إضاءات حول كتاب الناس والصيف
الكاتب هو سعيد عبد العظيم وموضوع الكتاب هو ما يحدث في الصيف حيث الإجازات المختلفة كإجازة الطلاب من المدارس والكليات وإجازات الموظفين من أعمالهم وقد ابتدأـ بذكر أن الله خلق من كل زوجين اثنين حيث قال :
"أما بعد: فقد خلق الله من كل شيء زوجين اثنين صيف وشتاء وحرٌّ وبرد وسماء وأرض ... وجعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكورًا وأودع في الدنيا من دلائل قدرته ومظاهر عظمته ما امتلأت به النفوس إجلالاً (لا الشمًسٍ يّنًبّغٌي لّهّا أّن تٍدًرٌكّ القّمّرّ ولا الليًلٍ سّابٌقٍ النهّارٌ وكٍل فٌي فّلّكُ يّسًبّحٍونّ <40>) [يس: 40]"
وتناول ما يحدث من المعاصى والمآسى في الصيف مبينا بعضها حيث قال :
"ومع مجيء فصل الصيف تشتد معالم الغربة وتزداد صور الضياع والانحلال هنا وهناك ففي الصيف تنتشر موضات العُرى والخلاعة وتمتلئ دور السينما والمسرح بالشباب والفتيات والكبار والصغار وتستحوذ مباريات كرة القدم بمشاهدة أعداد غفيرة الأمر الذي لا تجد مثله في الصلاة وفي الإهتمام بمعاني الإيمان بل أحيانًا "
وتناول ان المقارنة بين عدد من يعصون الله مثلا في مشاهدة المباريات وبين من يحفظون القرآن مقارنة تبين مدى حجم الكارثة التى نعيشها حيث قال:
"وفي بعض الأماكن لا تجد وجهًا للمقارنة بين من يعبث ويلعب وبين من يدخل المساجد بين من يغني ويرقص وبين من يحفظ القرآن ويتفقه في دين الله."
وتحدث عن معاصى الصيف ومنها التصييف على الشواطىء حيث قال:
" لقد أصبح الصيف وقتًا للراحة والإجازة واللعب واللهو والذهاب إلى شواطئ البحر بحيث يختلط الرجال بالنساء والكل يرتدي ملابس البحر ويظهرون قريبًا مما ولدتهم أمهاتهم مما يجعل الإنسان لا يستطيع النظر لرجل فضلاً عن امرأة. لقد كان الصيف في حياة السلف الصالح باعثا على التأمل والتدبر (إن فٌي خّلًقٌ السمّوّاتٌ والأّرًضٌ واخًتٌلافٌ الليًلٌ والنهّارٌ لآيّاتُ لأٍوًلٌي الأّلًبّابٌ <190>) [آل عمران: 190]"
وبالطبع السلف الصالح كان الصوائف والشواتى هى رباطات الجهاد وليس الاستحمام في مياه البحار وذكر رواية لا تصح عن حرارة الصيف حيث قال :
"فإذا أقبل الصيف فتذكر أنّ كل شيء في هذه الدار يُذكّر بالله والدار الآخرة روى أبو هريرة عن النّبيّ قال: «اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا فأذِن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم».[رواه البخاري ومسلم]."
والغلط هو اشتكاء النار لله وهو ما يعارض أن المخلوق المسير لا يحق له يشتكى لأن أطاع الله وقبل طاعته كما قال سبحانه :
"وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها "
والغلط أيضا وجود زمهرير فى النار فالله لم يذكر برد في النار وإنما ذكر الحر حيث قال :
"قل نار جهنم أشد حرا "
فجهنم حارة تصديق للقول
وتناول رواية أخرى عن كون حر الأرض من حر النار حيث قال :
" إنّ الأماكن والأزمان التي يشتد حرّها تُذكر بحرِّ جهنم وسمومها فأبواب النار مُغلقة وتُفتح أحيانًا أبوابها كلها عند الظهيرة ولذلك يشتد الحر وأما الأجسام المشاهدة في الدنيا المُذكّرة بالنار فكثيرة منها الشمس عند اشتداد حرّها وقد رُوي أنها خُلقت من النار وتعود إليه. وقد ورد في الحديث الصحيح عن النّبيّ أنه قال: «إذا اشتدّ الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنّم» "
والرواية لا تصح أيضا لأن حر الدنيا أرضى بينما النار الموعودة هى والجنة في السماء كما قال سبحانه:
" وفى السماء رزقكم وما توعدون"
ولا علاقة بين حر الرض وحر السماء لأن حر السماء عقاب للكفار فيه
وتناول حرمة الوقوف في الشمس حيث قال :
"ولا يجوز البروز للشمس تعبدًا لحديث أبي إسرائيل وكان أبو هريرة يقول: «نعم البيت الحمام يدخله المؤمن فيزيل به الدرن ويستعيذ بالله فيه من النار»."
