مناقشة لكتاب النفخ في الصور
موضوع الكتاب هو الصور وهو الناقور وهو الزجرة وهو ما ينادى به يوم القيامة لاماتة الخلق مرة ومرة لبعثهم مرة أخرى
ابتدأ الكاتب بالسؤال عن ماهية الصور وصاحبه حيث قال مجيبا:
"أولاً : ما هو الصور ؟! ومن هو صاحبه ؟
ما هو الصور ؟!
اسمع الجواب من سيد المرسلين (ص)فى الحديث الصحيح الذى رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذى وغيرهم ، من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : جاء أعرابى إلى النبى (ص)فقال يا رسول الله ما الصور ؟! فقال : (( قرن ينفخ فيه وصاحب هذا القرن هو إسرافيل"
والغلط في الرواية التى لم يقلها النبى(ص) التى لم يقلها النبى(ص)كون الصور قرن ينفخ فيه وهو ما يعارض أن الله سماه الناقور في قوله سبحانه "فإذا نقر فى الناقور "
فهو نقر وليس نفخ وهو ما يعنى أنه ليس بوق
وقال أيضا:
"وفى الحديث الذى رواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبى وهو كما قال ، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه يقول رسول الله (ص): (( ما أطرف صاحب الصور منذ أن خلقه الله ووكله بذلك فهو ينتظر بحذاء العرش ما أطرف ينتظر متى يأمر كأن عينيه كوكبان دريان "
والغلط في الرواية التى لم يقلها النبى(ص)التى لم يقلها النبى(ص)هو ميكال ليس وظيفة سوى انتظار أمر الله بالنفخ وهو ما يخالف أن الملائكة تسبح وتطوف بالعرش أو تحمله وتستغفر للمؤمنين كما قال سبحانه" والْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ "فكيف يكون جالسا منتظرا مليارات المليارات من السنوات بدون أى عمل سوى الانتظار وهو ما يعارض كتاب الله
وقال أيضا:
"يقول الحبيب المصطفى (ص)فى الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه الألبانى بشواهده من حديث أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله (ص): (( كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن ، وَحَنَا جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ ؟ )) فثقل ذلك على أصحاب النبى (ص)وشق عليهم فقالوا : كيف نصنع ؟ فقال (ص): (( قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل )) وفى رواية (( قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا )) "
والغلط في الرواية التى لم يقلها النبى(ص)أن النبى (ص)لا ينعم يوم القيامة ويكون حزينا ويعارض هذا أن النبى (ص) وبقية المؤمنين لا يحزنون يوم القيامة كما قال سبحانه "لا يحزنهم الفزع الأكبر"
وقال أيضا :
بل وقد حدد لنا المصطفى (ص)اليوم الذى يأمر الله فيه إسرافيل بالنفخ فى الصور ، ففى الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى (ص)قال : (( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة )) وفى راوية أخرى (( وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علىّ )) .
فيأمر الله جل وعلا إسرافيل بالنفخ فى يوم جمعة ، متى هو ؟ الله أعلم لأننا قبل ذلك أَصَّلنْا أن القيامة لن تقوم إلا على شرار الخلق إذ أن رب العالمين قد يرسل ريحاً طيبة باردة لتقبض أرواح المؤمنين على ظهر الأرض حتى لو دخل المؤمن فى كهف أو غار فى جبل تدخل هذه الريح لتقبض روحه ولا يبقى فى الأرض إلا شرار الخلق ، وعليهم تقوم الساعة ."
والغلط في الرواية التى لم يقلها النبى(ص) عرض الأعمال على الرسول(ص) وهو ما يعارض أنها تعرض على الله كما قال سبحانه :
" وعرضوا على ربك صفا"
ويأمر الله أن ينفخ النفخة الأولى نفخة الفزع وهذا هو عنصرنا الثانى."
والتعقيب هو أن كتاب الله ليس فيه ملك ينفخ في الصور وإنما هو نداء من المنادى أى دعاء من الله كما قال سبحانه :
"وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ"
وقال :
"ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون"
وتحدث عن نفخة الفزع حيث قال :
ثانياً : نفخة الفزع
قال الله تعالى :
{ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }
اختلف أهل العلم فى من استثنى الله جل جلاله :
قال بعضهم : إنهم الأنبياء ، ومنهم من قال : أنهم الشهداء فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون
ومنهم من قال : هم الملائكة ، ومنهم من قال : بل هم جبريل وإسرافيل ومكائيل وعزرائيل وحملة العرش فقط .
ومنهم من قال : هم حور العين فى جنات رب العالمين .
ومنهم من قال : نبى الله موسى عليه السلام هو المستثنى فى قوله تعالى : { فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } .
واحتجوا على ذلك بحديث صحيح رواه البخارى أنه (ص)قال : (( أنا أول من يفيق بعد النفخة فإذا أنا بموسى آخذ بالعرش فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم الله جل جلاله )) .
لذا فأنا أقول بأن الجزم بمن استثنى الله فى هذه الآية غير دقيق ، فإذا كان معلم البشرية كلها لم يجزم لنبى الله موسى ، إذا كان النبى سكت عن ذلك فلا ينبغى لأهل العلم قاطبة أن يجزموا لمن استثناهم الله فى الآية فعلم الله لا ينال إلا بالخبر الصحيح عن رسول الله (ص)."
والاختلاف في من هم غير المصعوقين لا داعى له فقد بين الله أن هم الملائكة ومنهم حملة العرش كما قال سبحانه :
" ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" ومنهم خزنة الجنة والنار فهما لا تفنيان
وتناول هول تفكك الصلات بين الخلق حيث قال :
"ففزع من فى السموات ومن فى الأرض ..!!
أى تنفك كل صلات الكون وروابطه ، تتزلزل الأرض كالقنديل المعلق فى سقف المسجد وترتج بأهلها رجَّات عنيفة مزلزلة ، ما من أحد يسمع هذه الصيحة إلا وقد رفع لينا - أى رفع صفحة عنقه وأما من أخرى يستمع إلى هذه الصيحة التى قد أفزعت كل حى من أهل السماء ومن أهل الأرض
تصور معى هذه المشاهد التى تخلع القلب لتقف على حجم وكم هذا الفزع الذى لا نسيح له البتة ، فالشمس قد ذهب ضياءها ، والكواكب ما عادت تضئ ، تناثرت هنا وهناك وتمزقت بأمر الله البحار والأنهار ما عادت تحوى بطونها ماء ، فماءها تحول نار أجاج ، الجبال من أرساها جعلها دكاء ، أصبحت الآن قطع متناثرة كالعهن المنفوش .
ولك أن تعيش هذه الأحداث بقلبك وعقلك وكيانك حتى تقف على الهول الذى سينتاب هذه الأرض التى تراها الآن ، تأمل هاتين الآيتين :
{ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا }[ الزلزلة : 1، 2 ].
تصور معى قول النبى (ص): (( من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى العين فليقرأ إذا الشمس كورت وليقرأ إذا السماء انفطرت وليقرأ إذا السماء انشقت )) .
فلنقرأ معاً قول الله تعالى : { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } [ التكوير : 1،14 ]."
والرواية لا تصح عن النبى(ص) فرؤية النبى(ص) لا تستلزم قراءة سورتين فهى حادثة لكل مؤمن حيث يتلاقى المسلمون جميها في الجنة كما قال سبحانه :
" اخوانا على سرر متقابلين"
وتناول تكوير الشمس حيث قال :
"{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } بعد هذه النفخة يحدث انقلاب هائل فى الكون عامة ، فتكوير الشمس هو أن الشمس التى تمدنا الآن بالضوء والدفء والحرارة كل هذا ينسحب ، وتظلم الشمس التى يضرب بضوءها كل ضياء .
قال ابن عباس : أى جمعت ووضعت تحت العرش .
فى صحيح مسلم من حديث أبى ذر أن النبى (ص)نظر يوماً إلى الشمس فقال لأصحابه : (( أتدرون أين تذهب هذه الشمس )) قالوا ، الله ورسوله أعلم ، قال : (( إنها تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا )) .
{ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ } أظلمت وتناثرت وذهب ضياءها { وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } ، الجبال العملاقة الراسية فى الأرض حينذاك يدكها الملك جل جلاله فى الأرض وتتحول إلى قطع صغيرة متناثرة كالعهن المنفوش أى كالصوف المنفوش .
سبحان الله!! تدبر جيداً قول الملك :
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا } . [ طه : 105،111] .
{ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } العشار : هى النوق وهى من أغلى ما يمتلكه العربى فى الجزيرة العربية
إذا سمع الناس وأهل الأرض جميعا نفخة الفزع، فلا ينظر الرجل إلى هذه النوق ، ما عادت تمثل له شئ أنذاك لأنه حدث لهم ما يشغلهم عن زخارف الدنيا .
{ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } : السباع المفترسة إلى جوار الأليفة ما عاد الوديع يخشى المفترس !!{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } : سبحان الله! حتى المياه التى كانت سبباً للحياة يحولها الله إلى حمم ،كتل نارية يعود الماء إلى أصله - الأكسجين والنيتروجين - فيتحول الماء إلى نار مشتعلة متأججة .
{ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } : زوجت أرواح المؤمنين بالحور العين فى جنات رب العالمين ، أو قرنت الأرواح بالأجساد أو قرن الكافرون بالشياطين.
{ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } : وإذا سئل عن قتل الموءودة أى ذنب اقترفته هذه البريئة لتقتل بهذا الظلم والعدوان .
{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } : تنشر الصحف للقراءة
{ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } : أى طويت كطى السجل للكتب ، يطويها الملك بيمينه ، سبحان الله! ولم لا وهو رفعها بلا عمد ..!!
{ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعرَتْ } أى تأججت واشتعلت نيرانها وجاءت تتلمظ وهى تقول هل من مزيد ؟! هل من مزيد ؟!
{ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } : قربت للموحدين ، قربت للمتقين ، قربت للمؤمنين.
{ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } : علم كل واحد حقيقة أقواله وحقيقة أعماله ، سترى كل أعمالك .. سترى كل شئ قدمته من قول أو فعل ، قد سطر عليك { فِى كِتَابٍ عنْدَ رَبِّى لا يَضِلُّ رَبِّى وَلا يَنسَى } .
تدبر جيداً هذه الآيات ..
{ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ }[ الانفطار : 1، 5 ].
{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }[ الانشقاق: 1 -5 ]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }[ الحج : 1 ، 2 ] .
تدبر وتصور جيداً هذه المشاهد لتقف على حجم الهلع العظيم والفزع الذى يحدث يوم زلزال القيامة الكبير الذى لا شبيه له البتة .
{ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِوَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } [ إبراهيم : 42،50 ].
قف مع قول الله جل وعلا : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } أى من فزع وهلع اليوم الموعود ، أفئدتهم خلت من القلوب ، أين القلوب ؟!! خرجت من الصدور ، إلى أين ؟!! إلى الحناجر ... لماذا ؟!! من الفزع !!
{ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ }
الله أكبر ... يخرج القلب من مكانه فى الصدر إلى الحنجرة من شدة الهول والهلع والفزع .
أى فزع هذا ؟!! أى هلع هذا ؟!! قمة الهول !! قمة الفزع !! وهذا تصور قاصر ، لكن لو تدبرت المعانى أعطاك الله جل جلاله قدر صفاءك وإخلاصك وصدقك لتقف على حجم هذه المشاهد المروعة ."
والكلام السابق لا يوجد ارتباطه بينه وبين النفخة
وتناول المدة بين النفختين حيث قال :
"هذه النفخة تمضى فترة من الزمن ... هل تعلمها ؟ .. بالطبع لا
فقد ثبت من حديث أبى هريرة أنه (ص)قال : (( بين النفختين أربعون )) قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوماً ، قال : أبيت ، قالوا : أربعون شهراً ، قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ، قال : أبيت .
ما معنى أبيت ؟ قال أبيت أن أسأل عن ذلك رسول الله (ص) .
فَعِلْم هذه الأربعين عند رب العالمين ، وبعد الأربعين يأمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ فى الصور النفخة الثانية وهذا هو عنصرنا الثالث ."
