البلادة
البليد كلمة تطلق الإنسان الذى لا يستجيب للنصائح التى تقال له ممن هو أكبر منه أو من معلميه ووالديه
البليد فى عرفنا التعليمى هو :
الإنسان الذى لا يستجيب لنصائح وتوجيهات المعلم
ومن ثم يطلقون عليه ألفاظ مثل :
البلط الفظ سميك الجلد عديم الإحساس
فهذا الطفل يتحجج بأى حجة للإنصراف عن القيام بواجباته وهى :
الأعمال التى يطلبها الإنسان منه
ومن ثم قيل المثل :
حجة البليد مسح التخته
فالطفل للتهرب من التعلم يقوم من نفسه ودون طلب من المعلم بتنظيف المقعد الذى يجلس عليه أو يقوم بمسح الكتابة على السبورة أو يقوم بطلب الإذن للخروج من الفصل لدورة المياه
بالطبع المعلمون فى مثل تلك الحالات يلجئون إلى أساليب متنوعة منها :
الطبطبة والحنان فى أول الأمر حيث يأخذ المعلم الطفل فى حضنه كما يقال ويضحك معه ويحاول مصاحبته ويقوم بمساعدته فى انجاز المطلوب منه
التهديد بابلاغ ولى الأمر بعدم القيام بالمطلوب منه
إبلاغ ولى الأمر بالبلادة وبالطبع الكثير من أولياء الأمر لا يستجيبون لنداءات المعلم المتكررة
ضرب الطفل فى نهاية المطاف كما يقول المثل :
أخر الدواء الكى
فربما ينجح الألم فيما لم ينجح فيها الحنان والوعظ والتهديد
بالطبع ما نطلق عليه التلميذ البليد قد لا يكون بليدا على الإطلاق وإنما تلميذ ممتاز ولكنه يحب أمر ما أكثر من التعليم
من خلال ما مررت به من سنوات التعليم قابلتنى العديد من الحالات من أمثال ما نطلق عليه التلميذ البليد
فى حالة من تلك الحالات يأست بعد سنتين من أحد التلاميذ فقد كنت أضطر إلى أن أدرس الفصل ببعض أساليب الصف الأول من خلال تعليم القراءة من خلال كتابة كلمات الدرس ونطق كل منها من خمس إلى عشر مرات حتى يحفظ هو وعدد صغير مثله أشكال الكلمات فينطقونها وفى كل حصة قراءة كنت أقضى عشر دقائق بسببهم فى تلك العملية رغم أنهم منهجهم كان الصفين الخامس والسادس وفى النهاية استجاب البعض بينما هذا التلميذ لم ينجح معه أى أسلوب حنان أو تهديد أو ألم فأخذته مرة إلى جانبى على مقعد طويل وقلت له :
أحسن شىء لك إنك تتعلم مهنة تحب تتعلم إيه فأجابنى ميكانيكى فقلت له :
تعرف أنك ستكون أحسن من هؤلاء الزملاء لو ذهبت للورشة وتعلمت ستدخر نقود وستبنى بيت وستتزوج قبل أن يكمل هؤلاء التعليم فى الكليات
ويا سبحان الله وكأن الولد كان يريد تلك الكلمات وبالفعل قابلنى بعد سنوات وسلم على وقال لى :
أنت قلت لى أحسن نصيحة فى الدنيا
بالفعل أصبح معلم ميكانيكى وبنى بيتا وتزوج قبل أن يتخرج زملائه من الكليات
فى حالة أخرى كانت تلميذة للأسف لم أدرس لها ولكنها كانت مشهورة فى المدرسة
طوال ست سنوات لم ينتبه أحد من المعلمين ولا حتى أنا من خلال تصحيح مادة اللغة العربية إلى أن هذه التلميذة تجيد الكتابة ولكن بطريقة عكسية فهى لا تكتب من اليمين إلى اليسار وإنما تكتب من اليسار إلى اليمين
كلنا طوال الست سنوات كنا نعتقد فى بلادتها وأنها لا تجيد سوى ما تطلبه منا وهو :
