مراجعة لبحث أسطورة التيجان الثلاثة
الكاتبة هى منال عبد الحميد وموضوع البحث هو عمل روائى لكاتب يسمى م ر جيمس اسمه تحذير إلي الرجل الفضولي وقد ابتدأت الكاتب بالكلام عن سيرة حياة الكاتب حيث قالت:
"في عام 1925 ظهرت إلي النور مجموعة قصصية جديدة تحمل عنوان (تحذير إلي الرجل الفضولي) أو A Warning to the Curious بقلم الكاتب " مونتاجو رودس جيمس "، الذي يحمل الجنسية البريطانية، وقد ولد في عام 1862 وتوفي، وهو في الثالثة والسبعين من عمره، في عام 1936 .. وقد عُرف عن " مونتاجو رودس جيمس "، أو كما أشتهر بالاختصار الذائع الصيت M. R. James ميله للكتابة عن الرعب والخوارق، وأشتهر بمزجه ما بين قصص الأشباح العتيقة، التي خلصها من التأثيرات القوطية التقليدية، وبين علم الآثار الذي تخصص فيه باعتباره باحث ومحقق في تاريخ العصور الوسطي.
الكاتب م. ر. جيمس قصص " م ر جيمس "، التي يعتبرها البعض من طراز القصص القرأوسطية العتيقة، تحمل بريقا خاص لرجل أطلع على خفايا التاريخ وقصصه الغامضة، ومن هنا جاءت السمة المميزة لمجموعاته القصصية المتوالية مثل (قصص أشباح جامع التحف) 1904، و (المزيد من قصص أشباح جامع التحف) 1911، و (الشبح النحيف وقصص أخري) 1919،و (تحذير إلي الرجل الفضولي وقصص أخري) والتي صدرت في 1925
حبكات قصص " م ر جيمس " خلقت عالما خاصا به، له تفاصيله المميزة، إلي حد أنه ظهر مسمي أدبي جديد هو الجيميسيات أو Jamesian (والتي تعني قصصا لها طابع خاص، والتي تقاربت تفاصيلها لدي كلا من " مونتاجو جيمس " و" هنري جيمس ") والتي حملت سمات متشابهة مثل: حدوثها في قري قديمة أو بلدة مطلة على البحر، وتقع غالبا في إنجلترا، أو بلدة صغيرة أو دير في فرنسا أو السويد أو الدانمارك، أو تستبدل القرية أو البلدة بدير أو جامعة .. البطل لابد أن يجمع بين الحصافة والسذاجة، وأن يعثر على كتاب أو مخطوط قديم يرشده للكشف عن أسرار عتيقة، غالبا ما تكون مروعة أو مرتبطة بالرعب بشكل ما، والنهاية لابد أن تكون مثيرة للرعب والتأسي على مصير البطل الذي يكتسب، دون أن يدري أو يقصد في غالبية الأحوال، عداوة خطر قديم كامن يكون غالبا على شكل شبح أو روح مترصدة شريرة .. وكل هذه السمات المميزة نجدها متمثلة بشدة في قصة (تحذير إلي الرجل الفضولي)."
وحكت لنا الكاتبة ملخص ما جاء فى العمل الروائى عن حكاية التيجان الثلاثة حيث قالت :
"تحذير إلي زائر سيبورج الفضولي!
غلاف المجموعة القصصية تدور قصة (تحذير إلي الرجل الفضولي) في نزل هادئ ببلدة صغيرة تسمي (سيبورج) Seaburgh ، والتي تقع في منطقة (شرق انجليا) East Anglia حيث يقضي صديقان عطلة لطيفة هادئة في نزل صغير يكاد لا يوجد به نزلاء سواهما .. أحد الرفيقين ينتمي لتلك المنطقة العتيقة، ومطلع بشكل جيد على أساطيرها وقصصها القديمة الغامضة، ومن بينها قصة (التيجان السكسونية الثلاث)، التي تم دفنها في أرض المنطقة، عبر الساحل، كنوع من التعويذة الحامية ضد الجرمان الذين تمنعهم القوة السحرية للتيجان من أن تطأ أقدامهم أرض المنطقة ..
وحين يقوم الراوي الأول بزيارة إلي أحد الكنائس القديمة بالبلدة يخبره القس بالمزيد عن قصة التيجان الثلاثة، ويعلمه باسم العائلة التي توارثت حراسة التيجان، أو ما تبقي منها، أبا عن جد، وهي عائلة " آجر "، التي مات آخر أفرادها " وليام آجر " عن ثمانية وعشرين عاما دون أن يعقب وريث، مما يعني أن التاج المتبقي قد صار بلا حراسة الآن .. وفي مصادفة طبيعية، تمتلئ تلك النوعية من القصص بها، يتعرف الرفيقان على شخص ثالث يقيم معهما في الفندق، وهما لا يكادا يعرفان عنه شيئا، وهو يدعي " باكستون "، يمتلئ مسلك السيد " باكستون " بالأمور المريبة، ويبدو واقعا تحت تهديد من نوع ما .. بعد أن يتعارف الثلاثة بشكل يسمح للضيف الثالث أن يمنحهما قدرا من الثقة يُفضي إليهما أخيرا بالسر الذي يؤرقه: لقد غامر هذا الرجل بالحفر في أعالي تل منعزل يطل على (سيبورج)، مسترشدا برسالة تركها آخر أفراد أسرة " آجر " في كتاب صلوات يرجع إلي القرن السابع عشر وجده بصدفة حسنة لدي بائع كتب وذخائر قديمة، وبتدخل قدر من حسن الحظ يضع " باكستون " يده أخيرا على آخر تاج ساكسوني مدفون في شرق انجليا لحمايتها من أقدام الجرمان الغليظة!
تحذير إلي الرجل الفضولي .. المعرفة أيضا لها ثمن فادح! لكن الرجل لا يبدو سعيدا أو فخورا بكشفه، إنه يعاني من مطاردة وجود غامض، غير مادي، يلازمه منذ أن قرر البحث والتنقيب خلف سر التاج .. وحتى عندما يقوم بعرض التاج على رفيقيه في النزل، بعد طلب مباشر منهما، يصر على ألا يدعهما يلمساه معتذرا بأن ذلك لمصلحتهما .. وأخيرا يصارحهما بسره الكبير: إنه يبحث عن طريقة آمنة لإعادة التاج إلي مكانه الأول!
يظن به الرفيقان ظنونا كثيرة في البداية، ولكن بعد أن يطلعا على معاناته غير الطبيعية، يقررا مساعدته .. يعاوناه في الوصول إلي التل، ويقدمان له كل مساعدة، حتى يرقد التاج أخيرا في نفس الموضع الذي أُنتزع منه .. لكن الأمر لا ينتهي بتلك الترضية الكبيرة للقوي الخارقة التي تحرس التاج!
تبدأ حالة " باكستون " في التحسن، ويتفق مع الرفيقان ذات يوم على القيام بنزهة في الأراضي المحيطة بالنزل .. لكنه يغادر المكان قبلهما، تلبية لصوت ينادي اسمه وقد ظنه صوتهما، ثم يُعثر عليه بالقرب من حصن قديم مصابا بعدة إصابات جسيمة وقد فارق الحياة!
المرعب هو الشهادة التي يدلي بها خادم الفندق، الذي شاهد " باكستون " يتتبع شخصا غير مريء، ويستدير في أحد مراحل الطريق ليلقي بنفسه عليه .. يتفق الصديقان على عدم الإدلاء بأي بيانات حول ما جري فعلا ويدُفن " باكستون "، بعد أن تقيد قضية مقتله ضد مجهول، ويُدفن سره معه ويقرر الصديقان ألا يعودا إلي تلك البلدة الملعونة مرة أخري!
لكن هل حقا كانت هناك ثلاث تيجان تحمي الساحل في تلك المنطقة من هجمات الجرمان في العصور الغابرة؟!"
وبالطبع خرافة التيجان الثلاثة الحامية من غزو الجرمان أكذوبة فلا وجود لشىء يحمى من الغزو سوى الاستعداد للعدو بالقوى المختلفة
وحكت الكاتبة الخرافة حيث قالت :
أسطورة التيجان الثلاثة:
عندما آتي الجرمان ومعهم الذعر! تقع منطقة (شرق انجليا) في شرق دولة إنجلترا، وتحديدها الجغرافي مثار جدال، لكنها، وبحسب الرأي السائد تشمل مقاطعات (نورفولك) و (سوفولك) و (كمبرديج شاير) .. تأسست المملكة بشكل تاريخي موثق، بعد فترة من حكم سلالة ويفنجا Wuffinga ، تحت حكم " ردوالد "، وهو أول من تنصر من ملوك المنطقة، في أوائل القرن السابع، وقد ظلت المملكة تنعم باستقلالها حتى عام 879 حينما هاجم الفايكنج المملكة، واشتبكوا مع جيشها في معركة انتهت بهزيمته ومقتل الملك " إدموند " .. وبعدها سكن الفايكنج أراضي شرق انجليا، وبعد عدة تطورات تاريخية تضمنت معارك وخلافات بين الفايكنج وحروب ضد الدانمركيين المقيمين في شرق انجليا، دخلت المنطقة في طاعة "إدوارد " ملك إنجلترا، وصارت من ضمن أراضيها، وأضحت إيرلية Earldom .
تتلخص قصة أو أسطورة (التيجان الثلاثة) في أن هناك ثلاثة تيجان لها قوة خاصة، صُنعت في الحقبة الساكسونية، وتم توزيعها في ثلاثة مرتكزات أساسية حول إنجلترا لمنع نزول الجرمان على الساحل، تمضي الأسطورة فتؤكد أن أحد التيجان الثلاث قد عُثر عليه في (ريندلشام)، وهو ما ذكره " م ر جيمس " في قصته، والثاني قد أختفي، ربما عن طريق طغيان البحر على أجزاء من الساحل، ولم يعرف مصيره، وربما يكون قد تحلل نتيجة عوامل جوية، أما الثالث فلم يتم معرفة مكانه أبدا.
لم تستأثر منطقة شرق انجليا بأسطورة التيجان الثلاثة، ففي مناطق أخري توجد أيضا أساطير مشابهة، أو مطابقة في بعض الأحيان ففي السويد يعتبر شعار (التيجان الثلاثة) أو Tre Kronor شعار رسميا يعبر عن الإتحاد بين القوي الثلاث (الملك والبرلمان وحكومة السويد) .. وقد أرجع البعض هذا الشعار إلي " ألبريكت أوف مكلنبورغ " الذي حكم السويد بين عامي 1366 و 1389، مشيرا به إلي إتحاد (السويد وفنلندا ومكلنبورغ)، لكن اكتشافا حدث في فرنسا 1982، في أفنيون، حيث عُثر على إفريز يعود إلي عام 1336 م يؤكد أن العلم السويدي أحتوي على شعار التيجان الثلاثة منذ عهد سلف " ألبريكت " وربما قبل ذلك بنحو نصف قرن.
ولندرك أهمية شعار التيجان الثلاثة فيجب فقط أن نعرف أنه وبسبب تجرؤ ملك الدانمارك " كريستيان الثالث " على وضع الشعار وتزيين معطفه به، ثارت حفيظة ملك السويد " جوستاف فاسا " وأنتهي الأمر، بعد صراع دبلوماسي عرف بنزاع التيجان الثلاثة، باندلاع حرب استمرت سبع سنوات بين البلدين، وانتهت بالاتفاق على أحقية كلا البلدين في استخدام الشعار الذي صار يرمز، من ضمن أشياء أخري، لإتحاد دول اسكندنافيا الثلاث.
في وسط ستوكهولم عاصمة السويد والدانمارك أيضا تستخدم شعار التيجان الثلاثة، وكان من عادات بحرية مملكة الدانمارك أن توجد ضمن سفنها واحدة تحمل اسم (التيجان الثلاثة) ..
وأمتد الاسم إلي حصن Trekroner (التيجان الثلاثة) الذي يحمي ميناء كوبنهاجن!
كذلك فإن مقاطعة (جاليسيا) التي تم تقسيمها بين بولندا وأوكرانيا كان لديها تقليد يقضي بأن يرتدي الجنود معاطف عليها درع أزرق مع ثلاثة تيجان ذهبية .. وتم إرجاع هذا التقليد إلي عدة أسباب وعوامل تاريخية ..
وبرغم انتشار شعار التيجان الثلاثة، ووصوله عبر أوربا إلي مناطق عدة، من اسكندنافيا حتى ألمانيا وفرنسا، بل حتى روسيا وأيرلندا، لكن يبقي لتيجان شرق انجليا الثلاثة الشهرة الأعظم والأهم .. خاصة بعد أن خلد القصة كاتب بارع بحجم " م ر جيمس ". "
وبعد هذا السرد التاريخى لحكايات التيجان الثلاثة اعترفت الكاتبة بأنه لا يوجد اصل لحكاية جيمس تحذير عن الرجل الفضولى وما فيها من كلام عن التيجان الثلاثة حيث قالت:
"عود على بدء: هل أخترع جيمس القصة؟!
رأينا كيف أن شعار التيجان الثلاثة هو شيء جد شهير ومنتشر، وقد استخدمته عدة دول وممالك، وحمله جنود وقادة ينتمون إلي دول كثيرة مختلفة ومتباينة الحضارة في أوربا، بل إن النزاع بشأنه كان سببا في اندلاع حرب بين مملكتي السويد والدانمارك، ووجدنا أن الشعار مطبوع منذ عصور سحيقة على علم شرق انجليا، حينما كانت مملكة مستقلة، وحتى بعد أن فقدت استقلالها وأصبحت مجرد مقاطعة تابعة لبريطانيا العظمي .. ولكن القصة التي حكاها " باكستون " وزملائه في عمل " مونتاجو رودس جيمس " الشهير ليست لها أسانيد حقيقية!!
لم يذكر الكاتب أي مرجع تاريخي أشار إلي قصته حول تيجان ثلاثة مدفونة لحماية ساحل شرق انجليا من هجمات الجرمان، ولا جري الحديث، بشكل تاريخي موثق، عن العثور على التاج ضمن كنز ريندلشام المشكوك بأمره .. وعوضا عن ذلك رأينا شعار مرتبط بهويات ورموز قومية مختلفة، ولا يتصل بأي شكل بقصص عن تيجان ذات قوة خارقة تحمي سواحل يلفها الضباب والغموض!"
وتناولت الكاتبة أن الحكاية لا تزيد عن كونها اتحاد بين ثلاث دول حيث قالت :
"التيجان الثلاثة بحسب جولتنا البسيطة هي في غالبها رمز لإتحاد دول أو ممالك ولا شيء يعزز قصة " باكستون " المأساوية!
في معرض مناقشة هذه الفرضية لا يجب أن ننسي أن مؤلف (تحذير إلي الرجل الفضولي) هو متخصص في الآثار والتاريخ القديم أصلا .. ولن يشق عليه اختراع حبكة لقصة تبدو تاريخية وحقيقية جدا، وإلباسها ثوب الوثائق المعتمدة، دون أن يتفوه بحرف حول المصدر الذي أستقي منه تلك الأسطورة المثيرة، سواء كان مخطوطات قديمة أو تحف، أو جداريات أثرية، أو أحجار منقوشة قديمة .. أو حتى يختصر الأمر ويدلنا على المكان الذي يقبع فيه الكنز، الذي عُثر عليه برفقة التاج الوحيد الناجي، ويقدم لنا معلومات مفيدة حول مكان وجوده أو عرضه الآن! "
وتكلمت الكاتبة ع، جيمس اختلق الحكاية حيث قالت:
"فكرة اختلاق " م ر جيمس " للقصة واردة بشدة، وقد أشار إليها بعض من كتبوا حول قصته تلك باستفاضة، مؤكدين على عدم وجود أي سند تاريخي لفكرة التيجان الثلاثة التي تحرس الساحل من غزوات الأعداء ..
وليس أمامنا إلا انتظار كشف أثري ربما يغير وجهة النظر هذه، ويؤكد على صحة قصة " باكستون " ورفاقه .. وخلال ذلك لابد لنا من الاعتراف بأن السيد " جيمس " قد حبك الأمر جيدا .. وأنه قدم قصة مقنعة من كل الوجوه .. وحتى وإن لم تكن صحيحة بالمرة!"
,انهت البحث بأن هناك نظرية تقول أن التيجان ما هى إلا ثلاثة حصون تحمى الساحل حيث قالت:
"ملحوظة:
طبقا لنظرية حديثة يعتقد أن الثلاث تيجان المصورة على علم مملكة شرق انجليا ربما ترمز لثلاثة حصون كانت تحمي الساحل وليس إلي ثلاثة تيجان سكسونية حقيقية"