خواطر حول مقال الرجل الذي عاش مرتين
الكاتب هو اياد العطار وهو يدور حول إنسان فشل في حياته في كل شىء وبعد موته تحولت جثته إلى مصدر كسب لمن استعملها في امور كالسيرك أو التمثيل أو غير هذا وكل اغتنى من تلك الجثة حتى تم دفنها بعد 65 سنة من نقل الناس لها من مكان لمكان ليربحوا من عرضها
حكى الكاتب الحكاية حيث قال :
"من المعلوم بأن رابطة الإنسان بعالم الأحياء تنقطع بموته , ينتهي كل شيء بالنسبة إليه , جسديا على الأقل , يغيبه التراب ويصبح نسيا منسيا .. لكن هذه المعلومة البديهية لا تنطبق تماما على بطل قصتنا , فالرجل أستمر بالعيش بين الأحياء حتى بعد مماته , فتنقل بين مدن عدة , وعاصر أحداثا كثر , وتعرف على وجوه جدد , وكسب أمولا طائلة , لا بل حتى شارك في بعض الأفلام والمسلسلات التلفزيونية!!.
هراء .. كيف لميت أن يفعل كل هذا؟! ..
ثق عزيزي القارئ بأن بطلنا فعل كل ذلك .. وإليك القصة كاملة موثقة بالصور ..
ألمر مكوردي ( ELMER MCCURDY ) كان رجلا منحوسا متعوسا من ولادته عام 1880 , كان معروفا طيلة حياته بإدمانه الخمر وبفشله الذريع في كل مهنة أنخرط فيها .. فشل كطالب .. فشل كجندي .. فشل كحرفي .. وفشل كزوج .. أخيرا .. بعد أن طفح كيله , قرر صاحبنا أن يجرب مهنة جديدة , مهنة لا تحتاج إلى رأسمال ولا إلى خبرة وذكاء .. قرر أن يصبح لصا وقاطع طريق , جمع حوله مجموعة من المخمورين على شاكلته وأسس بهم عصابة صغيرة لسرقة القطارات.
عصابة مكوردي جمعت بين ميزتين .. الغباء والنحس .. حتى أن من يقرأ عن سرقات هذه العصابة الطريفة قد يظن لوهلة أولى بأنه يقرأ عن أحداث فلم كوميدي ..
نجحوا بالسطو على احد القطارات ..
في عام 1910 , وبعد عدة محاولات فاشلة , نجحت العصابة أخيرا في السطو على أحد القطارات التجارية , لكنه لم يكن نجاحا كاملا , فالعصابة فشلت بالعثور على مفتاح الخزنة الحديدية الكبيرة التي كانت تحتل مساحة قاطرة كاملة , ولهذا قرر جهابذة عصابتنا أن ينسفوا الخزنة بأصابع الديناميت , وبالفعل نجحوا بنسفها , وطاروا فرحا حين وجدوا بداخلها مبلغ أربعة آلاف دولار , وهو مبلغ ضخم جدا بقياس تلك الأيام , لكن لسوء حضهم ونحسهم فأن المبلغ كله كان عبارة عن عملات معدنية صغيرة , وزيادة في النحس فأن نصف تلك العملات كانت قد ذابت وانصهرت بسبب كمية الديناميت الكبيرة التي كان مكوردي قد وضعها عند نسفه للخزنة , أما النصف الآخر فكان يزن عدة أطنان , وتطلب نقله شاحنة كبيرة , وهو ما لم يكن متاحا لمكوردي ورفاقه الأذكياء , ولهذا اكتفوا بأخذ كمية قليلة من تلك العملات وتركوا الباقي وراء ظهورهم ..
سرقة العصابة الأولى أصبحت محل تندر الناس والصحافة , ولهذا سرعان ما أنفرط عقد العصابة وبقي مكوردي وحيدا , فلا أحد كان على استعداد لمرافقة رئيس عصابة بغبائه ونحسه ..
لكن بطل قصتنا لم ييأس ولم يتخلى عن حلمه في أن يصبح قاطع طريق يشار له بالبنان. وفي عام 1911 عثر أخيرا على شريك جديد ورفيق صنديد لا يقل عنه حماقة , ونجح الأحمقان بالسطو على قطار للمسافرين , لكن نشوة الانتصار سرعان ما تبخرت بعد أن اكتشفا بأن القطار لا يحمل سوى مبلغ 47 دولار .. ومرة أخرى أصبح مكوردي محل تندر الناس في الولاية , حتى أن بعض الصحف وصفت سرقته الأخيرة بأنها أتفه عملية سطو مسلح على قطار في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية
لكن بالرغم من تفاهة سرقات مكوردي , فأن حكومة ولاية أوكلاهوما رصدت مبلغ 2000 دولار للقبض عليه.
وفي أحد الأيام من شتاء عام 1911 تمكن أربعة رجال القانون من محاصرته داخل إسطبل إحدى المزارع الرجال الأربعة لم يكونوا ينوون قتل مكوردي , كانوا يريدون إلقاء القبض عليه حيا وإيداعه السجن من اجل قبض الجائزة كاملة , لكن مكودري الذي كان مخمورا كالعادة , كان مصمما على المقاومة وعدم تسليم نفسه , فأمطر الرجال بوابل من الرصاص من مسدسه , لكنه فشل في إصابة أي منهم , وبالمقابل رد عليه الرجال بعدة رصاصات لتخويفه , لكن نحس مكوردي قاد إحدى تلك الرصاصات لتستقر بصدره وترديه قتيلا في الحال...
