ما الهدف من السير الشعبية ؟
من يقرأ السير الشعبية مثل سيرة بنى هلال أو سيرة الزير سالم أو غيرهم من السير التى كانت شائعة فيما مضى عندما كان شعراء الربابة أو الحكواتية منتشرين فى سالف العصر والآوان فى بلاد مصر والشام وغيرها من بلاد العربان سيجد أن تلك السير ليست وليدة الذاكرة الشعبية كما يزعم الزاعمون
السير الشعبية ألفت من قبل أناس مخصوصين لغرض معين وهو :
اضلال الناس عن دينهم
فهؤلاء المؤلفين للسير الشعبية عملوا على بث الخرافات بين الناس من خلال تركيزها على التالى :
الأول علم الناس بالغيب من خلال الرمالين والرمالات وهو ما لا يعلمه إلا الله كما قال :
" إنما الغيب لله"
يستوى فى ذلك سيرة الجاهليين الزير سالم حيث تبع اليمانى لا يعمل عمل إلا بعد استشارة الرمال ومن ذلك قول سيرة الزير:
" وأحضر الرمال وكان عنده رمال شاطر فحضر ص28 بين يديه فقال له التبع اضرب لى تخت الرمل فجلس وضرب الرمل فرأى جميع ما فعلته بنو قيس وقال الصناديق فيها رجال ص29
والزير أيضا يستدعى الرمالين كما فى قول السيرة:
"فضرب الرمال الرمل .. فقال له البشرى يا فارس الصدام فإن جساسا سوف يقتل من بعد أيام وذلك من يد شخص يظهر من لحمك ودمك ص183
وحتى بعد الإسلام نجد من ينسبونهم إلى الإسلام يفعلون نفس الفعل كما فى قول سيرة بنى هلال :
"فقالت لها سعدى قومي بنا الى البستان وأنا أضرب هناك الرمل، وانظر أحوال الذين ذكرتهم الآن، فإن قلبي تعلق بهم غاية التعليق ومرادي أن أعرف أخبارهم على التحقيق، ثم أخذتها معها الى البستان وكان من أحسن النزهات فضربت الرمل وولدت البنات من الأمهات، فتأكد لها ذلك الخبر وعرفت الأمور التي سوف تجري، وبينما هما في الحديث اقبل عليهما العلام ابن عم الزناتي خليفة ونائبه في معاطاة الأحكام، صاحب معرفة وفضل وعقل من خير الناس في ضرب الرمل، وكان يتردد على سعدى في أغلب الأيام لأنه من جملة الأهل وبني الأعمام،فسلم عليها فردت السلام واستقبلته بالترحاب والإكرام، فجلس بقربها وكان قد عرف ما في قلبها لأنه ضرب الرمل في ذلك النهار وظهرت له الأخبار، فاعلمها بأفكاره وكشف لها أسراره فطلبت منه أن يكتم ذلك الخبر ولا يبيح به لأحد من البشر، خوفا عليها من الضرر وقالت له اريد منك يا ابن عمي ان تعلمني متى حضر هؤلاء القوم لأني بانتظارهم، فأجابها الى ذلك الطلب ووعدها بالمساعدة على بلوغ الأرب، وودعها وسار طالب الصيد والقنص" ص11
وحتى من ينسبونهم للأشراف كأبى زيد يضرب الرمل للعلم بالغيب كما فى قول سيرة بنى هلال:
"فأحضر أبو زيد كتاب الرمل وتفسير الأحلام وضرب تخت الرمل ورسم الأشكال على شرح الحال فرأى الأهوال فبكى بكاءا شديدا فلما فرغ أبو زيد من كلامه قال لهم كونوا على حذر من الأعادي"ص33
الثانى تفسير الأحلام والذى لا يقدر عليه سوى نبى يوحى الله له تفسير الأحلام كيوسف(ص) كما قال سبحانه :
"ونعلمه من تأويل الأحاديث"
ومن ثم نجد فى السير الكثير من الأحلام وتفسيراتها كما فى حلم جساس عن موته فى سيرة الزير :
"فاتفق فى تلك الليلة أن جساس رأى حلما غريبا وهو أنه أبصر ذاته بأنه كان قد ربى عنده جرو ...فاغتاظ جساس من فعال الأسد فسل سيفه وهجم عليه يريد قتله واعدامه فوثب عليه الذئب من ورائه ونهشه فألقاه صريعا فى الأرض ص190
وأما تفسيره فهو :
" وقال له انزل يا خال واقطع رأس عدوك فقد قتلته وكفيتك شره فلما رآه يتخبط بدمه نزل عن ظهر القميرة وهو يظن أنه قد بلغ مراده ولما اقترب منه نهض الزير على قدميه وقبض على لحيته وهجم الجرو أيضا عليه ووضع الرمح بين كتفيه فعند ذلك علم جساس أنها حيلة قد تمت عليه وتأكد عنده صحة ذلك المنام ص 191
ونجد فى سيرة الزير مفسر اسمه عمار الرياحى يفسر الحلم صحيحا وهو قول السيرة:
"فإن حسن عندك استدعى عمار الرياحى فإنه يفسر لك على يقين فأرسل إليه وحضر وقص عليه ذلك الخبر ... وقال له سوف يحل عليكم من سالم بوقت قصير .. مهر أدهم اسمه عندم ... فسد الزير مقرون بهذا الحصان وبه ينتصر فى الحرب والطعن فإذا ملكتم هذا الجواد نلتم المراد وأسرتموه فى القتال والطراد "ص 104
ونجد العابد نعمان يفسر الأحلام تفسيرا صحيحا كما فى قول سيرة الزير:
"إذ دخل عليه العابد نعمان ... قال للزير أعلم يا أمير قد جئت إليك من أبعد مكان ...وثانيا لأعلمك بأنه ظهر لى فى المنام منذ عشرة أيام رؤيا عجيبة تشير إلى أحداث غريبة وهو أنه قام عليك سبعة سنين منحوسة وأيامها عليك معكوسة فإياك من هذا النهار أن تحارب أحدا من ملوك الأقطار ... واشتهر الخبر فى القبائل أن الزير أوقف الحرب مدة سبع سنين كوامل" ص102و103
وفى سيرة بنى هلال نجد حسن الهلالى يفسر حلم القاضى بدير تفسيرا صحيحا فى قول السيرة:
"ومن الاتفاق الغريب أن القاضي بدير رأى تلك الليلة حلما هو أنه كان قابضا على حمامة بيضاء وإذا بعقاب أسود قد هبط من الجو فخطفها وطار، فاستيقظ من المنام وهو في قلق عظيم وسار عند الأمير حسن وقص عليه الرؤيا فقال: يا ابن العم ان هذا الحلم يدل على ضيق وغم، وان ابنتك مارية قد خطفها الأعجام "ص22
الثالث أن الحياة عبارة عن طعام ومدام أى خمر وهى ما حرمها الله بقوله سبحانه :
" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"
كما حرم الإسراف فى الطعام والشراب الحلال حيث قال :
" وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"
ونجد فى سيرة الزير الأكل والشراب الحرام فى قولها:
"وبعد أن خلع ثيابه جلس للطعام وشرب المدام ثم دخلت أمه فقبلته بين عينيه وهنأته بذلك الانتصار" ص110
كما نجد أن الزير طوال الحكاية يأكل ويشرب الخمر حتى مماته كما فى قول السيرة:
"وأما ما كان من البطل الهمام صاحب الذكر الشهير المدعو سالم الزير فإنه كان قد أخناه الدهر وضعفت قواه وهو مع ذلك مواظب على أكل الطعام وشرب المدام وكان لا ينام إلا وهو لابس عدة الحرب والصدام ص 206
وحتى الشريف بن الشريف بن الشريفة أبو زيد بعد الإسلام يفعل فعل الجاهلى حيث تقول السيرة:
"فجلس أبو زيد لأجل الراحة وأمر بذبح الأغنام وشرب المدام "ص198