وهنا نجد التعليم ناقص فالرواية فهم لا يدرون زمن الأربعين يوما أو سنة أو غير هذا وتعليم الرسول (ص) لا يكون إلا كاملا حيث يبلغ الرسالة كما قال سبحانه :
" بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" فالرسول لا يمكن أن يعلم شيئا ناقصا
وتناول نفخة ثالثة لا وجود لها في كتاب الله حيث قال :
"ثالثاً: نفخة الصعق
اختلف أهل العلم فمنهم من قال : ينفخ إسرافيل نفختين اثنتين الأولى نفخة الفزع والثانية الصعق فى آن واحد .
وتبنى هذا الرأى الحافظ ابن حجر والإمام القرطبى فى التذكرة وقال : بأن الصعق ملازم للفزع الأكبر ، أى فزعوا فزعاً ماتوا منه ، ولذا فالحافظ والإمام القرطبى قالا : نفختين اثنتين فى آن واحد .
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن كثير والإمام ابن العربى إلى أن الله يأمر إسرافيل أن ينفخ فى الصور نفخة الفزع الأكبر ونفخة الصعق ونفخة البعث ، وهذا هو الذى أميل إليه لأن صريح القرآن يقول ذلك فلقد فرق الله فى صريح القرآن بين نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة البعث ، إذ يقول { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } . [ النمل : 87 ] .وقال { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } . [ الزمر : 68 ] .
ثم قال بعدها عن نفخة البعث { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ } . [ الزمر : 68 ]
ولقد اختلف أهل العلم فيمن استثناهم الله ، منهم من قال هم : الملائكة ، ومنهم من قال : هم جبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل وحملة العرش فقط ، ومنهم من قال : هم الشهداء ، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ومنهم من قال : هم الحور العين ، ومنهم من قال : إن نبى الله موسى عليه السلام هو المستثنى فى قوله تعالى : فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } ، واحتجوا على ذلك بحديث صحيح رواه البخارى أنه (ص)قال : (( أنا أول من يفيق بعد النفخة فإذا أنا بموسى آخذ بالعرش فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم الله جل وعلا )) .
ولذا فأنا أقول بأن الجزم بمن استثنى الله فى هذه الآية غير دقيق ، إذا كان المصطفى لم يجزم لنبى الله موسى يقول فلا أدرى أكان موسى ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم الله جل وعلا
فإذا كان المصطفى لم يجزم لنبى الله موسى فلا ينبغى لأحد بعد المصطفى من أهل العلم قاطبة أن يجزم لمن استثناهم الله فى الآية ، فعلم الله لا ينال إلا بالخبر الصحيح عن رسول الله (ص).
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } صعق أى مات كل حى وبقى الحى الذى لا يموت .
ورد فى حديث الصور الطويل الذى رواه البيهقى والطبرانى والطبرى وابن أبى حاتم وغيرهم ، وللأمانة العلمية التى اتفقنا عليها وأَصَّلناه من قبل فإن الحديث بطوله ضعيف ، ومدار ضعفه على إسماعيل بن رافع ، وهو ضعيف كما قال علماء الجرح والتعديل فى هذا الحديث : (( يأتى ملك الموت للملك فيقول المَلِك لِمَلَك الموت يا ملك الموت من بقى فيقول : بقى جبريل وإسرافيل وميكائيل وحملة العرش وبقيت أنا ، فيقول الملك ليمت جبريل - لام الأمر - ليمت إسرافيل ليمت حملة العرش ، ويبقى ملك الموت فيأتى للملك فيقول له الملك : من بقى يا ملك الموت ؟ فيقول : بقيت أنا ، فيقول الملك : أنت خلق من خلقى وخلقتك لما ترى فمت يا ملك الموت فيموت ويبقى الحق الذى لا يموت ))
سبحان ذى الملك والملكوت ، سبحان ذى العزة والجبروت ، سبحان الذى كتب الموت على جميع الخلائق وهو الحى الباقى الذى لا يموت .
ماتت الملائكة ... مات جبريل ... مات إسرافيل ... مات ميكائيل ... مات ملك الموت ... مات حملة العرش
مات الملوك .. مات الزعماء .. مات الرؤساء .. مات الوزراء ... مات الأغنياء .. مات الفقراء .. مات الصالحون .. مات الطالحون ... مات ذوو الهمم والغايات النبيلة .. مات الجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن .. الكل يموت { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26 - 27 ] .
ويبقى الملك فيطوى السموات والأرض بيمينه ويهتف بصوته جل جلاله ويقول أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يقول جل جلاله لمن الملك اليوم ؟! لمن الملك اليوم ؟! لمن الملك اليوم ؟! فلا يجيبه أحد فيجيب على ذاته لله الواحد القهار .
يقول جل جلاله : { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }[ غافر : 15-16 ].
أين الظالمون ؟! أين الطالحون ؟! أين الصالحون ؟! أين الفراعنة ؟! أين القياصرة ؟! أين الأكاسرة ؟! أين فرعون ؟! أين هامان ؟! أين قارون ؟!
أين من اغتروا بالكراسى الزائلة ؟! أين من فتنوا بالمناصب الفانية ؟!
أين من اغتروا بالأموال والعمارات ؟! أين من اغتروا بالسيارات والدولارات ؟!
أين الظالمون ؟!! أين التابعون لهم فى الغى ؟
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم ؟! ... وذكرهم فى الورى ظلم وطغيان
هل أبقى الموت ذا عزٍ لعزته ؟! ... أو هل نجا منه بالسلطان إنسان؟
لا والذى خلق الأكوان من عدم ... الكل يفنى فلا إنس ولا جان
قال جل وعلا : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ } ، وقال : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ }[ القصص : 88 ] .
مهما عشت فأنت راحل ، مهما أحببت فأنت مفارق ، مهما جمعت فأنت تارك .
فيا أخى الكريم : يا من أجلسك الله على الكرسى ، يا من هيأ الله لك المنصب .. ورب الكعبة - أبذلها بكل حب وإخلاص - إن الكرسى زائل وإن المنصب فان ، وإن الحى جل جلاله هو الباقى ، واعلم بأنك راحل .. فإياك أن تغتر بمنصبك ، وإياك أن تفتن بكرسيك فلا تستغل الكرسى إلا فى مرضاة الله وطاعته، واعلم بأن الكرسى إما أن يقربك إلى الله ثم الجنة بإذن الله ، وإما أن يبعدك عن الله ويقذفك فى النار والعياذ بالله ، فاتخذ الكرسى وسيلة إلى جنة العزيز الغفار انظر أيها الحبيب نظرة التمحيص إلى من سبقك لو دام الكرسى لغيرك والله ما وصل إليك .
أيا عبدُ كَمْ يراك الله عاصياً ... حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا
أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ... ويوما عبوساً تشيب فيه النواصِيَا
لو أن المرء لم يلبس ثياب التقى ... تجرد عُرْياناً ولو كان كاسيا
ولو أن الدنيا تدوم لأهلها ... لكان رسول الله حيا وباقيا
ولكنها تفنى ويفنى نعيمها ... وتبقى الذنوب كما هى
وتدبر قول القائل :
يا نفس قد أزف الرحيل ... وأظلك الخَطْبُ الجليل
فتأهبى يا نفس لا يلعب ... بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل ينسى ... الخليل به الخليل
وليركبن عليك فيه من ... الثرى حمل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعا فلا ... يبقى العزيز ولا الذليل
إنها الحقيقة الكبرى التى تعلن على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع ، وعقل كل مفكر وأديب ، أنه لا بقاء إلا للحى الذى لا يموت ، إنها الحقيقة التى تصبغ البشرية كلها بصبغة العبودية ، والذل لقهار السموات والأرض إنها الحقيقة التى تسربل بها طوعا وكرها الصالحون والطالحون ، وشرب كأسها الأنبياء والمرسلون إنها الحقيقة الكبرى فى هذا الوجود بعد كلمة الإخلاص ، كلمة التوحيد ، كلمة لا إله إلا الله .
فيا أيها الأحبة الكرام :
إن الحياة على ظهر هذه الأرض موقوتة محدودة بأجل ثم تأتى نهايتها حتما ، فيموت الصالحون والطالحون ، يموت المجاهدون والقاعدون ، يموت ذو الاهتمامات العالية والغايات النبيلة ويموت التافهون الحريصون على الدنيا بأى ثمن .
قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ }[ الرحمن : 26،27 ] ."
وكل السابق عن النفخة الثالثة يكذب كتاب الله في كونها نفختين كما قال سبحانه :
"ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون"