خواطر حول مقال ديرنكويو... مدينة الجن العجيبة
الكاتبة هى متابعة موقع كابوس من العراق وموضوع المقال هو مدينة في تركيا منحوتة في الصخر وهى كما يقال متكاملة الخدمات وفيها شوارع ومخازن ومحلات وطرق للهروب وقد قالت عنها الكاتبة :
"مدينة تحت المدينة .. ديرنكويو اعجوبة من عجائب التاريخ
إن آثار حياة الإنسان القديم منذ آلاف السنين كانت ومازالت محط اهتمام وإعجاب علماء الآثار وكثير من الناس نجدهم مولعين بهكذا اكتشافات، سواء كانت هذه الاكتشافات مدينة كبيرة متناثرة الأجزاء هنا وهناك أو حتى أداة صغيرة ومهترئة عمرها آلاف السنين، ولا يكمن الاهتمام والإعجاب بهذه الآثار بقدر ما يكمن في الغموض الصامت المتواري خلف جدران متهدمة تثير الحيرة في النفس وتطرح تساؤلات كثيرة عن طبيعة حياة هؤلاء الذين عاشوا خلفها في يوم من الأيام، تساؤلات لن نجد الإجابة عنها سوى في التأمل في معجزة أسمها الزمن الذي يأبي التوقف في إحدى محطات الحياة الكثيرة التي يمر بها ويحط رحالة ويستريح كمسافر أضناه الترحال من طول المسير.
مدينة متكاملة تحت الارض تتألف من طوابق عديدة وما دام الزمن بخل علينا بالتريث قليلاً فلنتكرم نحن ولنرجع بالزمن للوراء تحديداً إلى سنة 1963 في منطقة في وسط الأناضول في تركيا، حيث تم الإعلان عن أغرب وأعجب اكتشاف في العالم وهو اكتشاف مدينة أثرية عملاقة وهي ديرنكويو مدينة تحت الأرض Derinkuyu Underground City ، ويعود تاريخ بناؤها الى القرنين السابع والثامن قبل الميلاد حسب ما ذكرته وزارة الثقافة التركية، وسبب غرابة هذه المدينة أنها لم تُبنى فوق سطح الأرض أو تُحفر في أحد الجبال البعيدة بل إنها بُنيت تحت سطح الأرض بطريقة هندسية مبتكرة غاية في التعقيد والدقة، وتعتبر ديرنكويو واحدة من أهم الاكتشافات الأثرية المدهشة التي تمثل تحدي كبير لأي حضارة من حضارات العالم القديم."
وقد تناولت سبب تسمية المدينة بهذا الاسم وهى مدينة الجن حيث قالت:
"سبب تسميتها بمدينة الجن
اطلق الناس عليها مدينة الجن لغرابتها
ديرنكويو وتعني (البئر العميق) بسبب حجمها الكبير وعمقها الطويل تحت الأرض ونظراً لأن سكان المدينة القدماء لم يكونوا يمتلكون أي نوع من أنواع التكنولوجيا الحديثة وكذلك افتقارهم للآليات المتطورة، جعل علماء الآثار يقعون في حيرة من أمرهم بسبب عدم تفسيرهم للكيفية التي تم بها بناء هذه المدينة الضخمة بدون الاستعانة بأي طريقة من طرق البناء الهندسية الحديثة، لذلك ساد الاعتقاد بين الناس أن الجن هم الذين قاموا ببناء المدينة وأُطلق عليها ديرنكويو مدينة الجن."
بالطبع الجن لم يبنوا شىء من المدن فأيام سليمان(ص) بنوا التماثيل والمحاريب والقدور والجفان كما قال سبحانه :
"وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ"
وقد تناولت الكاتبة كيفية بناء المدينة عن كطريق النحت والحت حيث قالت:
"بناء مدينة ديرنكويو
المدينة مبنية بالكامل في قلب الصخور وهذه الصخور البركانية هي الميزة الأساسية التي تتميز بها الطبقات الأرضية لمدينة ديرنكويو، ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الصخور ذات صلابة متوسطة وعلى ما يبدو أن سكان الأناضول القدماء كانوا من الذكاء بحيث لاحظوا هذه الميزة وهي الصلابة المتوسطة والتي استغلوها لصالحهم في بناء وحفر المنازل والمدن الكبيرة في الجبال وتحت سطح الأرض وذلك طبعاً لسهولة الحفر في هذه الصخور البركانية، وقد شُكلت من هذه الصخور أعمدة ودعامات قوية ومتينة لتسند طبقات الأرض التي تعلوها، بالإضافة إلى ذلك فإن لعوامل التعرية كان لها دور كبير في نحت أشكال غريبة ومميزة في المعالم التضاريسية الموجودة على سطح الأرض لهذه المنطقة.
النحث والبناء في غاية الاتقان مما يثير الدهشة قياسا بما متوفر من ادوات في ذلك الزمان
نأتي الآن للتصميم الهندسي للمدينة مما لاشك فيه أن العنصر الرئيسي في بناء أي مبنى هو الأساس القوي والمتين فما بالك عزيزي القارئ بأن تكون مدينة ديرنكويو هي الأساس نفسه وبذلك تكون قد اكتسبت من القوة والمتانة مما يؤهلها لتدوم فترات طويلة جدأ من الزمن، ويجب أن نضع في الحسبان أن المدينة مكونة من عدة طبقات أي ممكن تخيلها كعمارة ضخمة وواسعة متمركزة في باطن الأرض، وحسب ما صرح به المهندسون الذين عاينوا المدينة بأنها غاية في الإتقان الأمر الذي يصعب على العقل استيعاب طريقة بناؤها.
بامكانها استيعاب الاف الناس في وقت المحن والخطر تقع مدينة ديرنكويوعلى عمق 85 متر تحت سطح الأرض وتتكون من 11 طابقاً (هناك طوابق لم تكتشف بعد) وتحتوي على العديد من المساكن ذات المساحات الكبيرة والواسعة والتي بدورها تحتوي على العديد من الغرف ذوات الأحجام المختلفة منها الصغيرة والكبيرة حسب استخدام كلاًّ منها، وهي مجهزة تجهيزاً كاملاً بكل وسائل الراحة والأمان وهذه المساكن الفسيحة كافية لإيواء حوالي من 20 - 50 ألف شخص من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، كذلك لم ينسى أهالي المدينة جلب حيواناتهم معهم لذلك قاموا ببناء الإصطبلات والأماكن المخصصة للحيوانات الداجنة مثل الأبقار والدجاج وغيرها، أما عن كيفية توفير المستلزمات الضرورية للحياة فهي كالآتي:
1 - التهوية: تحتوي المدينة على أكثر من 50 عمود تهوية رئيسي تقوم هذه الأعمدة بجلب الهواء النقي من الأعلى ويتم توزيعه على كافة أنحاء المدينة بواسطة الأعمدة الفرعية التي تتفرع من الأعمدة الرئيسية والتي تقوم بتسهيل دخول الهواء إلى الطبقات السفلية من المدينة وتوزيعه بينها، كذلك وجود مناور خاصة لتجديد الهواء والحفاظ على الهواء نقي وخالي من الفساد
2- الغذاء: من بين الغرف العديدة التي احتوتها المدينة كانت هناك غرف مخصصة لتخزين الطعام بكميات كبيرة جداً، بالإضافة لوجود معاصر الزيتون ومعاصر النبيذ والعديد من المطابخ المجهزة بمستلزمات الطبخ ووجود غرف الطعام المنتشرة في كافة أرجاء المدينة، وقد ساهمت درجات الحرارة المستقرة نسبياً تحت سطح الأرض في الحفاظ على الأطعمة من التعفن والفساد.
3-المياه: إن توفر القتوات المائية والآبار ساهم في توفير المياه العذبة للسكان كذلك في تشكيل نظام مائي شامل متكون من 52 بئر، وإن إحدى أعمدة التهوية والذي يبلغ طوله 55 متراً يستخدم في نفس الوقت كبئر للمياه ليس فقط لتزويد مدينة ديرنكويو بالمياه بل أيضاً لتزويد القرية الواقعة فوق سطح الأرض بالمياه كذلك، ولم يفت على سكان المدينة ربط هذه الآبار بطريقة ذكية بحيث لا تتصل بعضها ببعض ولا تصعد جميعها إلى سطح الأرض وهذه الطريقة تحمي السكان من إمكانية تسمم المياه من الخارج.
