الجريمة والعقاب على أعتاب "قصر الرحاب"
الكاتب هو اياد العطار وموضوع المقال هو الانقلاب على الملكية في العراق وقد بدأ المقال بذكر رواية الجريمة والعقاب لدوستوفيسكى وان المجرم القاتل سينال عقابه في نهاية المطاف حيث قال :
"تعد رواية "الجريمة والعقاب" واحدة من أشهر ما سطره الروائي الروسي دوستويفسكي، هذه الرواية تغوص إلى أعماق النفس البشرية لتسبر أغوارها المظلمة، تكشف اضطراب أفكارها واضطرام هواجسها واختلاج مشاعرها وتتجلى عبقرية الكاتب في عدم تركيزه على الضحية، فنحن لسنا أمام حبكة بوليسية، ولا ثنائية الخير والشر المعتادة، بل في خضم ملحمة إنسانية تركز على البيئة الاجتماعية وظروف القاتل ودوافعه والصراع النفسي الرهيب الذي يوصله إلى حافة الانتحار ويجبره في النهاية على تسليم نفسه إلى الشرطة .. طبعا نحن هنا لسنا بصدد تحليل الرواية، لكن رابط كلامنا ينحصر في حقيقة أن العقاب ليس بالضرورة أن يأخذ مجراه عن طريق القانون .. بل أن ما يكابده الجاني أحيانا من شعور طاغي بالذنب جراء ما صنعت يداه قد يفوق في عذابه أي عقوبة أخرى، والقصة التي أنوي سردها عليكم في هذا المقال هي خير مصداق على كلامنا هذا .. قصة عن عذاب الضمير لا تخلو من بعد روحي ماورائي."
وتكلم عن شهر تموز ومعناه حيث قال :
"فجر 14 تموز / يوليو1958 كان نافلة يوم آخر ملتهب من أيام تموز، الشهر الأكثر حرارة في طقس بلاد الرافدين، حيث تتجاوز الحرارة أحيانا 50 مئوية. وللعلم فأن تموز هذا هو رب سومري قديم، له قصة طويلة ليس محل سردها الآن، لكن المفارقة تكمن في أن تموز يموت بحلول الشهر الذي يحمل أسمه، فينزل إلى الأرض السفلى، إركالا , ليمضي ستة أشهر في الظلمات مع الموتى، وبرحيله تنتحب السومريات والبابليات، وتقام المناحات في جميع مدن الهلال الخصيب. وهكذا فأن تموز كان شهرا للبكاء، للنائحات الكاسيات سوادا، وهي صفة ظلت ملازمة له على ما يبدو حتى بعد أن "مات" جميع الأرباب وطمست زقوراتهم ومعابدهم لتحل محلها المساجد والكنس والكنائس"
وتناول أن أهل بغداد قديما كانوا ينامون فوق السطح أثناء ارتفاع درجة الحرارة حيث قال :
"بغداد السطوح
اعتاد الناس في بغداد النوم فوق سطوح منازلهم في الماضي
بالعودة إلى صباح 14 تموز، فأن معظم سكان بغداد كانوا نائمين في أسرتهم فوق سطوح منازلهم كما اعتادوا أن يفعلوا خلال شهور القيظ. كان الصمت مطبقا على المدينة، ما خلا هديل حمائم، وتسبيح مآذن، وحفيف نسائم تداعب بلطف سعف النخيل المبثوث هنا وهناك في ثنايا المدينة الغافية بأمان على شاطئ دجلة .. لكن فجأة من دون سابق إنذار .. ضجت السماء بأزيز الرصاص وزلزلت الأرض بهدير المدافع حتى خيل للناس أنهم وقعوا في وسط جبهة قتال، فاشرأبت الأعناق من فوق السطوح عسى أن تتبين ما يجري، وكان ثمة دخان في السماء، مصدره مكان يعرفه سكان العاصمة جيدا .. قصر الرحاب .. مقر الأسرة المالكة.
وسرت في المدينة همهمة: انقلاب!!! .."
ثم حكى لنا تاريخ الانقلاب وما جرى بعده حيث قال :
"وكان انقلابا بالفعل، أمر دبر بليل من قبل مجموعة من ضباط الجيش. ولأنني لا أريد أن أصدع رأسك عزيزي القارئ بتفاصيل تاريخية مملة، فدعوني أشرح لكم ما جرى باختصار شديد، حيث أن اللواء العشرون من الجيش العراقي بقيادة العقيد عبد السلام عارف جاءته أوامر عسكرية بالتحرك من معسكره في محافظة ديالى شرق العراق نحو الأردن غربا، وذلك للوقوف بوجه التهديدات الإسرائيلية للأردن آنذاك وطبعا لكي تصل القوات إلى الأردن غربا كان عليها أن تمر بالعاصمة بغداد، وهذه كانت الفرصة الذهبية التي ينتظرها الانقلابيين، فبدلا من أن يكمل الجيش طريقه نحو الأردن قام بمهاجمة بغداد واسقط الحكم الملكي.
عبد الستار العبوسي
النقيب عبد الستار العبوسي .. قاتل العائلة المالكة .. النقيب "عبد الستار العبوسي" كان ضابطا بالجيش العراقي، منسوب كمدرب مشاة إلى معسكر الوشاش الواقع عند أطراف بغداد، وهناك من مكانه شاهد، مثله مثل غيره من سكان العاصمة، الدخان الأسود يتصاعد فوق القصر الملكي. العبوسي لم يكن من ضمن التنظيم الذي قاد الانقلاب، ولا لديه اطلاع على ما يجري برمته. ومع هذا فقد أخذته حماسة شديدة، إذ كان ناقما على الحكم الملكي، حاقدا على الوصي عبد الإله بشكل خاص، ومن أسباب هذا الحقد كما يشاع أن شقيقا له مات بأمريكا في ظروف غامضة، وكان العبوسي يظن بأن للوصي يدا في موته .. لكني أظنها رواية مختلقة، في الواقع عبد الإله لم يكن محبوبا في الشارع عموما. فيصل الثاني كان طفلا صغيرا عندما مات والده الملك غازي عام 1939 في حادث سيارة يشوبه الكثير من الغموض، فتم تعيين خاله الأمير عبد الإله وصيا على العرش لحين بلوغ فيصل الرشد وخلال فترة الوصاية حدثت مشاكل سياسية وقلاقل يطول ذكرها وشرحها مما أوغر صدور بعض العراقيين على الوصي.
الملك غازي
الملك غازي .. قتل في حادث سيارة .. يقال انه مدبر إضافة إلى ما تقدم، فأن العبوسي، بحسب بعض من عرفوه، كان يتصف بالعصبية والتهور وحب التسلط والبروز، وما أن وصلت إليه أخبار الانقلاب حتى تحرك من تلقاء نفسه وتوجه بمعية بعض الجنود إلى قصر الرحاب المحاصر حيث كانت تدور مناوشات خفيفة بين الانقلابيين والحرس الملكي، وبمجرد وصوله انغمس في القتال وراح يحرض الجنود والمراتب ويشجعهم على الرمي نحو القصر وعدم التفاوض وكان قد جلب معه مدفعا أرضيا، فقام بقصف القصر بأربع قذائف، مما أدى إلى تضعضع معنويات الحرس، خصوصا وأن الملك - كما يقال - رفض أن يقاوموا وطلب منهم الاستسلام حقنا للدماء. ففاوضوا على ذلك، وأستسلم بعضهم، وجرت مفاوضات على استسلام العائلة المالكة مقابل حقن دماءها، فأعطيت العهود والمواثيق على ذلك. وخرج الملك فيصل الثاني من بين الغبار والدخان، يحف به خاله الأمير عبد الإله، وجدته الملكة نفيسة، والأميرة عابدية، والأميرة هيام، والأميرة بديعة، ومعهم طباخ تركي وخادمة عجوز وفرد من الحرس الملكي. كانوا عزلا، والملكة نفيسة ترفع المصحف.
هذا المنظر أذهل العساكر المحاصرين للقصر، إذ لم يتوقع أحد أن يتهاوى عرش العراق بهذه السهولة، لم يصدقوا أعينهم وهم يرون مليكهم الشاب، الذين أقسموا عند تخرجهم من الكلية العسكرية، عهد الولاء له، أن يخرج برفقة أهل بيته يمشي الهوينا وسط حديقة قصره لكي يسلم نفسه.
