مراجعة لمقال معزوفة الشيطان
الكاتب هو كمال غزال وموضوع المقال هو حلم حلم به موسيقار يسمى تارتينى عن مجىء الشيطان له وعزفه مقطوعة رائعة حاول تقليدها عندما استيقظ
يحكى الكاتب الحكايات عن تارتينى حيث قال :
"بين عامي 1765 و1766 حكى الموسيقار وعازف الكمان المنفرد (غوسيبه تارتيني) القصة الكاملة وراء أشهر أعماله الموسيقية وهي عبارة عن سوناتا (لحن موسيقي غير مخصص للغناء)، وزعم فيها أن الشيطان كان وراء هذا العمل الذي أذهله بنفسه وأطلق على هذا اللحن الموسيقي "هزة الشيطان " Devil's Trill ، وسنأتي على ذكر معنى هذه "الهزة" تقنياً، لقد كان عملاً موسيقياً معقداً من الناحية التقنية في علوم الموسيقى ومازال حتى يومنا هذا وقلما يبرع فيه الخبراء من العازفين.
كان (غوسيبه تارتيني) الذي عاش بين 1692 و 1770 ملحناً وعازفاً إيطالياً باروكياً وقد ولد في مدينة (بيران) وهي بلدة في شبه جزيرة إستريا التي كانت تابعة لجمهورية البندقية (فينيسيا) حينذاك إلا أنها تتبع حالياً جمهورية سلوفينيا ويعتز أهالي مدينة (بيران) بهذا الموسيقار حتى أنهم أقاموا له تمثالاً في إحدى ساحاتها، وقد نشأ (تارتيني) في كنف عائلة أرستقراطية وقدم للعالم أكثر من 135 سوناتا.
قصة معزوفة الشيطان
تبدأ قصة معزوفة هزة الشيطان Devil's Trill بحلم، حيث قيل أن (تارتيني) أخبر الفلكي الفرنسي (جيروم لالاند) بأنه رأى الشيطان في حلمه الذي طلب من (تارتيني) بأن يكون خادماً له وفي نهاية الدروس الموسيقية سلم (تارتيني) كمانه إلى الشيطان ليختبر قدراته فبدأ الشيطان على الفور بالعزف على الكمان ببراعة فاقت الوصف إلى درجة أحس بها (تارتيني) بتقطع أنفاسه، أما القصة الكاملة فقد رواها (تارتيني) بنفسه أثناء زيارة (لالاند) إلى إيطاليا بين عامي 1765 و 1766 وهي على لسانه: " في إحدى الليالي، وفي عام 1713 حلمت بأنني أقمت عهداً مع الشيطان مقابل بيع نفسي له، كل شيء جرى كما تمنيت، حيث عرف خادمي كل أمنية لدي، ومن بين أمور أخرى أعطيته الكمان الذي بحوزتي لأرى إن كان بإمكانه العزف، وكم كانت دهشتي كبيرة لدى سماعي سوناتا في غاية الروعة والجمال، لقد جرى عزفها بفن عظيم وذكاء لم أكن لأتصورهما في أشد رحلات الخيال جرأة، كنت أقف بإعجاب، لقد نقلني إلى عالم من النشوة والسحر، لم أقو على التنفس فصحوت، فالتقطت الكمان في الحال لعلي أحفظ مقطعاً من المعزوفة على الأقل، أو ما انطبع من حلمي، لكن عبثاً! في الواقع كانت هذه الموسيقى التي سمعتها في الحلم أفضل ما كتبت من نوتات على الإطلاق، وما زلت أدعوها " هزة الشيطان"، لقد كان الفرق بينها وبين ما استطعت حفظه منها كبيراً لدرجة أنني رغبت في تدمير آلتي، وقول كلمة "وداعاً" إلى الموسيقى للأبد، إذا أعطتني كل المتعة الممكنة التي عشتها والتي لا تتكرر ".
وفقاً لأسطورة نقلتها وزادت عليها مدام (بلافاتسكي) أتى إلهام (تارتيني) لكتابة السوناتا خلال حلم ظهر له فيه الشيطان عند طرف سريره وهو يعزف الكمان وكان التأثر بهذه الأسطورة واضحاً في أعمال فنية مرسومة لاحقاً.
قيمة المعزوفة في علوم الموسيقى
في أيامنا هذه تعتبر هذه المعزوفة أبرز أعمال (تارتيني) شهرة وهي تتطلب تقنياً هزات من التوقفات المزدوجة وهي صعبة العزف حتى في المقاييس الحديثة، وهناك خرافة جرى تناقلها في القرن الـ 19 بأن (تارتيني) كان لديه 6 أصابع في يده اليسرى مما جعل من هذه الهزات اكثر يسراً لعزفها.
معنى الهزة Trill
رمز الهزة trتعتبر الـ تريل أو الهزة التي عرفت من القرن الـ 16 وحتى القرن الـ 19 شكلاً من البدائع الموسيقية وهي تتألف من التبديل السريع بين نغمتين متجاورتين (نوتات)، إحداهما نغمة والأخرى شبه نغمة يمكن تمييزهما في سياق الهزة (هناك نغمة كاملة ونصف نغمة، والموسيقى الغربية مبنية على بعد كامل ونصف بعد)، وتعرف هذه الهزة في اللغة الإيطالية بـ "تريلو"، وتعطي "الهزة" تأثيراً إيقاعياً ونغمياً وأيضاً تنافرياً وإنسجامياً."
بالطبع لو صح أنه كان حلم فالشيطان تفسيره هو تارتينى نفسه لأنه من عزف المقطوعة فيما بعد عند الصحو هو مع زعمه أنها لم تكن في جمال معزوفة الحلم
ولا يوجد تفسير أخر وفى الأحلام تحدث أمورا غريبة فالفرد قد يقتل في الحلم عدة مكرات ومع هذا لا يقتل وإنما يكون للقتل معنى أخر
وأما اطلاق تارتينى عليها معزوفة الشيطان فهو مجرد دعاية له وبالطبع لكونه من طبقة الأغنياء وفى جمهورية البندقية فإن الكنيسة لم تحاسبه على الاسم لأن ليس لها سيطرة بل كانت تلك الجمهورية هى من تسيطر على الكنيسة في ذلك العهد لأن تلك الجمهورية كان لها أسطول حربى وتجارى كبير
وتناول الكاتب تأثير اسم المعزوفة والحلم على بعض الأدباء وبعض الأعمال الفنية الحديثة حيث قال :
"أثرها في الأدب
ألهمت معزوفة هزة الشيطان والقصة التي وراءها الكاتب (دانييل سيلفا) إذ دارت الشخصية المركزية (أنا رولف) حولها وذلك في روايته "الإغتيال الإنجليزي" The English Assassin ، حيث تكون (أنا رولف) ابنة مصرفي سويسري وعازفة كمان مشهورة، وتحتل هذه السوناتا مكانة بارزة في الرواية ويحكى فيها حلم (تارتيني) الملهم.
أثرها في الرسوم المتحركة
كانت معزوفة هزة الشيطان أيضاً موضوعاً مقتبساً في مسلسل الرسوم المتحركة (الأنيمي) الياباني "خلفاء الظلام"، والمتكون من 3 أجزاء. ففي إحدى الحلقات نجد (هيجيري ميناسيه) وهو شاب ياباني يدرس في مرحلة الثانوية العامة وكذلك هو أعجوبة في العزف على الكمان، يتمكن من عزف قطع موسيقية صعبة ويختبر عدة تغيرات جذرية في شخصيته بعد زرع قرنية في عينه من قبل واهب أعضاء وهناك عازف كمان آخر يدعى (أوتوناشي) كان مستحوذاً عليه من قبل شيطان بسبب عهد قطعه مع الشيطان (ساتانوغاس)، وتقتضي مهمة أنصار (هيجيري) تحريره من عهده مع (ساتانوغاس) الذي كان قد قتل (كازوسا) ابنة (أوتوناشي) اليتيمة.
"خلفاء الظلام" هي سلسلة خيالية من المانغا اليابانية وكتبها (يوكو ماتسوشيتا)، وهي قصص تدور حول فكرة إله الموت (شينينغامي) في المعتقدات اليابانية حيث يعمل حراس الموت لخدمة ملك الموت (إينما دايو) فيحلون معضلة القادمين إلى العالم السفلي سواء المتوقعين وغير المتوقعين. "
وتناول الكاتب علاقة الشياطين بالفنون حيث قال :
"وأخيراً ... هل تلقى (تارتيني) معزوفته فعلاً من الشيطان أو من قرينه؟ أم أنه تعمد خلق هذه القصة ليتألق نجمه بين كبار الموسيقيين في أوروبا التي شهدت في تلك الفترة العصر الذهبي لعلوم الموسيقى وصدحت فيها أعظم الألحان وأعذبها وما نطلق عليه اليوم "الموسيقى الكلاسيكية"؟ وهل هناك صلة بين وحي الإبداع الفني والعلمي والشيطان الذي في داخلنا؟
فيما مضى كان كبار شعراء العرب يربطون بين هذا الإبداع في أشعارهم مع ما كان يعرف بـ "شيطان الشعر"، وعلينا أن لا ننس بأن هناك مخترعين وعلماء في التاريخ أخذوا أفكار إبداعهم من وحي الأحلام أيضاً." بالطبع لا وجود لإبليس في الأرض فقد أخرجه الله من الجنة إلى النار مباشرة حيث قال :
"اخرج منها مذءوما مدحورا"
وقال :
" وأن عليك لعنتى إلى يوم الدين"
والمقصود وأن لك العذاب في النار حتى يوم القيامة
ومن ثم كل من يقول أنه عاهد إبليس على شىء هو كاذب لأن الشيطان الحقيقة هو الإنسان الكافر الذى توسوس له تنفيه بالشر فيفعله كما قال سبحانه :
" ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه"
الرئيسية 