وحكى الكاتب بعض حكايات السلف عن الاتعاظ بحر الدنيا والتفكير في حر الآخرة حيث قال :
"وكان السلف يذكرون النار بدخول الحمام فيحدث لهم ذلك عبادة دخل ابن وهب الحمّام فسمع تاليًا يتلو:
(وإذ يّتّحّاجونّ فٌي النارٌ) [غافر: 47]
فغشي عليه وتزوج صلة بن أشيم فدخل الحمام ثم دخل على امرأته تلك الليلة فقام يُصلي حتّى أصبح وقال: «دخلت بالأمس بيتًا أذكرني النار ودخلت الليلة بيتًا ذكرت به الجنة فلم يزل فكري فيهما حتّى أصبحت». وكان بعض السلف إذا أصابه كرب الحمام يقول: «يا بر يا رحيم مُنّ علينا وقِنا عذاب السموم».
صبّ بعض الصالحين على رأسه الماء من الحمام فوجده شديد الحر فبكى وقال: ذكرت قوله تعالى:
(يصّب مٌن فّوًقٌ رٍءٍوسٌهٌمٍ الحّمٌيمٍ <19>) [الحج: 19]
مرّ إبراهيم بن أدهم بشواء (لحم مشوي) فأغمي عليه ولما أُتي بماء بارد في يوم شديد الحر بكى وقال: تذكرت قول أهل النار: (أّنً أّفٌيضٍوا عّلّيًنّا مٌنّ المّاءٌ أّوً مٌما رّزّقّكٍمٍ اللهٍ) [الأعراف: 50].
وقال تعالى: (وحٌيلّ بّيًنّهٍمً وبّيًنّ مّا يّشًتّهٍونّ كّمّا فٍعٌلّ بٌأّشًيّاعٌهٌم مٌن قّبًلٍ إنهٍمً كّانٍوا فٌي شّكُ مرٌيبُ <54>) [سبأ: 54].
ولما نزل الموت بمحمد بن المنكدر بكى فقيل له: ما يُبكيك؟ فقال: ما أبكي حرصًا على الدنيا ولا جزعًا من الموت ولكن أبكي على ما يفوتني من ظمأ الهواجر (الصيام في الأيام الشديدة الحر) وقيام ليالي الشتاء. فتفكروا في مجيئ الشتاء والصيف فوالله ما زال المؤمنين يتفكرون فيما خلق لهم ربهم حى أيقنت قلوبهم وحتّى كأنما عبدوا الله عن رؤيته."
وتناول بالذكر خوف القوم من نار الآخرة وذكر روايات لم ينزل الله بها سلطان حيث قال:
ما رأى الصالحون شيئًا من الدنيا إلاّ تذكّروا به ما وعد الله به من جنسه في الآخرة من كل خير وعافية. قد لا نطيق حرّ الصيف واشتداد العرق فكيف يكون حال الخلق والعباد عندما تدنو منهم الشمس وتكون كمقدار ميل ويذهب عرقهم في الأرض حتّى يرويها ثم يرتفع فوق الأرض ويأخذهم على قدر أعمالهم فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من حرِّ جهنم» قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال: «فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلها مثل حرها» [رواه البخاري ومسلم]."
والغلط في الرواية أن نار الدنيا جزء من سبعين جزء من نار جهنم ومن المعلوم أن نار جهنم ليست كلها نارا وإنما بعض منها نار مشتعلة كشرر الظل الثلاثى الشعب بينما الوسائل الأخرى ليست نار مشتعلة أى لهبا وقد ذكر الله فى كتابه أن حر جهنم أعظم من حر أرض الدنيا ولم يحدد مقداره حيث قال:
"وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون "والدليل على الكذب أن نار الدنيا فانية بينما انار جهنم باقية والفانى لا يقاس بالباقى
وتناول أن كل الناس مسلمين وكفار لابد ان يدخلوا النار حيث قال :
وأنت من الورود على يقين ومن النجاة في شك قال تعالى (وإن مٌنكٍمً إلا وارٌدٍهّا كّانّ عّلّى رّبٌكّ حّتًمْا مقًضٌيْا <71> ثٍم نٍنّجٌي الذٌينّ اتقّوًا ونّذّرٍ الظالٌمٌينّ فٌيهّا جٌثٌيْا <72>) [مريم: 71 72] صيفك كشتاءك وليلك كنهارك كله لعب لا يصفو على شيء نافع. كان أبو الدرداء يقول: «ثلاث أضحكتني حتّى أبكتني طالب دنيا والموت يطلبه وضاحك ملء فيه لا يدري أأرضى ربه أم أسخطه وغافل ليس بمغفول عنه»."
وهو كلام يكذبه كتاب الله فالمسلمون آمنون من النار كما قال سبحانه:
ط وهم من فزع يومئذ آمنون"
وخطاب آية مريم للكفار وليس للمسلمين
وتناول خروج المسلمين للجهاد في الحرارة الشديدة في غوة العسرة حيث قال :
"إنّ حرّ الصيف لم يمنع الأفاضل من الجهاد في سبيل الله ومن الخروج في غزوة تبوك ولا في غيرها وكانت غزوة تبوك في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة وكان ذلك بالصيف فى وقت شديد الحر ولما تثاقل البعض في بداية الأمر نزلت الآيات تُلهب النفوس العامرة بالإيمان وتقول: (يّا أّيهّا الذٌينّ آمّنٍوا مّا لّكٍمً إذّا قٌيلّ لّكٍمٍ انفٌرٍوا فٌي سّبٌيلٌ اللهٌ اثاقّلًتٍمً إلّى الأّرًضٌ أّرّضٌيتٍم بٌالًحّيّاةٌ الدنًيّا مٌنّ الآخٌرّةٌ فّمّا مّتّاعٍ الحّيّاةٌ الدنًيّا فٌي الآخٌرّةٌ إلا قّلٌيلِ <38> إلا تّنفٌرٍوا يعّذٌبًكٍمً عّذّابْا أّلٌيمْا ويّسًتّبًدٌلً قّوًمْا غّيًرّكٍمً ولا تّضٍروهٍ شّيًئْا واللهٍ عّلّى كٍلٌ شّيًءُ قّدٌيرِ <39>) [التوبة: 38 39].
