خواطر حول مقال تراث وذكريات مع المستحيلات
الكاتبة بنت بحري من مصر وموضوع المقال هو حكايات خرافات كانت تحكيها الأمهات للبنات والبنين وقد ابتدأت الكاتبة مقالها بذكر ذكرياتها عن أمها حيث قالت :
"أسعد لحظات طفولتي هي تلك اللحظات التي كنت أسند فيها رأسي علي صدر أمي الحبيبة لتروي لي حكاية قبل النوم، لا أستمع لشيء إلا لصوتها العذب الذي تنخفض وترتفع نبراته تبعا لأحداث القصة حتى يصبح خافتا هامسا ظنا منها أني غفوت، وعندما تهم بالتسلل من جواري أمسك بملابسها طمعا في المزيد، ومن منا لم يطمع؟
كانت تهددني رافعة أصبعها الذي لا أنساه قائلة: (نامي وإلا سيأتي أبورجل مسلوخة والغول ليأكلاك) كانت هذه العبارة كفيلة بأن تجعل عيناي تأبي النوم، تتركني أنا والرعب والهواجس ثالثنا! يدور في عقلي الصغير العديد والعديد من التساؤلات الممزوجة بالآهات:
- ماذا لو حضر الغول وأنا ما زلت مستيقظة؟
- سأمثل دور النائمة
- ولكنه سيعرف فهوليس غبي
- وكيف سيعرف؟
- عندما يبتل سريرك أيتها الخرقاء!
- أذن سأنام بسرعة وإلا سيأتي ويلتهمني دفعة واحدة ولن يترك مني إلا شريطة شعري الحمراء لأنها ستقف في حلقه ولن يستطيع بلعها (عقل عيال) يا ليتني أتحول لرابطة شعر عسي أن أنجو من هذا المصير البائس! تراث وذكريات مع المستحيلات"
وتناولت الكاتبة كيف أن الكبار ومنهن الأمهات كن يكذب على الأطفال خوفا عليهم وحرصا على ألا يتعبوا هم من البحث عن الأطفال في الليل وفى الأماكن البعيدة حيث قالت :
"حينها لم يكن يدور بخلدي أن الكبار الذين لطالما نهونا عن الكذب هم أيضا يكذبون ولو كانت نيتهم حسنة!
اكتشفت أن الغول الذي ما فتئ يجمد الدم بعروقي ويلصقني ويسكنني بسريري سكون الأموات ما هو إلا كائن من نسج خيال السابقين، يأتي ذكره في قصص الرعب الشعبية لترهيب وإخافة الجبناء أمثالي!
ولكن أو ليست كل الأساطير بها نسبة ولو ضئيلة من الحقيقة؟ بني عليها القدماء وشيدوا صرحا حتى تحولت لخرافة من فرط التهويل والمبالغة فيها!
وقديما أعتبر الغول من المستحيلات عند العرب، يقول الشاعر:
لما رأيت بني الزمان وما بهم *** خل وفي للشدائد أصطفي
علمت أن المستحيلات ثلاثة *** الغول والعنقاء والخل الوفي
ومقالنا اليوم سيتعرض لتلك المستحيلات"
وذكرت الكاتبة خرافة الغول حيث قالت :
"الغول نوع من مردة الجن :
كائن أسطوري علي هيئة إنسان ولكن رجلاه أرجل حمار، وأحمد الله أننا أرحنا أرجل الماعز هذه المرة فقد كنا نستعيرها ونزج بها لنلصقها بكل كائن مبهم أمامنا! عينه مشقوقة بالطول تمتلئ بالغضب والشرر كما يمتلئ فكاه بالأنياب المهولة القادرة علي تمزيق أجساد ضحاياه وتحويلها لأصابع كفتة سهلة البلع والهضم
والغول عند العرب نوع من مردة الجن الذين يتربصون بالمسافرين في الصحاري والفيافي، تسخر منهم حتى يضلوا سبيلهم وفي نهاية المطاف يستقرون داخل معدتهم الفولاذية
والأنثى من الغول هي السعلاه وهي كائن شيطاني يغطي جسدها بالشعر الكثيف ولكنها قادرة علي التحول إلي هيئة بنات حواء خاصة الجميلات منهن، تسكن الأماكن المهجورة ويا لحظه العاثر من ترميه الأقدار في طريقها (أمه داعية عليه) ستغريه حتى تسلب إرادته ثم تضاجعه وقبل أن يفيق من نشوته سيتحول إلي لقمة سائغة في حلقها! في بلدي الحبيب مصر تتشابه تلك الصفات مع كائن أنثوي كثيرا ما أتت الجدات علي ذكره في قصصهن وهو"النداهة" التي تجذب الرجال بصوتها الناعم الدافئ منادية إياهم بأسمائهم حتى تسحرهم فيسيروا إلى قدرين لا ثالث لهما إما الموت أوالجنون!
