إضاءات حول كتاب التبيان لفضائل ومنكرات شهر شعبان
الكاتب هو نايف بن أحمد الحمد وموضوع الكتاب هو ما ورد في فضائل شهر شعبان ومنكراته وقد ابتدأ ببيان ان الله فضل بعض الشهور على بعض في الأحكام حيث قال:
"فإن الله تعالى فضل بعض الأزمنة والأوقات على بعض وخصها بأمور دون غيرها ومن ذلك شهر رمضان والعشر الأواخر خيره وليلة القدر أفضل لياليه قال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر) (القدر:3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري (1802).
ومنها عشر ذي الحجة فقد حث فيها على مزيد من الطاعة والعبادة أكثر من غيرها فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام). يعنى أيام العشر. قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشىء) رواه البخاري (926) وأبو داود (2440) واللفظ له.
وغير ذلك من الأزمنة الفاضلة كالثلث الأخير من الليل ومن هذه الأزمنة شهر شعبان فالناس فيه طرفا نقيض ما بين منكر لما خص فيه من عبادات ومن مبتدع فيه ما لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم والحق الوسط في ذلك فنثبت ما أثبته الشرع من غير زيادة ولا نقصان وهذا ما سيرد بيانه إن شاء الله تعالى."
والحق أن الأمر ليس تفصيل وإنما الله اختار وقت لعبادة معينة كالصوم في رمضان والحج والعمرة في الشهور الحرم
وتناول سبب تسمية الشهر بشعبان حيث قال:
"سبب تسمية شعبان:
قال الحافظ ابن حجر " وسمي شعبان لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام وهذا أولى من الذي قبله وقيل فيه غير ذلك " فتح الباري 4/ 213وانظر كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 1/ 319"
والحق أن لا علاقة بين الجغرافيا والتسمية لأن الشهور سميت يوم خلق الكون كما قال تعالى :
"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم"
وتناول الروايات الواردة في الفضائل حيث قال:
"ومن فضائله أن الأعمال ترفع فيه:
لما رواه أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أحمد (21753) والنسائي (2356) وصححه ابن خزيمة.
الغلط أن الأعمال ترفع في شعبان وهو ما يخالف أن العمل يرفع يوميا كما قال سبحانه:
"إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"
وقال أيضا :
"كثرة صيام النبي صلى الله عليه وسلم فيه
لحديث أسامة السابق ولحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته فى شهر أكثر منه صياما في شعبان. رواه البخاري (1868) ومسلم (2777)."
الغلط أن صوم شعبان ورمضان معا وهو ما يخالف حرمة صوم التطوع باعتباره عقوبة على الذنوب كما أنه يقلل الثواب فثوابه عشرة حسنات بينما أكلة وشربة في النهار بعشرين حسنة كما قال سبحانه :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
والرواية عن صوم شعبان كاملا تعارض صوم نصفه حيث قال :
"حكم صيام النصف من شعبان
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان) رواه أحمد (9707) وصححه ابن حبان (3589).
