خواطر حول كتاب دور القدوة في التربية والتعليم
الكاتب هو هلال بن صالح الهاشمي وموضوع الكتاب هو قلة القدوة الحسنة في بلادنا وهو قوله حيث قال :
"وبعد، فهذا البحث يجمع بين طياته أمر هام ضروري وهو عن الافتقار إلى القدوة في عالمنا الإسلامي الأمر الذي أدى بالمسلمين إلى أن يصبحوا حلفاء الجاهلية الأوربية وسرت فيهم الأخلاق الجاهلية كسريان الماء في عروق الشجر والكهرباء في الأسلاك, وبما أن عامل القدوة له تأثير كبير في تنشئة الأجيال الذين يمثلون البيئة الأساسية في المجتمعات والدول لذلك أحببت الكتابة في هذا الموضوع "
وتناول كون القدوة أسلوب تربوى قائم على صلاح المعلم أولا حيث قال:
"تمهيد القدوة الصالحة أسلوب تربوي:
القدوة الصالحة من أهم المبادئ التربوية في مجال التدريس، فالطلاب عيونهم معقودة بمدرسهم، متطلعة إلى حركاته وسكناته، لا إلى أقواله وألفاظه، ولقد أوصى عمرو ابن عتيبة مؤدب أولاده فقال: (ليكن أول إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينيك فالحسن عندك ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت. علمهم كتاب الله ولا تملهم فيه فيكرهوه، ولا تتركهم فيه فيهجروه، وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تنقلهم من علم لآخر حتى يحكموه، فأن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم، وعلم سنن الحكماء، ولا تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك) وتتفق هذه الوصية مع وصية الرشيد لمؤدب ولده الأمين, العالم اللغوي محمد بن الأحمر وتطبيق هذا المبدأ يعود بالنفع العميم على التدريس، وبناء الشخصية الإسلامية إذ تتحول معه التربية الإسلامية من مجرد أقوال إلى واقع حي، يشاهده التلاميذ ويحتذون به كما يعد عاملا من عوامل بناء الثقة بين التلاميذ ومدرسهم، وما تفرق الناس وانحرافهم في هذا الزمان إلا نتيجة لفقدان القدوة الصالحة."
والكاتب يتهم المعلمون حاليا بأنهم لا يمثلون القدوة للطلاب وتناول فوائد القدوة الصالحة حيث قال:
"وتعتبر القدوة في التربية من أنجع الوسائل المؤثرة في إعداد الولد خلقيا، وتكوينه نفسيا واجتماعيا.. ذلك لأن المربي هو المثل الأعلى في نظر الطفل والأسوة الصالحة في عين الولد.. يقلده سلوكيا.. ويحاكيه خلقيا من حيث يشعر أو لا يشعر.. بل تنطبع في نفسه وإحساسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية من حيث يدري أو لا يدري!!..
ومن السهل على المربي أن يلقن الولد منهاجا من منهاج التربية، ولكن من الصعوبة بمكان أن يستجب الولد لهذا المنهج حيث يرى من يشرف على تربيته. ويقوم على توجهيه غير متحقق بهذا المنهج، وغير مطبق لأصوله ومبادئه."
وعرف الكاتب القدوة حيث قال :
"مفهوم القدوة
من هو القدوة؟
هو الشخص المتعلم، والمترجم لما تعلم الذي يعامل الناس ويدعوهم بالقول والعمل، فأصبح مؤثرا أشد التأثير، تلتف حوله القلوب، وتحوم حوله الأفئدة، فتلامس كلماته السويداء مما يغير من مفاهيم الكثيرين"
وتعريف القدوة هو أنها التأسى بشخص قد يكون صالحا أو طالحا ولكن الكاتب قصرها على أنها الرجل العالم العامل بدينه وأن خير ممثل لها هم الرسل(ص) ومنهم محمد(ص) حيث قال:
"ولهذا كان النبي(ص) هو القدوة الحقيقة والأسوة الصادقة في كل الأعمال والأخلاق والمعاملات لأنه كان قرآنا يمشي على الأرض وهو الموصوف من قبل الخالق بأنه على خلق عظيم، نبه المولى المؤمنين فقال تعالى }لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
ووضع الله سبحانه في شخص محمد (ص) الصورة الكاملة للمنهج الإسلامي، ليكون للأجيال المتعاقبة الصورة الحية الخالدة في كمال خلقه وشمول عظمته سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها، عن خلق رسول الله (ص)فقالت كان خلقه القرآن) حقا أن النبي كان الترجمان الحي لفضائل القران والصورة المتحركة لتوجيهاته الخالدة. و إذا كان الله سبحانه قد خص نبيه (ص) بهذا الخلق العظيم، وميزه بهذه الأسوة الحسنة.. فمن الطبيعي أن تنجذب القلوب له، وأن تتأسى النفوس به وأن يجد الناس في شخصية النبي القدوة الكاملة، والمثل الأعلى في كل ما يرتبط بحياتهم الدينية والدنيوية والاجتماعية).
