إضاءات حول كتاب الجفاء
الكاتب سعيد عبد العظيم وموضوع الكتاب الجفاء وقد اعتبره الكاتب صفة ذميمة حيث قال فى مقدمة الكتاب :
"أما بعد:
"فالجفاء صفة ذميمة ومظهر من مظاهر سوء الخُلق يُورث التفرق والوحشة بين الناس ويقطع ما أمر الله به أن يوصل فكم من بيت تخرّب وأسرة تهدّمت بسببه وكم من جفوة ونفرة بين الأحبة حدثت بسبب غلظ الطبع والخرق في المعاملة وترك الرفق في الأمور. والجفاء قد يكون طبعًا وقد يكون تطبعًا وكلاهما سيئ والمؤمن الحق يتدارك نفسه بالبعد عن أسبابه وصوره."
والجفاء أو الجف وفى كتاب الله جاء فى معرض ذكر صفات المسلمين الحسنة حيث قال سبحانه :
" تتجافى جنوبهم عن المضاجع "
وقد ابتدأ الكتاب بالروايات وأولها حيث قال :
"وفي الحديث«من بدا جفا» [رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح]
أي من سكن البادية غلظ طبعه والإنسان ابن بيئته كما يقولون فالجفاء يزيد في أهل المغرب عن أهل المشرق وفي أهل البادية ورعاة الإبل عن غيرهم. وعن أبي مسعود البدري أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال«الإيمان ها هنا - وأشار بيده إلى اليمن - والجفاء وغلظ القلوب في الفدّادين (المكثرون من الإبل) عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة ومُضر» [رواه البخاري ومسلم]."
والرواية لا تصح فأهل البادية ليسوا كلهم غلاظ قساة وإنما البعض منهم ويعارض ذلك وصف الله لبعض الأعراب وهم سكان البادية أنهم مؤمنين وفى هذا قال تعالى "ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الأخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول "
كما وصف الله المسلمين كلهم بأنهم جفاة أى قساة أى أشداء على الكفار فى القتال حيث قال :"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم "
كما أن يعقوب(ص) وبنوه وهم مسلمون سكنوا البادية وليسوا جفاة قساة دوما كما قال سبحانه :
" وجاء بكم من البدو"
وثنى برواية حيث قال :
"وعن أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار» [رواه ابن ماجه والترمذي وقالحسن صحيح].
والرواية لا تصح عن النبى(ص) والغلط أن الحياء كله من الإيمان والحق أن بعضه من غير الإيمان فهو محرم وهو الحياء من الحق كما قال سبحانه:
"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق"
والغلط كون البذاء من الجفاء ويعارض ذلك أن البذاء وهو السب بالسوء من الحديث قد يكون بحق إذا كان الإنسان مظلوما وقد حلل الله للمظلوم أن يشتم المظلوم بالسوء من القول ظالمه حيث قال:
"إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم
وتناول التفرقة بين الطبع والتطبع من خلال التفرقة بين تخصصات الأطباء حيث قال :
"لقد لوحظ التناسب الواضح بين الأسماء والمسميات وبين الإنسان والكون من حوله وبينه وبين طبيعة مهنته فطبيب الأطفال قد يفترق عن طبيب الجراحة وطبع الجند والعسكر قد يفترق عن غيرهم وليس لأحد أن يبرر جفاءه متعللاً بطبيعة النشأة والبيئة أو المهنة والصنعة فقديمًا قالوا ما عُصي الله إلاّ بالتأويل."
