مراجعة لكتاب أساليب نبوية في التربية والتعليم
الكاتب هو إبراهيم بن صالح الدحيم وقد تناول في مقدمته كون سبب نهوض الأمة هو صحة التعليم وجودة التربية حيث قال :
"نهوض الأمة ورقيها معقود بصحة التعليم وجودة التربية، والمناهج الأرضية وطرائق البشر مهما أوتيت من قوة واجتمع لديها من خبرة فإنها تقف عاجزة عن تحقيق الكمالات، وعن التناغم مع الفطرة السوية، والسبب هو أن هذه المناهج لا تخلو من هوىً بشريٍ جهول، أو نظرةٍ ضيقةٍ محدودةٍ مع ضعفٍ في الشعور الداخلي الصادق ـ المراقبة ـ الذي هو بلا شك مؤثرٌ كبيرٌ على سير العمل التعليمي والتربوي"
وبالقطع سبب النهوض هو تغيير الأمة للأحسن في كل المجالات كما قال سبحانه :
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
وتناول أسباب التفكير في الأساليب النبوية في التربية والتعليم حيث قال :
"ولذا فإن من المهم ـ والمهم جداً ـ إدامة النظر والتأمل في الأساليب النبوية في التربية والتعليم وذلك لأمور:
أولاً: أن الله بعث نبيه محمداً (ص)معلماً ومزكياً، ومبشراً ونذيراً {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} فعن جابر بن عبد الله أن النبي (ص)قال: «إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً» فالحكمة مِنْ بَعْث النبي (ص)أن يعلِّم الناس، ولذا كانت حياته (ص)كلها تربية وتعليم، مما يجعلها غنية جداً بالأساليب التربوية والتعليمية.
ثانياً: أن النبي (ص)أوتي الكمال البشري، وعُصم من الخطأ الذي يقدح في تبليغه للدعوة ... لقد أعطي النبي (ص)ـ مع أميته ـ علماً لا يدانيه فيه أحد من البشر (ص){وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} "
والغلط الأول إتيان النبى(ص) الكمال البشرى وهو ما يخالف عدم وجود نص في هذا بل النصوص الموجودة تدل على أنه بشر فيه نقص ككل البشر مثل :
" قل إنما أنا بشر مثلكم"
والغلط الثانى عصمته من الخطأ وهو ما يخالف وجوب استغفاره لأخطائه وهى ذنوبه قبل فتح مكة وبعدها قبل قال سبحانه:
"إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر "
وقال:
"ثالثاً: لأن النبي (ص)مرّ بمختلف الظروف والأحوال التي يمكن أن يمر بها معلم أو مربٍّ في أي زمانٍ ومكان؛ فما من حالة يمر بها المربي أو المعلم إلا ويجدها نفسها أو مثلها أو شبهها أو قريباً منها في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-. ...
إن الذي ينظر إلى الجاهلية قبل الإسلام، وكيف أنها كانت تعيش انتكاسة في الفطرة والعقيدة والأخلاق، لَيرى كم هو الدور الكبير الذي قام به النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث أحدث نقلة ضخمة في زمن قياسي. يقول «كارليل» وهو يقارن بين حال العرب قبل البعثة وبعدها: «هم قوم يضربون في الصحراء، لا يؤبه لهم عدَّة قرون؛ فلما جاءهم النبي العربي، أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد القلة، وعزوا بعد الذلة، ولم يمض قرن حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم»"
وهذا الكلام عن تأثير النبى(ص) في الناس هو ضرب من الوهم فما هو إلا داعية إلى الله وأما الأثر فيعود لمن آمن أو لمن كفر كما قال سبحانه:
"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
ولو كان له تأثير لهدى من أحبهم مؤثرا فيه ولكنهم لم يهتدوا لأن الهداية والضلال راجعة للنفس وليس للداعية كما قال سبحانه:
"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء"
وقال أيضا:
"رابعاً: وجود دعوات ضالة كانت ولا زالت تنادي بضرورة نقل أسلوب التعليم والتربية من الغرب العلماني أو الياباني الوثني دون نظرٍ إلى المبادئ والقيم والثوابت الشرعية. إننا قد نستفيد منهم في بعض الوسائل والطرائق ـ في توصيل المعلومة مثلاً والتي اعتمدوا فيها على تجارب ودراسات وجهود مضنية وافقوا فيها الصواب في أحيانٍ كثيرة - أما أن نأخذ ما نزاحم به ثوابتنا وقيمنا فلا يصح أن نختلف في رده والوقوف أمامه. ..."