السعلاة هي انثى الغول
وهناك فيلم مصري شهير يحمل ذات الاسم "النداهة" تقول أحدي أغنياته: (شئ من بعيد ناداني، وأول ما ناداني جرالي ما جرالي)
وللفتك بالسعلاه طريقة واحدة فقط وهي طعن ظلها بشفرة حادة
والغول في بعض الثقافات الأفريقية يطلق على نوع من المتشيطنة يشبه الكائن الأسطوري "السيكلوب" هذا الكائن الذي أتى ذكره في ملحمة"الأوديسية" عندما وقع البطل"أوديسيون" هو ورجاله أسري لدي عملاق ذو عين واحدة ظاهرة في وسط جبهته أسمه "السيكلوب" معروف بنهمه الشديد لأكل لحوم البشر ولكن في النهاية استطاعوا الفرار من قبضته
وهناك بعض كتب التراث تشير إلى أن الغول ما هو إلا حية عملاقة تعرف بالغول وهو نوع من الأفاعي مشهور الخليج"
وما قالته الكاتبة عن تعدد أصول الغول يثبت أنه لا وجود له لأن لو كان له وجود مشاهد لاتفق الناس على وصف واحد وليس على أوصاف متناقضة
وتناولت بالكلام العنقاء حيث قالت :
"العنقاء (الفينكس)
طائر النار الأعظم، رمز الحياة والموت، التجسيد الأمثل لعقيدة الخلود والبعث عند الفراعنة، فالإنسان سيبعث بعد موته ليحيا حياة الخلود وستصعد روحه إلي السماء، فالموت عندهم لم يكن نهاية بل هو المدخل لحياة أبدية كما يحدث في أسطورة طائر العنقاء
أما كلمة "الفينكس" فالبعض يقول أنها يونانية الأصل والبعض الأخر يقول أصلها كلمة "فينيق" فهذا الطائر كان رمزا للحضارة الفينيقية العظيمة في سوريا القديمة ورسم هيكله على سفنهم التي كانت تجوب البحار أما عند العرب فسمي"العنقاء" نظرا لطول عنقه وقد وصفه العالم العربي"داود الأنطاكي" بأنه: (يقارب حجم الجمل وأرفع منه عنقه طويل شديد البياض مطوق بصفرة)
خلط البعض بينه وبين طائر الرخ وهو طائر عملاق من فصيلة العقبان وقد ذكره ابن بطوطة في أحدي رحلاته قائلا: (ولما كان اليوم الثالث والأربعين ظهر لنا من بعد طلوع الفجر جبل في البحر بيننا وبينه عشرين ميلا والريح تحملنا صوبه، فعجب البحارة وقالوا: لسنا بقرب البر ولا يعهد في البحر جبل، فلجأ الناس إلى الاستغفار والتضرع وسكنت الريح بعض سكون، ثم رأينا ذلك الجبل عند طلوع الشمس وقد أرتفع في الهواء وظهر الضوء، الذي تخيلناه جبلا ما هوإلا طائر الرخ) ولك عزيزي القارئ أن تتخيل حجم هذا الطائر الذي حجب ضوء الشمس من هذه المسافة!
الرخ كما صوته الاساطير العربية
وهناك أسطورة العنقاء تلك الأسطورة التي تقول أن العنقاء طويل العمر يأتي كل خمسمائة عام، في نهايتها وعندما يشعر بدنو أجله يتجه صوب معبد الشمس بمصر، يلطم جناحيه ببعضهما وهما يحتويان علي حويصلات من مادة "الفسفور الأبيض" الذي يشتعل فور اتحاده مع الهواء، بعدها يتحول الطائر إلى كرة نارية ملتهبة تأتي على ريشه ولحمه وعظامه ولا يتبقي من هذا الجسد سوي حفنة من الرماد، تخرج منها دودة ما تلبث أن تتحول لشرنقة يخرج منها بعد أيام قليلة طائر عنقاء جديد يكاد يكون صورة طبق الأصل لسلفه، يحلق راجعا إلى موطنه الأصلي لتبدأ دورة جديدة
وللعنقاء قصة شهيرة مع سيدنا سليمان عندما دخل عليه في مجلسه قائلا: (أنا لا أؤمن بالقدر، فالإنسان هو من يصنع قدره بنفسه وليس الله) فرد عليه السلام: (إن صانع الأقدار هو الله والإنسان ما عليه إلا الاختيار بين الخير والشر)، وتحداها أن تغير قدر فتاة فقيرة توشك أن تولد في شمال البلاد وستتزوج من أحد أبناء ملوك الجنوب في مكان خارج البلاد! ورغم أن العنقاء سرق الفتاة بعد مولدها ووضعها في جزيرة نائية إلا أنه لم يستطع منع القدر، عاقبه سليمان بالنفي في الجبال وبالمنع من الاختلاط بباقي الطيور، ويقال أنه منذ هذا الحين لم يشاهده أحد
كان للعنقاء مكانة عظيمة في الزمن القديم تفوق مكانة التنين خاصة في الحضارة الصينية القديمة، كانوا يتبركون بهذا الطائر فائق الجمال، وقال عنه أحد كتابهم: (للعنقاء رأس ديك وعنق أفعى وفم عصفور وظهر سلحفاة وذيل سمك)
قد يكون العنقاء أسطورة أو حقيقة لا يهم، المهم أن نأخذ العبرة من أسطورته وأن نبدأ من جديد كلما ظن البعض أننا انتهينا، أن ننفض عنا غبار الرماد ونبدأ يوم جديد ننسي معه القديم، وهذا ما فعلته مدينة "غزة" الصامدة عندما اتخذت هذا الطائر شعارا لها فكلاهما ينهض من جديد وسط الرماد"
بالطبع نفس الكلام وهو تعدد وصف العنقاء يثبت عدم وجودها وعمرها الذى يتجاوز أعمار البشر بكثير كما أن الحكايات كلها خرافية لم يثبت منها أى شىء
وتناولت بالكلام عن الخل الوفى حيث قالت :
الخل الوفي هل له وجود؟
هل حقا الخل الوفي مستحيل الوجود مثله مثل الغول والعنقاء؟
ذلك الخل الذي يحبك ويصادقك دونما هدف، يخاف عليك حتى من شطحات نفسه، شخص كأنه جزء منك، كأن قلبك قلبه وكأن عقلك عقله، جسدان يتشاركان ويتقاسمان روح واحدة، شخص ينتشلك من أحزانك قبل أن تغرق فيها، شخص إذا أخطأت يقبل أعذارك وأذا بحت يصون أسرارك، هل أصبح هذا الشخص ضرب من ضروب الخيال بعد أن تحولت غالبية العلاقات الإنسانية إلى علاقات مصالح تزول بزوال الهدف والغاية! أصبحت علاقات مادية محددة بالأرقام، لها أسهم في بورصة الحياة، مثلها مثل بئر البترول الذي يتهافت عليه الجميع حتى تجف منابعه وصف ونستون شرشل الصداقة قائلا: (هي البحث عن قطة سوداء في غرفة سوداء عن طريق رجل كفيف) كحلها وأظلمها جدا ونستون!
علاقة الصداقة مثل البطيخة قد يسعدك حظك وتكون حمراء شهية الطعم وقد يعاندك حظك ويكون الخيار أشهي منها! ولن تعرف نوع بطيختك إلا وقت الشدائد لأنها الوحيدة التي تكشف معدن صديقك وتسقط الأقنعة من على الوجوه
وهناك مثل مصري يقول: (زي ما في شامبو ضد القشرة في صحاب ضد العشرة""
بالطبع الخلى الوفى ليس من المحالات فهناك الكثير من الأخلاء الأوفياء كانوا موجودين وما زالوا موجودين وسيكونون كما قال سبحانه :
" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "
وتناولت المحال الرابع ساخرة من الوحدة العربية حيث قالت :
"ختاما
لو قدر لك عزيزي القارئ أن تختار المستحيل الرابع فماذا سيكون؟
عن نفسي سأختار وحدتنا كعرب، وفي هذا يقول نزار قباني: (خريطة الوطن العربي فضيحة، فحواجز ومخافر وكلاب، والعالم العربي إما نعجة مذبوحة أوحاكم قصاب، والعالم العربي يرهن سيفه فحكاية الشرف الرفيع سراب)
أتمني أن يأتي ذلك اليوم الذي نفك فيه رهننا ونستلم سيفنا قبل أن يأكله الصدأ ويصبح هو والعدم سواء"
بالطبع لا وجود لتلك الوحدة عبر الزمان