خواطر حول كتاب الإباضية
الكاتب هو عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف والكتاب هو نقد من صاحب مذهب لمذهب أخر وتناول سبب حديثه عن الإباضية وهو كونها خطر على الدين حيث قال :
1- لماذا الإباضية ؟
لعل القارئ يقول لماذا الحديث عن الإباضية ؟ وهي فرقة ذات أقلية مبعثرة في بلاد المسلمين كعمان وشمال أفريقيا وزنجبار، كما أنها أقل خطرا وشرا من الفرق الأخرى كطوائف الباطنية والرافضة ونحوهم. فأقول ابتداء : لا شك أن الإباضية شرذمة قليلون. وعم دون فرق الباطنية ونحوها شرا وخطرا وانحرافا، لكن الذي دفعني إلى كتابة هذه المقالة الموجزة عن تلك الفرقة هو ما نلمسه في الآونة الأخيرة من نشاط هذه الفرقة، والسعي من أبنائها في طبع كتب الإباضية، وإخراجها وتحقيقها، ثم توزيعها ونشرها وأمر آخر جعلني أهتم بهم وهو دعوى علماء الإباضية أنهم ليسوا من الخوارج، واتهامهم لكتاب الفرق والمقالات بالتحامل عليهم، كما أنهم - بطبيعة الحال - يبجلون مذهبهم، ويكيلون صنوفا من المدح الطويل والثناء الحسن على مذهبهم ، وفي نفس الوقت يلمزون المذاهب الأخرى (مذاهب أهل السنة)( ويطالبون بكل صلف وتبجح - مباهلة أهل السنة، كما فعل ((خليلهم)) عندما طلب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز المباهلة، فامتنع سماحته، لما في المناظرة المعلنة من إيقاع بعض الناس في شكوك وشبهات، كما أن وقوع المناظرة - بحد ذاته - يعطي هالة لفرقة الإباضية، ويضفي عليها مزيدا من الشهرة والظهور، وهم - بلا شك - دون ذلك"
وعرف الإباضية حيث قال :
2- من الإباضية ؟
وسيكون حديثي عن هذه الفرقة منصبا على جانبين مهمين، فأولهما بيان مصدر التلقي عند الإباضية، والآخر في ذكر القواسم المشتركة التي تجمع بين الخوارج وبين الإباضية، وقبل ذلك كله أذكر تعريفا موجزا عن فرق الإباضية، فهم أصحاب عبد الله بن إباض التميمي الذي خرج في أيام مروان بن محمد في أواخر دولة بني أمية، وبعضهم يقول: كان عبد الله بن إباض مع نافع بن الأزرق، ثم انشق عنه لتشدد نافع مع مخالفيه، حيث كان ابن إباض لا يرى إلا استحلال دم مخالفيه دون أموالهم، وتدعي الإباضية ارتباطها بجابر بن زيد - أحد التابعين - مع أنه قد تبرأ منهم
والإباضية فرق متعددة فمنهم الحفصية واليزيدية، والحارثية، وغيرها، وأشد هذه الفرق انحرافا طائفة اليزيدية، وإمامهم يزيد بن أنيسة زعم أن الله سيبعث رسولا من العجم، وينزل عليه كتابا من السماء، ومن ثم ترك شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد تبرأ أكثر الإباضية من هذه الفرقة، ومنهم من توقف فيها"
وتناول أنهم يعتمدون في فقههم على مسند الربيع بن حبيب حيث قال :
3- مصدر التلقي عندهم:
وإذا أردنا أن نتحدث عن مصدر التلقي عندهم، فإن لمسند الربيع بن حبيب مكانة عظيمة في قلوبهم، فهو مصدر التلقي عندهم بعد القرآن، حيث أنه أصح كتاب عندهم بعد القرآن. ومؤلفه الربيع بن حبيب البصري، وقد اعتنوا بهذا المسند فشرح عدة شروح، كما رتب على ألبواب الفقهية، فجاء في أربعة أجزاء صغيرة ضمن مجلد واحد، ويفتقد هذا المسند ((المنحول)) للربيع لمقدمة توضح تراجم رواته، وتوثيق نسبته للربيع، بينما تفخر الإباضية
بأن هذا المسند يعود إلى أبي الشعثاء جابر بن زيد والذي تبرأ منهم - كما سبق ذكره."