رجع أبو خيثمة إلى داره بعدما انطلق النّبيُّ هو وأصحابه لقتال الروم فوجد زوجتيه كل واحدة قد أعدّت له ظلاً ظليلا وماءً باردًا وزوجة حسناء ورسول الله في الحرّ والقرّ فأمر نساءه بإعداد الزاد والرواحل وانطلق يعدو فرأى النّبيُّ غُبارًا عن بُعد فقال: «كن أبا خيثمة» فكان هو أبو خيثمة. وقد عاب سبحانه على المنافقين الذين قالوا: (لا تّنفٌرٍوا فٌي الحّرٌ قٍلً نّارٍ جّهّنمّ أّشّد حّرا لوً كّانٍوا يّفقّهٍونّ <81> فّلًيّضًحّكٍوا قّلٌيلاْ ولًيّبًكٍوا كّثٌيرْا جّزّاءْ بٌمّا كّانٍوا يّكًسٌبونّ <82>) [التوبة: 81 82] فما يُؤمر بالصبر فيه على حرّ الشمس النفر للجهاد والمشى إلى المساجد للجُمع والجماعات وشهود الجنائز ونحوها والجلوس في الشمس لانتظار ذلك حيث لا يوجد ظل. خرج رجل من السلف إلى الجمعة فوجد الناس قد سبقوه إلى الظل فقعد في الشمس فناداه رجل من الظل أن يدخل إليه فأبى أن يتخطى رقاب الناس لذلك ثم تلا: (واصًبٌرً عّلّى مّا أّصّابّكّ إن ذّلٌكّ مٌنً عّزًمٌ الأٍمٍورٌ <17>) [لقمان: 17]"
وتناول مضاعفة ألأجر في الحر حيث قال :
"ومما يُضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات: الصيام لما فيه من ظمأ الهواجر ولهذا كان معاذ بن جبل يتأسف عند موته على ما فاته من ظمأ الهواجر وكذلك غيره من السلف. ولما صبر الصائمون و في الحر على شدّة العطش والظمأ أفرد لهم بابًا من أبواب الجنة وهو باب الريان من دخل شرب ومن شرب لم يظمأ بعدها أبدًا فإذا دخلوا أغلق على من بعدهم فلا يدخل منه غيرهم. وكان كثيرٌ من السلف يخرجون إلى الحدادين ينظرون إلى ما يصنعون فيبكون ويتعوذون بالله من النار قال الحسن: كان عمر ربما توقد له النار ثم يُدني يده منها ثم يقول: يا ابن الخطّاب هل لك على هذا صبر. وقد رأوا في الصواعق والرياح الحارة ما يُذكر بالنار وورد في الحمّى التي تُصيب بني آدم: «أنها حظ المؤمن من النار» [رواه أحمد وابن ماجه]"
والحقيقة أن الثواب واحد في الحر والبرد والاعتدال لأن قواعد الأجر في القرآن لا تتغير لأى سبب
وتناول رحلة الشتاء والصيف حيث قال :
"فتفكر وتأمل وسلْ الله أن يجعل صمتك فكرًا ونُطقك ذكرًا ونظرك عبرًا فإنّ فقدان البصر خطير وعمى البصيرة أشد (ومّن كّانّ فٌي هّذٌهٌ أّعًمّى فّهٍوّ فٌي الآخٌرّةٌ أّعًمّى وأّضّل سّبٌيلاْ<72>) [الإسراء: 72]
(أّفّمّن يّمًشٌي مٍكٌبْا عّلّى وجًهٌهٌ أّهًدّى أّمن يّمًشٌي سّوٌيْا عّلّى صٌرّاطُ مسًتّقٌيمُ <22>) [الملك: 22].
وتدبّر آيات ربك حتّى يمتلئ قلبك نورًا تُدرك به حقائق الأشياء لقد ذكر سبحانه عظيم نعمته على أهل مكة فيما فعل بجيش أبرهة فقال: (لإيلافٌ قٍرّيًشُ (1) إيٌلافٌهٌمً رٌحًلّةّ الشٌتّاءٌ والصيًفٌ (2)) [قريش: 1 2] أي جعل الله ذلك لإيلاف قريش أي لألفوا الخروج ولا يُجترأ عليهم وكانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام للتجارة وذلك لأن بلاد اليمن حامية وبلاد الشام باردة وفي هذا دليل على جواز تصرف الرجل في الزمانين بين محلين يكون حالهما في كل زمان أنعم من الآخر كالجلوس في المجلس البحري في الصيف وفي القبلي في الشتاء. ثم أمرهم سبحانه بتوحيده فقال: (فّلًيّعًبدٍوا رّب هّذّا البّيًتٌ (3) الذٌي أّطًعّمّهٍم مٌن جٍوعُ وآمّنّهٍم مٌنً خّوًفُ (4)) [قريش: 3 4]"
والله لم يذكر في كتابه كون تلك الرحلات لليمن أو للشام وغنما هى رحلات بسبب الحج والعمرة حيث على سكان مكة ترك بيوتهم حول الكعبة للحجاج والعمار إلى بيوتهم في أطراف مكة فهم يتركونها فترة الحج والعمرة ثم يعودون لها فيما بعد انتهاء الحجاج والعمار من حجهم وعمرهم