خواطر حول كتاب الحماق
الكاتب هو سعيد عبد العظيم وموضوع الكتاب هو الحماقة وقد ابتدأ كتابه بذكر أن الحمق شر كله والأحمق عدو نفسه حيث قال:
"أما بعد:
فالحمق شر كله والأحمق عدو نفسه لما يسبب لنفسه من الضرر وهو كاسد العقل والرأي لا يحسن شيئًا والحماقات والسفاهات التي تدل على الخفة والطيش والرعونة كثيرة وعديدة تجدها على مستوى الفرد والجماعة والحاكم والمحكوم والرجل والمرأة فهذا الذي خرج يبارز ربه بالحرب يكفر ويضجر ويظلم ويدمر الأخضر واليابس مغترًا بقوته وبإملاء الله له هو شخص أحمق وهذا الذي يمر على مصارع الهلكى ويشاهد عظيم قدرة الله في خلقه وانتقامه ممن يعصيه ويطالع السنن الكونية والشرعية ثم يظل سائرًا في غيه لا يرفع رأسًا بهذه الآيات البينات ولا يسارع بتوبة وحسنات ماحيات ... لا يقل في الحمق عن سابقه."
والكاتب يستخدم هنا الحماقة في غير معناها المعروف وهو الغباء الذى يجعل الفرد مجنونا وهو يستخدمها بمعنى العناد والتهور والاندفاع إلى المعاصى
وأكمل الرجل بعض الأمثلة عن الحماقة حيث قال :
"وهذا الذي يُزوج ابنته من تارك للصلاة أو كافر أو فاسق لغناه أو لمركزه المرموق يفعل ذلك بزعم محبة ابنته أو الشفقة عليها وهو في واقع الأمر يدمرها فمن زوّج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها ومن ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع.
وكذلك الأمر بالنسبة لمن يترك الحبل على الغارب لأهله وولده يأتيهم بالأجهزة المفسدة ويتركهم يشاهدون أفلام الجنس وغيرها ويسمعون الأغاني الرقيعة الخليعة بزعم تسليتهم والترويح عنهم هو إنسان يضيع نفسه ويضيع رعيته وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول."
وتناول أن الأحمق وهو المعاند سيحاسب على أعماله حيث قال :
"ولن تزول قدما ابن آدم من عند الله حتى يُسئل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع (قٍوا أّنفٍسّكٍمً وّأّهًلٌيكٍمً نّارْا وّقٍودٍهّا النَّاسٍ وّالًحٌجّارّةٍ) [التحريم: 6].
إن الأحمق لم ينتفع بالجوارح والحواس التي أودعت فيه وهذا شأن الكافر والمنافق الذي ذكره سبحانه في قوله: (يخّادٌعٍونّ اللَّهّ وّالَّذٌينّ آمّنٍوا وّمّا يّخًدّعٍونّ إلاَّ أّّنفٍسّهٍمً وّمّا يّشًعٍرٍونّ (9)) [البقرة: 9]
(وّإذّا قٌيلّ لّهٍمً لا تٍفسٌدٍوا فٌي الأّّرًضٌ قّالٍوا إنَّمّا نّحًنٍ مٍصًلٌحٍونّ <11>) [البقرة: 11] (أٍولّئٌكّ الَّذٌينّ اشًتّرّوٍا الضَّلالّةّ بٌالًهٍدّى فّمّا رّبٌحّت تٌجّارّتٍهٍمً وّمّا كّانٍوا مٍهًتّدٌينّ <16>) [البقرة: 16]
(صٍم بٍكًم عٍمًيِ فّهٍمً لا يّرًجٌعٍونّ (18>) [البقرة: 18].
وقال تعالى: (وّلّقّدً ذّرّأًنّا لٌجّهّنَّمّ كّثٌيرْا مٌنّ الًجٌنٌ وّالإنسٌ لّهٍمً قٍلٍوبِ لاَّ يّفقّهٍونّ بٌهّا وّلّهٍمً أّعًينِ لاَّ يبًصٌرٍونّ بٌهّا وّلّهٍمً آذّانِ لاَّ يّسًمّعٍونّ بٌهّا أٍوًلّئٌكّ كّالأّنًعّامٌ بّلً هٍمً أضّلَ أٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الًغّافٌلٍونّ<179>) [الأعراف: 179].
