[rtl]نقد رسالة الطير[/rtl]
[rtl]الرسالة كاتبها حسين بن عبد الله المعروف بابن سينا وموضوعها إرادة الرجل أن يشكو لإخوانه من أحزانه وهو قوله حيث قال:[/rtl]
[rtl]"هل لأحد من إخواني ان يهب لي من سمعه قدر ما ألقي اليه طرفا من أشجاني عساه يتحمل عني بالشركة بعض أعبائها فان الصديق لن يهذب عن الشوب أخاه ما لم يصن في ضرائك عن الكدر صفاءه.
واني لك بالصديق المماحض وقد جعلت الخلة تجارة يفزع اليها اذا استدعت الي الخليل داعية وطر وترفض مراعاتها إذ أحدث الاستغناء فلن نزار رفيق الا إذا زارت عارضة ولن نذكر خليل الا إذا ذكرت مآربة اللهم الا أخوان جمعتهم القرابة الالهية وألفت ينهم المجاورة لعلوية ولاحظوا الحقائق بعين البصيرة وجلوا درن الشك عن السريرة فلن يجمعهم الا منادي الله."[/rtl]
[rtl]ابن سينا فى الرسالة يتخيل أنه تحول هو وأصحابه إلى طيور وفى طريقهم لقوا الكثير من المصاعب وقابلوا فى تلك الرحلة حبائل نصبها الصيادون وبعد أن نجوا من بعضها وقعوا فى بعضها وبفضل مساعدتهم لبعضهم البعض حاولوا النجاة وبين أنهم ذهبوا لجبل له ثمانى قمم عالية اجتازوها حتى وصل إلى مدينة الملك الباهر وكشفت ثلاث حجب حتى قابلوا الملك ومع هذا لم يخلصهم من الشرك الأخير وبين لهم أنه لا يمكن ان يخلصهم إلا من صنع الشرك ويبدو أن هذا إشارة إلى أن الإنسان وحده هو من يقدر على إنجاء نفسه لأنه هو من يصنع الذنوب وهو من يتوب منها كما قال سبحانه " من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه" [/rtl]
[rtl] والملك يرمز إلى الله سبحانه وبالطبع الكلام عن مقابلته هو ضرب من الخيال فهو ليس شخص نجالسه ونقعد معه وهو قوله حيث قال:[/rtl]
[rtl]"ويلكم اخوان الحقيقة بثوا وتضاموا وليكشفن كل واحد منكم لأخيه الحجب عن خالصة لبه ليطالع بعضكم بعضا وليستكمل بعضكم ببعض.
ويلكم اخوان الحقيقة تقبعوا كما يتقبع القنافذ وأعلنوا بواطنكم وأبطنوا ظواهركم فيا لله ان الجلي لباطنكم وأن الخفي لظاهركم.[/rtl]
[rtl]ويلكم أخوان الحقيقة انسلخوا عن جلودكم انسلاخ الحية ودبوا دبيب الديدان و كونوا عقارب اسلحتها في أذنابها فان الشيطان لن يراوغ الانسان الا من ورائه.
وتجرعوا الزعاف تعيشوا وأستحبوا الممات تحيوا و طيروا ولا تتخذوا وكرا تنقلبون اليه فإن مصيدة الطيور أوكارها وأن صدكم عوز الجناح فتلصصوا تظفروا فخير الطلائع ما قوي علي الطيران.
كونوا نعاما تلتقم الجنادل المحماة وأفاعي تسترطوا العظام الصليبة وسمادل تغشي الضرام علي ثقة وخفافيش لا تبرز نهارا فخير الطيور فخافيشها.
ويلكم اخوان الحقيقة أغبي الناس من تجري علي غده وأفشلهم من قصر عن امده.
ويلكم اخوان الحقيقة لا عجب ان اجتنب ملك سوا أو ارتكب بهيمة قبيحا بل العجب من البشر اذا استعصي علي الشهوات وقد صيغ علي استيشادها صورته أو بذل لها الطاعة وقد نور بالعقل جبلته
ولعمر الله بذ الملك بشر ثبت عند زيال الشهوة فلم يزل قدمه عن موطيه فيه وقصر عن البهية انسي لم تف قواه بدر شهوة تستدعيه.
فارجع الي رأس الحديث فأقول برزت طائفة تقتنص فنصبوا الحبائل وهياوا الطعم وتواروا في الحشيش وأنا في سريه طير اذ لحظونا فطفروا مستدعين فأحسسنا بخصب وأصحاب ما تخالج في صدورنا ريبة ولا زعزعتنا عن قصدنا تهمة فابتدأنا اليهم مقبلين وسقطنا في خلال الحبائل.