أنها تمسك المقشة وتقوم بكنس الطرقة أو الفصل أو تقوم بغسل الأطباق أو الأكواب على الحوض أو غسل الخضار أو الخياطة فى مادة الاقتصاد المنزلى
فى السنة الأخيرة لها بالمدرسة فى الصف السادس دخلت فصلها فى أحد حصص الاحتياطى وعندما طالبونى بالنزول لعمل شىء فى المكتب قلت من يكتب أسماء المشاغبين على السبورة فرفعت يدها مع من رفعها فقلت لها :
اخرجى واكتبى الأسماء صحيحة لو كتبتها صحيحة سأعطيك جائزة
خرجت من الفصل وخرجت هى إلى السبورة وعندما عدت بعد دقائق وجدت أسماء المشاغبين على السبورة صحيحة
بصراحة لم أصدق الأمر فقلت لها ضاحكا وهذا البنت التى تضحك اكتبى اسمها فقامت على الفور بكتابة الاسم وطلبت منها كتابة عدة كلمات فكتبتها
بصراحة كنت سعيدا وفرحا بها وقلت لها:
لما تنزلى فسحة ابقى تعالى الوحدة المنتجة خذى الجايزة
ثم قعدت معها على المقعد قائلا لها :
لماذا تكتبين خطأ منذ سنوات ؟
فقالت :
أنا باستعبط عليكم
قالتها بصراحة وبدون مواربة
للأٍسف الشديد لم تكمل تعليمها لأنها رسبت بسبب الكتابة العكسية لأنه لا يوجد قاعدة فى التصحيح الحالى تقول بتصحيح الكلام العربى من اليسار إلى اليمين على أنه صحيح وإنما تم ارسابها مع أن الاجابات كان الكثير منها صحيح عندما تقرأ بالمرآة
ومن ثم يجب على المعلمين أن يقعدوا مع من يظنون أنهم تلاميذ بلداء ويعرفون منهم ما يحبون فهذا هو المدخل لعلاج ما نظن أنه بلادة لأنه ربما يكون تفوق مجهول
فى أحد الدراسات الحديثة اتضح ان ليوناردو دافنشى المخترع والرسام وغير هذا كان يكتب مذاكرته وأشيائه السرية بطريقة عكسية حيث كان يكتب من اليمين إلى اليسار بدلا من اليسار إلى اليمين كما هى طريقة الكتابة اللاتينية أو الايطالية فى التسمية الحديثة
كما يجب أن تتغير طريقة تقويم هؤلاء لأنها فى النهاية ستؤدى إلى رسوبهم فرغم كل هذا الحالات التى يسمونها دمج إلا أن طريقة التقويم واحدة وهى :
كتابة الاجابات سواء بكتابة كلمات أو شد خطوط أو عمل علامات أو ملء دوائر بالرصاص
فى بعض الحالات يجب أن يتحول التقويم من كتابى إلى سماعى وحتى لو لم يكن المسمع كفيف أو أعمى أو ضعيف النظر
فكثير من الحالات مثل الفتاة التى حكينا عنها كانت تقوم بالاجابة شفويا حتى ولو كان الأمر حسابيا ومن ثم لا يجب اعتبار مثل تلك الحالات عملية بلادة وإلا فإننا نجنى على أمثال هؤلاء ونجعل منهم أضحوكة الأخرين
ومن هنا كانت الكلمة المعتمدة على العدل وهى :
"عاملوا الناس على قدر عقولهم "
ومن ثم نجد أناس أميون كتابيا يقوم بعمليات حسابية معقدة ويخرج الناتج صحيح
وهذا النظام يعتمد على أن حكم الله هو العدل كما قال سبحانه :
" وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا "
وأما البلادة وهى الفظاظة فهى سوء الأخلاق وهى التعامل مع الناس بالضرب والسباب وأكل الحقوق وهو عكس المطلوب من المسلم وهو :
اللين
ومن قال سبحانه لرسوله(ص):
" لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك "