الترحم على الكافرين والكافرات
لقد حدث فى عهد النبى الخاتم(ص) أن استغفر النبى (ص) والمسلمين لأهاليهم وأصحابهم من الكفار فكان أن انزل الله أمره ناهيا المسلمين عن الاستغفار للمشركين وهم الكفار والسبب :
أنهم مهما عملوا من خير فهم فى النار والمراد انهم أصحاب النار كما قال سبحانه:
"ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"
والاستغفار معناه طلب المغفرة وهى العفو عن الذنوب فإن عفا الله عن المستغفر أو المستغفر له فقد رحمه
وقد بين للمؤمنين :
أن أن استغفار إبراهيم (ص) لوالده كان بسبب وعد وعده إياه وهو الاستغفار له ولكنه لما أيقن أن والده مصر على الكفر تبرأ منه والمراد دعا عليه لمعادته الإسلام وفى هذا قال سبحانه :
"وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لآواه حليم"
ومن ثم ما فعله النبى(ص) ومن قبله أبينا إبراهيم (ص) ومن قبله أبينا نوح(ص) لما طلب الرحمة لابنه كما قال سبحانه :
"ونادى نوح ربه فقال رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين"
فنهاه الله عن ذلك فقال سبحانه:
"قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين"
إذا المسألة وهو ما نسميه بألفاظنا حنية القلب تقع حتى من الرسل(ص) لأنه من الصعب تصور أن يدخل قريب لنا أو فاعل خير فينا النار ومن ثم الوقوع فى هذا الخطأ جائز ولكن يجب على المسلم أن يستغفر الله لهذا الخطأ وينتهى عنه
ويقال أن أصل المسألة والله أعلم هو استغفار النبى(ص) لعمه أبى طالب بسبب حمايته له وحمايته للمسلمين من أذى الكفار مع كونه مشرك فالخير الذى فعله فيهم جعل من الصعب عليه تصور دخوله النار
كما يقال فى نفس المسألة أن النبى (ص) استغفر لوالديه أمه وأبيه وقد ماتا على دين الكفر كما يقال قبل البعثة وهذا مستبعد لأن من عاشوا قبل وجود رسول أو معرفتهم برسالة سابقة لله يحاسبون على أساس عادل وهو التزامهم بعدم الظلم وعدم ارتكاب المحرمات المعروفة بين كل الأديان كالقتل والزنى والسرقة وما شابه ذلك ولذا قال الله فيهم :
" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
إذا فعل الكفار للخير لنا سواء كان بقصد حسن أو بقصد سيىء كما يحدث حاليا عندما يتم تصوير بعض الفنانات العالميات مع أطفالنا الجوعى والمرضى وكذلك غيرهم لا يعنى أنهم يدخلون الجنة لأن بعضهم وبعضهم من المنكرين لوجود الله
وقد سبق لبعض العرب أن قالوا عن زعيم شيوعى :
انت المسلم
مع كونهم شيوعيين ينكرون وجود الله ويكذبون بالإسلام
وهو تصديق لقوله سبحانه:
" ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين"
إن أى كافر مسالم أو بلغة قديمة المعاهد أو الذمى يجب أن نعامله بالعدل وهو البر والإحسان كما قال سبحانه:
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"
ومن أنواع البر بهم أن نشهد لهم شهادة حسنة منصفة كما قال سبحانه:
" وإذا قلت فاعدلوا"
ومن ثم يجوز أن نقول كلام منصفا عادلا عن الكفار الذى تعاملوا معنا بالخير فنشهد للمحسن منهم بأنه محسن كما شهد الله لبعض الكفار بالأمانة فقال :
"ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك"
وكما تحدث الله عن عزيز مصر حديثا يشهد له بأنه أحسن معاملة يوسف(ص) عندما اشتراه فقال سبحانه:
"وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا"
فالله يعلمنا أن نكون منصفين مع غيرنا فى الدنيا وأما ما يتعلق بالحساب فقد نهانا عن الدعاء للكفار بالرحمة الأخروية وأما أمور الدنيا كالدعاء بالشفاء والصحة فهذا مباح من باب البر بهم
والروايات تخبرنا مثلا أن رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَرَّتْ به جِنَازَةٌ، فَقَامَ فقِيلَ: إنَّه يَهُودِيٌّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا"
ومن ثم احترام الموتى أيا كانوا واجب على المسلمين وهو واجب حتى على من كفروا كمن كفر بارتكاب جريمة القتل وهو ما قصه الله علينا فى قصة ابنى آدم(ص) عندما علمه الله وقد كفر بقتل أخيه أن يدفنه وفى هذا قال سبحانه:
"فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين"