خواطر حول بحث حكم من مات قبل البعثة أو قبل أن يصله الدين
الكاتب هو عبد العزيز بن أحمد البجادى وموضوع البحث هو حكم من مات ولم يبلغه الإسلام سواء قبل البعثة المحمدية أو بعدها لوجود في مكان منقطع أو ليس فيه مسلمين يبلغونه الإسلام
وتناول أن القدامى كان يتحاشون التعرض للمسألة مبينا السبب حيث قال :
"فقد كان السلف يتحاشون الخوض في مسألتي أهل لفترة، وأطفال المشركين، حتى لقد روي عن ابن عباس – وبعضهم يرفعه – أنه قال: " لا يزال أمر هذه الأمة مواتياً أو مقارباً حتى يتكلموا أو ينظروا في الأطفال والقدر "
وكان ابن المبارك لما سمع قول ابن عباس هذا قال: " أفيسكت الإنسان على الجهل؟ " فقيل له: فتأمر بالكلام؟ فسكت، ولما تكلم ربيعة الرأي في أطفال المشركين قال القاسم بن محمد " إذا الله انتهى عن شيء فانتهوا وقفوا عنده" قال الراوي: " فكأنما كانت ناراً فانطفأت "
وكأن من منع الخوض في ذلك رأى أن العلم فيه مشتبه، ومتى اشتبه العلم وجب الإمساك بإجماع أهل السنة، ولهذا قال ابن القيم عن قول ابن عباس: " وبالجملة فإنما يدل على ذم من تكلم فيهم بغير علم، أو ضرب الأحاديث فيهم بعضها ببعض، كما فعل مع الذين أنكر كلامهم في القدر، وأما من تكلم فيهم بعلم وحق فلا يذم"
ومما تقدم نجد أن معظم القدامى سكتوا عن الكلام في المسألة بسبب الروايات السابقة وهى روايات تتعارض مع قوله سبحانه :
" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"
وتناول الموضوع الأول وهو أهل الفترة حيث قال :
إذا علم ذلك فقد تحصل من أقوال العلماء في مسألتي أهل الفترة، والأطفال ما يزول به الاشتباه، ويندفع الحرج عن البحث فيه، فأقول مستعيناً بالله:
المسألة الأولى: الحكم فيمن مات قبل البعثة، فمن كانت هذه حاله فهو من أهل الفترة، ويلحق به من مات قبل أن يصله الدين، والفترة هي الزمن الذي يكون بين رسولين، فلم يدخل أهلها في رسالة الأول، ولم يدركوا رسالة الثاني، قال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير)، وقد كانت الفترة بين عيسى ومحمد (ص)ستمائة سنة على ما في صحيح البخاري.
فمن كان من أهل الفترة فإما أن يكون قد بلغته دعوة نبي سابق، وإما أن لا يكون كذلك، فإن كان قد بلغته وآمن بها كقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل كان من أهل التوحيد بلا نزاع، وقد جاء عند البيهقي بإسناد صحيح عن أسماء أنها قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل وهو مسند ظهره إلى الكعبة، وهو يقول: ما منكم اليوم أحد على دين إبراهيم غيري، وكان يقول: إلهي إله إبراهيم، وديني دين إبراهيم، قال: وذكره النبي (ص)فقال:" يبعث يوم القيامة أمة وحده بيني وبين عيسى"
وإن كان ممن بلغته الدعوة فلم يؤمن بها، كعمرو بن لحي الخزاعي فهو من أهل النار، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً: " رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب"
وأما من لم تبلغه دعوة نبي ففي الحكم عليه بالنار قولان:
القول الأول: أنه في النار، وهو قول المعتزلة، وجه في مذهب أبي حنيفة قال به بعض أصحابه الماتريدية، واحتجوا لذلك بأمور:
أحدها: عموم الآيات القاضية بأن من مات كافراً فهو في النار، كقول الله تعالى: (ولا الذين يموتون وهو كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً)، وقوله تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به)، وقوله تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون، وقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
والجواب: أن هذه العمومات مخصوصة بقول الله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) وبغير ذلك مما يأتي بيانه إن شاء الله.
الثاني: حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعاً: " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها، فأذن لي "، فلو لم تكن من أهل النار لأذن له.
والجواب: أن منع الاستغفار لكونها مشركة، ولا نزاع في أنها مشركة، لكن النزاع في مصير مشركي أهل الفترة.
الثالث: حديث أنس عند مسلم: أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: " في النار "، فلما قفا دعاه، فقال: " إن أبي وأباك في النار"، ففي هذا الحديث تصريح بان كافر أهل الفترة في النار
الجواب: أن الحديث متناول لاثنين فقط، فيحتمل أنهما حصل لهما اطلاع على دعوة نبي سابق خارج الجزيرة أو في أطرافها، ولا يبعد ذلك عمن عرف بالرحلة للتجارة أو لغير ذلك، وأما ما عدا هما من مشركي أهل الفترة فباقون على حكم قول الله تعالى " (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)
القول الثاني: أنه ناج وهو قول جمهور السلف، الأئمة الأربعة وغيرهم وأبي الحسن الأشعري وأصحابه، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وابن حجر، وغيرهم، واحتجوا لقولهم بأمرين:
أحدها: عموم الآيات الدالة على أن الله لا يعذب أحداً قبل ورود الرسل، كقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)، وقوله تعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)، وقوله تعالى: (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير)، وقوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا)، وقوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير)
الثاني: حديث سعد بن عبادة في الصحيحين مرفوعاً:" ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين "
ثم إن هؤلاء القائلين بنجاتهم مختلفون هل يدخلون الجنة أو يمتحنون في عرصات القيامة، فيؤجج لهم نار، فيؤمرون بدخولها، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها فقد عصى الله، فيدخله الله فيها؟
وسبب خلافهم حديث الأسود بن سريع عند أحمد مرفوعاً:" أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة " فأما الأصم فيقول: ربي لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعُنه، فيرسل إليهم: أن ادخلوا النار " قال: فوا الذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً ".
فلو ثبت هذا الحديث لكان فاصلا في النزاع الأول والنزاع الثاني، ولكنه معتل المتن والإسناد، أما اعتلال المتن فهو أن فيه تكليفاً بالمحال، وهو دخول النار، والله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأما اعتلال الإسناد فهو الاختلاف على معاذ بن هشام، فقد رواه مرة عن أبيه عن قتادة، عن الأحنف، عن الأسود بن سريع ومرة عن أبيه، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة وكلتا الروايتين عند أحمد، وعلى التسليم بعدم الاختلاف فإن قتادة والحسن ثقتان مدلسان وقد عنعنا في روايتهما.
وأما ما ورد في معنى هذا الحديث مرفوعاً عن أنس عند أبي يعلى والبزار، وعن أبي سعيد عند البزار، وعن معاذ عند الطبراني، فلم يسلم إسناد أحدهما من ضعيف أو متروك. وبذلك يظهر أن الدليل مع من حكم بنجاة أهل الفترة دون امتحان لهم في الآخرة، لان الأصل عدمه، ولم يثبت في شيء من نصوص الوحيين، لا سيما وقد تضمن تكليفاً بالمحال، بل قال القرطبي:" إنه لا يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف "، وقال الحليمي:" ليس هذا الحديث بثابت، وهو مخالف لأصول المسلمين، لأن الآخرة ليست بدار امتحان" والله تعالى أعلم."
أما أهل الفترة فلا وجود لهم طبقا للقرآن لأن الله أرسل في كل أمة أى قرية رسولا كما قال سبحانه :
"ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا"
وقال أيضا"
"وإن من أمة إلا خلا فيها نذير"
ومن ثم كل الروايات التى تتحدث عن فترات بين الرسل (ص) لا أساس لها لأن الله أهلك كفار كل قوم وأنجى مسلميهم كما قال :
"فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إنى معكم من المنتظرين ثم ننجى رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين"
ولو افترضنا وجودهم ولا وجود لهم في الحقيقة فهم يحاسبون على نياتهم وهى تعمد قلوبهم طبقا لقوله سبحانه :
" ليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم"
فهم معذرون بالجهل في أخطاءهم ومن ثم يدخلون الجنة إذا علموا أن للكون خالق
وأما الذين لم تصلهم رسالة الله وهى الإسلام الأخيرة فهم أيضا يحاسبون على نفس الأساس وهى الحساب على تعمد القلب لأن هناك أمور متفق عليها بين البشر بدون رسالة كتحريم القتال والسرقة واكرام الكبار والعطف على الصغار
وأما الأطفال فقد تناولهم ناقلا الأقوال فيهم حيث قال :
"المسألة الثانية: حكم من مات طفلا، فليس بين العلماء نزاع في أن الطفل من أطفال المسلمين إذا مات أنه في الجنة، نقل الإجماع في ذلك الإمام أحمد، وأكده جماعة كابن تيمية وغيره، إلا أن النووي نقله إجماع من يعتد به، وكأنه نظر إلى نزاع الحمادين وابن المبارك وإسحق وبعض المتكلمة، فقد نقل عنهم التوقف في ذلك، لحديث عائشة عند مسلم قالت: توفي صبي من الأنصار، فقلت: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل بالسوء، ولم يدركه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أو غير ذلك يا عائشة! إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم.
