحاكى ولكنهم لم يعلموا بوقوع الحرب العالمية التى حدثت فجأة
اجتمع العشرة فى قاعة الاجتماعات للتشاور فيما يفعلون وكانت النغمة السائدة فيما بينهم أنهم سيتم دفنهم تحت الأرض فى المحاكى
استمر العشرة فى العمل فى المحاكى وإن كانت الكهرباء بدأت فى الانقطاع بعد شهور نتيجة نفاد كميات الوقود المخزنة واتجهوا إلى الإضاءة عن طريق النباتات والحيوانات وتعطلت الحواسب والخوادم الآلية وأصبحت الحياة التى كانت سعيدة مريحة إلى حياة كلها عمل وشقاء ما بين حصد وزرع وحرث ورى وتنظيف حيوانات وحلب لبنها وقص شعرها وصوفها ووبرها واستعمال الأحطاب فى الطهى والطبخ
كان الكل فى حالة يأس وجانب اليأس فى النفوس اسن حاله يقول:
هيا اتركوا حلمكم اللطيف فالقضاء أن تكون ضعاف وأن تصبحوا بؤساء تعساء وأن تستسلموا لكل تخريف ولكن جانب الأمل فى النفوس كان يرد على جانب اليأس فيقول:
من أنبأك بكل ما تتحدث به من تخريف ؟هل انزل الله لك وحيا أم أرسل لك مع رسوله صحيف أم أتاك المكين الأمين وقال هذا التخريف ما انبأك سوى سيماه الحزن والألم والتعنيف نحن أناس ولا نرضى أن نصبح ضعاف ولن نترك ساحة العلم لهم قبل أن أكون شهداء لطاف أمرنا بهذا العمل لكوننا نجاهد التجديف ولسنا نرضى بالفرار أو مهادنة الضرر والحيف وإنما حلمنا اللطيف باق مهما طال الزمان
ولكن مرة أخرى يعود جانب اليأس فيقول :هل كان نجاح المحاكى حديث يقظة تبخر فى الهواء هل كانت نجاح المحاكى هراء وألوان وضعت على الهواء هل كانت نجاح المحاكى نار وشرار أطفئه سكب الماء هل سيكون نجاح المحاكى صدق أو ذهب خيالنا للسماء ومرة أخرى يرد جانب الأمل قائلا :
الفشل دوما ما كان السبيل إلى النجاح
ومن ثم لم يمنعهم اليأس من أن يجتمعوا كل يوم وهم منهكين من العمل فى المحاكى الواسع فى قاعة الاجتماعات التى كان ينيرها نبات البيوجلو ليتحدثوا وفى إحدى المرات قال التميمى:
كم مضى علينا ونحن محبوسون هنا؟
فابتسم البرقاوى ابتسامة باهتة وقال :
أكيد مرت علينا سنة أو أكثر
فتساءل التميمى :
لماذا لم تقم هيئة الموارد الأرضية بإخراجنا ؟
فرد البرغوثى :
إذا كان ما حدث لنا هو انهيار ارضى فلابد أن المحاكى تحرك من مكانه مسافة آلاف الأذرع جعلتهم يظنون أن المحاكى انهار ولم يعد له وجود لأنهم حفروا مكانه ولم يجدوا شيئا
فقالت أريج وهى تنظر ليديها المتسختين رغم حرصها على نظافتها:
أو حدث شىء فوق سطح الأرض لا نعرفه
فقالت سلمى :
قرأت قبل انقطاع الإرسال عن خلافات كبيرة بين دولتنا والمحور الغربى فلابد أن هناك حرب حدثت وأنهم نسونا نتيجة انشغالهم بالحرب
وقالت روان وهى تغمض عينيها:
وقد يكون قد تم قصف مكان المحاكى باعتبار أن المؤسسة المقامة فوقه مؤسسة علمية بها أسلحة أو ما شابه
فقال التكريتى : ما حدث فوقنا قد حدث وبدلا من أن نتكلم عن ما هو فوق سطح الأرض لابد أن نفكر كيف نخرج من المحاكى لسطح الأرض
فقالت وفاء وهى تهز رأسها أفقيا:
وسائل خروجنا وهى المصاعد تم ردمها
فقال التميمى :
قبة المحاكى حوالى عشرة أذرع من الفولاذ والأسمنت وليس معنا أى آلات لإحداث ثقب فيها
ابتسم التكريتى وقال :
إذا مشكلتنا هى إحداث ثقب فى سقف المحاكى
قال البرغوثى :
نسيتم أن القبة عالية وليس لدينا وسيلة للصعود إليها لبدء الحفر فيها
فقال البرقاوى :
ولماذا نصعد ؟ لماذا لا نحدث ثقبا جانبيا فى الجدران من الأسفل ؟
فقالت روان وهى فرحة :
هذا هو الحل
فقالت وفاء :
من الممكن أن نستعمل أسلحة المحاريث فى صدم منطقة من الجدار مرات كثيرة عن طريق بعض الوقود القليل المتبقى الذى نضعه فى خزانات وقود الجرارات
فقال التميمى :
يجب أن نضع فى اعتبارنا أننا قد لا ننجح فى محاولاتنا ومن ثم علينا ألا نستعمل كل المحاريث وإنما بعضا منها حتى نجد ما يمكننا من الزرع فى المستقبل
وقالت أريج:
يجب أن نقسم أنفسنا مجموعة تعمل لإحداث الثقب ومجموعة لمتابعة العمل فى المحاكى
وفى اليوم التالى قسموا أنفسهم لمجموعتين مجموعة اتجهت إلى نقطة فى جدار المحاكى وبدأت العمل فى إحداث تشققات فى الجدار عن طريق الشواكيش والأزاميل بعد أن قاموا بضرب الجدار مئات المرات بالمحراث عن طريق الجرار ولكن بعد مجهود ساعات لم يقدروا سوى على إزالة قشرة أسمنتية لا تتجاوز ذراع واحد فى حوالى خمسة أذرع طولا وخمسة أذرع عرضا
فى اليوم التالى حيث لا ليل ولا نهار معروف لهم قامت المجموعة الأخرى بتكرار الضرب فى المنطقة التى تم الحفر فيها فى اليوم السابق وظهرت لهم شبكة الحديد بعد حوالى ذراعين وحاولوا أن يقوموا بعمل شىء بعدها ولكنهم لم يستطيعوا
فى اليوم الثالث اجتمعوا بعد الوجبة الثالثة فى قاعة الاجتماعات لمناقشة الموضوع فقال البرقاوى :
لا يمكن لنا أن نحدث قطعا فى الشبكة الحديدية من خلال ما لدينا من أدوات نحتاج لفكرة أفضل من الحفر
فقالت روان :
لقد جرحت أيدينا وتكونت فقاعات مائية فيها نتيجة الضرب المستمر بها
وقالت سلمى :
نحتاج لشىء يذيب الحديد
فقال التكريتى :
أليس لديك شىء يا تميمى لتقوله لنا ؟
رد التميمى قائلا :
هل تبقى شىء من اسطوانات الغاز أو الأكسجين فى المحاكى ؟
ردت أريج :
غالبا لم يتبق أى شىء فى المحاكى يعتمد عليه
فقال البرغوثى :
بعد النوم يبحث كل منا فى جانب من المحاكى لعلنا نجد اسطوانة نصنع بها تفجيرا فى منطقة الحفر
ضحكت وفاء ضحكة اليائس وقالت:
حتى لو وجدنا عشر اسطوانات فلن تقوم بإحداث الثقب فحديد المحاكى من نوع مخصوص يتحمل أشد الضغوطات
قالت أريج:
لا تحبطينا الله يكرمك
فى اليوم التالى تفرق العشرة فى جوانب المحاكى للبحث عن أى اسطوانات غاز أو أكسجين وطال البحث ولم يجدوا سوى ثلاث اسطوانات تم نقلها لمكان الحفر ووضعها فى الذراعين المحفورين وقام التكريتى بفتح الاسطوانات وجرى بسرعة حوالى خمسين ذراعا ثم قام بإشعال قطعة من النسيج بالنار بعد أن وضعها على قمة عصا خشبية وقذفها باتجاه الاسطوانات ثم جرى بينما وقف التسعة على بعد مائة ذراع تقريبا
حدث انفجار وتناثرت بعض الأجزاء الحديدية ولكن لم يحدث الثقب المطلوب فلم تتعد المسافة الذائبة من الحديد الأربعة أذرع عمقا فى خمسة طولا وعرضا وهو ما يعنى أنه بقى من الجدار حوالى ستة أذرع
عندما انتهت مظاهر الانفجار توجه العشرة نحو المنطقة ولما شاهدوا بقية الشبكة الحديدية فى الداخل أحبطوا فوقفوا منهم من يضرب كفا بكف ومنهن من تلطم خديها ومنهن من تضع يديها فوق رأسها
تحرك الجميع فى تثاقل نحو بيوتهم وارتموا على الأسرة دون أن يتكلموا وفى الصباح الذى ليس بنهار فى المحاكى اجتمعوا فى قاعة الاجتماعات وتناولوا الإفطار معا والكل ينظر إلى الأخر فحاول البرغوثى أن يلطف الجو قائلا :
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
فقالت سلمى :
يجب أن نصرف النظر عن أمر حفر الجدار
تساءلت روان قائلة :
ما السبب ؟
أجابت : لم يعد لدينا شىء يحدث انفجار كما أننا تناسينا مصيبة قد تحدث لو أكملنا الحفر
فتساءل التميمى :
وما تلك المصيبة ؟
فردت سلمى:
أليس من الجائز أن يكون خلف الجدار عين ماء تغرق الزرع والحيوانات أو خلف الجدار مكان يتجمع فيه الغاز الطبيعى أو النفط وساعتها نغرق ويغرق المحاكى فى الغازات أو فى النفط أو خلف الجدار نيران كنيران البراكين؟ نحن لا نعرف شيئا وما نحن فيه هو الوضع الأفضل لنا نستطيع أن نعيش فى المحاكى حتى الموت بل نستطيع أن ننجب ذرية تعيش بعدنا فى المحاكى
قالت أريج: أنت تقترحين أن نستسلم لهذا الواقع؟
قالت سلمى : هل هناك شىء أفضل لديك من ذلك؟
ردت أريج : خطرت لى فكرة قبل النوم البارحة سأعرضها عليكم لنتباحث فيها
فقال البرقاوى :
وما تلك الفكرة؟
ردت أريج : تتذكرون أننا عطلنا الخوادم الآلية فى المطابخ الخمسة عن العمل فلماذا لا نعيد تشغيلها ؟
ضحك التكريتى قائلا :
كانت تلك الخوادم مبرمجة على أعمال المطبخ فلو أعدنا تشغيلها لن تفيدنا بأى شىء
فقال التميمى :
الخوادم الأخرى التى تعطلت نتيجة نفاذ الوقود منها بعض منها كان مبرمجا على أعمال الحفر والحمل فلو أننا نزعنا من المعطلة قرص البرمجة ونزعنا من خوادم المطبخ قرص البرمجة ووضعنا هذا مكان ذاك ألا تعمل تلك الخوادم؟
قالت وفاء :
حتى ولو عملت فهى مبرمجة على الحفر فى التربة الزراعية وليس فى شبكة حديدية
قال البرقاوى :
فى كل الأحوال سوف تريحنا فترة من خلال العمل حتى نفاد الوقود منها