مناقشة مقال نهاية أسطورة
الكاتب هو قصي النعيمي والمقال هو حكايات عن هرقل وقد ابتدأ بتخيل عن مقابلته لهرقب حيث قال :
"أبحرت بي سفن الفضول إلى ذاك العالم المنسي، بعيدا حيث انطلقت أقوال الأوائل نجوما في فلك المعارف، أزحت أكواماً من القرون المتراكمة من على تلكم الأطلال المهجورة، واستخرجت من أعطاف أثوابها البالية أخبارا عن أمجادها المأثورة.
وهناك لحظت أنظاري تمثالا قد خلب البصر بهاء صورته، وجلالة هيئته، اقتربت منه رويدا رويدا وقد ملئني شموخه العتي من عبق الماضي القديم. سائلته عن اسمه، فأجابني نقشٌ من أسفله ناطقا عن حاله: أنا بطل الإغريق، ودرة تاريخها العريق، أنا الذي أخضعت بقدرتي وحش كربيروس، وأوقفتُ بيديَّ نَهْرَيْ ألفيوس و بينيوس، أنا هرقل. عم، كان ذاك تمثال أيقونة الشجاعة والإقدام، وبمن جرت بسيرته الألسن حثيثة والأقلام، لم تمل من ذكر تفاصيل تلك السيرة، حتى حارت في خلود كلماتها القرون والأعوام ولكن غير بعيدٍ عن ذاك الزهو النرجسي، حيث تكمن كواليس الحقائق المظلمة"
وذكر الكاتب أنه سيحكى نهاية هرقل حيث قال :
"شَهِدْتُ آخر قصة للبطل هرقل، وعايَنْتُ خاتمة أسطورة العالم القديم وها أنا ذا أسردها لكم:
1 - البطل الغاضب:
كان في طبيعته شديد البطش
لطالما كانت سَوْراتُ الغضب المفاجئة ملازمة للبطل الإغريقي هرقل، الذي كان في طبيعته شديد البطش إذا حرك الغضب جوارحه المفتولة بالعضلات، و كيف لا وهو ابن جوبيتر ملك السماء والبرق، بل و ملك جميع آلهة الرومان وراعي العدالة على الأرض (كما زعموا). وفي إحدى سورات غضبه تلك قتل معلمه لينوس، فتم نفيه بعيدا إلى الريف. وحتى بعد أن تزوج و أصبح بطلاً شعبيا يذكره كل الإغريق بالتبجيل والعرفان، فقد فاجئ من حوله بقتل أبنائه واثنين من أبناء أخيه إفكليس، إلا أن الأسطورة تقول أن جونو (إحدى آلهة الإغريق) سلطت عليه الجنون بعد أن حسدت مآثره الخالدة.
سيطر الندم على فؤاد هرقل، وانتابه من الحزن ما أنساه لذة الحياة ومتعها، فهام على وجهه في الأرض يبحث عن الخلاص، حتى اهتدى إلى طريقة في تأديب ذاته وتهذيبها، فكانت بداية فصول قصته المشهورة، حيث التحق بخدمة ابن عمه الملك، والذي كان قد استغله في عمل اثني عشر مهمة مستحيلة، بداية بالفتك بأسد "نيميا" الذي نفث الخوف في عروق بني البشر بشراسته، إلى إخضاع حارس العالم السفلي، "كربيروس"، ذاك الكلب المشهور برؤوسه الثلاثة.
امعانا في اذلاله .. لم تكن أومفالي تختار له إلاّ أعمال النساء كالغزل والحياكة ولكن كل تلك المهام التي سعى بها هرقل إلى تأديب ذاته لم تمنعه من قتل رفيقه العزيز افيتوس، لكي يعود مرة أخرى مجبراً نفسه على الخدمة للتكفير عن ذنبه أما مخدومه الجديد فقد كان ملكة تدعى أومفالي. وإمعانا في إذلال هرقل، فقد قامت أومفالي بإلباسه أزياء النساء، بينما ارتدت هي جلد أسدٍ لتبدأ في أوامرها ونواهيها له، ومن العجيب أنها على عكس مخدومه السابق الذي لم يختر إلا المهام التي تتطلب الجرأة والحزم، فلم تكن أومفالي تختار له إلاّ أعمالا كالغزل والنسيج لعل أحدنا يظن أنها تريد بذلك أن تكسر في قلبه شوكة الزهو والخيلاء التي تملكته، ولكنني أرى أنها لم تُرِدْ إلا حمله على الصبر وضبط النفس ومجاهدتها على المكاره، و هي صفات أظن أن بطلنا كان مفتقرا إليها خصوصا حال غضبه المفاجئ.
2 - ديانيرا و بداية النهاية:
أنفق هرقل النادم قرابة الثلاثة أعوامٍ في خدمة الملكة أومفالي يُعالج قسوة فؤاده، ويطفئ نيران ندمه بدموع الحسرة المنهملة في جوف الليالي. وما أن انقضت الثلاثة أعوام حتى استأنف حياته القديمة متناسيا مرارة ماضٍ أدبر دون أًوْبة
تزوج هرقل ديانيرا بنت أوينيوس، وعاشا على خير ما يعيش عليه الأزواج، فكأن الحياة ابتسمت من جديد للبطل الإغريقي، وأسفرت عن إشراق مستقبلٍ سعيد.
و في أحد الأيام طاب لهرقل أن يعود مع زوجه إلى وطنه، فانطلقا عبر الغابات مع أفواج نسائم الصباح، وهما يُنْشِدان مع حفيف الباسقات لحن البهجة والأفراح، وما طال بهما المسير، حتى اعترض السبيلَ نهرُ إيفينوس الغزير، وهنا توقف هرقل ينشُدُ المحيص والمفر، حتى تجلى لهما نيسوس القنطور، فأسفر وجهه عن بالغ الغبطة و الحبور.
نيسيوس يحاول خطف ديانيرا كان نيسوس ابناً لملك أثينا بانديون الثاني، وكانت أكثر ما يميزه هو بنيته، فنصفه السفلي كان شبيها بجسد الخيول، مما أتاح له القدرة على التنقل عبر الأنهار بكل سهولة ويسر. طلب هرقل من نيسوس أن يحمل زوجه ديانيرا على ظهره إلى الضفة الأخرى.
ألقى هرقل بقوسه وكنانته المملوءة على الضفة الأخرى، ولم يلبث أن تبعهما عَوْما حتى بلغ مأمنه. هنا اسْتَقَلَّتْ ديانيرا مَتْن نيسوس، ووقف هرقل يرقب بأنظاره قدومهما. ولكن نيسوس ما كاد يبلغ منتصف طريقه حتى التفت نحو ديانيرا، ليجد من الحسن ما أبهره، ومن الجمال ما فتن قلبه بل وأسكره. وهنا انحرف نيسوس نحو كهفه في أعالي الجبال، ومع تسارع وتيرة خطواته الحثيثة، أدركت الزوجة مطامعه ورغباته الخبيثة، فانطلقت في العويل و الصراخ مستنجدةً بهرقل.
سهم هرقل وقد اصاب نسيوس في مقتل
ما أن أدرك هرقل ما يحدث، حتى انقلب إلى كنانته فنثر سهامها، وأدنى قوسه مصوِّباً إياه نحو نيسوس الخائن. وانطلق السهم الثائر ليخترق قلب نيسوس فسقط على الأرض من فوره، وما أن علم أنه ملاقٍ شبح الموت لا محالة، آثر أن تكون آخر كلماته سببا في راحة باله ما أن يغادر الدنيا نحو العالم السفلي. همس الصريع باسم ديانيرا، وباح لها بسر دمائه التي تكتنز من الخصائص ما عجز أرباب السحر عن تحقيقه في شيء من عقاقيرهم وعلاجاتهم، أخبرها بقدرة دمه على حفظ حب الزوج لزوجته وأمرها بالاحتفاظ بشيء منه لعله ينفعها يوما من الأيام
صدقت ديانيرا كلماته التي انسابت مع آخر أنفاسه، و قالت في خَلَدِهَا: وما الذي عساه أن يقول إلا الصدق في حالٍ كحالته هذه؟!، وأي شيء يضرني إن احتفظت بقليل من دمه؟.
