أضعنا الحق فيما بيننا فاستحققنا الذل والهوان
بالأمس كانت جنازة أحد أبناء زميل لنا وقد حضرها عدة آلاف من أهل القرية
موت شاب ليس أمرا بالجديد فكلنا موتى أبناء موتى والغريب هو شابة محتاجة ليست من أهل القرية وقفت فى الجنازة ومشت فيها وهى تقول إنها سورية وأنها ستطرد من البيت المستأجر وأنها تحتاج مبلغا معينا لدفع الإيجار
عندنا تقف امرأة وتسير وسط آلاف من الرجال تتحرك هنا وهناك وهى تطلب من الناس مبلغ الإيجار
لقد وقفت عند الجامع وأنا أدعو الله فى داخلى أن أموت أو تنشق الأرض وتبلعنى من هول الموقف
كنت أعرف أنى خرجت من البيت دون نقود سارت الجنازة وسارت المرأة ولم يستجب أحد لها إلا بعد أن دفن الميت
أسرعت بالمشى هربا من هذا الإصرار من المرأة وبالمصادفة وضعت يدى فى جيب البنطلون وفوجئت بأن معى شىء فى الجيب أخرجته وأسرعت بالرجوع لمكان المرأة حيث أعطاها البعض
موقف من المفروض ألا يحدث ولكن لأننا عصينا الله ونرتكب ملايين المعاصى يوميا لابد أن يحدث هذا ولابد أن تكون فى ذل وهوان وهزائم وتحكم الكفار فينا وفى حياتنا
بالفعل إننا نستحق ما نحن فيه من الهزائم من الذل من الهوان من غلاء الأسعار
إننا حاليا نحيا نفس الحياة فى عصر الهزيمة حتى قال الشاعر :
يا إلهى
منذ ردمنا البحر بالسدود
وانتصبت بيننا وبينك الحدود
متنا
وداست فوقنا ماشية اليهود
يا إلهى
تعلم ان كان لنا مجد ضيعناه
أوحيته أنت، وعصيناه
واليوم ها نحن
اجل يا إلهى
نرفل في سقطتنا العظيمة
كأننا شواهد قديمة
تعيش عمرها لكي
تؤرخ الهزيمة" (غيرت بعض ألفاظ القصيدة لأنها تخاطب ميتا)
حاولت أن أفسر موقف المرأة الغريب إنها حالة من الدفاع الدفاع عن الأسرة بكل الوسائل الممكنة
لا يمكن أن تكون هذه المرأة فقدت الحياء بالمشى وسط الرجال وإنما الرجال هم من فقدوا النخوة من فقدوا التواد والتراحم من فقدوا الشهامة
لا يمكن أن تكون هذه المرأة بعملها إلا تعبير واضح على أن مجتمعاتنا كذبت دينها إلا من رحم الله
المرأة لم تكن تشحذ المرأة كانت تطالب بحقها من ناس تركوا حقوقهم وحقوق الآخرين تضيع
ذكرتنى المرأة برواية الأعرابى الذى أمسك الرسول (ص) من ياقة ثوبه وشده منه مطالبا بحقه قائلا له:
"أَعْطِنِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فإنك لا تعطي من مالك ولا مال أبيك"
المنظر الثانى كان قبلها فى نفس اليوم وهو منظر رجل مات أمام جدار مكتب البريد وهو فى انتظار قبض معاشه ؟
ماذا فعل الناس ؟
تركوه على الوضعية التى مات فيها ممدد نصفه على الرصيف رأسه على الحائط ورجليه على الأرض ووضعوا على رأسه ورق جرائد
الناس ويال المصيبة الكبرى وقفوا بجواره طابورا كى يقبضوا المعاشات
لم يقم واحد منهم أو واحدة حتى بتعديل جسمه وارقاده بجوار الجدار ممددا
قبضوا وانصرفوا تاركين الميت على نفس الوضعية
ماذا حدث للناس ألهذا الحد وصلنا حتى مع الموتى وصلنا إلى الخوف من ارقاد ميت حتى الرصيف فى وضعية سليمة وصلنا إلى حد الخوف من أن نأخذه إلى داخل مكتب البريد أو إلى بيت أو دكان قريب وارقاد الجثة فيه وصلنا إلى درجة إلى اهانة الميت بدلا من اكرامه
ما الذى يجرى ؟
إننا نستحق ما نحن فيه من غلاء الأسعار والذل والهوان
فقدنا حتى شعور القاتل فلم نضع اخونا فى القبر كما فعل ابن آدم القاتل عندما دفن أخيه
ما هذا يا أمة تنتسب زورا إلى دين الله ؟
هل نحن مسلمون فعلا ؟
هل نحن بهذه الأفعال نستحق أن يقال حتى عنا مؤمنون ؟
الرئيسية 
