هل آية الوضوء مدنية ؟
من الغرائب والعجائب فيما تعلمناه من كتب الفقهاء والمفسرين أن آية الوضوء في سورة النساء :
"يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا"
وآية الوضوء في سورة المائدة :
"يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون"
كلاهما من الآيات التي نزلت في المدينة وفى هذا قال القاضي أبو بكر ابن العربي في كتابه أحكام القرآن عند الكلام في تفسير آية الوضوء من سورة المائدة:
" لا خلاف بين العلماء أن الآية مدنية كما تقدم ذكره في سورة النساء، وأنها نزلت في قصة عائشة"
وهى عجيبة من العجائب وغريبة من الغرائب لأن الصلاة وهى مكية نزلت في السور المكية كما في قوله سبحانه :
" وذكر اسم ربه فصلى"
وقوله سبحانه :
" إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
وهذا الاجماع الذى ذكره ابن العربى وكتب في الكتب الأخرى كمواهب الجليل للحطاب وسبل السلام للصنعانى هو أعجوبة من أعاجيب الفقهاء تتعارض مع كتاب الله
فهل هناك صلاة بلا وضوء؟
الحطاب في مواهب الجليل استشعر خطورة القول فحاول أن يأتي بحل فقال أن الوضوء كان في مكة سنة وفى المدينة فرض
والسؤال كيف عرف الوضوء كسنة وهو لم ينزل في الوحى المكى كما يقولون ؟
بالطبع لا يوجد جواب عند الفقهاء
الحقيقة أن الله أنزل في القرآن المكى أمرا بالطهارة للصلاة التي هي قراءة القرآن في أصلها وفصلها حيث قال :
" فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه قسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون"
فسورة الواقعة مكية والآية " لا يمسه إلا المطهرون" توجب الطهارة وهى الوضوء أو الغسل
إذا الطهارة موجودة في القرآن المكى ومن ثم لا يمكن أن تكون آيات الوضوء مدنية وإنما هي آيات مكية لأن هذا يستلزم تكذيب فرض الصلاة في مكة
وأقوال الفقهاء في تلك الحالة أقوال خاطئة لا يعتمد عليها لمعارضتها كتاب الله خاصة مع تعدد ذكر الطهارة في الآيات المكية المختصة بقراءة القرآن كقوله سبحانه :
"كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره فى صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدى سفرة كرام بررة"
وقوله سبحانه :
" رسولا من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة"
وهناك آيات أخرى تذكر تطهير الثياب وإن كانت في الحقيقة لها تفسير بعيد عن الصلاة كقوله سبحانه :
" وثيابك فطهر"
والحديث الذى يحتجون به على نزول الآية في المدينة لا يتعلق بالوضوء وإنما يتعلق بالتيمم حيث قال ابن عبد البر في كتابه الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار:
23 - باب التيمم
100 - ساقه مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين ، أنها قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء ، أو بذات الجيش ، انقطع عقد لي . فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه . وأقام الناس معه . وليسوا على ماء . وليس معهم ماء . فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق ، فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناس وليسوا على ماء . وليس معهم ماء . قالت عائشة : فجاء أبو بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي ، قد نام فقال : حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس وليسوا على ماء . وليس معهم ماء وقالت عائشة : فعاتبني أبو بكر ، فقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي ، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح على غير ماء . فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم . فتيمموا . فقال أسيد بن حضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر . قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه . فوجدنا العقد تحته ." ص 141و142
وعنده أيضا :
" 3116 - ذكر فيه عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة حديثها في خروجها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره إذ انقطع العقد لها ، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملتمسا له مع الناس ، وهم على غير ماء ، ولا ماء معهم . وحضرت الصلاة - وهم على تلك الحالة - فنزلت آية التيمم ."
والحديث فيما يسمى كتب الصحاح كالبخارى فيه روايات عدة منها :
- خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، حتَّى إذَا كُنَّا بالبَيْدَاءِ، أوْ بذَاتِ الجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فأقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى التِمَاسِهِ، وأَقَامَ النَّاسُ معهُ، ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، وليسَ معهُمْ مَاءٌ، فأتَى النَّاسُ إلى أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقالوا: ألَا تَرَى ما صَنَعَتْ عَائِشَةُ، أقَامَتْ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبِالنَّاسِ، ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، وليسَ معهُمْ مَاءٌ؟ فَجَاءَ أبو بَكْرٍ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واضِعٌ رَأْسَهُ علَى فَخِذِي قدْ نَامَ، فَقالَ: حَبَسْتِ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسَ ولَيْسُوا علَى مَاءٍ وليسَ معهُمْ مَاءٌ، قالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أبو بَكْرٍ، وقالَ: ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَقُولَ وجَعَلَ يَطْعُنُنِي بيَدِهِ في خَاصِرَتِي، ولَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى أصْبَحَ علَى غيرِ مَاءٍ فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقالَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ: ما هي بأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يا آلَ أبِي بَكْرٍ، قالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الذي كُنْتُ عليه فَإِذَا العِقْدُ تَحْتَهُ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 4607 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (334)، ومسلم (367)
وأيضا :
خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، حتَّى إذَا كُنَّا بالبَيْدَاءِ أوْ بذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فأقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى التِمَاسِهِ، وأَقَامَ النَّاسُ معهُ ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، فأتَى النَّاسُ إلى أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقالوا: ألَا تَرَى ما صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أقَامَتْ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسِ ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، وليسَ معهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واضِعٌ رَأْسَهُ علَى فَخِذِي قدْ نَامَ، فَقالَ: حَبَسْتِ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسَ، ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، وليسَ معهُمْ مَاءٌ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أبو بَكْرٍ، وقالَ: ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَقُولَ وجَعَلَ يَطْعُنُنِي بيَدِهِ في خَاصِرَتِي، فلا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ أصْبَحَ علَى غيرِ مَاءٍ، فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا، فَقالَ أُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ: ما هي بأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يا آلَ أبِي بَكْرٍ، قالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الذي كُنْتُ عليه، فأصَبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 334 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
التخريج : أخرجه البخاري (334)، ومسلم (367)"
والأعجوبة الكبرى أن كل الروايات تتحدث عن آية التيمم:
" فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم فتيمموا"
"فنزلت آية التيمم"
"فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا"
"فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا"
ولا تتحدث عن آية الوضوء وكل الروايات تتحدث عن أنه لا ماء للوضوء في ذلك السفر وهو ما يعنى فرض الوضوء من قبل ومع هذا أصروا على أن آية الوضوء نزلت في المدينة بينما المفروض طبقا للروايات أن يقولوا أن الجزء الخاص بالتيمم يكون نزل في المدينة للخروج من الاشكال ولكنهم مجمعون على أن الآيات كلها نزلت في المدينة
أقول أن هذا كان حلا للإشكال عندهم ولكن الحقيقة أن الآيات كلها نزلت في مكة والروايات كاذبة لأن المسلمين كانوا يسافرون وهم في مكة في رحلات التجارة وغيرها وحتى في أثناء هجرتهم للمدينة وهى أحوال يتعرض فيها لندرة الماء