وانتقد الكاتب المسند وبين الأخطاء حسب تصوره حيث قال :
كما أن هذا المسند مليء بأخبار منقطعة، وأحاديث لا خطام لها ولا زمام وأخبار موضوعة ومأخذ ثالث وهو أن هذا المسند يعج بالمخالفات والمزالق العقدية المتنوعة ومنها ما يلي :
أ- تعطيل الصفات الإلهية ونسبة هذا التعطيل إلى صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ذلك ما جاء في مسندهم من الزعم بأن الله في كل مكان، ونسبة ذلك لعمر ونفي رؤية الله في اليوم الآخر ونسبته لابن عباس، ونفي اليد وتأويلها بالقدرة، ونفي الاستواء على العرش، ونفي العين والنفس، وغيرها من الصفات
ب- تعطيل السنة النبوية احتجاجا بحديث جاء في مسند الربيع ((إنكم ستختلفون بعدي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني)) وهو حديث كذب موضوع.
ج- نفي المسح على الخفين وإنكاره
ويتضمن المسند شيئا من التأويلات المتعسفة، ولعلهم يستدلون بحديث رووه في مسندهم مرفوعا ((ما من كلمة إلا ولها وجهان فاحملوا الكلام على أحسن الوجوه)) فمن تلك التأويلات المتكلفة قول أبي عبيدة - أحد شيوخ الربيع - عن معنى حديث ((من يحمل السلاح فليس منا)): يريد من حمله إلى أرض العدو
وقد انعكست هذه المزالق على الإباضية فتجدهم يحتجون بأخبار موضوعة، ويجهلون الأحاديث الصحيحة، ويمتطون التأويل المتعسف، فيحرفون الكلم عن [مواضعه]، وأذكر على ذلك مثالا لأحد شيوخهم المعاصرين في عمان وهو سالم بن حمود السمائلي فتجده يحتج بحديث ((خذو شطر دينكم عن هذه الحميراء))(13) وهو كذب مختلق كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله في ((المنار المنيف)).
وانظر إلى جهله - أو تجاهله - بالأحاديث الصحيحة التي تخالف مذهبه وكيف يتأولها تأويلا بعيدا غير سائغ، فيقول السمائلي: (( وحديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق - على فرض صحته - وإن زنى وإن سرق ثم تاب، فالزنى والسرقة لا يمنعان من دخول الجنة للتائب، فإن التائب من الذنب كما لا ذنب له
أرأيت أخي القاريء ما يفعله الشيخ العلامة الجليل: سالم- كما جاء على غلاف كتابه !! مع أن حديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق أخرجه الشيخان:
البخاري ومسلم وانظر إلى كثافة فهمه وفساد كلامه.
ويتفنن الفقيه سالم في ذكر أنواع من التأويل الفاسد عند إيراد أحاديث مذهبه، فمن ذلك قوله عن حديث ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) أي لا يدخلها أبدا
وقوله عن حديث: ((من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة))، إذا مات غير مقترف لإثم دخل الجنة
وليس التأويل الفاسد وقفا على هذا الشيخ، بل نجد أن الكثير من الإباضية إذا أعيتهم النصوص وأشرقت عليهم بأنوارها، شهروا أمامها ذاك التأويل المظلم
ورحم الله ابن أبي العز الحنفي عندما يقول عن هذا التأويل: وهذا الذي أفسد علينا الدنيا والدين، وهكذا فعلت اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل، وحذرنا الله أن نفعل مثلهم،
وأبى المبطلون إلا سلوك سبيلهم، وكم جنى التأويل الفاسد على الدين وأهله من جناية، فهل قتل عثمان - رضي الله عنه - إلا التأويل الفاسد! وكذا ما جرى في يوم الجمل، وصفين، ومقتل الحسين - رضي الله عنه - والحرة؟ وهل خرجت الخوارج واعتزلت المعتزلة، ورفضت الروافض وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إلا بالتأويل الفاسد؟ (شرح الطحاوية 1/2-9).