إذن صلاح المؤمن وعدم مخالفة عمله لقوله هو أبلغ خطبة تدعو الناس إلى الإيمان وخلقه الفاضل هو السحر الذي يجذب إليه الأفئدة ويجمع عليه القلوب فالداعية الموفق الناجح هو الذي يهدي إلى الحق بعمله وإن لم ينطق بكلمة. لأنه مثل حي متحرك للمبادئ التي يعتنقها. ولا يكفي - لكي يكون المرء قدوة - أن يتظاهر بالصالحات أو يتجمل للأعين الباحثة، فإن التزوير لا يصلح في ذلك الميدان فالشخص الذي نزل على أمر الله وتحلى بالفضائل التي شرعها وترفع عن الرذائل التي حرمها واستقام على ذلك استقامة تامة هو الذي تلتمس الأسوة ويقتبس منه الهدى.
ولقد حذر الله تبارك وتعالى من مخالفة القول للعمل فقال: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
بالطبع هذا الكلام هو كلام بشرى لأن القدوة في كتاب الله معناها الاقتداء بهدى الرسل(ص) والمقصود العمل بالوحى المنزل عليهم لأن الرسل(ص) بشر يصيبون كثيرا ويخطئون أحيانا كما في القول كل ابن ىدم خطاء وخير الخطأون التوابون وفى هذا قال سبحانه:
" فبهداهم اقتده"
وحتى عندما طالبنا الله الاقتداء بأفراد طالبنا بالاقتداء بالأسوة الحسنة وهى العاملة للصالحات وليس العاملة للسيئات وهو الأسوة السيئة حيث قال:
"لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"
وقد ذكر الله أخطاء للنبى(ص) كعبوسه في وجه الأعمى حيث قال" عبس وتولى أن جاءه الأعمى" ولا يمكن التأسى بعمل سوء كهذا
وتناول فوائد القدوة الحسنة حيث قال :
"أهمية القدوة
المجتمعات كأجساد تسري فيها آثار القدوة سلبا أو إيجابيا، فإذا كانت قدوة سيئة سوى أثرها السيئ على المجتمع ضعفا و العكس صحيح، والقدوة العملية أقوى وأشد تأثيرا في نشر المبادئ و الأفكار، لأنها تجسيد وتطبيق عملي لها بخلاف الأقوال والمحاضرات والكتابات، ولأهمية القدوة العملية حذر الله المؤمنين من أن تخالف أعمالهم أقوالهم التي يدعون إليها قال تعالى }أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون لذلك لزم أن تبرز القدوة الحسنة في كل مجال من مجالات الحياة ولكل نوعية من مكونات مجتمعاتنا، فلابد من الطالب المسلم القدوة، والمدرس المسلم القدوة، والطبيب المسلم القدوة، والمهندس المسلم القدوة، والقاضي المسلم القدوة، والعامل المسلم القدوة، والقائد المسلم القدوة، والابن المسلم أو الابنة المسلمة القدوة، والأم المسلمة القدوة، والبيت المسلم القدوة، والمجتمع المسلم القدوة، والمدرسة الإسلامية القدوة، والمستشفى الإسلامي القدوة، والمؤسسة الاقتصادية الإسلامية القدوة، وهكذا يلزم أن تحدو الملامح الرئيسية للقدوة الإسلامية لإبراز التطبيق الإسلامي الصحيح في كل هذه المجالات ولكي تؤدي دورها في بناء الدولة)
ومن أسباب أهمية القدوة، أن الأطفال يسلكون فيتعلمون عن طريق المحاكاة والتقليد، وأن لديهم استعداد لتقليد من يعجبون به، ممن يحيطون بهم أو يشاهدونهم ولهذا ينبغي أن يوفر المدرس جوانب الإعجاب: قولا وعملا؛ حتى يحث طلابه على الإقتداء به، ويحذر أن يرى في غير ما يدعو إليه، ففي ذلك فتنة به وقد أدرك المربون المسلمون، مدى تأثر الطفل بشخص مربيه يقول علي بن أبي طالب (من نصب نفسه للناس إماما، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته، قبل تأديبه بلسانه ومؤدب نفسه ومؤدبها، أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم ).
