مناقشة لمقال عجائب من زمان الوصل
الكاتب هو قصي النعيمي من سلطنة عمان وموضوع المقال حكاية بعض الأمور عن الآثار الأندلسية في أسبانيا وقد ابتدأ بذكر الفتح العربى للأـندلس حيث قال :
"في أغمار ذاك الظلام الذي أناخ على العالم بأستاره الرفيعة، وبين متلاطمات الموج الهادرة بأصواتها المريعة هناك في مستودع الأسرار، وملتقى النبوءات والأخبار، ولد النجم المحمدي، وسطع بأنواره الأبدية على صفحة الوجود ليروي ظمأ السنين الغابرات، واهتزت به جدباء الوجود فربت وأنبتت من شتى الباسقات وغير بعيد عن مطامح تلك الأنوار كانت شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس) تموج في دياجي النزاعات وكانت كتائب الفتح بقيادة طريف بن مالك المعافري تمهد لإدخال الأندلس إلى حياض الإسلام وحوزته، ولم تلبث الجيوش أن تتابعت بوشي الأعراق المختلفة، ولكنها كانت قلوبا مؤتلفة هذا الأمازيغي وذاك العربي، قد ضمهم الإيمان بلفيفه الخالد، فراحوا يصيحون معا تمجيدا لله الواحد الله أكبر وتم الفتح، وبدأت قصة أخرى من قصص حضارة الإسلام واكتحل الزمان بحسن تلك المعمورات من قرطبة إلى إشبيلية، ومن غرناطة إلى بلنسية وغدت تلك الربوع مضرب المثل في علمائها ومساجدها، مكتباتها وقصورها، بل وحتى في مسلك أهلها وطريقة عيشهم ومن ذلك الينبوع المتفجر بكل ماتع ورائع"
ثم ذكر آثار اندلسية مختلفة حيث حكى التالى عنها :
"اغترفت لكم أمثلة تحكي عن عجائب زمن الوصل الضائع:
1 – بهو قمارش
كانت لملوك الأندلس وأعيانها، عناية بالغة بالقصور وأفنائها، أو ليست حيث يلتقي السلاطين بمبعوثي الممالك الأوربية والسفراء؟ فيرونهم عصارة فخرهم الطموح بأكثر أمثلته جلاء ويزدهون بما أنبتته أرضهم من التطور والنماء، وبما جرى تحت حكمهم من التقدم والرخاء ولما كان الملتقى الأول للسفراء مع السلطان في الأبهاء، فقد جرت العادة أن يكون أروع أجزاء القصور حسنا، وأكثرها أنسا، ومن تلك الأبهاء التي لازالت باقية إلى يومنا هذا، بهو قمارش
في غرناطة وبالتحديد في مركزها المسمى بالحمراء، ذلك المشرف بجدرانه العلية من على قمم جبال سيرانيفادا كان السلطان أبو الوليد إسماعيل قد بنى قصر المتزين، ليكمل البناء من بعده ابنه السلطان أبو الحجاج يوسف الذي شيد برج قمارش وزينه بالبهو المنسوب إليه، وأضاف جناحا للحمامات أسفله وما هدأت حركات الإضافة في قصر المتزين حتى عهد محمد الملقب بالغني بالله، إذ أضاف للقصر بهو البركة وكما ذكرت فإن بهو قمارش ليس سوى جزء من برج بناه السلطان أبو الحجاج يوسف إضافة على قصر المتزين وهو عبارة عن قاعة مستطيلة شديدة الاتساع (18×11م)، بل هي أكثر القاعات اتساعا في القصر، تنساب الزخارف فيها من قمة قبتها المهولة الارتفاع (23م) لتنسكب على الجدران والأرضيات وحيث تتلاقى أعمدة الضياء القادمة من النوافذ العلوية المسماة بالقمارش، هناك حيث تلتقي كان عرش السلطان ينتصب بكل ما اكتنزته نقوشه وجودة صنعه من الألق والهيبة
كان البهو يعج مع زخارفه الأخاذة بأروع الألوان التي اختفت آثارها مع الزمن، كان يخيل للداخل إلى ذاك البهو وكأن ألف ياقوتة وياقوتة قد سكبت بسر جمالها على أركانه وكأن السماء الزرقاء قد أمطرت بزرقتها على تلكم القبة الشاهقة، فلم تترك للناظرين من الجواب إلى الانبهار، ولدقة الصنع وإحكامه بالإقرار