وما دمنا نتحدث عن مصدر التلقي عندهم، فاعلم - أخي القارئ - أن الإباضية - تأثرا بالمسلك الكلامي - لا يقبلون خبر الآحاد في أبواب الاعتقاد."
وهذه الأخطاء متواجدة في كتب الحديث السنية نفسها
وتناول سؤال عن كون الإباضية من الخوارج حيث قال :
4- هل الإباضية من الخوارج ؟
والآن أسرد لك - أخي القارئ - القواسم المشتركة والأمور المتفق عليها بين الخوارج وبين الإباضية، وسيظهر لك تلقائيا الجواب عن هذا السؤال: هل الإباضية من الخوارج أم لا؟
نجد - ابتداء - أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتدادا للمحكمة الأولى كما في الرسالة التي بعثها إلى عبد الملك بن مروان.
كما يظهر من خلال عقائد الإباضية التشابه الكبير بينهم وبين أسلافهم من الخوارج، فمثلا في التوحيد نجد الإباضية تقول
بخلق القرآن كما جاء في كتبهم قديما وحديثا وقد وافقوا الخوارج في ذلك، يقول الأشعري: ((والخوارج جميعا يقولون بخلق القرآن)) مقالات الإسلاميين 1/203 ، ويظهر من خلال كتبهم تعطيل الصفات مثل إنكار رؤية الله في اليوم الآخر وتعطيل الصفات عموما مثل الاستواء واليد وغيرها، والخوارج يغلب عليهم التعطيل في الصفات تأثرا بالمعتزلة، يقول الأشعري ((فأما التوحيد فإنه قول الخوارج فيه كقول المعتزلة)) (مقالات الإسلاميين 1/203).
وأما في مسألة الأسماء والأحكام فإن الإباضية تقول بتخليد العاصي في نار جهنم، وهي بذلك تتفق مع بقية الخوارج والمعتزلة في تخليد العصاة في جهنم، لكن الإباضية تحكم عليه في الدنيا بأنه كافر كفر نعمة - أو كفر نفاق
ومن الأمور التي يتفقون عليها إنكار الشفاعة لعصاة الموحدين، لأن العصاة مخلدون في النار، فلا شفاعة لهم حتى يخرجوا من النار، وكل ذلك معارضة لما تواتر من الشفاعة لأهل الكبائر حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) رواه الترمذي والبيهقي عن أنس مرفوعا، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي.
كما نجد الإباضية يجوزون الخروج على أئمة الجور، ويتهجم بعضهم على معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ، وعمرو بن العاص - رضي الله عنه - ، وينكر بعضهم شرط القرشية في الإمام، وكل هذه الأمور قال بها أسلافهم من الخوارج، بل إنهم يدافعون عن أسلافهم، فينتصرون للخوارج أيام النهروان
نصيحة للطائفة الإباضية:
وفي آخر هذه المقالة أدعو كل طالب حق من أبناء الطائفة الإباضية بأن يتجرد في طلب الحق بدليله، وأن نتلقى ديننا من كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذلك على حسب منهج السلف الصالح وفهم الصحابة رضي الله عنهم، وعلينا جميعا أن نتخلى من ربقة التقليد للآباء والتعصب لآراء الرجال، وأن تنشرح صدورنا لما جاء في الوحيين"
وكل هذا الكلام هو انتقاد مذهبى لا علاقة له بالعلم