و لما بلغ هرقل زوجته، بادر إلى الاطمئنان عليها ثم حملها معه ليكملا مسيرهما، إلا أنها لم تعلمه بما أخبرها إياه نيسوس، وآثرت كتمان شأن الدماء.
3 - نار الغيرة:
هرقل بطل الاغريق المقدام يصرع الاسد
استمرت أيام هرقل مع ديانيرا على أفضل ما يرام، دون أن تعكر صفو حياتهما، نوائب الزمان أو شوائب الأيام،. ولكن دوام الحال من المحال، فهاهي بسمات الرضا على وجهيهما تنحسر عن صراع بين الحب والغيرة. فبينما امتلأ البطل الإغريقي إعجابا بالحسناء "أيولي"، انقلب حال الزوجة المسكينة من حال الغبطة والسرور، إلى حال الضجر والغضب العارِمَيْنِ.
راحت الزوجة تبحث هنا و هناك عن وسيلة لاقتلاع براعم الحب من فؤاد زوجها المسلوب، وإنقاذه من خيانة أخرى، لربما حَلَّتْ عُرَى علاقتهما للأبد. وهنا في غمرات خوفها وترقبها، تذكرت كلمات نيسوس، فأسرعت لاهثة نحو دمائه التي كانت قد أخفتها عن هرقل في قارورة صغيرة.
الغيرة اكلت قلب ديانيرا بسبب خيانة زوجها
كان هرقل عائدا من إحدى معاركه، وقد تَحَلَّىَ بحُلَلِ الظَّفَرِ، وحمل معه من الكنوز والغنائم ما يُرضي به آلهته. وكان ليكون أكثر من ظفر بالنسبة ديانيرا، قد عَمَدَتْ إلى رداءٍ أبيض فمزجته مع دماء نيسوس وأقبلت به إلى هرقل كالهدية التي تحملها أي زوجة لزوجها العائد من السفر إظهارا للبشرى والفرحة، فأسرع هرقل إلى ارتدائه، ولم يطل الوقت حتى اخترم جسده ألم فظيع، وظهر عليه كل عَرَضٍ مريع. والتصق الثوب بجلد هرقل و راح يذيب لحمه شيئا فشيئا.
هرقل يخر صريع الثوب المسموم بدم نيسيوس:
هنا أدرك هرقل أنه على شفير الهلاك، فأمر بأن يُحمل إلى قمة جبل أوريتا، حيث تم إعداد محرقة جنائزية تليق ببطل الإغريق والأرض قاطبة.
أسقط هرقل بجسده المتهالك على كومة الخشب و تَدَثَّرَ جلد الأسد الذي لطالما كان ثوبه تقدم "فيلوكتيت" الذي كان هرقل قد أعطاه قوسه وسهامه، نحو المحرقة وأشعل فيها النيران.
هذه كانت نهاية هرقل، ولكنها كانت كذلك فقط لأهل الأرض، أما الجزء الذي اكتسبه من أبيه ملك السماء فلا زال يعيش في الشواطئ السماوية مع زوجته الجديدة "هيبي" ملكة الصبا.
لم تحتمل ديانيرا نبأ ما حل بزوجها هرقل، فآثرت الموت منتحرة دون العيش في حياة يفوح منها نتن الخيانة و القتل و الغدر"
هذه الحكاية هى من حكايات الأساطير التى لا نفع منها فلا وجود لأرباب وآلهة غير الله كما قال :
" لا إله إلا الله "
ويبدو أن الوثنيين كانوا يعتبرون ملوكهم وأمرائهم آلهة بحكايات الكهنة التى كان الغرض منها تشجيعهم على ارتكاب الموبقات ليكونوا أبطالا وليرتقوا كما ارتقى السابقون إلى مراتب الأرباب المزعومة