فاذا نحلق نتضم علي اعناقنا والشرك تتشبث بأجنحتنا والحبائل تتعلق بأرجلنا الي الحركة فما زادنا إلا تعسيرا فاستسلمنا للهلاك وشغل كل واحد منا ما خصه من الكرب عن الاهتمام لأخيه وأقبلنا يتبين الجبل في سبيل التخليص زمانا حتي أنسينا صورة أمورنا فاستأنسنا بالشرك وأطمأننا الي الأقناص فاطلعت و ذات يوم من خلال الشبك فلحظت رفقة من الطير أخرجت رءوسها عن الحق وأجنحتها عن الشرك وبرزت عن اقناصها تطير وفي ارجلها نفايا الحبائل لا هي تئودها فيعصيها النجاة ولا يبينها فتصفوا لها الحياة
فذكرتني ما كنت أنسيته نغصت علي ما ألفته فكدت أنحل تأسفا أو ينهل روحي تلمنا فناديتهم من وراء القفص.
ان اقتربوا مني فوافقوني علي جبله الراحة فقد أعيتني فتذكر وأخدع المقنتصين فما زادوا إلا نفارا فناشدتهم بالخلة القديمة والصحبة المصونة والعهد المحفوظ ما أحل بقلوبهم الشقه ونفي عن صدورهم الريبة فوافوني حاضرين فسألتهم عن حالتهم فذكروا انهم ابتلوا بما ابتليت به فاستيأسوا بالبلوي ثم عالجوني فنحيت الحبالة عن رقبتي والشرك عن أجنحتي وفتح باب القفص وقيل لي استغنم النجاة فطالبتهم بتخليص رجلي عن الحلقه.
فقالوا لو قدرنا عليها لابتدرنا أولا وخلصنا أرجلنا وأني يشنيك العليل فنهضت من القفص اطير فقيل لي إن أمامك بقاعا لن تأمن المحذور إلا أن يأتي عليها قطعا فاقتف آثارنا ننج بك ونهدك سواء السبيل فساوي بنا الطيران بين صدفي جبل الاله في واد معشب خصيب بل مجذب حريب حتي تخلف عنا جنابه وجرنا جيزته ووافينا هاته الجبل وإذا امامنا ثماني شواهق تنبوا عن قللها اللواحظ.
وقال بعضنا لبعض سارعوا فلا مأمن إلا بعد أن نجوزها ناجين
فعانقنا الشد حتي أتينا علي ست من شواهق وانتهينا الي السابع فلما تغلغلنا تخومه.
قال بعضنا لبعض هل لكم في الجمام فقد أوهننا النصب وبيننا وبين الأعداء مسافة قصية فرأينا أن نحط للجمام من أبداننا نصبا فان الشرود عن الراحة أهدي الي النجاة من الانبتات فوقفنا علي قلته فإذا جنان مخضرة الأرجاء عامرة الأقطار مثمرة الأشجار جارية الأنهار يروي بصرك نعيمها بصور تكاد لبهائها تدهش العقول وتستبهت الالباب ويسمعك أغاني شجيه وألحانا مطربة ويشمك روائح لا يدانيها والمسك السري ولا العنبر الطري فأصبنا من ثمارها و شربنا من أنهاره و مكثنا به ريث ما اطرحنا الإعياء.
فقال بعضنا لبعض سارعوا فلا مخدع كالأمن ولا منجاة كالاحتياط ولا حصن أمنع من اساءة الظنون وقد امتد بنا المقام بهذه البقعة علي شفا غفله ووراءنا أعدائنا وأثارنا أقدامنا ويتفقدون مقامنا فهلموا نبرح ونهجر هذه البقعه وأن طاب الثواء بها فلا طيب كالسلامة وأجمعنا علي الرحلة وانفصلنا عن الناحيه ونزلنا بالثامن فاذا شامخ خاض رأسه عنان السماءتسكن جوانبه طيور لم التي هى أعذب الحانا وأحسن ألوانا وأظرف صورة وأطيب عشرة منها
ولما حللنا في جوارها عرفنا من احسانها وتلطفها وايناسها أيادي لن تقي بقضاء أهونها ولما تقرر بيننا وبينها الانبساط أوقفناها علي ما ألم بنا فأظهرت المساهمة في الاهتمام
وذكرت ان وراء هذا الجبل مدينة يتبوؤها الملك الأعظم وأي مظلوم استعداه وتوكل عليه كف عنه الضراء بقوته ومعونته فأطمأننا إلي إشارتها وتيممنا مدينة الملك حتي حللنا بفنائه منتظرين لإذنه فخرج الأمر بإذن الواردين
