مراجعة لكتاب حكم الدف للرجال والنساء في غير الأعراس
الكاتب هو عبد الرحمن السحيم وموضوع الكتاب هو حكم ضرب الدفوف للرجال والنساء ونتيجة مناقشة بين الكاتب وأصحابه كتب الكاتب هذا البحث المختصر حيث قال في المقدمة:
"فقد جرى بيني وبين بعض إخواني حديث ونقاش حول مسألة ضرب الدفوف للرجال ، ثم تطرقنا لمسألة ضرب الدفوف بالنسبة للنساء .
فكان هذا البحث المختصر بعد ذلك .
وتحدث عن أن الأصل في الموضوع هو روايات حيث قال :
"الأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف رواه أحمد وغيره ، وحسنه الألباني ."
الرواية باطلة لأن الفصل ما بيمن الحلال والحرام ليس الدف وإنما هو كلام الله والزواج حلال سواء تم ضرب الدف أم لا
وقال :
وقوله عليه الصلاة والسلام : أعلنوا النكاح . رواه ابن حبان وغيره ، وحسنه الألباني ."
والرواية ليس فيها ذكر للدف والاعلان يكون بالكلام الصوتى وبالكلام الكتابى وبالدف وبغير هذا
وقال :
"وروى البخاري من حديث عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة أما كان معكم لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو "
كلمة اللهو تطلق على الغناء وليس على الدف عند القوم ومن ثم الرواية قد تصلح وقد لا تصلح
وقال :
"كما روى البخاري عن الربيع بنت معوذ أنها قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي ، وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية : وفينا نبي يعلم ما في غد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولي هكذا ، وقولي ما كنت تقولين وهذا إنما كان في عرس الربيع بنت معوذ .."
الغلط في الرواية سكوت النبى (ص)على الندب على موتى ماتوا من مدة طويلة والأشهر أنه يوم بعاث وليس يوم بدر
وقال :
"وكان عمر إذا استمع صوتا أنكره وسأل عنه ، فإن قيل عرس أو ختان أقره رواه معمر بن راشد في كتاب الجامع وابن أبي شيبة .
وفي رواية للبيهقي أن عمر بن الخطاب كان إذا سمع صوتا أو دفا قال : ما هذا ؟ فإن قالوا : عرس أو ختان صمت .
ففسرت رواية البيهقي الصوت الذي ينكره عمر ، وأنه صوت الدف ."
الغلط هو إباحة الختان وهو محرم لكونه تغيير لخلقة الله استجابة لقول الشيطان:
"ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"
وقال :
"وعن عامر بن سعد قال : دخلت على ابن مسعود وقرظة بن كعب وعندهما جوار تغنين فقلت : أتفعلون هذا وأنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فقال : إنه رخص لنا في اللهو عند العرس . رواه النسائي وابن أبي شيبة والحاكم ."
ليس في الرواية دليل على دف فكما سبق القول اللهو يطلق على الغناء
وقال :
"وعن عمرو بن ربيعة أنه قال كنت مع ثابت بن وديعة وقرظة بن كعب في عرس فسمعت صوت غناء ، فقلت : ألا تسمعان ؟ فقال : إنه قد رخص لنا في الغناء عند العرس والبكاء على الميت من غير نياحة . رواه ابن أبي شيبة والحاكم في المستدرك ."
الرواية ليس فيها ذكر للدف وإنما للغناء والغناء صوتى من ألإنسان وقد يصاحبه دف أو لا
وقال :"
وعن إبراهيم النخعي أنه قال كان أصحاب عبد الله – أي ابن مسعود – يستقبلون الجواري في الأزفة معهن الدف فيشقونها . رواه ابن أبي شيبة "
هنا تحريم للدفوف
وقال شارحا معنى الوليمة والدف فيها :
"قال ابن حجر في الفتح : قوله : ( باب ضرب الدف في النكاح والوليمة ) يجوز في الدف ضم الدال وفتحها ، وقوله : ( والوليمة ) معطوف على النكاح أي ضرب الدف في الوليمة ، وهو من العام بعد الخاص ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة ، وأن ضرب الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلا وعند الوليمة كذلك .