لم يكن جمال بهو قمارش فقط في زخارفه وألوانه، بل كان جزءا من برج المتزين الذي كان يطل على غرناطة فاستغل المعماريون ذلك أحسن استغلال وأفضله، فقاموا بعمل نوافذ للبهو من جميع جهاته، بحيث يتاح للداخل إلى البهو الاطلاع على كل غرناطة، وكأنها صفحة مبسوطة أمام عينيه فتخيل عزيزي القارئ شعور ذاك السفير القادم من الممالك القشتالية أو غيرها، وهو يرى السلطان متربعا على عرشه وبين حاشيته، وقد التقت بين يديه أضواء السماء وبحار من زخارف لا زالت تصدح بـ لا غالب إلا الله، وتحت رجليه، هناك تقبع غرناطة بأسرها
2 – بهو السباع
بهو السباع سمي كذلك بسبب تماثيل الاسود (السباع) التي تحمل النافورة غير بعيد عن بهو قمارش، أنشأ السلطان الغني بالله - الآنف الذكر- بهو السباع، وجعله مجتمع المحاسن الأندلسية وملتقاها، ونصبه مفتخر مآثره ومنتقاها وعلى غرار بهو قمارش فبهو السباع ذو أبعاد مستطيلة، ولكن صحنه يتميز عن الأول بانكشافه على السماء ويحف هذا البهو أروقة قد اعتلتها عقود محمولة بما يقارب الـ 124 من الأعمدة الرشيقة المصنوعة من الرخام الأبيض الناصع، وقد توجت أعاليها بتيجان من جميل العبارات والنقوش، فكأنما هي زهور فارعة قد مدت بتلاتها للداخلين إلى البهو وإذا رفعت أنظارك إلى السماء استقبلتك القباب المضلعة الخضراء وهي على التحقيق 8 قباب موزعة حول البهو
وفي وسط البهو نافورة أو كما كانوا يسمونها "فوارة" وهي حقا من بديع ما انتجته أيدي الأندلسيين والفوارة عبارة عن حوض من المرمر الأبيض يحمله اثنا عشر أسدا يفور الماء من أفواهها ليصب في قنوات معلومة والغريب أن الأسود كانت تتناوب في إخراج الماء، فساعة تفور المياه من هذا وساعة من ذاك، وهكذا على الدوام دون انقطاع وأمام كل أسد بيت شعري من قصيدة للوزير ابن زمرك، كل بيت منها يفيض مع الماء عذوبة ورقة:
تبارك من أعطى الإمام محمدا
مغاني زانت بالجمال المغانيا
وإلا فهذا الروض فيه بدائع
أبى الله أن يلقى لها الحسن ثانيا
ومنحوتة من لؤلؤ شق نورها
تجلى بمفرض الجمان النواعيا
يذوب لجين سال بين جواهر
غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا
3 - المكتبات الأندلسية
صفحات مزينة بالرسوم من مخطوطات اندلسية رغم أن كل ما تبقى من تلك المكتبات العامرة ليس إلا آثارا خالية، وأطلالا خاوية، وبضع مخطوطات هنا وهناك إلا أنها ما زالت شاهدا على أعظم المنشئات التي طورها أهل الأندلس واهتموا بها، واستمر التطوير فيها حتى سارت بذكر مناقبها الركبان، وتهافت على زيارتها الناس من قاصي الأوطان
ليس من العجيب القول بأن كل حي من أحياء الأندلس كان يضم مكتبة خاصة لأبنائه، ولكن العجيب هو مدى ضخامة ما حوته كل مكتبة منها على الرغم من صغرها، وضيق نطاقها على مجموعة صغيرة من الناس فتلك مكتبة إشبيلية التي بناها الراضي بالله بن المعتمد، تعج بنحو من عشرة آلاف إلى مائة ألف مجلد وينقل إلينا أن إحدى المكتبات العامة كانت لها فهارس لكتبها تملأ قرابة الـ44 مجلدا، كما روى ذلك ابن حزم في كتابه الجمهرة ولعلنا نتصور بشكل أكثر وضوحا مدى ضخامة تلك المكتبات عندما نعلم أن القائمين على أحدى المكتبات الصغيرة أرادوا نقل الكتب إلى منطقة أكثر اتساعا، فاستنفدوا خمسة أيام لنقل كتب الشعر فقط
مخطوطات اندلسية
وكان في كل مسجد من مساجد الأندلس المشهورة مكتبة ضخمة تضم كتبا في شتى صنوف المعارف والعلوم، فمن الفقه والحديث إلى اللغة والشعر، ومن الفلك والطب إلى علم الفلاحة والفلسفة ولم تكن تلك المكتبات نتاج جهد فرد واحد، فقد كان علماء وأعيان كل مدينة يودعون كتبهم وقفا في تلكم المساجد، ومن ذلك وقف أبي الوليد الباجي المتوفى سنة 474هـ، والذي أوقف جميع كتبه لمسجد بيرة وكذلك محمد بن محمد بن لب الكناني، والذي وقف بعض ثمين كتبه في مسجد بمدينة مالقة وفي تلك المساجد التي تراكمت في مكتباتها عشرات الألوف من الكتب والرقاع، وامتلأت زواياها بالفقهاء والعلماء من شتى البقاع، تكونت جامعات كجامعة قرطبة وجامعة طليطلة وراح طلبة العلم يقصدونها حتى من خارج الأندلس والجدير بالذكر أن تلك المكتبات كانت تحظى من السلاطين والعلماء ببالغ عنايتهم واهتمامهم فتم تعيين المشرفين والقائمين عليها، وتم تدوين كل كتاب في فهارس دقيقة، وفتح الباب ليستعير من شاء ما شاء منها، فكانت ينابعا للمعرفة ومنهلا موفورا لكل الأندلسيين حتى لقد عاب أبو حيان بن يوسف الأندلسي من يصرف أمواله في شراء الكتب، فقال: "الله يرزقك عقلا تعيش منه، أنا أي كتاب أردته استعرته من خزائن الأوقاف وقضيت حاجتي" (ويعني بخزائن الأوقاف، مكتبات المساجد)
4 - الاهتمام بالتعليم
ولقد كان التعليم في الأندلس ذا أهمية كبرى، فلم يكن أحد حتى من ذوي المهن كالحدادة والنجارة ليقبل بالأمي ليعمل عنده ويستنكف من ذلك بل ينقل إلينا ابن بشكوال أنه وجد في باعة التين والعنب على أرصفة قرطبة من كان يحفظ كتبا ككتاب "معاني القرآن" لأبي جعفر النحاس، فما بالك بطلبة العلم الذين روي أنهم كانوا يحفظون كتاب الأغاني وكتاب سيبويه وموطأ الإمام مالك عن ظهر غيب ويعكس تلك الأهمية لديهم أن الحكم المستنصر بالله كان قد أوقف جميع حوانيت السراجين في سوق قرطبة، ليتم صرف عوائدها على المعلمين في مدارس قرطبة وحدها، والتي بلغ عددها آنذاك الـ 27 مدرسة مجانية للأطفال، وهذه غير تلك التي بنيت في الضواحي ويبلغ عددها 24 مدرسة
لم يهتم الأندلسيون بتعليم وتثقيف صغارهم فقط، بل انصرف جهدهم إلى إيجاد وسائل تعليم للصم والعميان أيضا وقد نقل إلينا الإمام ابن حزم في كتابه " التقريب لحد المنطق" حكاية عجيبة في ذلك عن مؤدبه أحمد بن محمد بن عبد الوارث ويحكي مؤدب ابن حزم عن أبيه الذي ولد له ابن اجتمع فيه العمى والصمم فأصر الأب على تعليم ابنه، واجتهد في ابتداع وسيلة لذلك وانتهى فكر الأب إلى صنع أشكال مجسمة للحروف، وقام على تعليم ابنه إياها عن طريق اللمس، ثم لما استطاع الابن التمييز ما بين هذه الحروف، أراه كيفية دمجها، وتكوين كلمات وعبارات منها وبعد عمل شاق وطويل، استطاع الأب أن يعلم ابنه الكتابة، لتكون مدخله إلى العلوم المختلفة
خاتمة
لقد انقلبت تصاريف الدهر بالأندلس إلى غير أهلها، وأناخ بتلك المعمورات البهية من لم يفهم مكنون أسرارها، ولم يدرك جليل مأثوراتها فامتدت أيدي التخريب إلى معظم معالم الأندلس التي ذكرت في التواريخ والسير، واستحالت بعد أن كانت عينا إلى أثر فتلك نافورة الأسود - الآنفة الذكر-، قام الفرنجة بالعبث بها وتخريبها حتى توقفت تماثيل السباع عن إخراج المياه، وذلك إلى أن تولت دولة إسبانيا الحديثة فيما بعد إصلاحها لتستقطب السياح وكم من محاسن قد انطمست آثارها في جنة العريف وقاعات الحمراء، وقصور قرطبة وغرناطة
ويبقى كل ما ذكرت غيض من فيض تلك العتبات المنسية ويبقى الحنين إلى زمان الوصل يذكو كلما هبت نسائم تلك المعاهد السنية"
بالطبع الأبهاء والآثار في القصور هى نوع من الترف الذى يدل على الكفر وليس الإسلام فالمسلمين لا يعملون منشئات لا لزوم لها فما هى فائدة عمل ابهاء نوافير بتماثيل محرم عملها في بلاد المسلمين
وأما حكاية التعليم الحفظة من خلال حفظ الكتب فهو مجرد آلات تسجيل فما الفائدة من حفظ الكتب وهم لا يطيعون احكام الله ولذا ضاعت الأندلس بسبب الترف والكفر الذى تبعه ؟