هل يوجد تعليم تقليدى وتعليم حديث؟

هل يوجد تعليم تقليدى وتعليم حديث؟
فى التعليم الجامعى فى بلادنا مصيبة من المصائب الكبرى وهو أن الأساتذة مجرد نقلة عمن سبقوهم وعن كفار الشرق والغرب خاصة فى الكليات النظرية ومن الأشياء التى نقلوها تعليم اسمه التعليم التقليدى ولا وجود شىء اسمه التعليم التقليدى وهو كما يزعمون تعليم قائم على الحفظ والتلقين
وحتى لو عدنا للوراء قرونا فلن نجد هذا التعليم موجودا فمثلا فى الكنيسة كان التعليم يقوم فى الأديرة على التعليم من خلال القدوة ومن خلال الموسيقى ومن خلال القيام بأعمال يومية فى الأراضى التابعة للدير وأعمال داخل الدير كالغزل والنسج والخياطة وكلها تعليم عملى
وحتى فى الكتاتيب عندنا لم يكن المعلم وهو الشيخ كما يسمونه يلقن الأطفال وإنما كان يستعمل طرقا مختلفة كتعلم الأقران فالكبار يقومون بتعليم الصغار وكانت البنات يساعدن زوجة الشيخ فى الطبخ والكنس وهو تعليم لهن وكان الشيخ يقودهم فى تعلم الوضوء والصلاة كما يستخدم خامات البيئة فى تعليمهم الحساب كعيدان القطن والذرة كما كان يقوم بتدريبهم على تعليم القراءة والكتابة وأرقام الحساب فلا يمكن فى أى لغة من لغات العالم أن تعلم تلميذا الكتابة دون أن ترسم له الحروف والأرقام على السبورة أو فى الكراسات ويقوم التلميذ بالكتابة سواء كان بواسطة مسك المعلم ليده وفيها القلم أو الطبشور أو بمسك أحد أقاربه ليده حتى يعلمه والمهارة اليدوية ليست تلقينا
إذا القوم ينقلون كما يقول المثل "إذا كان أعمى يقود أعمى فإنهما يسقطان فى حفرة"
ولو عدنا لكتب التراث التى كتبت منذ قرون طويلة ككتاب آداب العلماء والمتعلمين للحسين اليمنى المتوفى1050 هـ لوجدنا أنه يقول أن المعلم وظيفته التلطف فى تفهيم الطالب فى العبارة التالية:
"الخامس: أن يسمح له بسهولة الإلقاء في تعليمه، وحسن التلطف في تفهيمه، لا سيما إذا كان أهلاً لذلك"
ونجده يبين فى أسلوب التفهيم أن المعلم يبذل فيه كل الجهد فيصور ويضرب الأمثلة ويذكر الأدلة وذلك فى الفقرة التالية:
السادس: أن يحرص على تعليمه وتفهيمه ببذل جهده وتقريب المعنى له من غير إكثار لا يحتمله ذهنه، أو بسط لا يضبطه حفظه، ويوضح لمتوقف الذهن العبارة، ويحتسب إعادة الشرح له، وتكراره، ويبدأ بتصوير المسائل وتوضيحها بالأمثلة وذكر الدلائل "
فهل التصوير والأمثلة من ضمن التلقين ؟
وهل من التلقين التحاور بالأسئلة ومحاولة تفهيم الذى لم يفهم كما قال الحسين فى الفقرة التالية:
"السابع: إذا فرغ الشيخ من شرح درس، فلا بأس بطرح مسائل تتعلق به على الطلبة، يمتحن بها فهمهم وضبطهم لما شرح لهم، فمن ظهر استحكام فهمه له بتكرار الإصابة في جوابه شكره، ومن لم يفهمه تلطف في إعادته له، والمعنى بطرح المسائل أن الطالب ربما استحيا من قوله: لم أفهم، إما لرفع كلفة الإعادة عن الشيخ، أو لضيق الوقت، أو حياء من الحاضرين، أو كيلا تتأخر قراءتهم بسببه "
ونجد فى كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم لبرهان الإسلام الزرنوجى المتوفى 591هـ أن المعلم عليه أن يسعى فى تفهيم وتدريب المتعلم وأن يبدأ بأشياء تكون أقرب لفهم الطالب وان يتدرج من كلمة إلى اثنين وان على المتعلم ألا يكتب شىء لا يفهمه حتى يفهمه وننقل منه هذه الفقرة :
"كان أبو حنيفة رحمه الله يحكى عن الشيخ القاضى الإمام عمر بن أبى بكر الزرنجرى رحمه الله أنه قال: قال مشايخنا رحمهم الله: ينبغى أن يكون قدر السبق للمبتدئ قدر ما يمكن ضبطه بالإعادة مرتين بالرفق ويزيد كل يوم كلمة حتى أنه وإن طال وكثر يمكن ضبطه بالإعادة مرتين، ويزيد بالرفق والتدريج، وأما إذا طال السبق فى الإبتداء واحتاج إلى الإعادة عشر مرات فهو فى الإنتهاء أيضا يكون كذلك، لأنه يعتاد ذلك، ولا يترك تلك الإعادة إلا بجهد كثير وقد قيل: السبق حرف، والتكرار ألف
... وينبغى أن يبتدئ بشيئ يكون أقرب إلى فهمه، وكان الشيخ الإمام الأستاذ شرف الدين العقيلى رحمه الله يقول: الصواب عندى فى هذا ما فعله مشايخنا رحمهم الله، فإنهم كانوا يختارون للمبتدئ صغارات المبسوط لأنه أقرب إلى الفهم والضبط، وأبعد من الملالة، وأكثر وقوعا بين الناس.
... وينبغى أن يعلق السبق بعد الضبط والإعادة كثيرا، فإنه نافع جدا.
... ولا يكتب المتعلم شيئا لا يفهمه، فإنه يورث كلالة الطبع ويذهب الفطنة ويضيع أوقاته.
... وينبغى أن يجتهد فى الفهم عن الأستاذ بالتأمل وبالتفكر وكثرة التكرار، فإنه إذا قل السبق وكثرة التكرار والتأمل يدرك ويفهم.
... قيل: حفظ حرفين، خير من سماع وقرين، وفهم حرفين خير من حفظ سطرين.
... وإذا تهاون فى الفهم ولم يجتهد مرة أو مرتين يعتاد ذلك فلا يفهم الكلام اليسير، فينبغى أن لا يتهاون فى الفهم بل يجتهد ويدعو الله ويتضرع إليه فإنه يجيب من دعاه، ولا يخيب من رجاه"
وفى كتاب تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم
لبدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الكناني
المتوفى سنة 733هـ نجد أن التعليم يعتمد على التحاور بالسؤال والجواب فى الفقرة التالية:
"التاسع:
أن يلازم الإنصاف في بحثه وخطابه ويسمع السؤال من مورده على وجهه وإن كان صغيرا ولا يترفع على سماعه فيحرم الفائدة.
وإذا عجز السائل عن تقرير ما أورده أو تحرير العبارة فيه لحياء أو قصور ووقع على المعنى عبر عن مراده وبين وجه إيراده ورد على من عليه ثم يجيب بما عنده أو يطلب ذلك من غيره ويتروى فيما يجيب به رده."
ويطلب الكنانى من المعلم تفهيم الطالب ببذل أقصى جهد ممكن فيقول:
"السادس:
أن يحرص على تعليمه وتفهيمه ببذل جهده وتقريب المعنى له من غير إكثار لا يحتمله ذهنه أو بسط لا يضبطه حفظه ويوضح لمتوقف الذهن العبارة ويحتسب إعادة الشرح له وتكراره"
ويطلب الرجل من الطلاب المرافقة وهى تعلم الأقران حتى يفهموا بعضهم البعض فيقول:
"وينبغي للشيخ أن يأمر الطلبة بالمرافقة في الدروس كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وبإعادة الشرح بعد فراغه فيما بينهم ليثبت في أذهانهم ويرسخ في أفهامهم ولأنه يحثهم على استعمال الفكر ومؤاخذة النفس بطلب التحقيق."
الكتب الثلاثة موجودة فى المكتبة الشاملة للإطلاع عليها ومن يطلع عليها سيجد فهما أكثر للتعليم والتربية من المحدثين وأن كثير مما ينقله أساتذة الجامعة عن الكفار موجود فى كتب التراث ويوجد فيه ما هو أفضل بكثير مما قالوه