إضاءات حول كتاب التحفة البهيجة في مناقب أم المؤمنين خديجة
الكتاب يبدأ كالعادة في كتب الفضائل بكلمة معتادة وهى عجز الكاتب والكتاب عن توفية الشخصية حقها حيث يقول:
"أما بعد:
فإنه لما كان لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها- من المزايا ما تكل دونه الأقلام من تعداد فضائلها ونور فراستها، وحصافة عقلها وحزمها، وحسن صنيعها بالرسول الله والرسالة وسبقها بالإيمان
أحببت إيراد طرف منها لإيقاظ من كان غافلا عنها، وأن كان ذلك من إيضاح الواضح
فهي أول من آمن بالرسول من النساء والرجال، وجدة الذرية المباركة، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة،وأم هند وفي الإسلام خديجة الكبرى، وأم البتول، ويلقبها أهل مكة بالجيدة، مما يدل على ما لها من حظوة في قلوبهم ولم يتزوج النبي من الجاهلية ولم يلد له من المهائر غيرها، ولم يتزوج عليها حتى ماتت، وقد حزن عليها بعد موتها، وكان يذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة – رضي الله عنها -، وقد توفيت بحياته (ص)، ولم يمت عنده من نسائه غيرها وغير زينب بنت خزيمة، وكان النبي يكثر الثناء عليها بعد وفاتها، وولدت له القاسم ولد في الإسلام وبه كان يكنى وأولاده كلهم من خديجة – رضي الله عنها – إلا إبراهيم فإنه من مارية القطبية، وبقيت سيرتها نبراسا للزوجة الصالحة، وأسوة في الأمانة والوفاء"
في الفقرة السابقة أغاليط :
أولها كونها أم البتول فمن ضمن الاستهبال سواء عند الشيعة أو السنة تسمية فاطمة البتول فالكلمة تطلق على المرأة التى لم تتزوج بينما فاطمة تزوجت وأنجبت فكيف تكون بتولا؟
ثانيها كون بنات وأولاد النبى(ص) كانوا من خديجة ومارية فقط وهو كلام يتعارض مع كون زوجاته بنت خاله وبنت عمه وبنات عماته وبنات خالاته والمرأة الواهبة نفسها غير السابقات لهن
حسب التاريخ من تزوجهن لم يكن عجائز سوى زمعة والباقيات كن شابات بعضهن كن مطلقات أو أرامل لهن أولاد كحفصة وأم سليم ومن ثم يكون من العجائب أن تنحصر الخلفة في أولهن وأخرهن بينما الباقيات لو اعتبر اثنين أو ثلاث منهن عقيمات فلابد أن تكون الباقيات قد أنجبن
وبدا الكتاب بعنوان مخالف للإسلام وهو شرف قبيلة خديجة حيث قال :
"شرف قبيلة خديجة:
لقصي وأولاده شرف على سائر القبائل القرشية، فكان بيد قصي جميع مناصب الشرف في مكةوأولاده هم عبدالعزى «جد خديجة»، وعبدالدار الذين منهم بنو شيبة حجبة الكعبة، والمطلب، وعبد مناب الذي ولد هاشما والمطلب وعبد شمس ونوفلا وقد شرف عبد مناف وأخوه المطلب في حياة أبيهما قصي وقد ورث قصي جميع المناسب لابنه عبد الدار وأكبر أولاده ليلحقه بأخويه في الشرف وبعد وفاة عبد الدار وأخيه عبد مناف تنازل أولادهما فتوزعت المناصب بين عشرة بيوت من قريش فلبني أسد بن عبد العزى – رهط خديجة وورقة بن نوفل والزبير بن العوام وحكيم بن حزام – المشورة ولبني هاشم بن عبد مناف السقاية والعمارة وهي منع السفه في بيت الله ولبني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القيادة ولبني نوفل بن عبد مناف الرفادة وهي إطعام المنقطعين من الحجاج ولبني عبد الدار: السدانة واللواء والندوة، وهي دار المشورة، لا يعقد لواء حرب إلا فيها ولا يتزوج رجل امرأة من قريش إلا فيها
ولبني مخزوم بن مرة رهط أبي جهل وخالد بن الوليد: الأعنة والقبة، وهي الخيمة التي تضرب ليجمع فيها ما يجهز به الجيش ولبني تميم بن مرة رهط أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله: الإشناق وهي الديات والمغارم ولبني عدي بن كعب رهط عمربن الخطاب: السفارة ولبني سهم بن كعب رهط عمرو بن العاص: الأموال المحجرة وهي المسماة لآلهتهم ولبني جمح رهط أمية بن خلف: الأيسار وهي الأزلام والأقداح
واعلم أنه ليس في أزواجه من أولاد قصي إلا خديجة وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية"
وفى الإسلام لا يوجد شرف أى عظمة لكافر حتى وإن كان أبو مسلم أو أمه أو قريب أخر وأى عظمة في أناس بعضهم استأثروا بالمناصب ثم جاء بعدهم من استأثر بها وتركوا بقية الناس بلا حقوق ؟
وتناول الكاتب من تزوجت خديجة قبل الرسول(ص) حيث قال :
"أزواج خديجة قبل رسول الله(ص):
تزوجت خديجة رضي الله عنها قبل رسول الله مرتين
فكانت زوجا لعتيق بن عايد، وقيل: عائذ المخزومي وكان أخوه عمرو بن عائذ هو والد فاطمة أم عبد الله والد النبي (ص)
ولدت خديجة لعتيق جارية اسمها هند وغلاما اسمه عبد مناف ولما مات عتيق تزوج خديجة رضي الله عنها أبو هالة «هند بن زرارة بن النباش التميمي» وكان يلقب النباش كما ذكره السهيلي، وقد مات عنها ورجح ابن عبدالبر أن خديجة قد تزوجت أبا هالة قبل عتيق ونسبه إلى الأكثرين وولدت لأبي هالة ابنين ذكرين، وهما: هند والحارث أبو الطاهر، وبنتا اسمها زينب، وقيل هند فأما الحارث فقد قلته أحد المشركين عند الركن اليماني وأما هند فقد أدرك الإسلام وأسلم وشهد أحدا، وسكن البصرة، وقتل مع علي يوم الجمل، وقيل: مات في طاعون البصرة وقد مات في ذلك اليوم سبعون ألفا فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها فقالت نادبته: «واهنداه بن هنداه!! اربيب رسول الله (ص)» فلم تبق جنازة إلا تركت وحملت جنازته على أطراف الأصابع وكان هند يقول: «أنا أكرم الناس أما وأبا وأخا وأختا: أبي رسول الله (ص)، وأمي خديجة، وأخي القاسم، وأختي فاطمة»وكان بارعا في الوصف، روى عنه ابن أخته الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وصفه لرسول الله الذي لم يأت أحد بمثله في الوصف والحديث مذكور في «شمائل الترمذي»"
وفيما سبق مصيبة كبرى لم يلتفت لها أحد فيما أعلم وهى
أن النبى (ص)تزوج امرأة كانت زوجة لأخو جده لأمه وهو ما يعنى أنه تزوج أم من أمهاته أى جدة من جداته التى لا يجوز زواجه بها لأنها من المحرمات لكونها زوجة أحد جدوده وقد سمى الأسباط أخ جدهم إسحق(ص) إسماعيل(ص) أبا (ص) فقال " نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق "ولا يجوز زواج زوجات الآباء كما قال سبحانه :
"ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم"
وهذا ما يتعارض مع الحديث عن كونه هو واباؤه تزوجوا حسب الإسلام ومن ثم لم يتزوج منهم واحد امرأة محرمة كما يتعارض مع رواية أخرى تصفه فيها بابن العم وهى :
«يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك"
وتناول الكاتب رغبة خديجة في الزواج بالنبى(ص)حيث قال:
"رغبة خديجة رضي الله عنها في الزواج منه (ص)
لاحت لوائح النبوة قبل ميلاده (ص)، واتسعت آياتها، وانتشرت الأخبار بظهور نبي من العرب حل ميقاته، فكان بذلك أمر النبوة معروفا لدى قريش
قال ابن إسحاق: «كانت الأحبار من يهود، والرهبان من النصارى، والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله قبل مبعثه لما تقارب زمانه فأما الأحبار فلما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وأما الكهان فلما جاءتهم به الشياطين فيما يسترقون من السمع مما كانت تتذاكره الملائكة في السماء قبل وجوده إذ كانت الشياطين لا تحجب من ذلك كما حجبت عند ولادته (ص)
ومبعثه وورد أن راهبا يدعى «عيص» كان يسكن بمر الظهران فإذا دخل مكة قال: «يوشك أن يولد فيكم مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه» وكان بمكة يهودي اسمه «يوسف» على ما ذكره الواقدي قالت عائشة«فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله قال ذلك اليهودي في مجلس من مجالس قريش: «ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة وهو منكم معاشر قريش» وبالجملة كثر تحدث الأحبار والرهبان والكهان في اليمن والشام والمدينة ومكة عن قرب مولده ومبعثه (ص)ولابد أن تكون قد انتشرت بين قريش أحاديث أمه فيما شاهدت وسمعت حين الحمل وحين الولادة وكذلك انتشرت بينهم الآيات التي ظهرت لمولده (ص)، وأحاديث حليمة، وحديث الراهب بحيرا لعمه أبي طالب حين تفرس بالنبي وقال: «سيكون لابن أخيك هذا شأن» وغير ذلك مما هو في السير مذكور ومعروف
وكان لخديجة حظ من الثراء ولها ما لنساء قومها من الاستقلال في أموالهن، فكانت تتاجر في مالها وتكاد أن تكون قريش كلها تجارا ومن لا يستطيع السفر من أجلها أقرض ماله بالربا أو أعطى ماله إلى آخر ليتجر فيه مضاربا أو أجيرا فكانت خديجة تستأجر الرجال في مالها بشيء تجعله لهم فلما حان موعد خروج القافلة إلى الشام في وقت أصاب قريشا أزمة شديدة قال أبو طالب للنبي (ص): «يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان وألحت علينا سنون منكرة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيرها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع، فلو جئتها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من طهارتك، وإن كنت لأكره أن تأتي الشام وأخاف عليك يهود ولكن لا تجد من ذلك بدا» وكان عمره إذ ذاك خمسا وعشرين سنة فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له فقال: ما علمت أنه يريد هذا ثم أرسلت إليه تقول: «إني قد دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف أو قالت: أفضل ما أعطي رجلا من قومك» فقبل رسول الله عرضها، وخرج بتجارتها ومعه غلامها ميسرة وقد قالت لغلامها: «لا تعص له أمرا» وسار مع الركب حتى قدم سوق بصرى من الشام، فنزل في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب اسمه نسطورا، فقال الراهب لميسرة: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي وانحدر من صومعته وتفرس في رسول الله ما يعرفه من العلامات ثم باع رسول الله البضاعة في سوق بصرى وربحوا ربحا ما ربحوا مثله، ثم اشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة و كان ميسرة يرى في الذهاب والإياب ملكين يظلانه من الشمس إذا اشتدت الهاجرة وفي رواية: أن سحابة كانت تظلله فلما قدم رسول الله على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا فأعطت له ضعف ما سمت له، وكانت قد سمت له بكرتين فأعطته أربعا وحدثها ميسرة بما رآه من أحوال غريبة وبقول الراهب نسطورا، وعما كان يرى من إظلال الملكين أو السحابة وكان ورقة بن نوفل «ابن عم خديجة» ممن علم العبرانية وقرأ بها الأسفار وعرف بها الأديان، واعتنق النصرانية، وعلم منها مبعث نبي من العرب فحدثته خديجة بما ذكره ميسرة فقال: «لئن كان هذا حقا يا خديجة فإن محمدا لنبي هذه الأمة، وقد عرفت أن كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه» وقد ذكرها قول ورقة بحادث لها قديم: «كانت في نسوة من قريش مجتمعات في عيد لهن في الجاهلية إذ تمثل لهن رجل، فلما قرب نادى بأعلى صوته: «يا نساء مكة سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد، فمن استطاع منكن أن تكون زوجة له فلتفعل»فكذبنه ورمينه بالحصى إلا خديجة لم ترمه ووقع في نفسها صدقه فلما قال لها ورقة ما قال رن في قلبها صدق ذلك الصوت الذي سمعته حتى قالت: «إن كان ما قاله اليهودي حقا ما ذالك إلا هذا»وكانت لخديجة وفرة من المزايا نالت بها مقاما في قريش:كانت من أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وأحسنهم جمالا وفضائل نفس وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، أو سيدة قريش، وكل شريف من قومها كان يتمنى أن يتزوجها لو قدر على ذلك، فقد طلبوها وذكروا لها الأموال فلم تقبل ما عرض عليها، ورغبت في زواجه إذ كانت ذات قلب تواق إلى معالي الأمور، عظيمة الشغف بمحاسن الأخلاق، ذات نظرة سليمة ذكية حازمة هيأها الله للسعادة والشرف الدائم فوجدت فيه ما تعشق من المزايا بعد أن علمت ما انتشرت من الإشارات إلى نبوته، وما شاع من كريم أخلاقه، ومن سيرته في متجرها فلا جرم أن وقع في محل من قلبها حيث وجدت فيه ضالتها: محاسن خلق وكمال خلق وجمال نفس ولا غرابة وهي اللبيبة الحازمة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير أن تصدق فراستها وتسبق إلى تزوج الذي جمع إلى شرف النسب شرف الخلال (ص)
إذا اصطفاك لأمر هيأتك له
يد العناية حتى تبلغ الأربا"
الروايات السابقة تخالف القرآن حيث معجزة إظلال الملكين أو السحابة لأن الله منع الآيات المعجزات في عهد محمد (ص) فقال :
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون "
كما بين أن الملائكة لا تنزل الأرض لعدم اطمئنانها فيها حيث قال :
" قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وتناول الكاتب الزواج حيث قال:
"الزواج السعيد به صلى الله عليه وسلم
فبعثت إلى رسول الله عقب رجوعه من عيرها «نفيسة أخت بن منية» خفية، فقالت لرسول الله (ص): ما يمنعك أن تتزوج، فاعتذر بقلة المال قالت له: فإن كفيت ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة قال لها: ومن؟ قالت: خديجة قال: كيف لي بذلك؟ قالت: علي؟ قال: فأنا أفعل فذهبت نفيسة إلى خديجة وأخبرتها، فأرسلت إليه خديجة قائلة: «يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسماحتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك» فذكر ذلك لأعمامه فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزى، وخطب فقال عمها: «هو الفحل لا يجدع أنفه» أي كفء لا يرد إن خطب وزوجها عليه
وقيل: إن رسول الله دخل في عمومته، وإن أبا طالب هو الذي خطبها فقال: إن لابن أخي في خديجة رغبة ولها فيه مثل ذلك وقد حضر عقد قرانه أبو طالب ورؤساء مضر، فخطب أبو طالب وقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعله لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، إن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة، وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله «اثنتي عشر أوقية ونشا» أي من ذهب والأوقية أربعون درهما وقيل أصدقها عشرين بكره وخطب ورقة بن نوفل فقال: «الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت، فنحن سادة العرب وقادتها،وأنتم أهل لذلك كله، لا ينكر العرب فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم، فاشهدوا علي معاشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبدالله خديجة بنت خويلد»وأردف عمها بقوله: «اشهدوا علي معاشر قريش أني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبدالله»وأولم عليها رسول الله فنحر جزورا، وقيل: جزورين، وأمرت خديجة جواريها أن يرقصن ويضربن الدفوف، وفرح أبو طالب فرحا شديدا وقال: الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب ودفع عنا الغموم
وروى الفاكهي عن أنس رضي الله عنه، أن خديجة لما طلبت من النبي الحضور إليها استأذن عمه أبا طالب، فإذن له وبعث خلفه جارية يقال لها: تبعة، وقال لها: انظري ماذا تقول له خديجة فخرجت خلفه، فقالت خديجة للنبي (ص): «إني لأرجو أن تكون النبي المنتظر الذي سيبعثه الله، فإن كنت أنت فأعرف لي حقي ومنزلتي، وادع الإله الذي سيبعثك لي» فقال لها: «والله لأن كنت أنا هو فقد اصطنعت عندي ما لا أضيعه، وإن يكن غيري فإن الله الذي تصنعين هذا من أجله لا يضيعك أبدا»وكان تزوجه بخديجة بعد مجيئه من الشام بشهرين أو خمسة عشر يوما، وكان عمره إذا ذاك خمسا وعشرين سنة أما هي فكانت في الأربعين من عمرها وقيل في عمرها أقل وأكثر من ذلك كما في «السيرة الحلبية»"
والملاحظ في الروايات السابقة التناقض فمرة من خطبها لمحمد(ص) عمه حمزة ومرة أبو طالب ومرة خديجة هى من طلبت منه أن يتزوجها مباشرة بلا وسيط ومرة كان الوسيط هو نفيسة ومن ثم قد لا يكون الذى حدث في الحقيقة غير ما يقال في الروايات
وتناول الكاتب مناصرة خديجة للنبى(ص) حيث قال :
"حسن عشرتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤازرتها للإسلام
ولما تزوجته أحسنت عشرته، فكانت لا ترى منه ميلا إلى شيء إلا وبادرت إليه وقد رأت قبل البعثة ميله إلى زيد بن حارثة مولاها فوهبته له، بل وألقت إلى يده التصرف فيما تملك، فأصبح البيت مثابة لقضاء حوائج المحتاجين وكانت تحدب عليه فإذا رأته قد تأخر عن الغداء التمسته بأعلى مكة ومعها غداؤه وحين شارف على الأربعين من عمره وحببت إليه الخلوة والانفراد في غار حراء يتعبد فيه بالذكر والتفكير ومناجاة ربه كانت خديجة رضي الله عنها تزوده بالطعام وربما أوصلته إليه بنفسها وفي حراء نزل عليه الوحي (ص)، فرجع إلى خديجة منتقع اللون مرتجف الصدر، وقال: «دثروني دثروني» فدثرته فلما سألته قص عليها ما حدث وقال: خشيت على نفسي قالت: كلا والله، ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة
ثم قالت: أبشر يا ابن عم، واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة وفي رواية أنها قالت: إذا جاء صاحبك بالوحي فأخبرني بخبره، فلما جاءه أخبرها فقالت: اجلس على شقي الأيمن، فلجس فقالت: أتراه الآن؟ قال: نعم قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول فقالت: هل تراه الآن؟ قال: نعم، فرفعت خمارها عن رأسها، وقالت: هل تراه الآن؟ قالت: لا فقالت: ما هذا شيطان هذا ملك من ملائكة الرحمن
