مراجعة لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف
ابتداء لا يوجد فى كتاب الله ما يشير إلى حوادث الطائف قبل الهجرة وإنما كما يقال كله كلام روايات وقد ابتدا الكاتب كلامه بالحديث عن ذهاب النبى(ص) إلى الطائف عندما ضاق ذرعا بكفر قريش فى مكة
وقد قرر أن كل القبائل التى مر عليها فى طريقه من مكة للطائف كلها رفضت الإسلام حيث قال :
"في شوال سنة عشر من النبوة [ في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م ] خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلا، سارها ماشيا على قدميه جيئة وذهوبا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها ."
وعندما ذهب للطائف دعا ثلاثة من رؤساء الطائف للإسلام وهو قوله حيث قال :
"فلما انتهي إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله ، وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم :
هو يمرط ثياب الكعبة [ أي يمزقها ] إن كان الله أرسلك
وقال الآخر : أما وجد الله أحدا غيرك،
وقال الثالث : والله لا أكلمك أبدا، إن كنت رسولا لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك
فقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم :
[ إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني ] ."
وركزت الرواية على أنه لا يدعو سوى الرؤساء وهو قوله حيث قال :
"وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا :
اخرج من بلادنا .
وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له سماطين أي صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء "
والغلط فيما سبق هو إصرار الرواية على دعوة الأغنياء دون بقية الناس وكان الرسول(ص) لم يتعلم من درس:
" عبس وتولى أن جاءه ألأعمى"
وبالطبع من المؤكد أنه تعلم الدرس خاصة أن الله اخبره ـم اهل الغنى لا يؤمنون وإنما يطغون أى يكفرون كما قال سبحانه:
" كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"
وتناول إيذاء القوم له ولزيد حيث قال :
"وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حبلة من عنب فجلس تحت ظلها إلى جدار . فلما جلس إليه واطمأن، دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزنا مما لقى من الشدة، وأسفا على أنه لم يؤمن به أحد، قال : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ) . فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له : عداس، وقالا له : خذ قطفا من هذا العنب، واذهب به إلى هذا الرجل . فلما وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه قائلا : ( باسم الله ) ثم أكل
فقال عداس :
إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من أي البلاد أنت ؟ وما دينك ؟ قال : أنا نصراني من أهل نينوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى )
قال له :وما يدريك ما يونس ابن متى ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي ) ، فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها .
فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر : أما غلامك فقد أفسده عليك
فلما جاء عداس قالا له :
ويحك ما هذا ؟
قال : يا سيدى، ما في الأرض شيء خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبى
قالا له : ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه "
والغلط هو ان معرفة يونس بن متى وكونه من أهل نينوى معلومة عامة يعرفها الناس وليس النبى(ص) وحده
ويكمل الكاتب الرواية فيبين أن ملك الجبال شاوره فى اهلام أهل مكة حيث قال :
"ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبا محزونا كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة ."
بالطبع هذا كلام ى يتفق مع كتاب الله فلم ينزل ملك الجبال ولا استشاره فى اهلاك القوم لأن الهلام يكون بعد مراحل طويلة من الدعوة وقد ألغاه الله فى عهد محمد(ص) بسبب الغاء بعث المعجزات للناس
وكرر الكاتب المعنى حيث قال :
روى البخاري القصة وفيه: فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ـ وهو المسمى بقرن المنازل ـ فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال :
إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم .
فناداني ملك الجبال، فسلم علي ثم قال :
يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ـ أي لفعلت، والأخشبان : هما جبلا مكة : أبو قبيس والذي يقابله، وهو قعيقعان ـ
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا ) ."
والغريب فى الرواية هى حكاية تظليل السحابة على النبى(ص) ورؤية الناس لها وهو ما يعارض منع الله الآيات كما قال سبحانه:
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
وأكمل الكاتب بقية الرواية حيث قال :
"وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن قلبه لأجل هذا النصر الغيبى الذي أمده الله عليه من فوق سبع سموات، ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادى نخلة، وأقام فيه أياما وفي وادى نخلة موضعان يصلحان للإقامة ـ السيل الكبير والزيمة- لما بهما من الماء والخصب،ولم نقف على مصدر يعين موضع إقامته صلى الله عليه وسلم فيه
وخلال إقامته صلى الله عليه وسلم هناك بعث الله إليه نفرا من الجن ذكرهم الله في موضعين من القرآن : في سورة الأحقاف : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } "
ويكمل الكاتب المسيرة المزعومة فيقول أن الرسول(ص) طلب حماية كافر من قريش حيث قال :
" أمام هذه النصرة، وأمام هذه البشارات، أقشعت سحابة الكآبة والحزن واليأس التي كانت مطبقة عليه منذ أن خرج من الطائف مطرودا مدحورا، حتى صمم على العود إلى مكة، وعلى القيام باستئناف خطته الأولى في عرض الإسلام وإبلاغ رسالة الله الخالدة بنشاط جديد وبجد وحماس .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من مكة مكث بحراء، وبعث رجلا من خزاعة إلى الأخنس بن شريق ليجيره، فقال : أنا حليف، والحليف لا يجير ، فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال سهيل : إن بني عامر لا تجير على بني كعب، فبعث إلى المطعم بن عدى، فقال المطعم : نعم ، ثم تسلح ودعا بنيه وقومه ، فقال : البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدا، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ادخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهي إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدى على راحلته فنادى : يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا فلا يهجه أحد منكم، وانتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه، وطاف بالبيت، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم بن عدى وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته . وقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم للمطعم هذا الصنيع، فقال في أسارى بدر : ( لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى في هؤلاء النتنى لتركتهم له ) ."
وهذا كلام لا يتفق مع كتاب الله فالرسول(ص)لم يكن بحاجة إلى من يحميه ليدخل مكة لأن الله قال له:
" والله يعصمك من الناس"