ويمكننا أن نوضح أهمية القدوة في النقاط التالية:
- حاجة الأمة إلى العاملين بالأقوال والمفاهيم.
2- لقلة العاملين وكثرة المتكلمين.
3- أمية الالتزام بالأقوال والمفاهيم.
4- عدم إدراك المتعلمين لخطورة العلم الذي تعلموه ولم يعملوا به.
5- انشغال الناس بالحصول على الألقاب من دكتوراه وماجستير، ولكن أين العمل؟ بل الطامة أكبر حين يصاب هؤلاء بمرض الغرور والتكبر.
6- بسبب تجمل الناس بالعلم دون العمل.
7- نظرة الناس بخصوصية ومجهر مكبر إلى المتكلمين بوجوب الالتزام بالشرع وأوامر الدين.
8- أن القدوة المتحلية بالفضائل تعطي الآخرين القناعة بأن بلوغها هين.
9- الناس يتأثرون بلسان الحال، أكثر من لسان المقال. "
وتناول القدوة في كتاب الله والروايات حيث قال :
القدوة في الكتاب والسنة
ورد ذكر القدوة في القران الكريم حيث قال الله تعالى } أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )( أي أن الله سبحانه وتعالى قد هدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فاختص طريقهم بالاقتداء والمراد (بهداهم) ما توافقوا عليه من التوحيد و أصول الدين دون الفروع المختلف فيها فإنها ليست هدى مضافا إلى الكل ولا يمكن التأسي بهم جميعا"
ونلاحظ الفهم المغلوط بمن نقتدى فالآية تقول " بهداهم" أى بالوحى المنزل عليهم لأنه ليس فيه خطأ واما الرسل (ص)فيخطئون احيانا
وقال أيضا:
قال تعالى: "لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" أي لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه من المؤمنين قدوة حسنة في التبرؤ من الكفار لمن كان يرجو ثواب الله تعالى ويخاف عقابه في الآخرة"
والملاحظ هنا هو أن الاقتداء وهو التأسى يكون بالأسوة الحسنة وليس بالسيئة من أعمال الأفراد
وتناول الكاتب بالنقل تفسير آية عن القدوة السيئة حيث قال:
"ويقول الله تعالى: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون { وفي هذا المقام نورد تعليق الأستاذ سيد قطب يقول: (والدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه هي الآفة التي تصيب النفوس بالشك، لا في الدعاة وحدهم، ولكن في الدعوة ذاتها، وهي التي تبلبل قلوب الناس وأفكارهم، لأنهم يسمعون قولا جميلا، ويشهدون فعلا قبيحا، فتتملكهم الحيرة بين القول والفعل، وتخبو في أرواحهم الشعلة التي توقدها العقيدة وينطفئ في قلوبهم النور الذي يشعه الإيمان، ولا يعودون يثقون في الدين بعدما فقدوا ثقتهم في “رجال الدين”.
إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة، مهما تكن رنانة طنانة متحمسة، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقا إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيما واقعيا لما ينطق.. عندئذ يؤمن الناس، ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق.. إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من برقيها.. إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة لأنها منبثقة من حياة
إن الدعوة النافعة التي تحول الناس من الضلال إلى الهدى ومن الفساد إلى الصلاح فهي الدعوة التي يصدقها فعل الداعية ويترجمها واقعه ويزكيها إخلاصه وإذا لم يتفاعل الداعية مع دعوته فكيف يتفاعل معها غيره؟ وهل أمكن لأصحاب رسول الله (ص)وأصحابه أن يخرجوا الأمم الضالة الحائرة في أرجاء الأرض مما كانت فيه وعليه من الغي والانحراف والفساد و الظلمات إلى الرشد والاستقامة والصلاح والنور في ذلك العصر الذي لم تكن فيه وسائل الإعلام ولا دور النشر إلا بتجسيد ما كانوا يدعون إليه من الحق ويبينونه من الهدى في واقع أنفسهم بحيث كانوا صورة حية ومثالا واقعيا للإيمان العميق والإسلام الخالص
الوعيد الشديد للقدوة السيئة من السنة النبوية
( صورة مخيفة، لكن من يتعظ؟)
قد جاء على لسان رسول الله (ص)من الوعيد البالغ على هذه الحالة الممقوتة ما فيه عظة لأولى الألباب من ذلك ما أخرجه أحمد والشيخان من حديث أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله (ص)يقول “يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار، فيقولون يا فلان مالك؟ ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه” وعن أنس قال: قال رسول اله (ص)“مررت ليلة أسرى بي على قوم تقرض شفاهم بمقاريض من نار -قال- قلت من هؤلاء؟ قالوا: خطباء أمتك من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون"
الروايات التى استدل بها روايات لا تصح فلا وجود في النار بقرض الشفاه ولا لاندلاق أعضاء البطن وإنما ذكر الله أدوات التعذيب بكونها الطعام والشراب والكى بالذهب والفضة والحرق بالنار والربط في السلاسل وهى المقامع
وقال أيضا:
"والرسول (ص)كان قدوة للناس في واقع الأرض يرونه وهو بشر منهم تتمثل فيه الصفات الحسنة، فيصدقون هذه المبادئ الحية لأنهم يرونها رأي العين ولا يقرأونها في كتاب، ويرونها في بشر، فتتحرك لها نفوسهم وتهفو لها مشاعرهم ويحاولون أن يقبسوا قبسات من الرسول (ص)كل بقدر ما يطيق أن يقتبس ولقد صدق الرسول (ص)القائل - فيما رواه البيهقى والديلمى - “أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم”، "
الرواية هى ألأخرى لا تصح فالاقتداء كما سبق الكلام يكون بالهدى وهو الوحى لأن الصحابة بشر ونحن طالما لا نقدر على الحكم على عملهم بكونه صالح أو طالح في الموقف الفلانى فيجب أن نلجأ إلى طاعة الوحى نفسه وليس أن نفعل ما فعلوا لأن الروايات التى تحكى عنهم معظمها كذب كروايات تقاتلهم مع بعضهم فهل نقاتل بعضنا كما تحكى الروايات
وتناول دور القدوة الحسنة في التعليم حيث قال :
"دور القدوة في التربية والتعليم
إن القدوة لها دورها في إحياء الضمير الديني في نفوس التلاميذ ومساعدتهم على تقبل قيم الإسلام, وهو مبدأ محمدي كان له عظيم الأثر في تعلق القلوب بالنبي (ص)وكان له صداه في انتشار الإسلام.
والمدرس القدوة يتحلى في مظهره ومخبره بسمات كثيرة, من أهمها الالتزام بالشرع وتطبيق ما يدرسه ويدعو إليه, وتجنب ما ينفر منه, والقدوة في المعاملة لطلابه ولزملائه ولرؤسائه, لطفا ولينا, وحكمة وحسن معاملة, داخل المدرسة وخارجها, فلا يعقل مثلا أن يدعو المعلم إلى اللين والرفق وهو يتسم بالفظاظة والقسوة أو يدعو إلى حسن المعاملة ويراه تلاميذه مخاصما لزملائه،كثير السخرية بهم, فهذا وما يشبهه, مما يباعد بين المعلم وتلاميذه.
وإذا كان المعلم معروفا بالاستقامة والورع فإن كلامه يصل إلى مجامع القلوب. وكانت استقامته وورعه مقدمة القبول والحافز عليه وإذا كان المعلم فقيرا في التزامه واتباعه فإن كلامه يمر من فوق الرؤوس كالسهم الطائش الذي لا يصيب الهدف يقول الماوردي في أدب الدنيا والدينوقال علي بن أبي طالب: “إنما زهد الناس في طلب العلم لما يرون من قلة انتفاع من علم بما علم.. وكان يقال خير من القول فاعله وخير من الصواب قائله, وخير من العلم حامله”..). يقول الله تعالى: }إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) هذه سنة إلهيه لا تتبدل, فلكي يتم التغيير المنشود في مجتمعاتنا تمهيدا لتحقيق هدف التمكين لدين الله يتحتم على العاملين في حقل الدعوة أن يهتموا بالمجالات التي لها تأثيرها الفعال في أحداث هذا التغيير مثل مجال التربية والتعليم, فأبناء كل وطن يمرون في أفواج متتالية عبر مؤسسات التربية والتعليم ويقضون فيها فترة النمو وبناء الشخصية بدنيا وعقليا وروحيا فتتشكل الأجيال حسب ما يتلقونه من مفاهيم ومبادئ وقيم ومثل ويكون لذلك أثره الممتد بعد ذلك في حياتهم، لذلك يجب أن يصبغ هذا القطاع بالصبغة الإسلامية وأن تقدم القدوة الإسلامية الحسنة فيه.
المؤسسة التعليمية الإسلامية القدوة
قد تكون مدرسة أو معهد أو كلية أو جامعة فيلزم أن يكون الإسلام هو الطابع العام الذي يفرض نفسه في كل صغيرة وكبيرة، فلا تبرج ولا اختلاط، ومراعاة الأدب الإسلامي في التعامل وتهيئة مكان الصلاة والوضوء وتنظيم الأوقات لتتفق مع مواقيت الصلاة.
الإدارة القدوة
عليها أن تقدر المسؤولية الملقاة على عاتقها وأن الطلبة أمانة في أعناقهم، وأن يكون واضحا أن إدارة مؤسسة تربوية يختلف كثيرا عن إدارة مؤسسة تجارية أو صناعية والإدارة القدوة يلزم أن تكون على مستوى جيد من العلم والخلق والحكمة واليقظة والقدرة الإدارية والعملية وأن تتعهد الطلبة بالتوجيه والإرشاد وأن تعمل على توسيع مدارك الطلبة وأن تحسن اختيار الأساتذة والمدرسين.
المدرس المسلم القدوة
مهمته ليس حشو ذاكرة الطالب بالمعلومات، وأن ينجح أكبر عدد من طلبته في المادة التي يدرسها فهذا فهم خاطئ فمهمته تربوية قبل أن تكون تعليمية فهناك فرق بين التربية والتعليم، لذلك على المدرس أن يكون قدوة عملية في التزامه بآداب الإسلام وبتعاليمه وخاصة مدرس التربية الإسلامية.
ولقد حرص المربون قاطبة على أن يكون المعلم قدرة يدرب الصغار على الصدق والشجاعة والسخاء والكرم وعلى النهي عن الربا وهجو الناس والطمع فيهم، وعن البخل والشح فكيف بالأطفال وهم أكثر ملاحظة إذا رأوا معلمهم كذوبا جبانا بخيلا.
ومن هنا كان تقريع شاعرنا العربي أبو الأسود الدؤلي أليما في المعلم الذي يخالف فعله قوله فما أروع قوله:
يا أيها الرجل المعلم غيره =هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا =كيما يصح به وأنت سقيم
وأراك تلفح بالرشاد عقولنا =أبدا وأنت من الرشاد عقيم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها =فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهنالك يسمع ما تقول ويهتدى =بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله =عار عليتك إذا فعلت عظيم
وروي عن أحد الزهاد أنه قعد مقعد التذكير فأحجم عن الكلام، فقال له أحد المنصتين إليه: ترى أن تقول في سكوتك شيئا؟
وغير تقي يأمر الناس بالتقى = طبيب يداوي والطبيب مريض
فما كاد من حوله يسمعون هذا البيت حتى ارتفعت أصواتهم بالبكاء لتأثير موعظته على نفوسهم.
وعلى المدرس المسلم القدوة أن يوجد علاقة طيبه بينه وبين طلبته وأن يربط العلم بالخالق عند تقديمه لمادته العلمية وأن يهتم باللغة العربية الفصحى وأن يسارع إلى الاستجابة للعمل بالتدريس في البلاد الإسلامية النائية وعلى المدرسة المسلمة القدوة بالإضافة إلى ذلك عليها الالتزام فيما يخص المرأة وخاصة الزي الشرعي وعدم الاختلاط وتزكية الحياء.
فمعلم واحد يمكن إن يجني بسلوكه المنحرف وعدم تقيده والتزامه على مجموعة كبيرة من الأطفال، ومعلمة واحدة في مدارس البنات يتسم سلوكها بالتهتك وعدم الاهتمام بالعفة والحجاب تنتهي جنايتها على ستين طالبة من أطفال هن بعمر الورود.