الرابع تقاتل العرب فيما بينهم فيقتل كل واحد أقاربه فسيرة الزير تحكى القتال بين اليمنية والقيسية وبين القيسية وبعضهم البعض ممثلين فى بكر وتغلب وأما سيرة بنى هلال فكلها غارات من العرب على بعضهم وقتلهم لبعضهم البعض حتى من كانوا يدا واحدا فدياب يقتل حسن ثم أبى زيد فى احدى الروايات والثلاثة فى الحكاية قتلوا وأسروا وسبوا قادة ورؤساء عرب مثلهم ومن النادر فى السير أن يحارب العرب غيرهم كانتصار الزير على النصارى وهو فى جيش اليهود وفى سيرة بنى هلال نجد حرب منهم على اليهود
وكأن تلك السير تقول لنا لن تقوم لكم قائمة أى وحدة أبدا فسوف تتقاتلون حتى القيامة فيما بينكم وهذا هو الحادث فعلا فى عصرنا وقبله كحروب الخليج وحرب اليمن من نصف قرن وحاليا وحرب الجزائر والمغرب وحرب مصر وليبيا الصامتة فى عهد السادات وحرب اللبنانيين للفصائل الفلسطينية وحرب الأردن مع الفصائل الفلسطينية فضلا عن الحروب الداخلية فى العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن حاليا
والغريب فى تلك السير أن أشراف الجاهلية وأشراف ما بعد الإسلام هم من يقودون تلك الحروب للحصول على كراسى السلطة والغنائم والأموال والنساء
والغريب أن تلك السير تؤكد على عداوة الولدين عدنان وقحطان أو اليمنية والقيسية تبع اليمانى وكليب القيسى أو بنو هلال القيسية وبنو زناتة اليمنية فخليفة الزناتى ليس تونسيا وإنما يمنى هو وقبيلته
كما تؤكد على عداوة القبيلة الواحدة التى انقسمت لبكر وتغلب فى سيرة الزير وبنو هلال وبنو زغبة فى سيرة بنى هلال
الخامس نشر المساجد القبورية ببناء مسجد على قبر الفرد الكبير وذبح الذبائح له كما فى بناء كليب مسجد على قبر العابد نعمان فى قول السيرة:
"فإذا بلغت الإرادة وفزت بالسعادة بنيت مسجدى برسم العبادة وخذ لك هذا السيف الخشب وبه تنال القصد والأرب ص26
وأيضا:
" فلما فرغ العابد من كلامه وعده كليب ببناء المقام على أحسن نظام ص27
وحتى كليب بنوا على قبره قبة مسجدية وهو قول سيرة الزير :
"وقالوا للعرب المجتمعين إنه ما عاد ينفع البكاء والانتحاب وإن إكرام المرء دفنه فى التراب...وبنوا عليه قبة من أعظم القبب وطلوا حيطانها بالذهب والفضة .. كتبوا على حيطانها أسماء الإله القادر وهى هذه الأسماء التى يتكنى بها رب السماء قد أثبتناها بهذا الكتاب افادة للطلاب ص94
ونجد الزير يذبح عليه الذبائح فى قول السيرة:
"دفنوا الأمير كليب كما تقدم الكلام ذبح الزير على قبره النوق والأغنام وفرق المال والطعام على الأرامل والأيتام"ص95
وما فعله الجاهليون من عصيان لله كرره أشراف ما بعد الإسلام حيث بنى أبو زيد لحسن الهلالى قبة على القبر وذبح له الذبائح على القبر وهو قول سيرة بنى هلال :
"وقالوا له الأحسن رفع جثة الأمير حسن ودفنها، لأن كرامة الميت مأواه، وبذلك أمر رب الأرباب، فأجابهم أبو زيد الى ما طلبوه، ثم تقدموا بكل احترام ورفعوا الجثة وغسلوها وبروايح المسك والطيب رشوها، وتحت التراب وضعوها وذبحوا على قبره من الجزور والأغنام ما يكل عن وصفه اللسان، ثم أقاموا على القبر قبة عظيمة وزينها بماء الذهب، وكتبوا عليها اسم الله الأعظم وتحته اسم الأمير حسن، ثم رجعوا وعملوا مناحة، وكانت تأتيهم العربان من كل مكان يعزونهم على فقد الأمير حسن "ص215