ولتتأكد سارعت إلى ابن عمها ورقة فأخبرته بما أخبرها به الرسول (ص)، فقال روقة قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة فليثبت فأخبرت رسول الله يقول بقول ورقة ثم لقي ورقة رسول الله (ص)، فقال له: أخبراني بما رأيت وسمعت، فأخبره فقال ورقة: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، لقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبن ولتؤذين ولتخرجن ولتقاتلن، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه» ثم قبل يافوخه، وانصرف رسول الله إلى منزله"
والرواية السابقة تتعارض مع القرآن في أن النبى(ص) رأى جبريل مرتين فقط كما قال سبحانه في سورة النجم"ولقد رآه نزلة أخرى "
وكون خديجة تعرف أكثر من النبى(ص) عن الملائكة من خلال خلع الخمار الذى لم يكن قد نزل بعد أمر مستبعد فالنساء مهما كان أمرهن لا يمكن أن يصلن لهذا العلم كما أن هناك رواية تبين نزول الوحى عليه وهو في اللحاف مع زوجته
وأكمل الكاتب كلامه حيث قال :
"وهكذا كان قلب خديجة رضي الله عنها خليقا أن لا يفزع أمام هذه الحادثة الغريبة في ظاهرها، وأوحت إليه فطنتها أنه الأمين الصادق، وأدركت بعقلها وبعد تفكيرها بأن ما يتحلى به الأمين من الصفات والأخلاق وقاية له أن يناله شر أو خزي، وأن ما حدث له كان تأهيلا له للأمر العظيم الذي كان قد انتشر من الإشارات إلى نبوته (ص) وزادها قول ورقة يقينا فأصبح إيمانها بنبوته ورسالته إلى الناس أثبت من الرواسي، فكانت أول من آمن به (ص)، وأول من صلى بصلاته (ص)وقد روي أن جبريل ننزل عليه بـ (اقرأ) في سحر ليلة الاثنين، ثم جاء وعلمه الوضوء والصلاة في صباح الاثنين، وصلت خديجة معه في مساء الاثنين ولما علمه جبريل الوضوء والصلاة، جاء إلى خديجة وأخبرها وتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت مثل وضوئه، ثم صلى بها رسول الله كما صلى به جبريل وكانت الصلاة قبل الإسراء وفرض الصلوات الخمس، صلاة ركعتين بالغداة قبل طلوع الشمس، وركعتين بالعشي قبل غروب الشمس وكان الرسول يستقبل فيها الحجر الأسود، فلما فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء كان يصلي بين الركن اليماني والحجر الأسود، فيجعل الكعبة بينه وبين الشام
وقد ثبتت خديجة مع رسول الله في سبيل الحق مع شدة المعارضة، ولما اشتد به أذى المشركين لما أسمعهم الدعوة وتكاثر عليه المفترون، حتى أقرب أقربائه كان منهم الهازؤون به والساخرون، آزرته خديجة رضي الله عنها فخفف الله بها عنه لا يسمع شيئا يكرهه ويحزنه إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها فتثبته وتصدقه وتخفف عنه وتهون عليه أمر المشركين ولما جعل الإسلام يزيد ويغشو وذعرت قريش وتعاقدوا على بني هاشم والمطلب، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم أو يسلموا إليهم رسول الله (ص)، وكتبوا في ذلك صحيفة علقوها بالكعبة، فدخل بنو هاشم وبنو المطلب الشعب، ودخلت معه خديجة رضي الله عنها، وكان ذلك في المحرم سنة سبع من البعثة، وبقوا كذلك ثلاث سنين إلى أن نقض الصحيفة قوم في قريش، وتحملت خديجة الجهد الذي أصاب بني هاشم وبني المطلب في الشعب لا يباعون لا يبتاع منهم، ويمنع وصول الأرزاق إليهم حتى أكلوا الخبط وورق الشجر ولم تلبث بعد خروجهم من الشعب أن مرضت المرض الذي توفيت فيه"
وحكاية تعليق صحيفة المقاطعة في الكعبة حكاية مغلوطة لأن صحيفة ظلم ولا يمكن لله ان يبقى على ظلم في بيته لأنه سينزل على الظالمين عقابا فوريا كما قال سبحانه :
" ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم "
وتناول الكاتب وقلتها حيث قال :