وتناول النصوص المحرمة للجفاء وهو القسوة والغلظة حيث قال:
"وقد وردت النصوص تذم الجفاء وتُنفر منه قال تعالى(فّبٌمّا رّحًمّةُ مٌنّ اللهٌ لٌنتّ لّهٍمً وّلّوً كٍنتّ فّظْا غّلٌيظّ الًقّلًبٌ لانفّضوا مٌنً حّوًلٌكّ) [آل عمران] وقال سبحانه(فّلّوًلا إذ جّاءّهٍم بّأًسٍنّا تّضّرعٍوا وّلّكٌن قّسّتً قٍلٍوبهٍمً وّزّينّ لّهٍمٍ الشيًطّانٍ مّا كّانٍوا يّعًمّلٍونّ) [الأنعام]
وقال(أّفّمّن شّرّحّ اللهٍ صّدًرّهٍ لٌلإسًلامٌ فّهٍوّ عّلّى نٍورُ مٌن ربٌهٌ فّوّيًلِ لٌلًقّاسٌيّةٌ قٍلٍوبهٍم مٌن ذٌكًرٌ اللهٌ أٍوًلّئٌكّ فٌي ضّلالُ مبٌينُ ) [الزمر]
وقال جلّ وعلا(أّولّمً يّأًنٌ لٌلذٌينّ آمّنٍوا أّن تّخًشّعّ قٍلٍوبهٍمً لٌذٌكًرٌ اللهٌ وّمّا نّزّلّ مٌنّ الًحّقٌ وّلا يّكٍونٍوا كّالذٌينّ أٍوتٍوا الًكٌتّابّ مٌن قّبًلٍ فّطّالّ عّلّيًهٌمٍ الأّمّدٍ فّقّسّتً قٍلٍوبهٍمً وّكّثٌيرِ مٌنًهٍمً فّاسٌقٍونّ ) [الحديد]."
والحق أنه لم يذكر أن الغلظة والشدة أمر إلهى فى بعض الأمور كالقتال حيث قال سبحانه :
"يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم"
وقال:
" أشداء على الكفار"
وذكر روايات أخرى حيث قال :
وعن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط»
[رواه أبو داود وحسّنه الألباني]
وقد ورد في أخبار الساعة«وإذا كانت العراة الحُفاة الجفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها»
[الحديث رواه أحمد والبخاري ومسلم].
وعن عائشة و عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال«أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم»
[رواه البخاري ومسلم] والألد الخصم هو الذي يفجر في خصومته.
وعن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال«لا تهجر امرأة فراش زوجها إلاّ لعنتها ملائكة الله عز وجل»
وعند البخاري ومسلم بلفظ«إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تُصبح»
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال«لا تهجّروا (أي لا تتكلموا بالكلام القبيح) ولا تدابروا ولا تجسسوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا»[رواه مسلم]
وعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«لا يحلُّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأُ بالسلام» [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار» [رواه أبو داود وصححه الألباني]
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال«لا يكون لمسلم أن يهجر مسلمًا فوق ثلاثة فإذا لقيه سلّم عليه ثلاث مرات كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه» [رواه أبو داود وحسّنه الألباني].
وعن أبي خراش السُّلميّ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول«من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«المؤمن مألفةٌ ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف» [رواه أحمد وقال الألباني صحيح على شرط مسلم]."
وكل الروايات التى ذكرها لا تتعلق بالجفاء وهو القسوة المحرمة لوجود جفاء مباح فهى تتناول ذنوب أو ردود فعل على أقوال أو أفعال كالهجر بين الاخوة أو الأصحاب أو ألأزواج فمثلا هجر الزوجات بعضه مطلوب كما فى قوله سبحانه:
" فاهجروهن فى المضاجع"
ومثلا هجر وهو خصام الناس قد يكون عقوبة حكم بها القاضى فى أمر مسلم ما ارتكب ذنبا مثل المخلفين الثلاثة
وتناول حرمة التبوب قياما حيث قال فى رواية :
وعن عبد الله بن مسعود قال«إن من الجفاء أن تبول وأنت قائمٌ»"
والغلط أن تبول المسلم قائما جفاء أى كفر ويعارض ذلك أن الله لم يحدد لنا طريقة محددة للتبول كما أن التبول قائما قد يكون أسهل والمهم التطهر من البول
وتناول عدم اخلاف الوعد حيث قال :
وعن عبد الرحمن بن أبزي قال كان داود(ص) يقول«لا تعدنّ أخاك شيئًا لا تُنجزه له فإن ذلك يورث بينك وبينه عداوة» وقال الثوري لا تعد أخاك وتُخلفه فتعود المحبة بغضة»"
وما ذكره الكاتب من الروايات قد لا يكون من القسوة فأحيانا الوعد لا يتحقق لأسباب خارجة عن إرادة المسلم
وأدخلنا الكاتب فى متاهة بالكلام عن الصبر حيث قال:
وقال ابن حزم:
«الصبر على الجفاء ينقسم ثلاثة أقسام فصبر على من يقدر عليك ولا تقدر عليه وصبر على من تقدر عليه ولا يقدر عليك وصبر على من لا تقدر عليه ولا يقدر عليك فالأول ذُلٌّ ومهانة وليس من الفضائل والثّاني فضل وبرٌ وهو الحلم على الحقيقة وهو الذي يوصف به الفضلاء والثالث فيُقسم قسمين إما أن يكون الجفاء ممن لم يقع منه إلاّ على سبيل الغلط ويعلم قبح ما أتى به ويندم عليه فالصبر عليه فرضٌ وفضلْ وأما من كان لا يدري مقدار نفسه ويظن أن لها حقًا يستطيل به فلا يندم على ما سلف منه فالصبر عليه ذُلٌّ للصّابر وإفساد للمصبور عليه والمعارضة له سخفٌ والصواب إعلامه بأنّه كان ممكنًا أن ينتصر منه وأنه إنّما ترك ذلك استرذالاً له فقط».