الرجال الأربعة أخذوا جثة مكوردي إلى مدينة باوهوسكا بولاية أوكلاهوما , وبعد أن حصلوا على جائزتهم المالية قاموا بإعطاء الجثة لصاحب احد دور الجنائز بالمدينة.
ولأن أيا من أقارب أو معارف مكوردي لم يظهر للمطالبة بالجثة ولدفع رسوم الجنازة والدفن , فقد احتفظ صاحب دار الجنائز بالجثة لنفسه , قام بتحنيطها بطريقة متقنة بواسطة الزرنيخ ثم عرضها للجمهور ووضع تحتها لافتة تقول: " اللص الذي لم يستسلم أبدا! " ..
سرعان ما نالت جثة مكوردي شهرة واسعة , فأصطف الناس لرؤيتها مقابل نيكل واحد (خمسة سنتات) , كانوا يدخلون لرؤية الجثة ثم يضعون نيكلا معدنيا في فم مكوردي قبل أن يخرجوا! , وكان صاحب دار الجنائز يستخرج النيكلات كلما امتلأ فم مكوردي بالمال , ويقال بأنه جمع ثروة طائلة بهذه الطريقة.
شهرة المومياء والمال الذي اغدقته على صاحب دار الجنائز أثارت طمع الكثيرين , فظهر فجأة أحد الأشخاص عام 1917 مطالبا بالجثة , زعم بأنه شقيق مكوردي وبأنه جاء لأخذ جثة شقيقه إلى مسقط رأسه لغرض دفنها في مقبرة العائلة.
كل ذلك كان كذبا بالطبع , فالرجل لم يكن في الحقيقة سوى مدير سيرك احتال على صاحب دار الجنائز فأخذ الجثة منه وبدأ يعرضها مقابل المال في سيركه بعد أن وضع تحتها يافطة كبيرة تزعم بأنها تعود لأشهر وأشجع خارج عن القانون في تاريخ أوكلاهوما.
ثم مرت الأعوام بسرعة , فمات مدير السيرك , وبموته ابتدأت الجثة رحلة طويلة تنقلت خلالها بين العديد من عروض السيرك والمهرجانات , وعرضت لفترة في متحف للجريمة , واستعملت مرارا لتخويف الناس داخل نفق الرعب في مدن الألعاب الترفيهية , وعرضت أيضا في أحد متاحف الشمع في أربعينيات القرن المنصرم.
ولم تخلو تلك الرحلة الطويلة من غرابة , فكما أسلفنا كان الناس يدفعون ثمن مشاهدتهم للجثة بدس المال في فمها , ولفترة من الزمن استعملوا فم الجثة لقطع بطاقات الدخول إلى احد المتاحف. وظهرت الجثة في خلفية أحد الأفلام السينمائية عام 1933 , واستعملت مرة كضمان للحصول على قرض مقداره 500 دولار!.
أطرف ما في الأمر هو أن جثة مكوردي جمعت من المال خلال السنوات الطويلة التي جالت فيها أرجاء الولايات المتحدة ما يفوق بأضعاف مضاعفة جميع ما كسبه مكوردي هو على قيد الحياة.
بمرور السنوات لم يعد أحد يتذكر بأنها جثة حقيقية وراحوا يستعملوها في عروض الرعب كدمية شمعية .. طبعا الجثة تحولت إلى مومياء بفعل الزمن , وبحلول عقد الستينات , ونتيجة لتنقل الجثة المستمر من مكان إلى آخر ومن يد شخص لآخر , فقد نسي الجميع بأنها جثة حقيقية! .. وجرى بيعها عام 1971 لأحد معارض الشمع كدمية (مانيكان) , وعلى هذا الأساس استأجرها كادر مسلسل تلفزيوني شهير يدعى (رجل الستة ملايين دولار) للظهور في إحدى حلقاته عام 1976.
وخلال تصوير المسلسل تسبب أحد العمال من دون قصد بكسر ذراع الدمية أثناء إنزالها من حبل مشنقة كانت مربوطة إليه خلال التصوير , ولشدة دهشة الجميع فقد تدلت عظمة طويلة من داخل ذراع الدمية , وأصيب الجميع بالذهول عندما اكتشفوا بأن ما خيل أليهم بأنه دمية من الشمع هو في الحقيقة مومياء بشرية حقيقية.
المومياء نقلت إلى أحد المراكز الطبية , وهناك عثر الأطباء أثناء تفحصهم للمومياء على خمسة سنتات فضية تعود لعام 1926 وعلى بطاقة دخول أحد المتاحف محشورة داخل فم المومياء! .. كما عثروا على الرصاصة التي قتلت مكوردي عام 1911 وظلت قابعة في صدره لعشرات السنين.
أخيرا .. وبعد رحلة طويلة استغرقت خمسة وستون عاما , انتهى المطاف بجثة ألمر مكوردي إلى مقبرة مدينة أوكلاهوما لتدفن هناك على حساب حكومة الولاية , ومن أجل ضمان أن لا يعبث أحد بالجثة مجددا فقد جرى دفنها تحت مترين مكعبين من الخرسانة المسلحة.
ختاما .. عليك أن تتذكر قصة ألمر مكوردي وأنت تدخل أنفاق وبيوت الرعب في مدن الألعاب .. فمن يدري .. ربما بعض تلك الدمى المخيفة التي تظهر عليك فجأة لترعبك .. ربما تكون حقا جثة بشرية منسية .."