"وقد توفيت رضي الله عنها في يوم السبت العاشر من رمضان بعد مضي عشر سنين من بعثته (ص)، أي قبل هجرته بثلاث سنين على الصحيح، وكان عمرها إذ ذاك 65 سنة وكانت وفاتها بعد الخروج من الشعب بثمانية وعشرين يوما، ولم تكن إذ ذاك قد شرعت الصلاة على الجنائز، ولم تفرض الصلوات الخمس إذ كان ذلك قبل الإسراء ودفنت بالحجون ونزل النبي في حفرتها، وقبلها بثلاثة أيام من نفس العام مات أبو طالب عم الني (ص)وقد كانت للنبي عضدا وحرزا ومنعة وناصرا له على قومه، كما كانت خديجة رضي الله عنها وزير صدق على الإسلام يشكو إليها ما يصيبه، ويسكن إليها، ويجد عندها الراحة والسكينة والاطمئنان""
وتناول الكاتب الذرية الصالحة المباركة حيث قال:
"الذرية الصالحة المباركة
كل أولاده من ذكر وأنثى فإنه من خديجة رضي الله عنها ما عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية
وكانت قابلة خديجة هي سلمى مولاة صفية بنت عبدالمطلب وكانت خديجة تسترضع لأولادها أما أولاده منها فهم:
1 – القاسم: وبه كان يكنى (ص) ولد قبل البعثة ومات قبلها أو بعدها على الخلاف في ذلك وتوفي صغيرا
2 – عبدالله: وهو الملقب بالطاهر والطيب، لأنه ولد في الإسلام، وتوفي كذلك صغيرا
وقبل الطاهر والطيب ولد ثالث من خديجة
وأما ولده إبراهيم من مارية القبطية، فقد ولد بالمدينة وعاش عامين إلا شهرين، ومات قبل وفاته بثلاث أشهر يوم كسوف الشمس وأما بناته من خديجة رضي الله عنها فهن: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن، وكلهن توفين في حياته إلا فاطمة فإنها توفيت بعده بستة أشهر
1 – فأما زينب: فهي أكبرهن، ولدت قبل البعثة بعشر سنين، تزوجها ابن خالتها هالة بنت خويلد، وهو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزي بن عبد شمس، وقد توفيت بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ومات أبو العاص في خلافة عمر وقد ولدت له عليا ومات مراهقا، وأمامة وتزوجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة، فلم تلد له، ثم مات، ثم تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب فماتت أمامة عنده ولم تلد له
2 – وأما رقية: فتزوجها عثمان بن عفان، فولدن له عبدالله الذي مات وله أربع سنين، وقيل: ست، وماتت عنده بعد يوم بدر بثلاثة أيام
3 – وأما أم كلثوم: فقد تزوجها عثمان أيضا بعد رقية، فماتت عنده سنة تسع من الهجرة ولم تلد له ولتزوج عثمان رضي الله عنه ببنتي الرسول «رقية وأم كلثوم» سمي (ذا النورين)
4 – وأما فاطمة: فقد تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وابنا مات صغيرا اسمه المحسن وقد تزوجت زينب بنت علي، على عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له علي بن عبدالله، وله عقب وأما أم كلثوم بنت علي فتزوجت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فولدت له زيدا ولا عقب له وتوفيت فاطمة بنت رسول الله في ليلة الثلاثاء لثلاث من رمضان سنة 11هـ وذلك بعد وفاة أبيها بستة أشهر
وقد أخرج ابن عبد البر في «الاستيعاب» عن عمران بن حصين أن النبي عاد فاطمة وهي وجعة فقال: كيف تجدينك؟ قالت: إني وجعة وإنه ليزيد ما بي ما لي طعام آكله فقال: يا بنية ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين قالت: يا أبت فأين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها ولما كان في سابق علمه تعالى أن عليا وفاطمة هما واسطة حفظ نسل البيت النبوي دبر لعلي رضي الله عنه أن ينشأ في بيت النبي وبيت خديجة رضي الله عنها فإن اشتداد الأزمة في إحدى السنين اضطرت أبا طالب أن يقبل رجاء أخيه العباس وابن أخيه محمد بأن يأخذ كل واحد منهما ولدا من أولاده تخفيفا عنه، فأخذ العباس جعفرا، وأخذ النبي عليا فتلقى في هذا البيت تربيته وآدابه كأن الله يهيئه بذلك ليكون ختنا كريما وبعلا صالحا لبنتهما الصغيرة فاطمة ليخرج من ابنيهما «الحسن والحسين» الذرية النبوية المباركة التي انتشرت في أكثر أقاليم الأرض، وكانت وما تزال سماء السيادة في الأمة على مر الدهور والأعصار"
كما سبق القول هذه الروايات عن الذرية وعن كونه (ص)لم ينجب سوى منها ومن مارية روايات لا تتفق مع العقل وهى ليست من الوحى فليس من المعقول أن تكون هناك خمس أو ست زوجات صالحات للانجاب ولا ينجب منهن شىء
كما أن بعض الروايات لا تتفق مع القرآن ولا مع العقل فزواج على من غمامة بنت أخت زوجته لا يجوز لأنها محرمة عليه لكونه من آباؤها ومن المعلوم حرمة الجمع بين العمة وابنة أخيها أو اختها أو بين الخالة وابنة أخيها أو أختها
وتناول مكانة خديجة عند النبى(ص) حيث قال :
"مكانة خديجة رضي الله عنها عند الله ورسوله
أ – لقد دخلته خلة لفقدها، لأنها: كانت أم العيال وربة البيت، وكان يثني عليها ما لم يثن على غيرها، ويقول: إني لأحب حبيبها، وكان إذا ذبح الشاة يقول: «أرسلوا إلى أصدقاء خديجة»
واتفق له أنه أرسل لحما لامرأة قال: أوصتني خديجة بها قالت عائشة: لكأنما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة فقام رسول الله مغضبا
ب – وقالت عائشة رضي الله عنها: «ما غرت على أحد ما غرت على خديجة» قلت له يوما وقد مدح خديجة: ما تذكر في عجوز حمراء الشدقين، قد بدلك الله خيرا منها، فغضب رسول الله (ص)، وقال: «والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقت منها الولد وحرمته من غيرها» قالت عائشة- رضي الله عنها-: فقلت في نفسي لا أذكرها بعد بشيء أبدا
ج – ولقد كافأها الله بفضله على ما صنعت برسول الله (ص)، وعلى ما آزرت به دعوته، وما وجد عندها من الراحة والطمأنينة:
1 – ففي الصحيحين أن رسول الله (بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) والقصب: إنما يعني قصب اللؤلؤ
2 – وروى النسائي والحاكم عن أنس رضي الله عنه أن جبريل قال: إن الله يقرئ خديجة السلام فلما أخبرها قالت: إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك السلام ورحمة الله
3 – وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «قال لي جبريل: اقرأ على خديجة من ربها السلام»
4 – وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله يقول: «خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران»
5 – وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أفضل نساء أهل الجنة: خديجة، وفاطمة، ومريم، وآسية»
6 – ومثله عن أبي هريرة رضي الله عنه، إلا أنه قال: «خير نساء العالمين أربع» وذكرهن
7 – وأخرج الطبراني في «الكبير» والبزار من حديث عمار بن ياسر قال: قال رسول الله (ص): «لقد فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين»
فسلام الله عليك يا أم المؤمنين، وسلام الله ورحمته وتحياته على روحك الطاهرة يا أماه"
وحكاية تفضيل أربع نسوة أو اقل على النساء هو خبر كاذب كما أن الروايات متعارضة فمرة تفضل خديجة ومرة تفضل فاطمة