وأدخلنا قصره فاذا نحن بصحن لا صحن وصف رحبه فلما عبرناه رفع لنا الحجاب عن صحن فسيح مشرق فاستضقنا لديه الأول بل استصغرناه حتي وصلنا الي حجرة الملك فلما رفع لنا الحجاب ولحظ الملك في جماله عقلنا علقت به أفئدتنا ودهشنا دهشا عاقنا عن الشكوي فوفق علي ما غشينا فرد علينا الثبات بتلطفه حتي اجترأنا علي مكالمته وعبرنا بين يديه عن قصتنا فقال لن يقدر علي حل الحبائل عن أرجلكم إلا عاقدوها وأني منفذ اليهم رسولا يسومهم ارضاءكم وإماطة السوء عنكم فانصرفوا مغبوطين وهو ذا نحن في الطريق مع الرسل واخواني متشبثون بي يطلبون مني حكاية بهاء الملك بين أيديهم وسأصف وصفا موجزا فأقول:[/rtl]
[rtl]انه الملك الذي مهما حصلت في خاطرك جمالا لا يمازجه قبح و كما لا يشوبه نقص صادقة مستوفي لديه فكل كمال بالحقيقة له وكل نقص ولو بالمجاز منفي عنه كله لحسنة وجه ولجود يده من خدمه فقد اغتنم السعادة القصوي ومن صرمه خسر الآخرة والدنيا "[/rtl]
[rtl]وبعد أن انتهى الرجل من حكاية حكايته قال أنه لما حكاها لأصحابه اتهموه بالخبل والجنون او شرب الأفيون أو المرض المؤدى للخرف وهو قوله حيث قال :[/rtl]
[rtl]"وكم من أخ قرع سمعه قصتي فقال أراك مس عقلك مس أو ألم بك لمم ولا والله ما طرت بل طار عقلك وما اقتنصت بل اقتنص لبك
أني يطير البشر أو ينطق الطير كان المرار قد غلب علي مزاجك واليبوسة قد استولت علي دماغك وسبيلك ان تشرب طبيخ الأفتيمون ويتعهد الاستحمام بالماء العذب الفاتر وتستنشق بدهن النيلوفر تترفه في الأغذيه وتهجر السهر وتقل الفكر فإنا قد عهدناك فيما خلا لبيبا
والله مطلع علي ضمائرنا فأنا من جهتك مهتمة ولاختلال حالك مختلة ما أكثر ما يقولون وأقل ما ينجع وشر المقال ما ضاع وبالله الاستعانة وعن الناس البراءة ومن اعتقد غير هذا خسر وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"
الحكاية متخيلة ويبدو أن الكاتب سواء كان ابن سينا أو غيره وضعها تعبيرا عن رحلة حياة الإنسان حتى الحساب عند الله [/rtl]
[rtl]وأما الأغاليط فيها فهى :[/rtl]
[rtl]الأول وجوب إعلان الباطن وإخفاء العلن فى قوله "وأعلنوا بواطنكم وأبطنوا ظواهركم" والمسلم يجب أن يكون ظاهره كباطنه مع المسلمين حتى لا يكونوا كالمنافقين والكفار الذين قال الله فيهم [/rtl]
[rtl]"يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم"[/rtl]
[rtl]الثانى أن يكون الجلى هو الباطن والخفى هو الظاهر وهو كلام مجانين فكيف يكون الخفى ظاهرا والظاهر خفيا وهو قوله "فيا لله ان الجلي لباطنكم وأن الخفي لظاهركم "[/rtl]
[rtl]الرابع ان الشيطان يأتى الإنسان من خلفه فقط وهو قوله" فان الشيطان لن يراوغ الانسان الا من ورائه "وهو ما يناقض أنه يأتى الناس من كل مكان أى بكل طريقة ممكنة كما قال سبحانه :[/rtl]
[rtl]"واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا"[/rtl]
[rtl]وهو ما عبر عنه الشيطان بقوله :[/rtl]
[rtl]"قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين"[/rtl]
[rtl]الخامس القول أن مصيدة الناس مساكنها وهو قوله:[/rtl]
[rtl] "فإن مصيدة الطيور أوكارها"[/rtl]
[rtl] وبالقطع من يسقط الإنسان شىء واحد منه وهو شهواته كما قال سبحانه :[/rtl]
[rtl]"واتبعوا الشهوات"[/rtl]
[rtl]السادس أن خير الناس من يعمل فى الظلام وهو قوله:[/rtl]
[rtl]"وخفافيش لا تبرز نهارا فخير الطيور خفافيشها"[/rtl]
[rtl]بالقطع ليس خير الناس من يعمل فى الخفاء لأن المنافقين يعملون فى الخفاء كما قال سبحانه :[/rtl]
[rtl] "ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون"[/rtl]
[rtl]السابع القول"فلحظت رفقة من الطير أخرجت رءوسها عن الحق وأجنحتها عن الشرك"[/rtl]
[rtl]فالتعبير هنا جنونى فليس بين الكفر والحق شىء كما قال سبحانه :[/rtl]
[rtl]" فماذا بعد الحق إلا الضلال "[/rtl]