وقال سبحانه: (أّرّأّيًتّ مّنٌ اتَّخّذّ إلّهّهٍ هّوّاهٍ أّفّأّنتّ تّكٍونٍ عّلّيًهٌ وّكٌيلاْ <43>) [الفرقان: 43]."
وما سبق من آيات الله هو في الكفر وليس في الحماقة المعروفة
وتناول بعض الروايات التى ذكر فيها الحمق حيث قال :
"وقد وردت الأحاديث في ذم الحمق ففي الحديث: «نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مُصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنّة شيطان» [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح]."
والغلط في الرواية هو وصف الصوت بالحماقة والفجور بينما الفجور هو في عمل الكفر كما قال سبحانه:
" أولئك هم الكفرة الفجرة"
وقال أيضا:
وعن الأسود بن سريع صلى الله عليه وسلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا ورجُلٌ أحمق ورجل هَرِم ورجل مات في فترةٍ فأما الأصم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أسمع شىئًا وأمّا الأحمق فيقول: يا رب لقد جاء الإسلام والصيبان يحذفوني بالبعر وأما الهَرِم فيقول: يا رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا وأما الذي مات في فترة فيقول: ما أتاني لك رسولٌ فيأخذ مواثيقهم لَيُطيعنّه فيُرسل إليهم أن ادخلوا النّار فوالذي نفسي بيده لو دخلوها كانت عليهم بردًا وسلامًا» [رواه أحمد والبيهقي وابن حبان]."
والغلط في الرواية هو إدخال الأصم وهو غير مكلف النار وكذلك الأحمق لجنونه وهو ما يعارض أن الله لا يحاسب إلا من اعطاهم العقول فألغوها وعملوا بشهواتهم
وقال أيضا:
"وفي حديث أم زرع: « ... قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره أن أذكره أذكر عُجرة وبُجرة قال الثالثة: زوجي العشنَّق (شديد الطول) إن أنطق أُطلَّق وإن أسكُت أُعلَّق ... » [رواه البخاري ومسلم].
تلا عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (مّا غّرَّكّ بٌرّبٌكّ الًكّرٌيمٌ (6)) [الإنفطار: 6]
قال: الحمق يا رب. وقال عليٌّ صلى الله عليه وسلم: «ليس من أحد إلا وفيه حمقَةٌ فبها يعيش».
وعن مجاهد قال: «كُنت عند ابن عباس صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال: إنه طلَّق امرأته ثلاثًا قال: فسكت حتى ظننت أنه رادُّها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحَموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس وإن الله قال: (وّمّن يّتَّقٌ اللَّهّ يّجًعّل لَّهٍ مّخًرّجْا (2)) [الطلاق:2]
وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك وإن الله قال: (يّا أّيهّا النَّبٌي إذّا طّلَّقًتٍمٍ النٌَسّاءّ فّطّلٌَقٍوهٍنَّ) [الطلاق: 1]
في قُبل عدتهن» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وعن أنس بن سيرين قال: سمعت ابن عمر صلى الله عليه وسلم قال: «طلّق ابن عمر امرأته وهي حائض فذكر عمر للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ليُراجعها» قلتُ: تُحتسب؟ قال: «فَمَه؟».
وعن ابن عمر قال: «مُرْهُ فليُراجعها» قلتُ: تُحتسب؟ قال: «أرأيته إن عجز واستحمقَ» [رواه البخاري ومسلم].
وعن محمد بن المنكدر قال: «صلى جابر في إزار قد عقده من قِبَل قفاه وثيابه موضوعة على المشجب قال له قائل: تُصلي في إزار واحد؟ فقال: إنّما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك وأيّنا كان له ثوبان على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم؟» [رواه البخاري]."
والروايات السابقة تستعمل الحماقة فيها بمعنى العناد وليس بمعنى الجنون ونقل الكاتب من بطون الكتب كلام القدامى في الحمق والحماقة حيث قال :
وقال عمر بن عبد العزيز: «ما عدمت من الأحمق فلن تعدم خلّتين: سُرعة الجواب وكثرة الالتفات».
