عمل المعروف
المعروف نسميه فى لغتنا الدارجة الجميل وهو :
أن تقوم بشىء تظنه أنه ليس بواجب عليك ولكن فى الإسلام بين الله أن المعروف واجب إلا فى مواضع حددها الله وهى :
الأول :
أن يقوم ولى أمر المطلقة قبل دخولها أو المطلقة نفسها برد المهر كاملا لمن طلقها لأن الواجب هو رد نصف المهر كما قال سبحانه :
" وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ"
الثانى :
أن يقوم ولى القتيل بالعفو عن القاتل لأن الله خيره بين قتل القاتل أو العفو عنه كما قال سبحانه
"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة"
الثالث :
أن يقوم المجروح وكل من فى حكمه بالعفو عن وهو التصدق على جارحه وهو مخير بين جرح من جرحه وبين العفو عنه كما قال سبحانه :
"وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ
الرابع :
أن يقوم المنفق بإنفاق نفقته فى السر وهو مخير بين الانفاق فى السر والعلن كما قال سبحانه :
"الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"
الخامس :
أن يقوم الدائن بالتنازل عن دينه كله أو بعضه للمديون كما قال سبحانه:
"وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"
السادس عمل المعروف فى الأولياء وهم الأفراد من غير الأقارب الوارثين وهو هبة بعض المال أو الوصية ببعض المال كما قال سبحانه :
"وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أولياءكم معروفا"
إذا المعروف عند الله القيام بعمل ليس هو الحكم الأساسى حيث يخير الله المسلم بين عدة أحكام يختار واحد من بينها
وقد سمى الله ذلك الفضل أى شىء زائد عن الواجب وهو الحكم الأساسى حيث قال :
" ولا تنسوا الفضل بينكم"
والمعروف وهو فى عرفنا ما ليس بواجب علينا ولكنه قد يكون فى حكم الله واجب من باب قوله سبحانه :
" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "
بالطبع كلمة المعروف تطلق فى كتاب الله على معانى عدة منعا :
العدل وهو الحسن كما فى قوله سبحانه :
" وقولوا لهم قولا معروفا "
الخير وهو كل حكم أمر به الله أو أباحه كما فى قوله سبحانه :
" يأمرون بالمعروف "
المال غير المفروض للفرد كما فى قوله سبحانه :
"إلا أن تفعلوا إلى أولياءكم معروفا"
والناس فى عمل المعروف على قسمين :
النوع الأول :
يأتيه من نفسه دون طلب من الغير عندما يرى غيره محتاج لمساعدته سواء مالية أو غير مالية
النوع الثانى يأتيه لحاجة فى نفسه وهذه الحاجة قد تكون أن يكون له يد عند من عمل له المعروف وقد تكون حتى لا يتكلم عنه الأخر كلاما سيئا وهو ما قال عنه المثل :
إن جاءك الغصب اعمله جوده والمقصود اعمله كأنه جميل
وسأضرب مثلين :
عندما عينت فى وظيفة معلم من 36 سنة تقريبا كان على المشى بعد ركوب مواصلة حوالى ثلاث كيلو متر من قرية إلى قرية ولم يكن هناك وسيلة مواصلات على هذا الطريق إلا عن طريق المصادفة وهى مقابلة سيارة ملاكى أو سيارة نقل أو دراجة نارية
بالطبع عودت نفسى ألا أشير إلى أى سيارة على الطريق لعدم احراج من فى داخلها وعدم إحراج نفسى من الأساس
المثل الأول لعمل المعروف من النفس سائق سيارة نقل يرحمه الله إن كان مات أو يعطيه الصحة والعافية إن كان حيا كان عندما يرى أى أحد ممن يسيرون فى هذا الطريق إلا وقف له دون طلب وأركبه معه دون أن يأخذ منه أجر
وهناك رجل أخر فيما يبدو كان معه دراجة بخارية كان يسير فى منطقة معينة من المدينة وكان عندما يجد أحد يسير يوقف الدراجة ويركبه خلفه مخبرا إياه أنه سيميل عند الشارع الفلانى وقد أركبنى خلفه مرتين دون سابق معرفة بيننا