4- الأمان: طبعاً إن الغرض الرئيسي والأساسي من بناء مدينة ديرنكويو هو للهروب والاختباء من هجمات العدو خلال فترات الحروب التي طالت المنطقة، وأن سكان المدينة قاموا بتصميمها على أساس توفير المستلزمات الآمنة فيها، وكان كل طابق يتصل بالطابق الذي يليه من خلال ممرات طويلة وهذه الممرات متصلة بأبواب حجرية ثقيلة يصل وزنها ما بين 200 - 500 كيلوغرام وتصل أطوالها ما بين متر إلى نصف المتر أما عرضها فيصل إلى نصف المتر هذه الأبواب الحجرية تكون على شكل دائري أو أسطواني قابل للدحرجة، ومن مميزات الأمان أن هذه الأبواب تُقفل من الداخل فقط ولا يمكن إقفالها من الخارج وعملية فتحها وإقفالها سهلة جداً بحيث يمكن لشخص واحد القيام بهذه المهمة لوحده بطريقة مبتكرة بواسطة دعامة خشبية في الثقب الموجود في وسط الباب الحجري.
ومن الملاحظ أن ممرات المدينة تكون ضيقة لكي يُجبر الناس على المرور خلالها بشكل أفراد واحداً تلو الآخر وهذه الطريقة تجعل الدفاع ضد الأعداء أكثر سهولة، وقد تم اكتشاف ممر طوله 80 كيلومتر يربط مدينة ديرنكويو بمدينة أخري تحت الأرض في كايماكلي kaymakli وهذا دليل على وجود ترابط وتعاون أمني بين ديرنكويو والحضارات التي سبقتها. من خلال وجود العديد من الأماكن المخصصة للعبادة، حيث يوجد في الطابق الثاني من المدينة غرفة واسعة ذات سقف إسطواني مقوس اُستخدمت هذه الغرفة كمدرسة دينية أما الغرف التي تقع على يسارها فقد استخدمت كغرف للدراسة، ويوجد بين الطابقين الثالث والرابع سلم عمودي يؤدي إلى كنيسة في الطابق الخامس، بالإضافة لوجود عدد من المقابر التي خصصت لدفن الأموات من سكان المدينة."
وتناولت تاريخ بناء المدينة حيث قالت :
"تاريخ بناء المدينة
لا يُعرف بالضبط متى تم بناء المدينة لكن كما ذكرت وزارة الثقافة التركية فإن أولى مراحل بناء المدينة كان ما بين القرنين السابع والثامن قبل الميلاد، وقد بُنيت من قِبل شعب الفريجانس phrygians وهم شعب هندوأوربي أسسوا إمبراطوريتهم غرب الأناضول في القرن الثامن قبل الميلاد وكانت عاصمتهم غوردم phrygians gordium وكانوا يستوطنون جنوب البلقان قبل هجرتهم إلى الأناضول.
بعد إندثار إمبراطورية الفريجانس توسعت المدينة من قِبل البيزنطيين أبان الحروب الطاحنة التي اندلعت مابين البيزنطيين والفرس واستخدمت المدينة كملاذ آمن للسكان لحماية أرواحهم من الهجمات التي طالت مدينتهم، وقام البيزنطيين بإضافة الكنائس والنقوش الإغريقية لمدينة ديرنكويوالتي كانت تحتوي على العديد من الآثار والأدوات التي تعود للفترة البيزنطية.
كذلك الصراع الذي دار بين البيزنطيين والعرب والتي انتهت بخروج البيزنطيين من المناطق التي كانت مسيطرة عليها واستقرارهم في الأناضول.
ثم اندلعت الحروب بين البيزنطيين والعثمانيين انتهت بسقوط الإمبراطورية البيزنطية بسقوط القسطنطينية.
تركيا فيها عدة مناطق مبنية في قلب الصخور .. منها كايماكلي توالت الحروب بعد ذلك بين العثمانيين والتتار بقيادة تيمورلنك، إلى أن انتهت الصراعات في المنطقة بسقوط الدولة العثمانية بقيادة محمد السادس عام 1922 وإعلان جمهورية تركيا بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، بعد انتهاء الحروب تم هجر مدينة ديرنكويو إلى أن تم اكتشافها عام 1963 وقد فُتحت المدينة الزوار والسياح سنة 1969 أي بعد ستة سنوات من اكتشافها.
كل هذه الصراعات والحروب الطاحنة التي استمرت لقرون عديدة ومدينة ديرنكويو قابعة تحت سطح الأرض تقوم بحماية أرواح العديد من السكان الذين وجدوا الملاذ والملجأ الآمن تحت سطح الأرض ضد الأحقاد السياسية والأزمات العسكرية المنتشرة فوق سطح الأرض. "