قال ابن رجب: صححه الترمذي و غيره و اختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به: فأما تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي و ابن حبان و الحاكم و الطحاوي و ابن عبد البر و تكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء و أعلم و قالوا: هو حديث منكر منهم ابن المهدي و الإمام أحمد و أبو زرعة الرازي و الأثرم و قال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثا أنكر منه " لطائف المعارف /151
أما صيام النصف من شعبان مفردا فهذا لا أصل له بل إفراده مكروه نص عليه الشيخ تقي الدين في الاقتضاء 2/ 632 وقال المباركفوري رحمه الله تعالى: " لم أجد في صوم يوم ليلة النصف من شعبان حديثا مرفوعا صحيحا " ا. هـ تحفة الأحوذي 3/ 368
أما حديث " إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها " فقد رواه ابن ماجه (1388) والبيهقي في الشعب (3922) وابن الجوزي في العلل المتناهية 2/ 562 وقال: حديث لا يصح. وقال البوصيري رحمه الله تعالى: هذا إسناد فيه ابن أبي سبرة واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة قال أحمد وابن معين يضع الحديث. مصباح الزجاجة (491) وقال المباركفوري: ضعيف جدا. تحفة الأحوذي 3/ 368"
وتناول ليلة النصف من شعبان حيث قال :
"ليلة النصف من شعبان
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين مشاحن وقاتل نفس) رواه أحمد (6642) من طريق ابن لهيعة.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) رواه ابن ماجه (1390) قال البوصيري رحمه الله تعالى: إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة وتدليس الوليد بن مسلم. الزوائد (493) وله شاهد رواه ابن حبان (5665) من حديث معاذ رضي الله عنه قال أبو حاتم الرازي رحمه الله: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد " العلل لابن أبي حاتم (2012) وذكر الدارقطني الحديث في العلل من عدة طرق ثم قال " والحديث غير ثابت " ا. هـ
وعن زيد بن أسلم رحمه الله تعالى قال: ما أدركنا أحدا من مشايختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان, ولا يلتفتون إلى حديث مكحول , ولا يرون لها فضلا على ما سواها. انظر: البدع للطرطوشي /130 والبدع لابن وضاح/46"
والغلط نزول الله للسماء فى ليلة النصف من شعبان ليغفر للخلق ويعارض هذا أن الله تعالى عن المكان فكيف يهبط فى المكان ؟كما أن الله يغفر لمن يستغفره دون نزول كما قال سبحانه:
"ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"
وتناول اختصاص الناس بالصلاة في ليلة النصف حيث قال :
"وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " أما ليلة النصف من شعبان فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها " اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 631 ويلاحظ هنا أن الأحاديث الواردة في فضلها لا تخلو من مقال واضطراب ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه تخصيصها بقيام أو صلاة وإنما جاء ذلك عن بعض السلف قال الحافظ ابن رجب: " كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول و لقمان بن عامر و غيرهم يعظمونها و يجتهدون فيها في العبادة و عنهم أخذ الناس فضلها و تعظيمها و قد قيل أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عباد أهل البصرة و غيرهم و أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء و ابن أبي مليكة و نقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة و هو قول أصحاب مالك و غيرهم و قالوا: ذلك كله بدعة " ا. هـ لطائف المعارف/151
وقد زعم أقوم أن المراد بقوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم (4) أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين) (الدخان:5) أنها ليلة النصف من شعبان وهذا خطأ بين بل المراد بذلك ليلة القدر كما صوبه ابن جرير في تفسيره 11/ 221 وقال ابن القيم: " وهذه هي ليلة القدر قطعا لقوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ومن زعم أنها ليلة النصف من شعبان فقد غلط "ا. هـ شفاء العليل /45 وقال ابن كثير رحمه الله تعالى "ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد النجعة فإن نص القرآن أنها في رمضان "ا. هـ التفسير 7/ 232 وقال الشنقيطي " إنها دعوى باطلة "ا. هـ أضواء البيان 7/ 319"
وتناول ما سموه صلاة الألفية حيث قال :
"صلاة الألفية:
ومن البدع المنكرة في شهر شعبان ما أحدثه بعض الناس في القرن الخامس من تخصيص ليلة النصف بصلاة سموها صلاة الألفية وأول من ابتدعها ابن أبي الحمراء سنة 448هـ وكان حسن التلاوة حيث قام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل وهكذا فما ختمها إلا وهو في جماعة ثم جاء العام القادم فصلى معه خلق كثير وشاعت وانتشرت. انظر: الحوادث والبدع /132 والباعث /124 قال ابن القيم: " وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمائة ونشأت من بيت المقدس فوضع لها عدة أحاديث " المنار المنيف /98 قال أبو شامة رحمه الله تعالى: " وللعوام فيها افتتان عظيم ... وزين لهم الشيطان جعلها من أصل شعائر المسلمين " الباعث /124
وصفتها ما جاء في الأثر المكذوب " يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات يا على ما من عبد يصلى هذه الصلوات إلا قضى الله عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة" رواه ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 127 من عدة طرق ثم قال:" هذا حديث لا نشك أنه موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء والحديث محال قطعا ...
وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوها من الصلوات شبكة لمجمع العوام وطلبا لرياسة التقدم وملا بذكرها القصاص مجالسهم وكل ذلك عن الحق بمعزل" ا. هـ وقال أبو شامة: " وهي صلاة طويلة مستثقلة لم يأت فيها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع "ا. هـ الباعث على إنكار البدع /124 وانظر: الأمر بالاتباع للسيوطي /139
وقال ابن تيمية: " إن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث "ا. هـ اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 632وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: " ومن الأحاديث الموضوعة أحاديث صلاة ليلة النصف من شعبان – إلى قوله - والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها "ا. هـ المنار المنيف /99
وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: " وقد روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان أحاديث موضوعه وواحد مقطوع وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة في كل ركعة الحمد لله مرة وقل هو الله أحد عشر مرات فينصرفون وقد غلبهم النوم فتفوتهم صلاة الصبح التي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) "ا. هـ الباعث /127
وقال ابن الجوزي: " وقد رأينا كثيرا ممن يصلى عدة الصلاة ويتفق قصر الليل فيفوتهم صلاة الفجر ويصبحون كسالى "ا. هـ الموضوعات 2/ 127 وقال السيوطي رحمه الله تعالى: " والعجب من حرص الناس على هاتين الليلتين - الألفية والرغائب – وتقصيرهم في الأمور المؤكدات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ا. هـ الأمر بالاتباع / 136"
وتلك الصلاة لا تكفيها ليلة فمائة ركعة يقرأ فيها الفاتحة والاخلاص عشر مرات تعنى أن الركعة على الأقل تستغرق عشرين دقيقة وبضرب 100× 20 =2000 دقيقة وهو ما يساوى اكثر من ليلة ونهار حيث أن اليوم 1440 دقيقة
وتناول حرمة تخصيصي ليلة او نهار بصلاة حيث قال :
"والمحذور هنا هو تخصيص هذه الليلة بصلاة دون غيرها أو أداء الصلاة فيها على الصفة المذكورة المنكرة قال أبو شامة رحمه الله تعالى: " المحذور المنكر تخصيص بعض الليالي بصلاة مخصوصة على صفة مخصوصة وإظهار ذلك على مثل ما ثبت من شرائع الإسلام كصلاة الجمعة والعيد وصلاة التراويح فيتداولها الناس وينشأ أصل وضعها ويربى الصغار عليها قد ألفوا أباءهم محافظين عليها محافظتهم على الفرائض بل أشد محافظة ومهتمين لإظهار هذا الشعار بالزينة والوقيد والنفقات كاهتمامهم بعيدي الإسلام بل أشد على ما هو معروف من فعل العوام وفي هذا خلطوا ضياء الحق بظلام الباطل " ا. هـ الباعث / 132
وخير من هذا كله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعونى فأستجيب له ومن يسألنى فأعطيه ومن يستغفرنى فأغفر له) رواه البخاري (1094) ومسلم (1808) وهذا من فضل الله تعالى وكرمه ورحمته بهذه الأمة أن جعل ذلك في كل ليلة "
والخطأ نزول الله للسماء وهو يخالف أن الله ليس جسم حتى ينزل مكان كما أن نزوله فى مكان هو السماء الدنيا هنا يعنى أنه يشبه خلقه فى الأفعال والصفات وهو ما يخالف قوله تعالى:
"ليس كمثله شىء "
كما أن الله يغفر فى غير ذلك من الأيام وهو خارج الكون فما الحاجة إلى نزوله – وهو لا ينزل – فى تلك الأيام إذا كان ما يفعله فى هذه الأيام يفعله باستمرار .
ومما يشرع في شهر شعبان أن من عليه قضاء من رمضان لا يجوز له تأخيره حتى دخول رمضان الذي يليه من غير عذر عن عائشة - رضى الله عنها - تقول كان يكون على الصوم
من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا فى شعبان وذلك لمكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. رواه مسلم (2744).
ومما ينهى عنه في شعبان صيام يوم الشك لما رواه صلة قال: كنا عند عمار رضي الله عنه في اليوم الذي يشك فيه فأتي بشاة فتنحى بعض القوم فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-. رواه أبو داود (2336) والنسائي (2187) وابن ماجه (1645) وصححه ابن حبان (3596) والحاكم (1547) "