خواطر حول بحث ما معنى الشطح عند العرفاء؟
ابتدأ الكاتب طالب علم بتعريف معنى الشطح عند الصوفية وهم العرفاء أو العارفون بالله كما يزعمون حيث قال :
"ان معنى الشطح عند العرفاء هو:
البوح بما يجب أن يبقى مكتوماً , وبعبارة أخرى هو كشف أسرارهم وعلى رأسها عقيدة وحدة الموجود فمن صرّح بها علناً قالوا عنه بأنه شطح!! ... والعرفاء يستخدمون هذه الكلمة لكي يوهموا العوام بأنهم لا يقبلون العبارات الصادرة عن الحلاّج وغيره مثل (أنا الحق) أو (ليس في جبتي سوى الله) ولكنهم في الحقيقة يقبلون بها ويذكرونها في مجالسهم الخاصة ولكنهم لا يقبلون التصريح بها أمام الناس علناً."
والشطح فى لغتنا العامية هو الاعتداء ولذا يقال :
أول ما شطح نطح
وهو بمثابة القول أول القصيدة كفر
وتناول الكاتب معنى الشطح فى الكتب اللغوية وأن الكلمة غير موجودة فى معاجم اللغة المعروفة حيث قال :
"يقول محقّق كتاب اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق الكاشاني: ما وجدتُ هذه المادّة (الشطح) ولا معناها في كثير من المصادر الأصلية التي راجعت إليها للعثور عليها ككتاب العين وكتاب الجيم وديوان الأدب وجمهرة اللغة وصحاح اللغة ولسان العرب وتهذيب المنطق وكتاب تهذيب الألفاظ وشرح ابن هشام اللخمي على الفصيح , ولم يوجد أيضاً في المصادر المتأخرة كمصباح المنير ولا في المعاصرة كالمنجد!! ... المصدر: اصطلاحات الصوفية , عبد الرزاق الكاشاني, هامش ص123. "
وتناول أن القوم أرجهوا الكلمة إاى أن معناها قيض النهر على جانبية والمقصود أنهم يصدرون زيادات من عندهم كما يصدر النهر زيادات وهو قوله حيث قال:
" وعلى هذا يكون مصطلح (الشطح) خاص بالمتصوّفة ولكن أحدهم قال بأن الشطح بمعنى الفائض كما لو قلت أن الماء إذا جرى في نهر ضيق فيفيض من حافتيه يقال شطح الماء في النهر. ... وقد استخدم هذا المصطلح (الشطح) بعض المتأخرين من فقهاء المخالفين ففي معجم لغة الفقهاء جاء: الشطح بالقول: البعد عن القول السديد. ... المصدر: معجم لغة الفقهاء , ج1 ص262.
وأما المعنى عند العرفاء وهم الصوفية فأكد الكاتب على الكلام الذى يجب كتمه عن الناس فهم فى الظاهر ينفون كلام رءوسهم أنهم الله أن أن الله معهم فى الجبة وما شابه ولكنهم فى الحقيقة يؤمنون بأنهم والله سواء وهو ما يسمى عقيدة وجودة الموجود
وقد أخذ الله هذه المعانى من الكتب التى تتحدث عن مصطلحات الصوفية وكلامهم حيث قال :
"أما معنى الشطح عند العرفاء فهو التصريح بعقيدتهم والجهر بأسرارهم فمن كشف النقاب عن تلك العقيدة (وحدة الموجود) قالوا بأنه شطح! فقد باح بسّر لا ينبغي البوح به!! ...
وقد استغّل العرفاء المعنى المتبادر للذهن لكلمة (الشطح) لكي يوهموا العوام بأنهم يخطّئون أصحاب المقولات الكفرية (كالحلاج وغيره) , ولكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك فهم يعتقدون كما يعتقد ولكنهم يمارسون التقية!! ... نعم هم يخطّأون الحلاّج ويشكلون عليه في إظهار هذه العقيدة علناً وليس إشكالهم على العقيدة نفسها! ...
