خواطر حول مقال رحلات لا تصدق: عودة الحيوانات بعد ضياعها
موضوع المقال هو أن الحيوانات التى تربى في البيوت إذا خطفت أو ضاعت لسبب ما غير الخطف بعض منها يعود لنفس البيوت وقد ابتدأ المقال بالكلام عن ذلك حيث قال :
"تظهر بعض الحيوانات المدللة قدرة مدهشة تتمثل بالعودة إلى المكان الذي كانت تحيا فيه تحت رعاية أصحابها وذلك بعد ضياعها أو تخليهم عنها لمسافات طويلة جداً قد تصل إلى مئات الكيلومترات، لا يمكن تفسير تلك القدرة بأي من الحواس الخمس كالشم مثلاً إذ يزعم الكثير من الناس أن الحيوانات تمتلك قدرات نادراً ما نستخدمها نحن البشر خصوصاً تلك التي تقع خارج نطاق الحواس الخمس، كما لم تفلح الأبحاث العلمية لحد الآن في تقديم أي تفسير منطقي لتلك القدرة المذهلة"
والمقدمة تنفى أن سبب العودة هو حاسة الشم وهو كلام حقيقى فالحيوانات المرباة في البيوت إذا كانت حرة في التنقل في البيت والخروج إلى السطوح والشوارع ثم العودة فإنها من كثرة تكرار تلك الخروجات تتعلم تمييز الشوارع أو السطوح مثلما تتعلم حيوانات الحقل كالحمار أو البغل أو الحصان أو البهائم الذهاب للحقل وتعود منه وحدها دون أن يرشدها أحد حتى وإن أصبحت المسافات بالأميال والفلاحون يعرفون ذلك حتى قالوا :
التكرار يعلم الحمار
ومن ثم فالخاطفون أو من وجدوا تلك الحيوانات عندما يتركون الحيوانات على حريتها أو تقوم هى بالهروب منهم تظل تجرب الطرق المختلفة للعودة للبيت الذى تربت فيه وإذا كانت المسافة قريبة فإنها تعود بعد عدة أيام وأما إذا كانت المسافة بعيدة فهذا يأخذ منها مجهود كبير من التجريب ومن ثم قد تعود بعد شهر أو أكثر
وحكى كاتب المقال الحكايات التالية عن حيوانات ضاعت ثم رجعت حيث قال :
"والقصتين التاليتين تلقيان الضوء عليها:
الكلبة ليدي/في شهر مايو 1992 كانت عائلة ريسغراف في رحلة تخييم بالقرب من منتجع بحيرة بير هيد الوطني في ولاية منيسوتا الأمريكية برفقة كلبتيهما المدللتين، الأولى من صنف كولي (نفس صنف الكلبة التي كانت تظهر في مسلسل لاسي الشهير) وتدعى ليدي أما الثانية فكانت من صنف شيبارد البلجيكي وتدعى ولفكا. كان وقتاً ربيعياً حيث بدأت الثلوج بالذوبان من البحيرة وأوراق الأشجار الخضراء بالتبرعم وهو وقت مثالي لقضاء العطلة. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تخيم فيها العائلة إذ سبق لها أن خيمت في ذلك المكان لعدة مرات. وشعرت العائلة بأن المكان آمن ولا شيء يدعو للقلق فأطلقوا الكلبتين وكان من عادتيهما العودة في غضون ساعة واحدة تقريباً، لكن هذه المرة لم تعودا على الإطلاق وفي اليوم التالي حدث حريق في الغابة كان على بعد كيلومترات قليلة فقط من الجنوب الشرقي لمكان تخييم العائلة، واقتربت ألسنة النيران نحوهم فأدركوا ضرورة أن يخلو المكان فوراً. وعلى مدار 3 أيام كان الحريق خارجاً عن السيطرة واحترق خلال ذلك 9000 فدان من الأراضي. ومن منزل العائلة في دولوث (يبعد حوالي 164 كيلومتر) كانت العائلة تترقب أية أخبار تصلهم عن الكلبتين. يقول جون ريسغراف:"اتصلنا بوالد سوزان وطلبت منه أن يرجع إلى مكان تخييمنا لعدة مرات عسى أن يجدهما هناك، وكان أملنا أن يعثر عليهما ولكنه لم يوفق في ذلك بعد ذهابه لعدة مرات"، وبعد حوالي أسبوعين من اختفاء الكلبة ليدي، تلقت سوزان إتصالاً من شخص يعلمهم بأن هناك كلبة بائسة وجائعة من صنف كولي تجول حول ضواحي دولوث وموجودة الآن في باحة منزله (يبعد 24 كيلومتر)، كان المتصل يسأل سوزان:"هل كلبتكم من صنف كولي واسمها ليدي وهل هذا رقم هاتفكم؟ "، فأجابت سوزان:"نعم، هل تعلمون بأن تلك الكلبة قطعت أميالاً طويلة لتكون في باحة منزلكم؟! ".وهكذا بعد 13 يوماً انضمت الكلبة ليدي لعائلتها وتناولت الصحف قصة رحلتها المذهلة والطويلة، وأثناء رحلتها الطويلة كانت العائلة ريسغراف تتلقى أخباراً عن كلبتهم من عدد من الأشخاص كانوا قد لمحوها ومنها ما وصلهم من عامل سكك حديدية إذ أخبر العائلة بأنه لمح كلبة من نوع كولي (على بعد 50 كم من مكان التخييم) وبعدها بأسبوع تلقت العائلة أيضاً خبراً من أحدهم مفاده أنه لمح الكلبة بالقرب من مكان قديم لقطع الأخشاب (يبعد حوالي 24 كم من دولوث)، ووفقاً لتلك الوقائع تكون الكلبة ليدي قد قطعت ما مجموعه 245 كم، تقول سوزان أنها لم تكن تشك بأن ليدي ستتمكن من العودة أخيراً إلى المنزل بطريقة أو بأخرى. وتضيف قائلة:"عثرت على منزلها، وهي هنا لتبقى بعد أن مشت مسافة طويلة جداً وكأنها أدركت أننا عائلتها التي تفتقدها كثيراً". لم تعلم عائلة ريسغراف أي شيئ عن مصير كلبتهما الثانية ولفكا ولكنهم يأملون بأن يتولى أحد الغرباء رعايتها. "
والسبب هنا ظاهر وهو أن تلك العائلة أخذت الكلاب معها مرات كثيرة للمكان ولابد أنهم كانوا يسلكون نفس الطريق ومن ثم حفظت الكلاب من خلال النظر علامات الطريق الظاهرة ومن ثم عادت من خلال تكرار تلك الرحلات
وحكى الحكاية الثانية حيث قال :
"على أية حال لا يقتصر وجود تلك القدرة الغريزية على الكلاب فقط. فالقصة التالية تروي ما حدث للقطة نوفا.
القطة نوفا
تعتبر سو أندرسون في بالتيمو من ولاية ماريلاند من محبي الحيوانات وهي تتذكر عندما كانت في جولة حول البلاد في فصل الربيع من عام 1992 وكانت تحمل معها في السيارة أغلى ما لديها وهم قططها الخمس، تقول سو:"لدي بوس وسندريلا ووولي وبوغر ونوفا وسترادوست، وهم بمثابة أطفالي إلى حد ما، وعندما يتعلق الأمر برعاية الحيوان أشعر بأن هناك مسؤولية ملقاة على كاهلي إلى أن يموت". كانت سو تسافر مع أخيها الذي كان متجهاً نحو الغرب الأمريكي وكانت تلك المرة الأولى التي تبتعد فيها كثيراً عن حيواناتها (مسافة أطول من أي عيادة بيطرية مجاورة)
تقول سو:"حصلت على نوفا قبل حوالي 4 سنوات، أذكر أنها كانت خارج شقتي وكانت ملتصقة بي كثيراً، ومنذ ذلك الحين نشأت بيننا علاقة قوية جداً." وبعد مضي 10 أيام من رحلتهما على الطريق وصلت سو وأخيها إلى كاليفورنيا، وهناك توقفا ليرتاحا ويقضيا ليلتهما، حيث كانا على بعد 328 كيلومتر تقريباً من موديستو الوجهة الأخيرة لرحلتهما، قررا النوم حتى مجيء الصباح قبل أن يتابعا سيرهما، استيقظت سو لتكتشف أن نوفا ليست معها. فشعرت بالإنهيار فهي في مكان غريب لم يسبق لها أن كانت فيه كما كانت قلقة كثيراً على حياة قطتها ولكن لم يجدي البحث عنها نفعاً على الرغم من محاولتها هي وأخيها. لحوالي ساعة كاملة. تقول سو:"كنت قلقة وخائفة جداً عليها، ومنزعجة لكل ما حدث". وعندما أخبرت سو أحد العمال هناك عن نوفا أعطاها صورة قط أسود كتذكار، وكان الناس يقولون لـ سو أن عليها أن تكون واقعية فهي لن ترجع إليها أبداً وأن لا تحلم بعودتها، فقالت لهم:"حسناً، ربما تستطيع يوماً أن تعود إلي". وبعد مرور سنة كاملة على ما حدث وتحديداً في 16 يوليو 1993 عثر أحدهم على القطة نوفا فيما كانت سو تتابع حالة قطتين شاردتين خارج مكان عملها، فهل استطاعت نوفا قطع أكثر من مسافة 400 كيلومتر لتجد مربيتها؟ ترد سو على ذلك بأنها فعلاً استطاعت ذلك. عرفت سو قطتها وتقول:"هناك شامة داخل أذنها ولديها 5 أو 6 خصلات من الشعر الأبيض على صدرها. وهي سمحت لي بالنظر إلى مخالبها، أستطيع معرفتها من مخالبها. كل تلك الأشياء تدل على أنها فعلاً قطتي". ولكن يبقى السؤال كيف نفسر رحلة نوفا المذهلة؟، لدى الخبيرة في سلوك الحيوان ميريام ياردن تفسيراً لذلك حيث تقول:"أخبرتني سو بأنها قضت ما بين 10 إلى 12 ساعة في مكان عملها وربما أدى مواصلة التفكير في القطة و رؤية ما يحيط من حولها من قبل سو إلى إنطلاق رسائل بصرية وغير واعية من عقل سو إلى القطة تتضمن الفكرة:"تعالي إلى هذا المكان، تعالي إلى تلك المنطقة، هنا ستجديني". ولكن في نفس الوقت لا تملك ميريام البرهان على ذلك كما لا يملك أي أحد القدرة على دحضه أيضاً، تعتقد سو بأن الحب هو المفتاح لتفسير ما حدث. وتقول:"أعتقد أن قدراً كبيراً من الصلة بينك وبينك الآخرين ستخلق لديك حباً يتحول إلى نور ترشد به أحبائك فإن شاطروك نفس القدر من الحب سيعرفون مكانك وسيجدونك عندما ترغب بهم. وهذا نوع من الإتصال بهم"."
كما سبق القول شدة التعلق بين المربى والحيوان تدفع الحيوان إلى تجريب كل الطرق أمامه ليصل إلى من يحبه ومن ثم عودة القطة لصاحبتها بعد مرور سنة ولكنها لم تصل لوحدها وإنما وصت بعد أن عثر أحدهم عليها في منطقة قريبة وهو عارف للحكاية ومن ثم فلا وجه للغرابة من أن الحيوانات تتعلم بالتكرار أو بالتجريب