تختلف الروايات التاريخية حول نوايا الانقلابيين تجاه العائلة المالكة، بعض المصادر تزعم أن الانقلابيين خططوا لاعتقال عبد الإله فيما يتم نفي الملك إلى الخارج بينما ذهبت مصادر أخرى إلى وجود إرادة ونية مبيتة لتصفية الملك خوفا من إعادته إلى العرش لاحقا بمساعدة إنجلترا والدول المحيطة بالعراق وأيا ما كانت الحقيقة فأن ما جرى على أرض الواقع يتماشى مع السيناريو الثاني، فالملك تعرض للغدر في حديقة قصره، إذ أنبرى النقيب "عبد الستار العبوسي" وفتح النار من رشاشه على الموكب الملكي، ويقال أنه صرخ قائلا: "لا تدعوا هؤلاء يخدعونكم" قبل أن يطلق النار، فسقط الملك متسربلا بدمه، وتناثرت حوله أجساد الأمراء والأميرات مضرجين بدمائهم. ويقال بأن بعض الجنود هرعوا نحو الملك وهو يحتضر، فشاهدوا دموعا تترقق في مقلتيه، إذ كان مقبلا على زواج، وكان مفترضا أن يطير للقاء خطيبته صباح يوم الانقلاب، الأميرة فاضلة، سليلة الأسرة الخديوية المصرية من جهة أبيها، وحفيدة السلطان عبد المجيد الثاني من جهة أمها، وكان قد أحبها حبا جما، وكانت تنتظر وصوله ذلك الصباح في مطار اسطنبول برفقة عائلتها والرئيس التركي عدنان مندريس، لكن الموت كان أسرع إلى فيصل، فطار للقاء ربه بدلا من أن يطير للقاء خطيبته، ولم يكمل عامه الثالث والعشرون.
الاميرة فاضلة
أما ما جرى بعد أطلاق النار على الملك، فهناك روايات عديدة الله أعلم بصحتها، يقال أن فيصل ترك ينزف وينازع الموت في حديقة القصر لساعات دون أن ينجدوه حتى أسلم الروح. فيما تذهب رواية أخرى إلى أنه نقل إلى المستشفى، وفيما كان يتلقى العلاج هناك دخل الردهة أحد قادة الانقلاب وأطلق النار عليه فقتله. وهناك رواية ثالثة أنه مات فور إطلاق النار عليه من قبل العبوسي .. وبغض النظر عن حقيقة ما جرى، فأن فيصلا قد مات، أخذوه ودفنوه إلى جوار أبيه وجده في المقبرة الملكية، ولعله كان محظوظا لأنه دفن فورا ولم يلقى مصير خاله، الوصي عبد الإله، الذي ربطوه بسيارة وسحلوه في شوارع بغداد، والرجال والأطفال يركضون وراءه يرجمونه بالحجارة، كأنما لا يكفي أنه ميت!. وكذلك سحلوا نوري السعيد باشا رئيس وزراء العراق المخضرم حتى ضاعت ملامحه، ثم مثلوا بجثته، قطعوا كفيه وقدميه، وعلقوه كالشاة المذبوحة في شارع الرشيد وراحوا يرجمونه ويتقافزون حوله .. وأخيرا أخذوا أصبعا من أصابع يده، وضعوه في محلول كحول ثم طاروا إلى القاهرة مبتهجين ليقدموه "هدية" لزعيم الأمة العربية، بيد أن هذا الأخير، رغم كونه يناصب الملكية العراقية أشد العداء، لم يحتمل هذه البشاعة فأدار وجهه اشمئزازا.
صباح الانقلاب شهد أيضا مقتل عدد من الأعيان والأجانب والضيوف، أبرزهم رئيس وزراء الأردن، إبراهيم هاشم، الذي صادف وجوده في للعراق للتباحث في مسألة الاتحاد الهاشمي بين البلدين، فألقى الانقلابين القبض عليه، وفيما هم يقتادونه إلى وزارة الدفاع هاجمه الرعاع فسحلوه ومزقوا جسده حتى أنه لم يتم العثور له على جثة. والصور موجودة على غوغل لمن يريد أن يشاهد، لكنها من القباحة بحيث لا أنصح أحدا برؤيتها.
نوائح من العالم الآخر!
لم تتم محاكمة العبوسي أبدا، ولعل هذا يتوافق مع نظرية أن قادة الانقلاب، أو بعضهم على الأقل، كانوا مع تصفية العائلة المالكة فلو أنهم لم يكونوا راضين عما فعله العبوسي لأحالوه لمجلس تحقيق، حتى ولو صوري، ومن دون عقوبة فعلية. لكن ذلك لم يحدث، بل قاموا بترفيعه وترقى في المناصب حتى وصل إلى رتبة عقيد ركن، وقائدا للقوة البحرية العراقية .. لكن بالرغم من جميع المناصب والامتيازات، فأن الحياة لم تصفو للعبوسي، وظل دم الملك يطارده كظله.
ولندع احد أصدقاء العبوسي المقربين يحدثنا عن معاناة هذا الأخير ..
يقول العقيد الركن المظلي عدنان محمد نوري:
"كثيرا ما كنت أرى صديقي العبوسي مهموما شارد الذهن، فسألته ذات مرة عن سبب تكدر خاطره وحزنه، فنظر إلي بأسى وقال: "هل تعلم يا عدنان بأنني لم أذق طعم النوم منذ قتلي الملك، وانه يأتي إلي في المنام، أراه لابسا ابيض، يقول لي: لماذا قتلتني؟ هل أصابك ضرر مني؟ هل قمت بخطأ ما؟ لماذا حرمتني لذة الحياة وأنا في ريعان الصبا؟ ويتكرر علي الكلام كل ليلة، فيا ليتني أموت وأتخلص من معاناتي".
فيصل الثاني: لماذا قتلتني؟ لماذا حرمتني لذة الحياة وانا في ريعان الصبا؟ وبعد سنتين على هذا الحديث، التقى الصديقان مجددا، وكان العبوسي قد أصبح الآن معلما في الكلية العسكرية، فسأله العقيد عدنان عن أحواله، وعن تلك الأحلام المزعجة التي كانت تراوده، فقال العبوسي بأنها أصبحت أسوأ من ذي قبل، وأن: " عبد الإله الوصي اخذ يظهر لي أيضا في المنام، وبعض الأيام أرى نسوة لا أعرفهن، يلمنني، ويقلن لي: انك تعيش وأشباحنا تطاردك حتى نلتقي. فعجبا متى سألتقيهم .. وهل تعتقد يا عدنان بأنني سوف ألاقيهم في الآخرة؟ ".
ويقال أن العبوسي لجأ للعلاج النفسي عندما كان ملحقا عسكريا في روسيا، راجع أطباء كثر، جرب أدوية مختلفة، لكنه لا شيء نفع معه، وأن شدة المعاناة وصلت به حدا بحيث أصبح كلما رأى جنازة خاطب صاحبها قائلا: "هنيئا له .. لقد تخلص من هذه الحياة"!.
المقبرة الملكية بغداد
وأخيرا صبيحة يوم بارد من شباط / فبراير عام 1972، طلب العقيد العبوسي من زوجته أن تأتيه بكوب شاي، فقامت إلى المطبخ، وبينما كانت تعد الشاي سمعت دوي أطلاقة نارية، فهرعت عائدة إلى الحجرة لتجد زوجها غارقا بدمه وقد انتحر برصاصة من مسدسه في الرأس.
انتهت حياة العبوسي وطويت صفحته .. لكن يبقى السؤال، هل أن شبح الملك عاد فعلا لينتقم ويأخذ بثأره من القاتل؟ .. هل كان عقابا إلهيا؟ .. أم تراه تأنيب الضمير والعامل النفسي هو الذي أدخل العبوسي في دوامة الكوابيس والكآبة مما دفعه بالنهاية إلى الانتحار؟ .. الله أعلم ..
لكن قديما قالوا: أن ما يبدأ بالدم .. ينتهي بالدم .. ولعل في قادة الانقلاب عبرة ..