وقال ابن عبد البر في التمهيد : قال - أي الإمام مالك - : وضرب الدف في العرس لا بأس به ، وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو حنيفة : إذا حضر الوليمة فوجد فيها لعبا فلا بأس أن يقعد ويأكل وقال هشام الداري عن محمد بن الحسن : إن كان الرجل ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج . وقال الليث بن سعد : إن كان فيها الضرب بالعود واللهو فلا يشهدها . قال أبو عمر - أي ابن عبد البر - : الأصل في هذا الباب ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال خبرنا سعيد بن جمهان قال حدثنا سفينة أبو عبد الرحمن أن رجلا أضافه علي بن أبي طالب فصنع له طعاما فقالت فاطمة : لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا ، فدعوه فجاءه فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما في ناحية البيت فرجع ، فقالت : فاطمة لعلي : الحقه ، فقال له : ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال : إنه ليس لي أن أدخل بيتا مزوقا . كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره دخول بيت فيه تصاوير ، ولتقدم نهيه وقوله : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو تماثيل . وكذلك كل منكر إذا كان في البيت فلا ينبغي دخوله ، والله أعلم لرجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام دعي إليه لما رأى في البيت مما ينكره وما تقدم نهيه عنه
وقال : قال أهل اللغة : طعام الوليمة هو طعام العرس والإملاك خاصة .
فأنت ترى أن الصحابة ما فهموا الإذن في ضرب الدف في غير النكاح والختان
وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في اللهو عند العرس
فتعبير الصحابة بـ ( رخص ) يشعر بأن الأمر قبل الترخيص محظور – أي محرم – كما في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكة كانت بهما .
وفي رواية : أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني القمل فأرخص لهما في الحرير .
والرخصة هنا إنما تكون بعد التحريم ، وليست أمرا مباحا .
والرخصة هنا في ضرب الدف للنساء دون الرجال .
قال ابن حجر : والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء ، فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن .
وعليه فلا يجوز ضرب الدف لا للرجال ولا للنساء إلا في إعلان النكاح فإنه يجوز ضربه للنساء خاصة ، بل للبنيات والتي عبر عنهن بـ " الجواري "
وضرب الدف رخصة رخص بها للنساء دون الرجال .
فتعبير الصحابة بـ ( رخص ) يشعر بأن الأمر قبل الترخيص محظور – أي محرم – والرخصة هنا إنما تكون بعد التحريم .
قال ابن حزم : لا تكون لفظة الرخصة إلا عن شيء تقدم التحذير منه .
وقال الشاطبي : وأما الرخصة فما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه .
وقال صاحب كتاب القواعد والفوائد الأصولية : والرخصة لغة السهولة ، وشرعا : ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح . وقيل : استباحة المحظور مع قيام السبب الحاظر
وقال الآمدى : الرخصة ما شرع لعذر مع قيام السبب المحرم .
وقال القرافى : هي جواز الإقدام على الفعل مع اشتهار المانع منه شرعا ؛ والمعانى متقاربة .
قال الشيخ حافظ حكمي :
والرخصة الإذن في أصل لمعذرة === وضدها عزمة بالأصل تنعقد
فأنت – رعاك الله – ترى أن ضرب الدف لم يكن من شيم الرجال ، بل هو من شأن الجواري !!
وإن ضرب الدف خاص بالعرس أو وليمة العرس أو الختان ."
وكل ما سبق كلام بلا أدلة مانعة جامعة وإنما هو نقاش فقهى بلا استدلال بالروايات
وتناول الكاتب شبهة بذكر روايات استدل بها حي قال :
شبهة وجوابها :
قد يستدل البعض بما ورد في الصحيحين من حديث عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال : دعهما . فلما غفل غمزتهما فخرجتا ، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت صلى الله عليه وسلم ، وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه خدي على خده ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة . حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم . قال : فاذهبي . وهذا قد بوب عليه الإمام البخاري بـ ( باب الحراب والدرق يوم العيد ) .
فليس فيه استدلال للمخالف فقد ورد في رواية في الصحيحين عن عائشة قالت : دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث . قالت : وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا ، وهذا .
فقول عائشة : وليستا بمغنيتين يدل على أن تلك الجواري اللواتي يضربن الدفوف أو يغنين لم يكن ذلك من شأنهن ، كما أن الغناء لم يكن حرفة لهن ، ولم يكن يستأجرن لذلك الغرض ! أو تنفق عليهن الأموال الطائلة .