والحديث عن الأخذ من أمم الكفر هو ضرب من الوهم فلا حاجة للمسلمين أن يأخذوا منهم أى شىء لأن كتاب الله فيه حكم كل شىء كما قال سبحانه:
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وتناول وجود سمات ثابتة وسمات متحركة في حياة النبى (ص) حيث قال:
"تنبيه: حين نريد أن نقف على المنهج النبوي الصحيح في التربية والتعليم فلا بد أن نفرق بين السمات الثابتة في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وبين السمات التي تستدعيها حالات معينة توجب نوعية معينة من التعامل، وإليك بعض الأمثلة توضح ذلك:
- (الرفق واللين والرحمة) سمات ثابتة في الهدي النبوي لا تكاد تفتقدها وأنت تطالع السيرة؛ كيف لا وقد أنزل الله قوله ـ تعالى ـ: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
بينما تجد - الشدة، الزجر - تكون أموراً عارضة لأحوال عارضة ناسب أن يتعامل معها النبي (ص)بمثل هذا الأسلوب."
هذا كلام مخالف لكتاب الله فاللين والرحمة ثابتة مثلها مثل الشدة فالرحمة مع المؤمنين والشدة مع الكفار كلاهما ثابت كما قال سبحانه:
" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم "
وقال أيضا:
"- مثال آخر (الجدية، والعمل) سمة ثابتة في المنهج النبوي بينا ترى ـ المزاح، والترويح ـ وإن وُجدا في أمثلة متعددة في السنة والسيرة النبوية فإنها مع ذلك لا تزال محدودةً لا تستدعي تحويل المنهج التربوي إلى منهجٍ هزلي هزيل يعتمد على الفكاهة واللعب."
وهنا نفس الغلط فالجدية والترويحية كلاهما ثابت مع أنهما ألفاظ لا علاقة لها بكتاب الله ومكانهما طاعة الله في كل شىء
وذكر الكاتب من الأساليب النبوية التى لا يقدر على الاحاطة بها البعض حيث قال :
"إن المتأمل في هدي النبي (ص)وسيرته يرى كثرة الوسائل والأساليب التي انتهجها (ص)في تعليمه للأمة وتربيته لها، وإن الإحاطة بكل ذلك قد لا يكون ممكناً ولا مناسباً في مثل هذه العجالة، ولكني أقف مع بعض هذه الأساليب النبوية التي أرى الحاجة ماسة إلى التنبيه عليها:
أولاً: الحفاوة والترحيب وحسن الاستقبال:
أحياناً نتعامل مع المتعلم والمدعو والمتربي على أننا أصحاب منَّةٍ عليه وتفضل، ولذا نرى أنه لا حاجة إلى القيام بشيء من الترحيب والحفاوة وحسن الاستقبال، بل قد نعتبر مجرد قبولنا له كافياً في الإكرام، وربما يشعر الأب والمربي أياً كان أن الحق له؛ فهو يطالب المتربي به. ..ولقد كان من يقابل النبي (ص)ولو لأول وهلة يجد عنده من الحفاوة والترحيب وحسن الاستقبال ما يجعل النفوس تنجذب إليه وتأنس بحديثه.
جاء صفوان بن عسال إلى النبي (ص)فقال: يا رسول الله! إني جئت أطلب العلم فقال له النبي (ص)«مرحباً بطالب العلم؛ إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم على بعض حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب...».
- وعن أبي رفاعة قال: «انتهيت إلى النبي (ص)وهو يخطب، قال: فقلت: يا رسول الله! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فأقبل عليَّ رسول الله وترك خطبته حتى انتهى إليَّ، فأُتي بكرسيٍّ حسبت قوائمه حديداً قال: فقعد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها»
عجيب والله! يوقف الخطبة، ويجلس للمتعلم! أي تكريم فوق هذا وأي حفاوة - ولقد كان النبي (ص)يستقبل الوفود ويحسن وفادتهم، ويتخذ لذلك لباساً خاصاً وخطيباً يخطب بين يديه إشعاراً منه بمزيد الاهتمام بهم؛ فلما أتى وفد عبد القيس رحب بهم -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى..» ولما قدم الأشعريون أهل اليمن قال النبي (ص)«أتاكم أهل اليمن هم أرقُّ أفئدة، وألين قلوباً، الإيمان يمان، والحكمة يمانية» وروي في وفادة وائل بن حجر على النبي (ص)أن النبي (ص)بشر به أصحابه قبل قدومه، فقال: يأتيكم بقية أبناء الملوك. فلما دخل رحب به، وأدناه من نفسه وقرب مجلسه وبسط له رداءه، وقال: اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده» وقدم وفد عبس على النبي (ص)وكانوا تسعة، فقال النبي (ص)أنا عاشركم. وعقد لهم لواءً وجعل شعارهم «يا عشرة».
وكلام الرجل عن حسن استقبال النبى(ص) للناس والحفاوة بهم هو شىء تعود عليه ولكن هذا لا يمنع كونه بشر فلم يرحب بالأعمى الذى آتاه كى يهتدى حتى عاتبه الله فيه قال :
" عبس وتولى أن جاءه الأعمى "
فكما سبق النبى(ص) بشر ومعرض لأن يخطىء وكذلك أى معلم والروايات التى استشهد بها ظاهرة البطلان فالملائكة لا تنزل فتضع أجنحتها على الأرض لطالب العلم لأنها في السماء تخاف من النزول للأرض لعدم اطمئنانها كما قال سبحانه:
" قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وحكاية إيقاف تعليم الجمع لتعليم واحد لا تتناسب مع عقل النبى(ص) وأنه يرتب الأولويات
وكذلك رواية بقايا أبناء الملوك فلا يوجد ملوك في الإسلام بالوضعية المعروفة وإنما الملوك فيه كل الناس كما قال سبحانه في بنى إسرائيل:
" وجعلكم ملوكا"
بمعنى أن كل واحد متحكم في نفسه بحكم الله
وقال أيضا:
" ثانياً: الرفق والرحمة وحسن التأني:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
لقد جعل النبي (ص)الرفق سبباً من أسباب الكمال والنجاح؛ فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله (ص)«يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»وفي حديث جرير بن عبد الله عن رسول الله (ص)قال: «من حُرِمَ الرفق حُرِمَ الخير»"
على هذه القاعدة العظيمة في التعامل (الرفق والرحمة) كان تعامل النبي (ص)مع أصحابه؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أُعَلِّمُكُم؛ فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها...» "
وحكاية الوالدية في الرواية نفاها الله بقوله :
" ما كان محمد ابا أحد من رجالكم"
وإنما أثبت البشرية والاخوة فقال:
"قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى"
وقال أيضا:
"فتأمل كيف ابتدأ النبي (ص)بهذا ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله (ص)رحيماً رفيقاً؛ فلما ظن أنَّا قد اشتقنا أهلنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلِّموهم»
وتتأكد الحاجة إلى الرفق والرحمة عند وقوع الخطأ غير المتعمد؛ لأن النفوس أحياناً قد يستثيرها الخطأ فتنسى التعامل معه بالرحمة والرفق، وتميل بقوةٍ إلى الردع والتأديب؛ فعن معاوية بن الحكم السلمي قال: «بينا أنا أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ عطس رجُلٌ من القوم، فقلت: رحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكل أمِّيَاه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم؛ فلما صلى رسول الله (ص)فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه؛ فوالله ما نهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن»
وعن أنس قال: جاء أعرابي، فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي (ص)بذَنوب من ماء فأُهريق عليه» وفي رواية: فقال له رسول الله (ص)«إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر؛ إنما هي لذكر الله ـ عزَّ وجل ـ والصلاة وقراءة القرآن»"
وقال أيضا:
" ثالثاً: الثناء والتشجيع:
الثناء والتشجيع وتسليط الضوء على مكامن الكمال في النفس البشرية والإشادة بها منهج نبوي كريم، يراد منه بعث النفس على الزيادة، وإثارة النفوس الأخرى نحو الإبداع والمنافسة، وهو مشروط بأن يكون حقاً، وأن يُؤمَن جانب الممدوح، وأن يكون بالقدر الذي يحقق الهدف.
- عن أبي هريرة قال: يا رسول الله! مَنْ أسعد الناس يوم القيامة؟ قال رسول الله (ص)«لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك، لِمَا رأيت من حرصك على الحديث....»
- وعن حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول الله! ابعث إلينا رجلاً أميناً، فقال: لأبعثن إليكم رجلاً أميناً حقَّ أمينٍ، حق أمين. قال: فاستشرف لها الناس، قال فبعث أبا عبيدة بن الجراح «وفي رواية» فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: «هذا أمين هذه الأمة»"
هذه الرواية هى اتهام لكل الأمة بالخيانة حتى النبى(ص) نفسه فالوحيد ألمين في الأمة هو أبو عبيده وطبقا للرواية فالنبى(ص) خائم والعياذ بالله وقال:
"- وعن أُبي بن كعب قال (ص)«أبا المنذر! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: أبا المنذر! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت {اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال: فضرب صدري، وقال: لِيَهْنَ لك يا أبا المنذر العلم» - وعن أبي أيوب أن أعرابياً عرض لرسول الله (ص)وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله! أو يا محمد! أخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار. قال: فكفَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: «لقد ـ وُفِّق أو لقد هُدي» ثم يُقبل عليه النبي (ص)ويقول: كيف قلتَ؟...الحديث» انظر كم في هذه الأحاديث من تشجيع واهتمام ومزيد رعاية وعناية.
- عند الإمام مسلم من حديث ابن عمر في الرؤيا التي رآها فقصها على أخته حفصة ـ رضي الله عنها ـ فقصتها على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل». فيا ترى ما أثر ثناء النبي (ص)على ابن عمر (قال سالم: فكان عبد الله، بعد ذلك، لا ينام من الليل إلا قليلاً).
- وفي قصة سلمة بن الأكوع في (ذي القرد) لما رجعوا قافلين إلى المدينة بعد أن أبلى سلمة بلاءً حسناً، ثم ناموا في الطريق. قال سلمة : فلما أصبحنا قال رسول الله (ص)خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا: سلمة. قال: ثم أعطاني رسول الله (ص)سهمين: سهم الفارس وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعاً، ثم أردفني رسول الله (ص)على العضباء راجعين إلى المدينة»...
إن كثيراً من القدرات، وكثيراً من أصحاب الكفاءات يصابون بالضمور، بل ربما يموتون وتموت مواهبهم وقدراتهم؛ لأنهم لا يجدون من يدفعهم بكلمة ثناء، أو يرفعهم بعبارة تشجيع.
إننا حين نثني على أصحاب القدرات لسنا نحفظ ونضمن جهد المجتهد منهم فحسب، بل إننا نحرك نفوساً ربما لا يحركها أسلوب آخر.......!!"
وأسلوب الثناء وهو التزكية هو أسلوب غير مقبول في كتاب الله كما قال سبحانه:
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
فلا يجب أن نشكر مسلم غلى قيامه بواجبه لأنك تشعره بذلك أنه عمل شىء لا يجب عليه ومن هنا جاءت عبارة :
" لا شكر على واجب "
المطلوب هو التحميس على اعادة الطاعة وأمثالها ببيان ثوابها وليس بمدح وشكر العامل بها
وقال أيضا :
" رابعاً: التدرج ومراعاة الحال: حين نرجع إلى المعنى اللغوي للتربية نجد أن من معانيها النمو والزيادة، ومنه أيضاً التدرج ..وقد كان التشريع الذي نزل من عند الحكيم الخبير، يرعى التدرج وتمرين الناس على قبول الشرائع وترويضهم عليها؛ حيث خوطب الناس ابتداءً بالأهم فالأهم، فكان التأكيد أولاً على تحقيق التوحيد، حتى إذا استقرت نفوسهم أمروا بالفرائض ثم سائر الشرائع والأحكام. تقول عائشة: «إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصَّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر؛ لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا؛ لقالوا: لا ندع الزنا أبداً..»
وكذا كان المنهج النبوي في التربية والتعليم يقوم على التدرج ومراعاة الحال."
والرواية عن عائشة باطلة تخالف المعروف من نزول العلق كأول الوحى وهى تطلب التعلم من الوحى وأول ما ينزل من الوحى هو تعريفغ المرسل للرسول(ص) والمراد أن يعرف الله نفسه لرسول(ص) لأن هذا أول ما يتعلم من الدين من هو المعبود
وقال أيضا:
" روى ابن ماجه عن جندب بن عبد الله قال: «كنا مع النبي (ص)ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيماناً» "...
- وفي حديث ابن عباس في بعث النبي (ص)معاذاً إلى اليمن قال: إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؛ فإن هم أطاعوا ذلك فأعلمهم أن الله افترض..... الحديث»
- وإن من التدرج ومراعاة الحال في التربية والتعليم عدم تقديم ما حقه التأخير، وأن يُخَصَّ بالعلم أناسٌ دون غيرهم مراعاةً للفهوم وتقديراً للمصالح. روى البخاري في صحيحه قال: (باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا) وذكر تحته حديث أنس قال: ذُكِر لي أن النبي (ص)قال لمعاذ: «من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة» قال: ألا أبشر الناس؟ قال: لا؛ إني أخاف أن يتكلوا» ...وروى البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب معلقاً قال: حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: «ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة».
إن عملية التعليم والتربية ليست عملية استعراض يستعرض فيها المربي أو المعلم معلوماته، إنما هي صياغة متكاملة تحتاج في أولها إلى الأسس والمبادئ التي تصح بها النهايات وتكتمل، وكما قال شيخ الإسلام: (صحة البدايات تمام النهايات).
وهكذا كانت طريقة الربانيين الذين امتدحهم الله فقال: {وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} قال البخاري: قال ابن عباس : (الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره).
- ومما يدخل في مراعاة حال المتعلم أو المتربي إعطاء كل مرحلة ما يناسبها من العلم والتربية فـ (إن لكل مرحلة عمرية درجة من النضج، يصعب تجاوزها، كما أن لها مشكلات لا يمكن حلها إلا على نحو جزئي، ولذا فإن العجلة هي العدو الأول للتربية..هناك جوانب عديدة في شخصياتنا، لا ينضجها إلا الزمن..) وكان ابن سيرين يقول:
إنك إن كلفتني ما لم أطق
ساءك ما سرك مني من خلق
إن بعض المربين قد يعمد في بعض المراحل العمرية إلى زيادة الجرعة وهذا أحياناً قد يحدث شيئاً من التشوه التربوي {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}"
حكاية التدرج في التعليم هى مرتبطة بمنهج الإسلام المتكامل فأول ما يجب تعريفه للطفل هو الأكل والشرب وضبط التبول والتبرز وبعد هذا يأتى تعلم الكلام وفى أثناء ذلك يعلم الطفل عدم أذى نفسه بالخربشة وما شابهها وكذلك عدم ضرب غيره عن طريق منعه من ذلك عمليا وبعد ذلك يتم تعليمه أسماء أعضاء جسمه وملابسه وما شاكل هذا وتعريفه بأسماء من حوله
وتناول الاستفادة من الأحداث حيث قال :
"خامساً: الاستفادة من الأحداث:
كل يوم تطلع فيه الشمس تتجدد أحداث وتمر حوادث، وعلى المعلم اللبيب والمربي الحكيم أن يفيد من هذه الحوادث والأحداث في توجيه التعليم وتأكيد التربية كما هو حال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-:
- روى مسلم عن جابر : «أن رسول الله (ص)مر بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كَنَفتيه (أي جانبيه) فمرَّ بجَدْيٍ ميت أسك، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله! لو كان حيّاً كان هذا أسك، فكيف وهو ميت؟! فقال: فوالله! للدنيا أهون على الله من هذا عليكم». كم يتكرر علينا مثل هذا الحادث أو قريباً منه ثم لا نوليه أدنى اهتمام. - وعن عمر بن الخطاب قال: قدم على النبي (ص)سَبْيٌ؛ فإذا بامرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبياً في السبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله (ص)«أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟ قلنا: لا، والله! وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله (ص)لَلَّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها»."
ورواية السبى باطلة فلا سبى في الإسلام لأن حكم الأسرى هو إطلاق سراحهم إما بفدية أى مال أو إطلاق سراحهم بدون مال وهو الفداء كما قال سبحانه:
" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها"
والسبى هو أكذوبة اخترعها الكفار ونسبوها للمسلمين ليدلوا على أنهم همج وزناة ومغتصبين فالمسلم لا يرضى أن يقوم بجماع امرأة دون زواج والأغرب أنهم يحكون حكايات عن دخولهم بتلك النسوة بمجرد قتل أزواجهم دون مراعاة حتى لشعور حزنهم فمن يبيح هذا فالكفار سيفعلون بنسائه وبناته مثلها وقد خبر الناس ذلك في حرب البوسنة والهرسك حيث اغتصب الصرب والكروات ألوف مؤلفة من نساء المسلمين فمن يصدق بوجود السبى سيريه الله في نسائه ما فعله في نساء الغير
وقال أيضا :
|...وعن البراء بن عازب قال: «أُهديتْ لرسول الله (ص)حُلَّةُ حرير، فجعل أصحابه يلمسونها ويعجبون من لينها، فقال (ص)أتعجبون من لين هذه؟ لَمَناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين».
قد يقول قائل: إن هذا خبرُ غيبٍ جاء النبي (ص)بطريق الوحي وليس لنا إلى ذلك سبيل، فنقول: نعم! ولكن لنا سبل أخرى، فنستطيع أن نُذَكِّر عند جمال الدنيا وحسنها بنعيم الجنة، وبنار الدنيا وعذابها عذاب الآخرة: «ناركم هذه التي يوقِد ابن آدم، جزء من سبعين جزءاً من حر جهنم»."
الرسول(ص) لا يعلم الغيب وحتى لو سلمنا أنه شاهد الجنة في المعراج فسعد بن معاذ الأنصارى لم يكن أسلم بعد ومن ثم لا يمكن العلم بذلك الخبر الغيبى لا هو ولا غيره لأن الغيب لله كما قال سبحانه :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
وقد كان هذا من طريقة بعض السلف: كان حممة صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهرم بن حيان يصطحبان أحياناً بالنهار، فيأتيان سوق الريحان، فيسألان الله الجنة ويدعوان، ثم يأتيان الحدادين فيتعوذان من النار، ثم يتفرقان إلى منازلهما».
كثيراً ما نجلس ونحن نحيط بالنار نستدفئ أو نصنع طعاماً؛ فكم يمكن أن نستفيد من هذا الحادث؟ يمكن أن نقول للمتربين: أرأيتم النار كيف تلتهم الحطب؟ كذلك الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ويمكن أن نقول ونحن نحس بالدفء إن هناك من المسلمين من يتقلب في العراء لا يجد له بيتاً يُكِنُّه، ولا ناراً يستدفئ بها.
إن الحادث الواحد قد يكون فيه فرص للتوجيه في جوانب عدة. نعم! قد لا يكون من المناسب أحياناً استعراض جميع جوانب العبرة في الحادث، لكن علينا أن نأخذ منه أنفع وألصق شيء بالحال."
وتناول الكاتب ما سماه التبسط وإزالة الحواجز وهو تكرار لكلام الرفق والرحمة حيث قال :
"سادساً: التبسط وإزالة الحواجز:
النفوس البشرية ضعيفة تحوي في داخلها مشاعر وعواطف، يجذبها المعروف، وتحب الأنس والتواضع، وتكره التعالي والتكلف، وتأنف الجفاء والعبوس وتقطيب الجبين. والتبسط وإزالة الحواجز بين المربي والمتربي كفيل بإيجاد بيئة مطمئنة تساعد في تسارع التعليم، وتطور التربية، واتساع مساحتها بشكل واضح، والناظر في هدي النبي (ص)يجد ذلك واضحاً، ويرى الأثر الكبير الذي يحدثه هذا الأسلوب في النفوس.
- كان الرجل يأتي إلى مجلس رسول الله (ص)لا يحجبه عنه بوابون يقول جرير بن عبد الله البجلي : «ما حجبني رسول الله منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي» وكان (ص)ربما أتاه الرجل لا يعرفه وقد أخذه الفزع يظن أنه يقدِم على الملوك، فيهون النبي (ص)عليه ذلك؛ فعن ابن مسعود قال: «أتى النبي (ص)رجل فكلَّمه فجعل ترتعد فرائصه فقال له (ص)هوِّن عليك؛ فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد». بل لقد كثر توارد الناس على رسول الله (ص)«حتى كان آخر حياته يصلي جالساً لمَّا حطمه الناس
إن الناظر في هدي النبي (ص)وسيرته يرى صوراً كثيرةً من تبسُّطه (ص)مع أصحابه مع كثرة أشغاله وجدية حياته، إنه مع ذلك يجد فرصة للمزاح معهم ومخالطتهم والدخول في أحاديثهم واستشارتهم وتسليتهم ومواساتهم. وإليك شيئاً من هديه (ص)في ذلك:
- عن عثمان بن عفان قال في خطبة له: «إنَّا والله قد صحبنا رسول الله (ص)في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير».
- وعن أنس قال: «إنْ كان النبي (ص)ليخالطنا حتى يقول لأخٍ لي صغير: «يا أبا عمير! ما فعل النغير؟».
- روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل : «أن رسول الله (ص)خرج بالناس قبل غزوة تبوك؛ فلما أن أصبح صلى بالناس صلاة الصبح، ثم إن الناس ركبوا؛ فلما أن طلعت الشمس نعس الناس على أثر الدلجة، ولزم معاذ رسول الله (ص)يتلو أثره... ثم إن رسول الله كشف عنه قِناعه، فالتفت فإذا ليس من الجيش رجلٌ أدنى إليه من مُعاذ فناداه، فقال: يا معاذ! قال: لبيك يا نبي الله! قال: أُذْنُ، دُونَكَ! فدنا منه حتى لَصِقت راحلتاهما إحداهما بالأخرى. فقال رسول الله (ص)ما كنت أحسب الناس مِنَّا كمكانهم من البُعد، فقال معاذ: يا نبي الله! نعس الناس، فتفرقت بهم ركابهم ترتع وتسير، فقال رسول الله (ص)وأنا كنت ناعساً فلما رأى معاذ بُشرى رسول الله (ص)وخلوته له قال: يا رسول الله! ائذن لي أسألك عن كلمة قد أمرضتني وأسقمتني وأحزنتني! فقال نبي الله (ص)سلني عمّا شئت.... الحديث. بالتأكيد إن هذا السؤال عند معاذ كان حبيساً في نفسه منذ زمن، حتى إذا رأى انبساط النبي (ص)ورأى البِشْر في محياه استدعاه ذلك إلى سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فكم في نفوس أبنائنا وطلابنا من أسئلة وإشكالات ومشاكل لو وَجَدت نفساً بسيطة وقريبة لا يجد المتربي أو المتعلم أدنى كُلفة في التعامل معها، أو نفساً منبسطة تجذب الناس إليها، وحين لا يجد المتربون والمتعلمون هذه النفوس فلا شك أنهم سيبحثون عن نفوس أخرى! - عن أنس بن مالك قال: « كان رسول الله (ص)من أفكه الناس».
- وحين ندعو إلى الانبساط وإزالة الحواجز مع المتعلم أو المتربي فلسنا نقصد بذلك أن يذوب المربي في شخصية المتربي، أو يذوب المعلم في شخصية المتعلم. مع العلم أن الذوبان وذهاب المهابة لا يقع إلا حين يتخلى المعلم أو المربي عن شخصيته الحقيقية ودوره الحقيقي، وعندها يتحول هذا الأسلوب (الانبساط وإزالة الحواجز) عن كونه سبباً لتحقيق أهداف التربية والتعليم إلى كونه شهوةً ورغبةً وإيناساً للنفس وموافقة للطبع لا غير."
قارب الطالب والمعلم أمر مطلوب فالعلاقة بين المسلمين جميعا ينبغى أن تكون تبعا لكلام الله كلها رحمة
وتناول الاقناع حيث قال :
"سابعاً: الإقناع:
الأصل أن يربى الناس على التسليم للأوامر بالفعل وللنواهي بالترك، لكن بعض النفوس أحياناً قد تكون شاردة تعيش حالة من التصميم حتى ولو كانت على خطأ، ولا يوقظ هذه النفوس إلا شيء من الإقناع، بردِّها للجادة، وتأكيد معاني الخير فيها.
- روى البخاري عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي (ص)فقال: يا رسول الله! وُلِدَ لي غلام أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم! قال: ما لونها؟ قال حمر. قال: هل فيها من أوْرق؟ قال: نعم! قال: فأنَّى ذلك؟ قال: نزعه عرق. قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق». والملاحظ هنا في الإقناع النبوي الاستفادة من البيئة المحيطة، وكذا الاستفادة من البدهيات التي يؤمن بها المحاوَر، وهذا في حد ذاته من مؤكدات الإقناع. - أخرج الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: إن شاباً أتى النبي (ص)فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مَهْ مَهْ! فقال: ادنه! فدنا منه قريباً. قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا، والله! يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه؛ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء».
إن النبي (ص)في هذا الحديث لم يكتفِ بدرجةٍ قليلة من الإقناع، بل مارس معه تأكيد الإقناع ـ إن صح التعبير ـ وكان يكفي قوله: أتحبه لأمك، لكنه عدد محارمه زيادة في الإقناع، ودلالة على أن ما قد يأتي من النساء لا تخلو أن تكون أماً لأحدٍ أو بنتاً أو عمة أو خالة.
وفي المسند عن أبي حذيفة عن عدي بن حاتم سمعه يقول: دخلت على رسول الله (ص)فقال: «يا عدي! أسلم تسلم» قلت: إني من أهل دين. قال: «أنا أعلم بدينك منك» فقلت: أنت اعلم بديني مني؟! قال: «نعم! ألست من الرَّكوسية، وأنت تأكل مرباع قومك؟» قلت: بلى! قال: «فإن ذلك لا يحل لك في دينك» قال: فلم يعْدُ أن قالها فتواضعت لها، قال: «أما إني أعلم ما الذي يمنعك عن الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب؛ أتعرف الحِيرة؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها، قال: فوَ الذي نفسي بيده! ليُتِمَّنَ اللهُ هذا الأمرَ حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتُفتحَن كنوز كسرى بن هرمز» قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: نعم! كسرى بن هرمز، وليُبذلن المال حتى لا يقبله أحد» الحديث."
وحديث عدى باطل لأن فيه علم للغيب ليس للنبى(ص) وإنما الغيب لله كما قال:
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
والاقناع وهو الحجة المبهرة القاطعة هى أفضل الأساليب للنقاش وهداية الناس ولكن يجب أن نضع في أنفسنا أن بعض الناس ينكرون الشمس في رابعة النهار ومثالها الحالى :
من ينكرون دوران الشمس فوق الأرض مع أنهم يرون بأعينهم هذا الدوران يوميا مقتنعين بنظرية جاليليو العكسية وهى أن الأرض هى من تدور حول الشمس