وعن سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي يقول«يُعجبني من القراء كل سهل طلقٍ مضحاك فأما من تلقاه ببشر ويلقاك بضرس (شراسة) يمن عليك بعمله فلا كثّر الله في الناس أمثال هؤلاء». وكتب عالمٌ إلى من هو مثله«اكتب لي بشيء ينفعني في عمري» فكتب إليه«استوحش من لا إخوان له وفرّط المقصر في طلبهم وأشد تفريطًا من ظفر بواحد منهم فضيّعه».
وعن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال وهو ينحل ابن الزبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع» [رواه الطبراني وأبو يعلى]
وعن أبي ذر قال قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم«لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [رواه مسلم]. وعن ابن عباس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«لا يقفن أحدُكُم موقفا يُقتل فيه رجل ظلمًا فإنّ اللعنة تنزل على كل من حضر حين لم يدفعوا عنه ولا يقفنّ أحدكم موقفا يُضرب فيه رجل ظُلْمًا فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه» [رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن].
وعن عبد الله بن عميرة قال دخل على جابر صلى الله عليه وسلم نفرٌ من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقدّم إليهم خُبزًا وخلاً فقال كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول«نعم الإدام الخلُّ إنه هلاكٌ بالرجل أن يدخل إليه النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يُقدّمه إليهم وهلاكٌ بالقوم أن يحتقروا ما قُدّم إليهم»."
والكلام السابق ورواياته تعتبر الجفاء كله كفر بينما كما سبق الكلام بعضه إسلام كالقسوة على الكفار فى القتال وبعضه كهجر الزوجات عند النشوز وكتطبيق العقوبات على المجرمين العصاة كما قال سبحانه:
" الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله"
وتناول كراهية الله والملائكة للجفاء والغلظة حيث قال :
"وبالجملة فالجفاء والغلظة يبغضها الله عز وجل والملائكة والناس أجمعون وعلى المؤمن أن يتخلى عن العنف والقسوة والعبوس والطيش وسوء المعاملة وعقوق الوالدين وسوء الظن وأن يتحلى بمعاني الرفق والرحمة والبر والعطف والحل فالتخلية قبل التحلية وأن يجاهد نفسه في التباعد عن أسباب العنف وصوره قال تعالى:
(قّدً أّفلّحّ مّن زّكاهّا وّقّدً خّابّ مّن دّساهّا) [الشمس ]
وقال(وّالذٌينّ جّاهّدٍوا فٌينّا لّنّهًدٌيّنهٍمً سٍبلّنّا وّإن اللهّ لّمّعّ الًمٍحًسٌنٌينّ ) [العنكبوت].
وعلى العبد أن يجأر إلى الله بالدعاء عساه يرزقه حسن التأسي بنبيه فقد كان ألين الناس ضحاكًا بسامًا يصل الرحم ويحمل الكل ويكسب المعدوم ويُقري الضيف ويُعين على نوائب الحق ومن كان كذلك لا يخزيه الله أبدًا كما قالت أم المؤمنين خديجة و.
هيا بنا نتخلق بأخلاق المؤمنين فالمؤمن هيّن ليّن سهل ذلول منقاد للحق يألف ويُؤلف ولا خير في الجافي الغليظ الذي لا يألف ولا يُؤلف"
وكلام الكاتب غلط بين فالله لا يكره ما شرعه من الغلظة على الكفار والمجرمين وسواهما مما نص عليه فى وحيه وكذلك ملائكته لا تكره ما شرع الله