العميد الركن عبد الكريم قاسم، زعيم الانقلاب، أصبح أول رئيس لجمهورية العراق، وسرعان ما أختلف مع رفاقه فانقلبوا عليه في شباط 1963 فالقوا القبض عليه في وزارة الدفاع وأعدموه رميا بالرصاص وبثوا صورا على التلفاز لجثته وأحدهم يمسك برأسه المدمى من شعره ويهزه ليصبح صديقه وشريكه في الانقلاب، العقيد الركن عبد السلام عارف، رئيسا لجمهورية العراق، لكنه هو الآخر لم يهنأ بالحكم طويلا، إذ سقطت الطائرة التي كانت تقله عام 1966 خلال زيارة للبصرة وتفحمت جثته فتولى شقيقه عبد الرحمن عارف الرئاسة، ليس لوقت طويل، ففي صبيحة 17 تموز 1968 أنقلب عليه البعثيون وخلعوه ثم حكموا العراق منفردين حتى عام 2003 الذي انتهى باحتلال بغداد .. وهذه مفارقة، لأن تحرير فلسطين كان الشعار الرئيسي لجميع الحكومات التي جاءت بعد الملكية، فإذا بالعراق نفسه يصبح محتلا وبحاجة إلى من يحرره!! .. سبحان الله ..
هل كانت الملكية رائعة حقا؟
اليوم نجد نسبة كبيرة من الشعوب التي كانت محكومة بنظام ملكي، تحن إلى الماضي، إلى عهد الملكية، ولسان حالها يقول بأنها كانت أيام رخاء واستقرار. وفي الواقع هذا الكلام قد لا يكون دقيقا تماما، أو بالأحرى هو"حمال أوجه" ..
أولا المقارنة بين الماضي والحاضر لا تكون عادلة بدون الأخذ بنظر الاعتبار عدة عوامل، أهمها التضخم السكاني، والظروف والبيئة العالمية، والأفكار والتيارات السائدة فمثلا عندما نتحدث عن خمسينات القرن الماضي، فأننا نتحدث عن القوميون والشيوعيون، وكلاهما بلا تأثير اليوم حيث تسود وتطغى التيارات الدينية ثانيا الملكية مثلها مثل أي نظام آخر لها مساوئ. فهل عدمت عصور الملكية من مشاكل وقلاقل وانتفاضات ونقمة شعبية؟ .. لا طبعا، كانت موجودة، ومعلوم أن الثورات لا تحدث إلا نتيجة تراكمات تصل حد الانفجار. ولم تخلوالعهود الملكية من فساد ومحسوبية وبيروقراطية، ومن فقر متفشي، وإقطاع، خصوصا في الأرياف والمدن البعيدة عن العاصمة. إضافة إلى تغول القوى الخارجية وتدخلها في شؤون البلاد.
إذن هل الحاضر أفضل؟
لا بالتأكيد، فحنيننا للماضي وعاطفتنا نحوه تنبع غالبا من قتامة وبؤس الحاضر، خصوصا وأن معظمنا لم يعرف الماضي ولم يعشه ولا يدري شيئا عن مشاكله، ولا عن التيارات والأفكار التي كانت سائدة آنذاك، نحن نعرف الحاضر والواقع المعاصر لأننا أبناءه، وقد مللنا وتعبنا منه حتى أصابنا اليأس والقنوط، لذا فأن الفرار بالخيال إلى الماضي - حيث نظن بأنه بدون مشاكل مطلقا! – يبدو أمرا رائعا .. أوبالأحرى وهما رائعا ..
قالوا سنحرر القدس .. يا ترى من سيحرر بغداد؟!!برأيي الشخصي، فأن التغيير ربما كان مطلوبا في زمانه، لكن الطامة الكبرى تكمن في من قادوا التغيير، حيث أنهم لم يكونوا مؤهلين ولا على مستوى المسئولية، ونحن نتحدث عن أناس ينتمون للسلك العسكري، اعتادوا خطاب ولغة القوة والمواجهة وإعطاء الأوامر وعدم القبول بأي نقاش .. في حين أن السياسة دهاء، وأخذ وعطاء. هؤلاء للأسف استنزفوا البلاد في "عنتريات" فارغة من دون أن يركزوا على التنمية والبناء .. بناء الإنسان قبل كل شيء، إذ بدلا من أن ينشروا ثقافة الحرية والتسامح وتقبل الآخر وحب العلم والأدب وتشجيع الاختراع والإبداع ومد الجسور مع الثقافات الأخرى .. قاموا بعمل كل ما هو مغاير ومناقض لذلك، فقمعوا التعددية السياسية، وحولوا كل فرد في المجتمع إلى جندي واجبه الوحيد هو تملق النظام والعمل على حمايته، فأصبحت قيمة الفرد تتجسد في مدى ولاءه للنظام وليس بمدى تعليمه وعلمه وثقافته.
وقادت السياسات الخاطئة إلى ضعف الاقتصاد، نتيجة عوامل داخلية وخارجية، وبالتالي لم يستطع هذا الاقتصاد مواكبة ومجاراة التضخم السكاني، مما أدى إلى بروز مشاكل اجتماعية عديدة، فعلى سبيل المثال هم قاموا بإلغاء الإقطاع وتوزيع الأراضي على الفلاحين، بيد أن معظم هؤلاء الفلاحين تركوا أراضيهم، لعدم جدوى الزراعة اقتصاديا، ولعدم اهتمام الحكومة بالريف، فهاجروا إلى المدينة، حيث الفرص أكثر والخدمات أفضل، والطامة الكبرى هو أنهم بدل أن يتبنوا ويتشربوا ثقافة المدينة والحضارة فأنهم نشروا ثقافة الريف وقيمه في المدينة. ثال آخر على سوء السياسات هو تأميم المصانع والمنشآت الاقتصادية، وهو تصرف غريب وينم عن سوء تقدير فظيع، فأولا بأي حق تصادر ممتلكات إنسان كل ذنبه أنه ينتمي لطبقة أو فئة معينة، حتى لولم يكن معنيا بالسياسة، وقد نتج عن هذه الخطوة فرار رؤوس الأموال والمستثمرين، وتدمير الصناعة بحد ذاتها، لأن الذين تولوا إدارة المصانع المؤممة كانوا أناسا لا يفقهون شيئا في الصناعة والتجارة، أناس كل ما يميزهم أنهم رفاق الانقلابيين أومن أقاربهم، مجرد موظفون يعملون براتب، وليسوا أصاحب رأس المال، فصاحب المال هو الذي يحترق قلبه على ماله وليس الأجير.
الجريمة والعقاب على أعتاب "قصر الرحاب"
ارقد بسلام .. يا ترى ماذا كان حالنا سيكون لم لم يقتلوك في قصر الرحاب؟ .. الله اعلم ..
إذن هل كان بقاء الملكية أفضل؟ ..
نعم .. برأيي الشخصي، وقناعاتي، كانت الملكية أفضل على علاتها ومشاكلها، والتي لم تكن قليلة فالملكية كانت نظاما قابلا للإصلاح والتطوير، أكثر مرونة في تعاملها مع مشاكل الداخل، عن طريق تغيير الوزارت، وأكثر قبولا واحتراما لدى الخارج. وكانت أرقى سياسيا بالمقارنة مع ما أتى بعدها، كونها محكومة بنظام برلماني، وهناك حرية رأي، وحرية شخصية - إلى حد ما -، في حين أن ما أتى بعدها كان شموليا غير قابل للإصلاح بتاتا.
أعود وأقول أن ما كتبته هو رأي شخصي، ليس بالضرورة أن يكون رأيا سليما أو صحيحا."
الحكاية في النهاية انقلبت مقارنة بين النظامين الجمهورى والملكى وقد فضل الكاتب الملكى باعتباره أقل مساوىء والحقيقة أن الكل لا يفيد المسلمين لأنهما كلاهما خارج على النظام الإلهى حيث الشورى هى أساس إدارة البلاد وهى شورى جماعية لكل المسلمين دون استثناء لأحد
وفى هذا قال سبحانه :
" وأمرهم شورى بينهم "
بينما كل الأنظمة البشرية قائمة على تمييز فئة على بقية المجتمع تمييزا لا مسوغ له وهو يتنا في مع الاخوة التى قال الله فيها :
"إنما المؤمنون اخوة "