والمثل الثانى كانت سيارات الملاكى وكانت نادرة الوجود على الطريق بين القريتين وكانت هناك سيارة منها تقابلنا فى كل أسبوع مرتين أو ثلاثة وهى لا تقف بطلب أو دون طلب مع أنها كان لا يوجد فيها إلا صاحبها ولكن فى احدى المرات توقف صاحبها وأركبنا بعد أن علم من ابنته أن واحد من السائرين على الطريق هو مدرس ابنته فى المدرسة
وهذا هو النوع الثانى من الناس فى عمل المعروف
بالطبع هذا المعروف المفروض فى الإسلام أنه واجب وليس خيار أن يكون معك وسيلة مواصلات ولا تركب من يسير خاصة النساء تاركا إياه فى الطريق يتعب أو يتعرض لضربات الشمس أو لفحات الرياح أو للمطر أو لشىء مما يشكل خطر عليه
ومن هنا قد يكون الإنسان شريكا فى جريمة قتل دون أن يدرى لو ترك أحدهم يمشى ومات وكان قادرا على حمله معه وقد يكون شريكا فى جريمة إمراضه لو مرض فى الطريق
والناس لا تنتبه إلى أنها ترتكب جرائم دون أن تدرى فعندما تقول هذه سيارتى وأنا حر فيها أركب من أشاء ولا أركب من أشاء أو لن أركب أحد فأنت مخطىء فالمال مال الله وأنت مسئول عن غيرك كما أنه مسئول عنك أنت أيضا
كل منا قد يحتاج إلى الأخر فى أى لحظة لا تظن أبها الإنسان أن المال سيأتيك بكل شىء ففى أى لحظة من الممكن أن تتعب وتتوقف بالسيارة ويمر عليك الناس ولا يسألون ماذا بك كما تفعل أنت مع الناس وهم سائرون فى الطريق
من الممكن أن تصطدم بالسيارة مع سيارة أخرى أو فى جدار أو أى شىء أخر فمن تظن أنه سينقذك ؟
غالبا الفقير الذى يسير فى الطريق والذى لا تفكر فى إيصاله وأنت فى سيارتك الخالية من الركاب
واجب أى مسلم هو أن يصنع المعروف فيمن يعرف وفيمن لا يعرف طالما أعطاه الله القدرة على عون أخيه سواء كان العون هو الجهد البدنى أو الجهد المالى أو غير هذا كما هو فى القول المعروف :
"اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى من ليس بأهله "
وفعل المعروف فى الأخرين ينقذ الإنسان أحيانا فهذا موسى( ص) عندما وجد الفتاتين عند الماء تدفعان الغنم والرجال يسقون قبلهم ولا يلتفتون إلى مساعدتهم مع أنهم يعرفون أنهما امرأتان وأنهما ابنتا شيخ عجوز قام على الفور دون معرفة مسبقة بمعاونتهم وسقى الغنم لهما
وفى هذا قال سبحانه :
"وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ "
ومن ثم جازاه الله على الخير بخير فمن ساعدهم هم من ساعدوه وأوجدوا لهم عملا وزواجا وفى هذا قال سبحانه :
" فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ"
وهذا العبد الصالح(ص) عندما دخل القرية فوجد فيها جدارا سيقع سارع إلى بنايته من جديد فعدله رغم ما قاله له موسى(ص) له من أن يطلب أجر على اقامته وهو بنائه وفى هذا قال سبحانه :
"فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا"
بالطبع عمل المعروف فى المسلم والكافر مطلوب إلا أن يكون معروفا فى عدو محارب فهذا لا يجوز عمل المعروف فيه لأنه يقتلنا أو يجرحنا أو ينهب أموالنا أو يحتل أرضنا أو ينتهك أعراض نساءنا...
ويروى فى ذلك حكاية مضحكة عن الحجاج بن يوسف الثقفى وهو حاكم ظالم كما تقول كتب التاريخ الكاذبة قتل مائة وعشرين ألف من المسلمين ظلما وزورا غير ألوف مؤلفة أخرين سجنهم وعذبهم
يقال :
أنه خرج يوم إلى النهر ليستحم وكان لا يعرف السباحة ودخل لعمق النهر وكاد يغرق فرآه شاب لا يعرفه وعلى الفور قفز إلى النهر وأخرجه قبل أن يغرق وبعد أن اطمأن الشاب عليه سأله الحجاج عن اسمه فأجابه وبينما كان ينصرف من المكان سأله الحجاج :
ألا تعرف من أنا ؟
قال :
لا
فقال :
أنا الحجاج بن يوسف الثقفى
ذهل الفتى من سماع الاسم وفكر ثم قال له :
اصنع لى معروفا كما صنعت فيك معروف الانقاذ من الغرق
فقال له الحجاج :
اطلب ما تشاء
فقال له الشاب :
لا تقل لأحد أنى أنقذتك لأنهم لو علموا سيقتلونى
ومن ثم لا يجوز عمل معروف فى العدو المحارب