ويدل عليه قول ابن تيمية: و لكن نصب مغنية للنساء و الرجال هذا منكر بكل حال بخلاف من ليست صنعتها ، وكذلك أخذ العوض عليه . و الله أعلم ."
والرواية السابقة باطلة الغلط الأول فيها ترك النساء تغنى بغناء يوم بعاث وهو يوم كان بين الكفار وفيه مدح لهم وهو ما يخالف أن الغناء المباح فيه هو الكلام الحسن أى السديد أى الحق كما قال سبحانه:
"وقولوا للناس قولا سديدا"
وقال :
"وقولوا للناس حسنا"
والغلط الثانى ترك المرأة ترى الرجال وهم يلعبون وهم ما يخالف قوله سبحانه:
"وقل للمؤمنات يغضضن ةم، ابصارهن"
فالمفترض أن يأمر الرسول(ص) زوجته بغض بصرها لأن يتركها تشاهد ويشجعها على المشاهدة
وقال أيضا:
"وقال أيضا : وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته ، فإنهن من الحق . والباطل من الأعمال هو ما ليس فيه منفعة ، فهذا يرخص فيه للنفوس التي لا تصبر على ما ينفع ، وهذا الحق في القدر الذي يحتاج إليه في الأوقات التي تقتضي ذلك الأعياد والأعراس وقدوم الغائب ونحو ذلك ، وهذه نفوس النساء والصبيان فهن اللواتي كن يغنين في ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ، ويضربن بالدف ، وأما الرجال فلم يكن ذلك فيهم بل كان السلف يسمون الرجل المغنى مخنثا لتشبهه بالنساء .
وقال: وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف ، كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة لا في باطن الأمر ولا في ظاهره ولا لعامي ولا لخاصي ، ولكن رخص النبي في أنواع من اللهو في العرس ونحوه ، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح ، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ولا يصفق بكف بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : التصفيق للنساء ، والتسبيح للرجال ، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء . ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ، ويسمون الرجال المغنين مخنثا ، وهذا مشهور في كلامهم . ومن هذا الباب حديث عائشة رضى الله عنها لما دخل عليها أبوها رضى الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر : أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط ، فقال : دعهما يا أبا بكر ، فإن لكل قوم عيدا ، وهذا عيدنا أهل الإسلام . ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه ، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان ، والنبي أقر الجواري عليه معللا ذلك بأنه يوم عيد ، والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد كما جاء في الحديث : ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة . وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها ، وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك ، والأمر والنهى إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع
، كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار
وقال: و أما غناء الرجال للرجال فلم يبلغنا أنه كان في عهد الصحابة . انتهى كلامه .
ملحوظة : قول ابن تيمية : وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته ، فإنهن من الحق .
يشعر أن الحديث في الصحيحين أو في أحدهما ، وليس كذلك ، إلا إن كان الشيخ يقصد أنه في الحديث الصحيح ، فهو كذلك ."
وهذا الحديث يعارض كل أحاديث إباحة الدف لعدم وجود الدف فيه كلهو ومن ثم نجد أن الروايات متعارضة ولا ينفع واحد منها للاستدلال على التحليل أو التحريم
وتناول حديث اعلان النكاح بالغربال حيث قال :
"تنبيه :
حديث : أعلنوا النكاح ، واضربوا عليه بالغربال .
حديث ضعيف ، ضعفه جمع من الأئمة .
قال ابن حجر:
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : أعلنوا النكاح ، واضربوا عليه بالغربال أي الدف . رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة وفي إسناده خالد بن إلياس وهو منكر الحديث قاله أحمد ، وفي رواية الترمذي عيسى بن ميمون وهو يضعف قاله الترمذي ، وضعفه ابن الجوزي من الوجهين . نعم روى أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير : أعلنوا النكاح
كما ضعفه ابن الجوزي في العلل المتناهية وضعفه الحافظ الزيلعي في نصب الراية ويغني عنه ما تقدم"
إذا القضية حسب الروايات لا يمكن الفصل فيها ومن ثم يجب الاحتكام لكتاب الله وحكم الفناء فيه هو :
أن الغناء منه حلال هو الذى كلامه لا يخالف كلام الله ومنه حرام وهو ما يخالف كلام الله
وأما استعمال الآلات كالدف والطبل فهى حلال إذا لم تمثل إزعاج للناس كالمرضى لأن تلك الأصوات ليس لها معنى حتى تكون حلال أو حرام