مراجعة لخطبة رمضان وحفظ اللسان
الخطيب هو أسامة خياط وموضوع الخطبة حفظ اللسان في رمضان والأولى أن حفظ اللسان أمر مطلوب في كل الأحيان وقد ابتدأ بمقدمة معانيها مقتبسة من رواية لا تصح عن فتح أبواب الجنة وقفل أبواب النيران في رمضان حيث قال :
"أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله فقد أظلَّكم شهرٌ عظيم مبارك، تفتَّح فيه أبواب الجنة، وتغلَّق فيه أبواب النيران، وينظر الله إلى تنافسكم فيه، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فالسعيد من مسَّته رحمة الله تعالى فحظي بالغفران والرضوان، والشقيُّ من حُرم رحمةَ الله عز وجل في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار."
والحقيقة أن من مات من الطيبين وهم المسلمين في رمضان فتحت له الجنة كما قال سبحانه :
"الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون"
ومن مات من الكافرين فتحت له أبواب جهنم كما قال سبحانه:
"الذين تتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين"
وتناول اغتنام الفرص في رمضان لنيل الحسنات حيث قال :
"أيها المسلمون، بين تفريط المفرِّط وتضييعه، وبين لهوه ولغوه، وبين غفلة الغافل وسهوه، يدأب المؤمن الصادق اليقِظ على اغتنام فُرَص العمر التي منَّ الله بها على عباده، وفي الطليعة منها فرصةُ الصيام في شهر الصيام، ويجهَد في استثمار زمانها أملاً في بلوغ ما تصبو إليه نفسه، ويطيب به عيشه، وتحسن به عاقبته في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد."
وتناول أن منافع الصيام كثيرة لا يقدر أحد على حصرها حيث قال :
وإنَّ منافعَ الصيام وجميلَ آثاره لتربو على الحصر، وتجلّ على العدّ"
وهو ما يعارض أن الله حصر تلك المنافع في واحدة وهى التقوى حيث قال :
"يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"
والتقوى تعنى النجاة من النار ودخول الجنة
وتناول أن المسلم ليس لسانه لسان سوء ولعن وفحش وبذاء حيث قال :
"غيرَ أن الأثر البيِّن لهذه الفريضة المباركة في ترويض الألسنة الجامحة وتقويمها وتطهيرها من مقبوح القول ومنكور الحديث؛ لتتحقَّق بها صفةُ المؤمن الكامل التي أخبر عنها رسول الله بقوله: ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)) أخرجه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه بإسناد صحيح."
والرواية لا تصح لمعارضتها كتاب الله في كون المسلم يلعن الكفار كما قال سبحانه :
"إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"
فهنا الناس وهم المسلمون يلاعنون الكفار
كما يعارضه في أن الله أباح الكلام السوء في الظالم حيث قال :
"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
وتناول وجوب الحذر من آفات اللسان حيث قال :
"إن هذا الأثرَ التربويَّ البارز -يا عباد الله- لهو من أظهر ما تجب العناية به بتوجيه الأنظار إليه وكمالِ الحرص عليه، فذلك شأن أولي النهى وديدنُ أولي الألباب ونهجُ أولي الأبصار. فآفاتُ اللسان وأوضارُه هي من أعظم ما يُخشى ضررُه وتُحذر عاقبته؛ إذ بها يعظم الخطب، ويُحْدق الخطر، ويعمُّ البلاء، وتستحكم العلل، ويعزّ الدواء فيعسر البرء، وقد يتبدَّد الأملُ بعد ذلك في الشفاء، وحسبكم في بيان ذلك -يا عباد الله- قولُ رسول الله لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين سأله متعجِّباً: وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال : ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم)) أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي في سننهما بإسناد حسن."
والرواية الغلط فيها أن سبب دخول النار كلام الألسن وهو ما يخالف أن سبب الدخول هو القول والفعل السوء معا وهم ما سماهم الله العمل الذى جعله سبب دخول نار العذاب حيث قال :
"وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون"
وتحدث عن وجوب حفظ الصائم للسانه من الوقوع في الذنوب حيث قال :
"ولذا فإن على المسلم الصائم ابتغاءَ وجهِ ربه الأعلى وأملاً في الظفر بموعود الله على لسان رسول الله الوارد في قوله: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)) أخرجه الشيخان في صحيحيهما، إن عليه أن يذكر على الدوام أن سِبابَ المسلم فسوق، كما صحَّ بذلك الحديث عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، والمرادُ أنه خروجٌ على أوامر الله، وتعدٍّ لحدوده، يظلم به المرء نفسَه ظلماً مبيناً من جهة إدخال النقص عليها في إيمانها، حين يوردها مواردَ الطعن واللعن والفُحش والبذاء، وهو لا يحلُّ له، ولا يجمُل به، ومن جهة التنكُّر أيضاً لحقوق الأخوة التي بارك الله فيها، ووصف بها المؤمنين بقوله عزّ اسمه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]
وشدَّد النكيرَ على كلِّ من أراد الانتقاصَ منها، أو تعكير صفوها، أو توهين عُراها."
وكرر معانى التحذير من سوء القول في رمضان حيث قال :
"ثم عليه أن يذكر أيضاً أن تلوُّثَ الألسنة بأرجاس هذا السوء في حال الصيام أعظمُ قبحاً، وأشدُّ نكراً، وآكد حرمة، ولذا جاء التوجيهُ النبوي الكريم بالتحذير من ذلك بقوله صلوات الله وسلامه عليه: ((الصيام جنة، فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يسخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم)) أخرجه الشيخان في صحيحيهما، والمراد أن يذكِّر المسلم الصائمُ نفسَه بذلك؛ ليقمعَ به سورةَ الشر في أقطارها، ويذكِّر أخاه أيضاً لعلَّه أن تمسَّه رحمةٌ من ربِّه فيقلع عما أراد من سوء، ويُحجم عما أوضع فيه من عدوان.
وفي هذا البيان النبوي الرفيع -يا عباد الله- من الحسم على كبح جِمَاح النفس بكفِّها عن مقابلة السنة بمثلها، ومن لجم اللسان عن التردِّي في وَهدة الجهل والسفَه والمخاصمة المورِثة للعداوة والبغضاء وفساد ذات البين ما لا مزيدَ عليه، وفيه أيضاً أن فريضةَ الصيام فرصةٌ كبرى لاعتياد هذه المجاهدة، واعتماد هذه التزكية، يأخذ بها المسلم نفسَه في أيام هذا الشهر ولياليه، ويحثّ إخوانَه على الأخذ بها رفيقاً بهم غيرَ معنِّفٍ لهم؛ لتكون عدةً وزاداً لهم في مستقبل الأيام، وآيةً بينة على بلوغ الصوم غايتَه في تحقيق التقوى."
وفى الخطبة الثانية ذكر بعض آيات الصيام مطالبا بتنفيذها دون بيان أحكامها حيث قال :
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:183، 184].
فيا عباد الله، إنَّ صيام من هذا الشهر المبارك على ما أمر الله وبيَّنه رسول الله هو بمثابة رسالةٍ بالغة التأثير في الأفئدة والألباب، فمن حقِّ الأمة ومن واجبِها أن تقدِّم هذه الرسالةَ للعالمين برهاناً واضحاً على كمالِ الانقياد لله تعالى وتمام الإذعان لأمره ونهيه، وتقديمهما على كل المحبوبات، وعلى تزكية النفوس والترقي بها في مدارج الكمالات، وعلى توثيق عرى الأخوة بالشدِّ على الروابط، وإشاعة التراحم والتعاطف بين أبناء الأمة الواحدة."