وقد أجاب جماعة من العلماء بأن الحديث محمول على الزجر عن التسرع في القطع من غير دليل، أو بأن النبي (ص)قال ذلك قبل علمه أنهم في الجنة، ثم قال: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الجنة بفضل رحمته إياهم "، أخرجه البخاري من حديث أنس.
ولم يتنازع العلماء أن من مات من أطفال المسلمين له في الدنيا حكم المسلمين، وإنما خالف مالك في ذلك إذا كان أبوه كافراً وأمه مسلمة فلم يجعل له حكم المسلم، والجمهور على أنه له حكم المسلم ما دام أحد والديه مسلماً.
وأما من يموت من أطفال المشركين فلم يشتهر بين السلف خلاف في الحكم عليهم بالكفر، وإنما الخلاف المشهور عنهم في الحكم عليهم بالنار أو الجنة، والمأثور عنهم في ذلك أقوال، لكنها تجتمع عند التأمل في قولين:
القول الأول: أنهم في النار، وهو قول جماعة من المتكلمة وأهل التفسير، وخطّأ السبكيُ النوويَ في نسبته هذا القول إلى الأكثر، وغلّط ابن تيمية من عزاه إلى أحمد، وإنما هو قول أبي يعلى من أصحابه، ودليل هذا القول أمور:
أحدها: قول الله تعالى: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً)، فإذا كان الكافر لا يلد إلا كافراً كان الوالد والمولود في النار.
والجواب: أن نوحاً (ص)يئس من أن يلقى أحداً من قومه يؤمن بما جاء به، ومعلوم أن الأطفال لا يعرض عليهم الدين صغاراً حتى يكبروا، وإنما أيقن نوح أن كل من يلده قومه يرد رسالة ربه بعدما يبلغ الحنث، فأطلق وصف الكفر عليه باعتبار ما سيكون.
الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الوائدة والموؤودة في النار "، وفي لفظ: " إلا أن تدرك الوائدة الإسلام، فيغفر الله لها؟ "
ومعلوم أن الموؤدة من أطفال لمشركين، وقد حكم عليها النبي (ص)بالنار.
والجواب: أن الحديث أخرجه أبو داود من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي مرسلاً، ثم علقه أبو داود عن زكريا، عن أبي إسحاق السبيعي عن الشعبي، عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعاً،- وبهذا لو لم يكن
معلقاً - وهو كذلك عند الطبراني في الكبير من طريق ضعيفة – لما صح الاحتجاج به لاختلاط أبي إسحق، لا سيما وقد خالفه داود بن أبي هند عند أحمد، فجعله من مسند سلمة بن يزيد، لا من مسند ابن مسعود، وكأن حديث ابن أبي هند حرياً بالقبول لولا أن إسماعيل بن أبي خالد خالفه – كما في علل الدار قطني – فرواه عن الشعبي عن ابني أبي مليكة، دون ذكر لعلقمة ولا لابن مسعود، وله طرق عن غير الشعبي عند أحمد والبزار وغيرهما مضطربة، فتبين بذلك أنه لا يصح له إسناد.
لكن لو سلم بصحة إسناده فإنه – كما يقول ابن عبد البر- محتمل أن يكون خرج على جواب السائل في عين مقصودة، فكانت الإشارة إليها، يريد أنها مثل الغلام الذي قتله الخضر، وهو كذلك فإنه برواية أحمد بلفظ: " إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل وتفعل، هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: "" لا "، قال: فإنها كانت وأدت أختاً لنا في الجاهلية، فهل ذلك نافعها شيئاً، قال: الوائدة والموؤدة في النار، إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فبعفو الله عنها ".
الثالث: حديث عائشة عند أحمد: أنها ذكرت لرسول الله (ص)أطفال المشركين، فقال: " إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار: أي أصواتهم.
الجواب: أنه من رواية أبي عقيل بن المتوكل عن بُهَيَّة، عن عائشة، وأبو عقيل ضعيف فلا حجة في حديثه.
الرابع: حديث علي، قال: سألت خديجة رسول الله (ص)عن ولدين لها في الجاهلية فقال: "هما في النار "، فلما رأى الكراهية في وجهها قال: " لو رأيت مكانهما أبغضتهما "، قالت: يا رسول الله فولداي منك؟ قال: " في الجنة "، ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار" ثم قرأ: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين"."
والجواب: أن هذا الحديث أخرجه أحمد من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن زاذان، عن علي، ومحمد بن عثمان مجهول، وزاذان لم يدرك علياً فلا حجة في هذا الحديث.
القول الثاني: أنهم ناجون، وهو قول مالك، وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد، واختاره كثير من المحققين، كالبخاري، وابن حزم وابن تيمية وابن القيم وابن حجر، وغيرهم ودليلهم أمور
أحدها: عموم الآيات القاضية بأن الله لا يعذب من لم يرسل إليه رسولاً، وقد تقدم سردها.
الثاني: قول الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فكيف يعذب الله الأطفال لأجل شرك آبائهم؟
الثالث: حديث سمرة عند البخاري مرفوعا: " والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس "، وأولاد الناس " لفظ عام يشمل أولاد المسلمين وأولاد المشركين.
وقد اختلف أصحاب هذا القول، هل يدخلون الجنة، أو يمتحنون بنار تؤجج لهم، كما في المسألة السابقة؟ والقول في هذه استدلالاً وجواباً كالقول في تلك، وقد ترجح هناك أن الامتحان لم يثبت بدليل صحيح فلا يصح القول به، وهو كذلك هنا، وقد قال ابن عبد البر في الحديث المسوق هناك: " ليس من أحاديث الأئمة الفقهاء، وهو أصل عظيم، والقطع فيه بمثل هذه الأحاديث ضعيف في العلم والنظر، مع أنه عارضها ما هو أقوى منها".
هذا وقد نقل عن بعض المتقدمين التوقف عن اختيار قول في هذه المسألة، فسكت بعضهم، وقال آخرون: الله أعلم بهم، وقال آخرون: هم تحت المشيئة، تأولاً لحديث أبي هريرة في الصحيحين مرفوعاً:" الله أعلم بما كانوا عاملين "، وليس السكوت عند المحققين قولاً، ثم إن المراد بالحديث: أن الله يعلم ما سيعملونه لو عاشوا، أو أن الله يعلم ما سيعملونه عند الامتحان في الآخرة، على القولين في إثبات الامتحان وليس المراد به أن النبي (ص)قد توقف في أمرهم.
وأما ما نقل عن بعضهم أن أطفال المشركين من أهل الأعراف، فليس قولاً مخالفاً للقولين المتقدمين، لأن الأعراف ليست قراراً، فأهلها يؤولون إما إلى الجنة، وإما إلى النار.
قال ابن تيمية:" لا أعرفه عن خبر، ولا أثر، ولا يعارضه ما مر من قوله تعالى: (ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) لأنه مختص بحي عاش منهم إلى أن يبلغ"، وقال السبكي: " هذا القول لا أعرفه، ولا أعرف حديثاً ورد به، ولا قاله أحد من العلماء فيما علمت".
وأما ما نقل عن بعضهم أنهم خدم أهل الجنة فليس قولاً، وإنما فيه حديث عن أنس وسمرة مرفوعاً، وعن سلمان موقوفاً، وعن طاؤوس مرسلاً، ولم يصح فيه شيء، فأما حديث أنس فأخرجه أبو داود الطيالسي وأبو يعلى من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس، والرقاشي ضعيف، وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق مقاتل بن سليمان، عن قتادة، عنه، ومقاتل قد أجمعوا على تركه، وأما حديث سمرة فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق عباد بن منصور، عن أبي رجاء، عنه، وعباد ضعيف، وأما حديث سلمان فأخرجه معمر في الجامع عن قتادة، عن الحسن، عنه، وقتادة والحسن قد عنعنا في الإسناد وهما مدلسان، ولو صح فهو موقوف على سلمان، وأما حديث طاؤوس فأخرجه معمر في الجامع عن ابن طاؤوس عن أبيه، وهو مرسل، قال بن القيم:" روي فيه حديث لا يثبت".
والحاصل: أن القول الثاني أظهر القولين، وهو أنهم ناجون، وأنه لا يصح الجزم بأنهم يمتحنون يوم القيامة، بل التحقيق نفي وقوعه"
ومما سبق نجد أن الروايات متعارضة ولا فائدة من معرفة الحكم منها والأطفال لا يحاسبون لكونهم سفهاء كما قال سبحانه :
" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"