قال الأصمعيّ: «إذا أردت أن تعرف عقل الرجل في مجلس فحدثه بحديث لا أصل له فإن رأيته أصغى إليه وقَبِلَهُ فاعلم أنه أحمق وإن أنكره فهو عاقل».
"وقال جعفر الصادق: «الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل كُلما ازداد ريًّا زاد مرارة».
قال ابن أبي زياد: قال لي أبي: «يا بُنيّ الزم أهل العقل وجالسهم واجتنب الحمقى فإني ما جالست أحمق فقُمتُ إلا وجدتُ النقص في عقلي».
وعن مطرف بن عبد الله بن الشّخير قال: «لو حلفتُ لرَجوْت أن أبرّ أنه ليس أحدٌ من الناس إلا وهو أحمق فيما بينه وبين الله عز وجل غير أن بعض الحمق أهون من بعض».
قال أبو حاتم بن حيّان الحافظ: «علامة الحمق سُرعة الجواب وترك التثبُّت والإفراط في الضحك وكثرة الالتفات والوقيعة في الأخبار والاختلاط بالأشرار والأحمق إن أعرضت عنه أعتم وإن أقبلت عليه اغترَّ وإن حلُمتَ عنه جهل عليك وإن أحسنت إليه أساء إليك ويظلمُك إن أنصفته».
يُروى عن الأحنف بن قيس أنه قال: «قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري فذاك ناسٍ فذكروه ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالبٌ فعلموه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه»
وعن أبي إسحاق قال: «إذا بلغك أن غنيًا افتقر فصدِّق وإذا بلغك أن فقيرًا استغنى فصدق وإذا بلغك أن حيًا مات فصدِّق وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تُصدِّقْ».
قيل لإبراهيم النَّظَّام: ما حَدُّ الحمق؟ فقال: سألتني عما ليس له حَدٌّ».
عن الأوزاعي أنه قال: «بلغني أنه قيل لعيسى ابن مريم عليهما السلام: يا روح الله إنك تُحيي الموتى؟ قال: نعم بإذن الله. قيل: وتُبْرئُ الأكمَهَ؟ قال: نعم بإذن الله. قيل: فما دواء الحمق؟ قال: هذا الذي أعياني»
وقد نظم هذا المعنى بعضهم فقال:
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُّ به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
عن عبد الله بن إبراهيم الموصلي قال: «نابت الحجاج في صديق له مصيبة ورسولٌ لعبد الملك شاميٌّ عنده فقال الحجّاج: ليت إنسانًا يُعزيني بأبيات فقال الشاميُّ: أقول؟ قال: قُلْ فقال: «وكل خليل سوف يُفارق خليلاً يموت أو يُصاب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئًا لا نعرفه» فقال الحجاج: قد سلّيتني عن مُصيبتي بأعظم منها في أمير المؤمنين إذ وجّه مثلك لي رسولاً».نظر بعض الحكماء إلى أحمق جالس على حجر فقال: «حجر على حجر».
قال بعضهم: «العاقل المحروم خير من الأحمق المرزوق».
يُقال: فلان ذو حُمق وافر وعقل نافر ليس معه من العقل إلا ما يوجب حُجة الله عليه.
مرّ بعض الأمراء على بيّاع ثلج فقال: أرني ما عندك فكسر له قطعة وناوله إياها فقال: أُريد أبرد من هذا فكسر له من الجانب الآخر فقال: كيف سعر هذا؟ فقال: رطل بدرهم ومن الأول رطل ونصف بدرهم فقال: زن من الثاني».
قال بعض الحكماء: «من أخلاق الأحمق: إن استغنى بطر وإن افتقر قنط وإن فرح أشِرَ وإن قال فحُش وإن سُئل بخِلَ وإن سأل ألحّ وإن قال لم يُحسن وإن قيل له لم يفقه وإن ضحك نَهَقَ وإن بكى خارَ».
وقال آخر: «مُؤنة العاقل على نفسه ومؤنة الأحمق على الناس ومن لا عقل له فلا دُنيا له ولا آخرة».
اللهم زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين."
والمفهوم من الموضوع هو وجود نوعين من المعانى للحماقة :
الأول الحماقة بمعنى الجنون وهو الشخص الذى يخالف أعمال بقية الناس
الثانى الحماقة بمعنى العند وهو الكفر