الطالب المسلم القدوة
يجب أن تكون النية من العلم والتعلم هي إفادة الإسلام والمسلمين والإسهام في بناء الدولة الإسلامية، وليس الحصول على شهادة يستطيعون بها مزاولة عمل يتكسبون منه، وعلى الطالب المسلم أن يحرص على التعرف على مدى صلة ما يتعلمه بالحياة العامة العملية، وأن يعلم أن الجانب التربوي الخلقي أسبق في الأهمية من الجانب الثقافي، وأن يحسن اختيار من يصادق فيختار الصالحين منهم وأن يحسن اختيار مجالات الترويح عن نفسه، وأن يعطي قضية الدراسة والتعليم الاهتمام اللائق بها، وعليه أن يكون منظما في شؤونه في البيت والمدرسة أو الكلية وفي مكتبته وحجرة نومه، وأن ينظم وقته ويعتاد النظافة والمواظبة على تلقي الدروس من أساتذته وألا يتغيب إلا لعذر قاهر وأن يكون حاضر الذهن أثناء الشرح، وأن يحرص على إتقان دراسته والتفوق فيها"
هذا الكلام عن القدوة في التعليم فقط لا يكون مفيدا إلا إذا كانت كل مؤسسات البلاد بها نفس القدوات الحسنة لأن القدوة الحسنة في مكان واحد وفساد البقية هى عملية غير مفيدة وغير مقنعة للطالب
وتناول أسباب قلة من نقتدى بهم من القدوات الحسنة حيث قال:
"بعض أسباب الافتقار إلى القدوة
• حالتنا في قرننا هذا حالة فريدة سيئة في تاريخ الإسلام كله، إن لم يكن في تاريخ البشرية.
• فنحن نؤمن بوحدانية الله لا شريك له ثم لأول مرة في تاريخ الإسلام لا ننفذ شريعته! ولا نرى حرجا في ذلك ولا مأثمة، بل
• الإسلام ليس قول باللسان فقط، والنصر من عند الله، ولا يكون بالتواكل والأماني،
• طغيان الجانب المادي على الجانب الروحي حيث نرى أن الدنيا صارت أكبر هم الكثير منهم ومبلغ علمهم، فإذا هم يكرسون جهودهم وأوقاتهم واجتهاداتهم في تحقيق مطالب الحياة والجسد وكيفية الحصول عليها والاستمتاع بها.
• انتشار القدوات السيئة في مجتمعات بلادنا الإسلامية في حماية القانون في حين أن القدوات الصالحة مطاردة ومضيق عليها وتتعرض إلى الاعتقال والسجن والتعذيب والقتل.
استغلال الأعداء وأصحاب المبادئ الأرضية لقطاع التربية والتعليم، فنراهم يحرصون على صبغ مناهج التربية والتعليم بما يحبون من مبادئ وسمحنا لهم بالتدخل في مناهج التعليم في بلادنا كخبراء فدسوا سمومهم وأفرغوا مناهجنا من روح الإسلام وتعاليمه."
والحقيقة أن قلة القدوات مرجعها إلى فساد نفوس الناس ورغبتها في الفساد ما عدا القلة القليلة ولا تعود إلى أى سبب اخر
وآتانا الكاتب بما أسماه نماذج صادقة حيث قال :
"نماذج صادقة
الرسول (ص)هو الأسوة والقدوة. وقد كانت كل دقيقة من دقائق حياته مبسوطة أمام المسلمين لتكون لهم النموذج الكامل الدائم الذي يرجعون إليه في كل تصرفاتهم ويحاولون –بقدر ما يطيقون- أن يقتبسوا منها ويقتدوا بها، ويتأسوا بها في الشدائد والصعاب.
والصحابة هم نماذج “بشرية”.. صحيح أنها نماذج ممتازة، نادرة في التاريخ الإسلامي، ولكنهم ولا شك بشر تشربت أرواحهم النور العلوي فارتفعت به وصارت إلى تلك النماذج العالية التي تشرف بها البشرية في جميع أعصارها وجميع أحوالها والتأسي بهم والإقتداء بأعمالهم وأفكارهم ومشاعرهم محاولة مفتوحة أمام المسلمين في كل جيل، يصلون منها إلى ما تقدر نفوسهم عليه.
ولقد كان أصحاب النبي (ص)نماذج صادقة عن دعوتهم وإسلامهم يقول الحسن البصري في صفتهم: (ظهرت منهم علاما ت الخير في السماء والسمت والهدى والصدق، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين رضا الخالق شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم، حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم)."
وأعيد ما قلته سابقا أن الاقتداء هو بهدى الرسل(ص) وهو الوحى وأن الاقتداء بالرسل (ص) والمؤمنين يكون بهم في ال‘مال الحسنة وهى الصالحة وأما في أعمال السوء فلا