وهنا نعرض بعض تصريحات العرفاء وأقوال أصحاب المعاجم الصوفية لكي يتبيّن لنا المعنى بكل وضوح! ... يقول رفيق العجم:
الشطح: تعبير عما تشعر به النفس حينما تصبح لأول مرة في الحضرة الألوهية فتدرك أن الله هي وهي هو , ويقوم على عتبة الإتحاد ويأتي نتيجة وجد عنيف لا يستطيع صاحبه كتمانه فينطق بالإفصاح عنه لسانه , وفيه يتبين هذه الهوية الجوهرية فيما بين العبد الواصل والمعبود الموصول إليه فيتحدث على لسان الحق لأنه صار والحق شيئاً واحداً!! ... ويقول بعدها: وهذا هو الأصل في تحريم إذاعة ما يجري في النفس إبان هذه الحال , ومن أذاع فقد شطح!! ... المصدر: موسوعة مصطلحات التصوّف الإسلامي, الدكتور رفيق العجم, ص497
أقول: قوله (ومن أذاع فقد شطح) هذا هو المعنى الصحيح عند العرفاء فهم يحرمون الإذاعة لكي لا يُكشف سّر عقيدتهم (وحدة الموجود) وقد ذكرها الأستاذ هنا بقوله: (أن الله هي وهي هو) فمن صرّح بها قالوا بأنه شطح! ...
فالشطح عندهم التصريح بهذه العقيدة لا أن المقولة خاطئة فضلاً عن ان تكون كفرية!!
يقول سامي مكارم في حديثه عن الشطح:
كثيراً ما يستبد بالمحب حبه فيبوح بما يجب أن يبقى مكتوماً وكأنه من فرط حبه والحب جذوة من عالم الغيب غفل عن عالم الحس والعقل فأصابه لفرط انجذابه الطيش فباح ... كان من نتيجة إفلاته من قيود العقل والمنطق أن شطح به الحب حسب تعبير العارفين ... إنه شوق المحب يفعل بالنفس كما يفعل بالجسد , هذا يعبر عنه بالدموع تُبث وتلك تعبّر عنه بالأسرار تباح إن المحب يتعامل مع عالم الخلق عالم الحس والعقل بمعطيات ملكوت الحق ملكوت الغيب والحب وذلك ما يؤدي بالمحب أحيانا إلى الشطح!! ... المصدر: الحلاّج في ما وراء المعنى والخط واللون , سامي مكارم, ص 141.
تلاحظ أخي القارئ بأنه لم يقل عن الشطح صدور الكفر عنهم مثلاً أو الخطأ, كلا بل قال معناها البوح بما يجب أن يبقى مكتوماً
وقد بيّن ذلك الحافظ الشيرازي في بيت من الشعر يصف فيه الحلاّج فقال:
ذاك الذي فيض المعارف عنه قد فاحا *** كل ما جناه أنه بالسر قد باحا ... المصدر: العرفان والدين والفلسفة, المطهري , ص361
ويقول العارف سنائي: ... اللسان الذي باح بالسرّ المطلق ... كان الحلاّج في صيحته: أنا الحقّ ... المصدر: نهاية العشق, عبد الله الفاطمي, ص27.
ويقول العارف عبد الله الأنصاري: بوح الواجد كقول الحلاج رحمه الله (أنا الحق)!! ... المصدر: منازل السائرين , عبد الله الأنصاري, مع شرح عبد الرزاق الكاشاني, ص 109.
تلاحظ أخي القارئ العزيز بأن الحلاّج باح بقوله (أنا الحق) وقوله هذا هو سرّهم المطلق, وهذا السر يجب أن يكون مكتوماً!! ... وتلاحظ أيضاً تلازم ذكرهم لكلمة (الشطح) و (الشطحات) مع ذكر (كشف السر) و (الأسرار) مما يؤكد على أن معنى الشطح هو كشف سر عقيدتهم! ... يقول كمال الحيدري: ان الشطحات هي ضرب من كشف الأسرار التي لا يصح أن تعرض لأي أحد وإنما لابد من حصر الإفشاء بها إلى أهلها ... (و) كتمان السر هو من أوجب الشروط التي اشترطها العرفاء في السير والسلوك، وأن الإفشاء بها مخل بالهدف ومانع عن تحقيق المطلوب!! ... المصدر: مراتب السير والسلوك إلى الله, كمال الحيدري, ص96. فالمعنى واضح بأن الشطح عند العرفاء هو كشف السر لا أن الذي قاله الحلاّج أو البسطامي وغيرهم مخالف لعقيدتهم.
يقول أبو نصر السراج الطوسي حول الشطح:
عبارة مستغربة في وصف وجد فاض بقوته وهاج بشدة غليانه وغلبته ألا ترى أن الماء إذا جرى في نهر ضيق فيفيض من حافتيه يقال شطح الماء في النهر؟ فكذلك المريد الواجد إذا قوي وجده ولم يطق حمل ما يردُ على قلبه من سطوة أنوار حقائقه سطح ذلك على لسانه , فيترجم عنها بعبارة مستغربة مشكلة على فهم سامعيها إلا من كان من أهلها ويكون متبحراً في علمها , فسمي ذلك على لسان أهل الاصطلاح شطحاً!! ... المصدر: الحلاّج في ما وراء المعنى والخط واللون , سامي مكارم, ص 142.
فالحلاج حينما شطح لم يخرج عنه إلا عقيدتهم (وحدة الموجود) بقوله (أنا الحق) كما أن النهر حينما شطح لم يخرج منه إلا الماء! ...
ويقول عماد الدين محمد القرشي:
الشطح: وهو كلام بترجمة اللسان عن الوجد ظاهره يخالف الشريعة ويصدر منهم في حال غيبتهم بما يرد عليهم وحال سكرهم بالمحبة وحكمهم في ذلك حكم المغمى عليه أو من زال عقله ويحصل ذلك أيضاً لدهش العقل عند مطالعة عجائب الحقيقة والإشراف على الملكوت الأعظم. ... المصدر: المصطلح الصوفي , عماد الدين محمد القرشي الأموي, 173.
أقول: قوله (ظاهره يخالف الشريعة) هذه العبارة كثيراً ما يرددها العرفاء ومقصدهم منها أن أقوالهم (مثل أنا الحق أو ليس في جبتي سوى الله وغيرها) يظن الفقيه بأنها كفر حسب الظاهر وتخالف الشريعة ولكنها في الباطن ليست كفراً ولا تخالف الشريعة بل هي مرتبة عالية جداً تعد بأنها أعلى درجات العرفان!!
يقول العارف حسن المسقطي: ليس هو العارف (الحلاج) الذي يتكلم، ولكن الذي ينطق هو الوجود البحت البسيط (أي الله). فالعامة (الفقهاء) يظنونها كفراً، والخاصة (العرفاء) يسمونها "شحطات".والعارف صادق حتى في "شحطاته" لأن الله هو الذي يتكلم، وحاشا للعارف أن يتكلف، فكلامه صدق لأن حالته هي تلك. والذي قال "أنا الحق" ليس هو الحلاج، ولكن الحلاج أفشى سر الربوبية (أي وحدة الموجود) عند الخاصة والعامة. ... المصدر: قدوة العارفين سيرة العارف حسن المسقطي, تقي الموسوي, ص145.
فالفقهاء واهمون يظنون بأن الحلاّج قال كلمة الكفر وما هي بكفر (عند العرفاء) بل هي شطحه صادقة نطق بها الله سبحانه وتعالى على لسان الحلاّج!!! ... وقوله: والعارف صادق حتى في شحطاته! يدل على صحة ما قاله الحلاّج عندهم وقبولهم به ولكن إشكالهم عليه هو إظهار ذلك في العلن! لذلك قال بعدها: ولكن الحلاج أفشى سر الربوبية (أي وحدة الموجود) عند الخاصة والعامة!!
إذاً المعنى واضح بأن الشطح كشف السر!! والسر هو عقيدة وحدة الموجود والحلاّج كشف هذا السر للخاصة والعامة بقوله: أنا الحق!!"
وكانت نتيجة البحث هى :
الخلاصة:
توضّح من خلال السطور السابقة بأن معنى الشطح عند العرفاء هو البوح بما يجب أن يكون مكتوماً من أسرارهم وعلى رأسها عقيدتهم وحدة الموجود , وإظهارها للعلن يسمى شطحاً وليس يعنون بالشطح أنّ المقولة خاطئة أو غير مقبولة. ولكنّ العرفاء يستخدمون مصطلح (الشطح) لإيهام عامة الناس بأنهم يرفضون هذه الأقوال الكفرية الصادرة عن الحلاّج وأمثاله وهذا نوع من أنواع التقية التي يمارسونها."
الصوفية يعتقدون أنهم والله سواء والمقصود أنه حل بهم وحلوا به ومن ثم فأى كلام ينطقونه مهما ظهر لنا أن جنون وتخريف وحماقة هو كلام حق من الله وقد كذبوا فيما قالوا