إضاءات حول كتاب العفو
الكاتب هو سعيد عبد العظيم وموضوع الكتاب هو خلق العفو بمعنى غفران ذنوب الآخرين في حق الإنسان أو غفران الله لذنوب التائبين العائدين إليه وقد ابتدأ بذكر أن العفو دليل على كمال الإيمان حيث قال :"أما بعد:
فالعفو دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام وهو عنوان سعة الصدر وحسن الظن وشاهدٌ على كمال النفس وشرفها وطريق نور وهداية لغير المسلمين ومظهر من مظاهر حسن الخلق بل هو أفضل أخلاق المؤمن كما قال الحسن.
والعبد كثير الزلل تبدر منه الهفوات والجنايات في حق ربه ونفسه والخلق ومع ذلك يتلمس الخلاص والعفو فكان عليه أن يصفح ويغفر ويعفو إذا حدث التقصير في حقه قال تعالى: (وّالًكّاظٌمٌينّ الًغّيًظّ وّالًعّافٌينّ عّنٌ الناسٌ وّاللهٍ يحٌب الًمٍحًسٌنٌينّ <134>) [آل عمران: 134].
وقال: (وّلًيّعًفٍوا وّلًيّصًفّحٍوا أّلا تٍحٌبونّ أّن يّغًفٌرّ اللهٍ لّكٍمً) [النور: 22]
نقول: بلى والله يا رب إنّا لنحب أن تغفر لنا. كما قال أبو بكر الصديق وكان قد أقسم أن يقطع النفقة عن مسطح بن أثاثة بسبب خوضه في أم المؤمنين عائشة لله فنزلت الآيات من سورة النور."
والغلط في الرواية هو أن حديث الإفك كان في أم المؤمنين بينما هو في مجموعة كبيرة من المؤمنين والمؤمنات لقوله سبحانه :
"ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا"
كما أن الله تناول في نهاية القصة أن مخترعى الافك أرادوا اشاعة الفاحشة في المجتمع وإشاعة الفاحشة لا تكون بحديث عن رجل وامرأة فقط وإنما عن كثرة الزنى وفى هذا قال :
" عن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة"
ونقل عن ابن القيم كلام في عفو الله حيث قال :
قال ابن القيم :
«ومن حكمة الله عز وجل تعريفه عبده أنه لا سبيل له إلى النجاة إلاّ بعفوه ومغفرته - جل وعلا - وأنه رهين بحقه فإن لم يتغمده بعفوه ومغفرته وإلا فهو من الهالكين لا محالة فليس أحد من خلقه إلاّ وهو محتاج إلى عفوه ومغفرته كما هو محتاج إلى فضله ورحمته»
وتناول كون العفو صفة من صفات الله حيث قال :
"والعفو صفة من صفات الله تعالى و هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وحظ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى الله تعالى مُحسنًا في الدنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة.
بل ربما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم وإذا تاب عليهم محا سيئاتهم إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له وهذا غاية المحو للجناية قال تعالى:
(إن تٍبًدٍوا خّيًرْا أّوً تٍخًفٍوهٍ أّوً تّعًفٍوا عّنً سٍوءُ فّإن اللهّ كّانّ عّفٍوْا قّدٌيرْا <149>) [النساء: 149]. وقال في حق المستضعفين: (فّأٍوًلّئٌكّ عّسّى اللهٍ أّن يّعًفٍوّ عّنًهٍمً وّكّانّ اللهٍ عّفٍوْا غّفٍورْا <99>)[النساء: 99]"
وتناول عفو المسلمين عن بعضهم البعض وحتى عن الكافرين في حالات معينة حيث قال :
"وقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: (فّاعًفٍ عّنًهٍمً وّاسًتّغًفٌرً لّهٍمً وّشّاوٌرًهٍمً فٌي الأّمًرٌ)
[آل عمران: 159].
وقال: (فّاعًفٍ عّنًهٍمً وّاصًفّحً إن اللهّ يحٌب الًمٍحًسٌنٌينّ<13>) [المائدة: 13].
وأمر سبحانه عباده بالعفو فقال: (وّإن تّعًفٍوا وّتّصًفّحٍوا وّتّغًفٌرٍوا فّإن اللهّ غّفٍورِ رحٌيم <14>)
[التغابن: 14]
وقال: (فّمّنً عّفّا وّأّصًلّحّ فّأّجًرٍهٍ عّلّى اللهٌ إنهٍ لا يحٌب الظالٌمٌينّ <40>) [الشورى: 40].
وفي الحديث: «تعافوا فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب» [رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني]. ففيه الأمر بالعفو وهو التجاوز عن الذنب فإذا وصل الأمر إلى الحاكم وقد استوفى شروطه لم يسعه إلاّ إقامة الحد.
وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفُ عنه وأكرم نُزله ووسع مُدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقِّه من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلاً خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر - أو من عذاب النار -» قال: حتى تمنيتُ أن أكون أنا ذلك الميت. [رواه مسلم]."
والرواية فيعا غلط وهى غسل الله الميت بالماء والثلج والبرد فالله يطهر المسلم من الذنوب بالعفو وليس بماء وبرد
وقال أيضا:
"وعن عائشة و قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو فاعفُ عني» [رواه الحاكم والترمذي وقال: حسن صحيح]."
والغلط هو وجود ليالى قدر معينة بينما ليلة واحدة نزل فيها القرآن في أول البعثة ولذا قال سبحانه:
" ليلة القدر خير من ألف شهر"
فلوة كانت متعددة لقال ليالى القدر
وقال أيضا:
"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدًا بعفو إلاّ عزًا وما تواضع أحد و إلاّ رفعه الله» [رواه مسلم]."
والغلط أن الصدقة لا تنقص المال وبالفعل هى تنقص قدر المال ولا يجادل في ذلك إلا مجنون
وقال أيضا:
"وعن أسامة بن زيد رضى الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله تعالى: (وّلّتّسًمّعٍن مٌنّ الذٌينّ أٍوتٍوا الًكٌتّابّ مٌن قّبًلٌكٍمً وّمٌنّ الذٌينّ أّشًرّكٍوا أّذْى كّثٌيرْا وّإن تّصًبٌرٍوا وّتّتقٍوا فّإن ذّلٌكّ مٌنً عّزًمٌ الأٍمٍورٌ <186>)
[آل عمران: 186]
وقال: (وّد كّثٌيرِ مٌنً أّهًلٌ الًكٌتّابٌ لّوً يّرٍدونّكٍم مٌنً بّعًدٌ إيمّانٌكٍمً كٍفارْا حّسّدْا مٌنً عٌندٌ أّنفٍسٌهٌم مٌنً بّعًدٌ مّا تّبّينّ لّهٍمٍ الًحّق فّاعًفٍوا وّاصًفّحٍوا حّتى يّأًتٌيّ اللهٍ بٌأّمًرٌهٌ إن اللهّ عّلّى كٍلٌ شّيًءُ قّدٌيرِ <109>) [البقرة: 109] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو عنهم ما أمر الله به» [رواه البخاري].
وعن عائشة و قالت: فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك» [رواه مسلم].
وعن ابن عمر رضى الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي» [رواه الحاكم وابن ماجه وأبو داود وصححه الألباني].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صُدُورها ما لم تعمل أو تكلم» [رواه البخاري ومسلم]. وعن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنّا فتجاوز الله عنه» [رواه البخاري ومسلم].
وعن ابن مسعود قال: «كأني أنظر إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»
[رواه البخاري ومسلم].
وعن أنس قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء» [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي بكر أنه قال: «بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديًا يوم القيامة فينادي: من كان له عند الله شيء فليقم فيقوم أهل العفو فيكافأهم الله بما كان من عفوهم عن الناس».
وقال عمر: «كل الناس مني في حل».
وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنه أن رجلاً سأله قال: فما قولك في عليّ وعثمان؟ قال: «أما عثمان فكان الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه. وأما عليّ فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنُه (زوج ابنته) وأشار بيده فقال: «هذا بيته حيث ترون» أي وسط بيوت النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال معاوية: «عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة فإذا أمكنتم فعليكم بالصفح والإفضال».
وأُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث فقال لرجاء بن حيوة: ماذا ترى؟ قال: إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعطِ الله ما يحب من العفو فعفا عنهم
وعن عبد الله بن الزبير في قول الله تعالى: (خٍذٌ الًعّفوّ وّأًمٍرً بٌالًعٍرًفٌ) [الأعراف: 199] قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس». وقال البخاري: «باب الإنتصار من الظالم لقوله جل ذِكره: (وّالذٌينّ إذّا أّصّابّهٍمٍ الًبّغًي هٍمً يّنتّصٌرٍونّ <39>) [الشورى: 39]
قال إبراهيم النخعيّ: كانوا يكرهون أن يُستذلوا فإذا قدروا عفوا.
وكتب أحدهم إلى صديق له يسأله العفو عن بعض إخوانه: «فلان هارب من زلته إلى عفوك لائذٌ منك بك واعلم أنه لن يزداد الذنب عظمًا إلاّ ازداد العفو فضلاً».
وقال بعضهم: «ليس الحليم من ظُلِم فحكم حتى إذا قدر انتقم ولكن الحليم من ظُلم فحلم حتى إذا قدر عفا».
اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعفُ عنّا ووفقنا للعفو والصفح عن المسيء حتى نلقاك وأنت راضٍ عنّا.
وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين."